عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-10-2007, 01:50 AM   #8
صتيمه
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
المشاركات: 561
إفتراضي

حرر بالفعل عدة تقارير الى المقيم البريطاني في الخليج يصف له فيه استياء الناس المتزايد وغير ذلك من الامور ضد الحاكم، كما انه بدأ يستدرج بعضا من أفراد العائلة الحاكمة ويمنيهم بتوسط الحكومة الانكليزية لزيادة رواتبهم وانصافهم كما يقول من أميرهم (اذا استثنينا سعادة الشيخ عبدالله الجابر الصباح الذي كان يرأس كل من (المحكمة) والمجلس البلدي ومجلس المعارف وبيده باسم الأمير كافة السلطات التنفيذية في الكويت فان بقية أفراد العائلة الحاكمة كانوا اذ ذاك فقراء او شبه فقراء لنقص مواردهم وتواضع رواتبهم ماعدا سمو ولي العهد الشيخ عبدالله السالم الصباح الذي ورث عن ابيه المرحوم الشيخ مبارك الصباح بعض الاملاك العقارية التي تدر عليه ما يسد الحاجة). وهكذا عمد الكابتن ديكوري الى إثارة كل من يمكن اثارته ضد الأمير الذي كان حتى ذلك الحين شبه مغلوب على أمره بسبب استسلامه للملا صالح واعوانه . وقد التقى ذات يوم القنصل ديكوري بالملا صالح وقال له: "ان عملكم في الشاب محمد البراك جد شنيع ووحشية كاملة"، فرد عليه الملا قائلا: "البراك يا سعادة القنصل كان دائما ضد الانكليز وسبهم من اجل فلسطين ونحن ادبناه من اجل ذلك"، ولكن القنصل رد ساخرا على الملا صالح: "كلا ليس من اجل ذلك ضربتموه، اني لأعرف لماذا ضربتموه".

عملت هذه العوامل والاحكام الكيفية التعسفية على توحيد صفوف الناقمين مع اختلاف اغراضهم وتباين افكارهم ومبادئهم. وكانت السلطة تنقم اكثر ما تنقم من رجال البلد الاحرار وهم: مشعان الخضير وسليمان العدساني والسيد علي السيد سليمان ثم عبدالله الحمد الصقر وكاتب هذه السطور. ثم دخل في النقمة بعد ذلك المرحومان سلطان ابراهيم الكليب ويوسف مرزوق المرزوق لاسباب شخصية محضة خاصة بهما. فابتدأت المشاورات والمساررات تتصل بين الجماعة المغضوب عليهم في خيام آل الصقر التي كانوا ينصبونها كل ربيع خارج سور الكويت في (الراس) قرب المنطقة المسماة رأس الارض. وذات يوم حاولني سلطان الكليب بحضور صديقيي الحميمين عبدالله الصقر وعبداللطيف الثنيان على تأليف جمعية سرية للعمل من اجل الاصلاح (كان المرحوم سلطان ابراهيم الكليب ناقما على الملا صالح بسبب تحريض الملا أعضاء مجلس ادارة شركة الكهرباء ضد مدير ادارتها سلطان الكليب مما ادى الى اقالتهم له، بينما المرحوم يوسف المرزوق ناقما على السلطة ايضا لاسباب شخصية اخرى). فأفهمته بحضور ذينك الصديقين صراحة اني لا اثق به نظرا لمواقفه السابقة واقربها الى الذهن موقفه ضد الاحرار في مجلس المعارف المنحل، إذ كان رحمه الله له الباع الطولى في التهييج ضدهم بحجة الدفاع عن المعلمين الكويتيين في مسألة الرواتب لاكتساب عطف الجمهور واثارتهم وكان بارعا جدا في هذا المجال. ولما كرر الحاحه علي رفضت العمل معه وقلت: "ان هذين الصديقين كفيلان باني لن ابيح سرا يشتركان فيه فلك ان تقنعهما وتعمل معهما وانت مطمئن، اما انا فاني لن اعمل الا مع الفريق الذي يكون فيه (مشعان الخضير والسيد علي السيد سليمان ورفاقهما المعهودين)"، فقال: "ان هذين لن يوافقا على العمل معي بدونك". ولم يستطع اقناعي رغم حرارة كلامه وايمانه المغلظة باني ساكون مرتاحا من نواياه للمستقبل ولكن طمنته بقولي: "انه لا حاجة لنا منذ الآن بالأَيمان والمواثيق مادمنا متفقين على وجوب العمل والايام القادمة كفيلة بتوحيد المسعى".

وقد تعددت بعد ذلك بيننا الاجتماعات في خيمة الصقر وفي دارهم بالكويت نتبادل فيها وجوه النظر ونقلب الرأي على كافة الوجوه لاختيار اجدى الطرق وانفع الوسائل للعمل في سبيل الصالح العام. وكنا ما عدا عبدالله وعبداللطيف نتحفظ من سلطان الكليب في بعض اسرارنا المهمة، بينما كان هذان الصديقان يعملان من جانبهما على ايجاد الثقة وتعزيزها بين جميع الاطراف، خاصة وانهما كانا جديدين لم تعلق نفساهما بشوائب الماضي واحداثه الموجعة.

ولقد كان القنصل الكابتن ديكوري ناشطا بالاتصال بيوسف المرزوق واخيه من امه المرحوم حمد الصالح الحميضي، وكان سكرتيره الشرقي (عبدالله جاسم البودي) وهو من الكويتيين المعروفين يتردد بإيعاز من ديكوري ينقل اليه ما يشجعهما ويوعز لهما بتكثير الانصار للعمل على تقديم العريضة الحكومة البريطانية كما سلف ذكره. كما ان السكرتير كان يتصل من جهة ثانية بسلطان الكليب لانه ادرك انه اصبح من الناقمين بعد عزله من ادارة شركة الكهرباء ينقل اليه ويأخذ منه الاخبار. وقد مكن سلطان صداقته من عبدالله بودي توقعا للحوادث المقبلة.

وكانت ايعازات القنصل ليوسف المرزوق تقتصر على اعداد عريضة موقعة من جماعة بارزة من الكويتيين لا تقل عن الخمسين شخصا، يطلبون فيها من الحكومة البريطانية تغيير نظام الحكم بالكويت اما بجلب مستشار انكليزي يدير كافة شئون الامارة على منوال ما هو حاصل في البحرين أو الحاق الكويت مباشرة بالتاج البريطاني شبيها بنظام الحكم القائم حيئذ بعدن، اما نحن فقد رأينا وجوب العمل لتدارك كيان البلاد لما فيه صالح الشعب الكويتي ولا بأس لدينا من استغلال هذا التوتر القائم بين السلطة والقنصلية البريطانية لمصلحة الشعب الكويتي. على ان لا يؤدي ذلك الي تغيير جوهري في نظام الحكم المتعارف عليه. وبدأت حملاتنا في الصحف العراقية الوطنية كالسجل البصرية والاستقلال البغدادية وكانتا مشهورتين حينذاك بمواقفهما في نصرة القضايا العربية والوطنية تتركز ضد فوضى الاحكام والتصرفات الكيفية، وطالبنا فيها بإجراء الاصلاحات الضرورية لا سيما اشراك الشعب في ادارة شئون البلاد.

غير ان السلطة شددت الرقابة على المسافرين القادمين من العراق وتفتيش امتعتهم لمنع الصحف المحرضة من دخول الكويت، فحفزنا ذلك على المزيد من الشجاعة والاقدام، فجعلنا نجلب هذه الصحف ونوزعها في الاسواق ونودعها في المكتبات بطرق حيرت السلطة واجزعتها. ثم عقب ذلك طبعنا بعض المناشير الاصلاحية وتوزيعها ونشرها في كافة شوارع الكويت واسواقها مما احدث لغطا كثيرا وشدد من عزائم الناقمين.

بيد ان السفير البريطاني في بغداد وكان له نفوذه البارز في منطقة الخليج لما رأى من تواصل حملات الصحف العراقية واشتدادها خشى العواقب واشتبه في كون بعض رجالات الحكومة في العراق أو متصرف البصرة لهم ضلع فيها، فبعث سكرتيره الى الكويت مرتين للتثبت من هذا الأمر، ولكن القنصل ديكوري طمأنه في ذلك وابلغه ان الحركة ما هي الا حركة كويتية داخلية من اجل الاصلاح والقضاء على الفساد القائم، غير انه مع ذلك تسربت اليهم انباء عن تفكير بعض الكويتيين او كثير منهم بالتجنس بالجنسية العراقية للاطمئنان بعض الشئ على نفوسهم ومصالحهم من بطش السلطة ولو ان شيئا من ذلك لم يحدث الا انها اشاعات تعمد البعض ترويجها لتحذير السلطة وتنبيه الانكليز وتخويفهم من العراق والعراقيين وهو السلاح الوحيد الذي كانوا يملكونه حينذاك. وصادفني ذات يوم لاول مرة في السوق الداخلية عبدالله جاسم البودي سكرتير القنصل ديكوري فحدثني في وجوب العمل للتخلص من نظام الحكم القائم فأفهمته صراحة ان الجماعة المعروفين الذين انتمي اليهم لا يمكنهم التورط بطلب جلب مستشار انكليزي لحاكم الكويت وهم يذكرون جيدا اساليب المستشار الانكليزي الكيفية في البحرين. قال: "اذا طالبوا بحكم انكليزي مباشر تطمئنون فيه من توفر روح القانون والنظام"، قلت: "حتى ولا هذا، ان اغلبية الكويتيين تنفر من قيام حكم انكليزي كائنا ما كان، ولكن جماعتنا يكونون ممتنين جدا لو ان القنصل ساعدهم على تهيئة نوع من انواع الحكم الديمقراطي الذي تتمثل فيه ارادة الشعب على ان تبقى العائلة الحاكمة هي الرمز الاعلى للحكم كما هو الحال في انكلترا"، اما غير ذلك من المحاولات فقد حرصت على اقناعه ان جماعتنا وهم الغالبية الفعالة في الكويت كما يعلم لا يمكن لهم الاشتراك فيها. ولما اجتمعت بعد ذلك بجماعتنا وجدتهم كلهم على الرأي الذي فصلته. وقد عملنا بعد ذلك على اقناع المرحومين يوسف المرزوق واخيه حمد الحميضي وكانت لهما اتصالات بالقنصل بوجهة نظرنا هذه فاقتنعوا بها. وقد رأينا خلال هذه الظروف الدقيقية وجوب تأليف كتلة متضامنة من المهتمين بهذه القضايا تتعامل للعمل على ما فيه صالح الكويت، ورأينا ان يقتصر عددها على اثني عشر عضوا من السادة: مشعان الخضير، السيد علي سليمان، سليمان العدساني، عبدالله الصقر، عبداللطيف محمد الثنيان، يوسف الصالح الحميضي، سلطان الكليب، يوسف المرزوق، عبدالعزيز حمد الصقر، حمد الصالح الحميضي وكاتب هذه السطور، على ان تناط رئاستها الى الحاج للوجيه محمد ثنيان الغانم الذي كان الوطنيون يعقدون عليه آمالا طيبة، نظرا لمكانته الاجتماعية الكبيرة وحماسه للقضايا الوطنية. والطريف في الذكر ان المذكور كان لا يعلم شيئا عن الجمعية ولا من هم أعضاءها بالضبط، ولو انه كان يتخرص تخرصا لان يدرك ان الجماعة جماعته على كل حال. وقد تعمدنا عدم الافشاء اليه بالاسماء لانه رحمه الله لم يكن يستطيع كتمان اي سر عن عائلته..

فاجتمعنا اول ما اجتمعنا في منزل عبداللطيف الثنيان وهناك اقسمنا اليمين على الاخلاص لمبادئ الجمعية التي سميناها (الكتلة الوطنية) وصيانة اسرارها، واقتصرت مبادئ الكتلة على نقطتين هامتين فقط:

اولا - المطالبة بقيام مجلس تشريعي على اساس انتخابات حرة شريفة.

ثانيا - يناط بهذا المجلس كافة الصلاحيات للاشراق على تنظيم شئون الامارة.

ثم تتابعت اجتماعتنا السرية ليلا تارة في منزل العضو عبداللطيف الثنيان واخرى في منزل والدي سليمان العدساني. وكنا خلالها نتداول في احسن وجوه العمل للدعاية الوطنية على ضوء الانباء والاخبار التي تردنا ثم نعمل كل ما نستطيع عمله لتوجيه الرأي العام وتهيئته للعمل معنا، مما ترك الناس يتحسسون بوجود جمعية سرية نشيطة ويتخرصون في اسماء اعضائها وعددهم، غير انهم عجزوا عن معرفة مقر واوقات اجتماعاتنا ومقرراتنا. وبعد مدة طويلة التقيت بعبدالله بودي فذكر لي انه جاء الى السوق الآن ليتحدث الى محمد الثنيان أو عبدالله الصقر غير انه لم يجد احدا منهما، ثم اطلعني على كتاب رسمي وارد من المقيم البريطاني في الخليج الى القنصل في الكويت يطلب منه فيه تبليغ سمو حاكم الكويت باسم حكومة الجلالة البريطانية (مذكرة شفهية) بما معناه (اولا : لقد بلغ الحكومة البريطانية أمر التعزير الوحشي الذي عزر به محمد البراك من قبل السلطات، ولذلك فهي ترجو من سمو الشيخ عدم تكرار مثل هذا العمل . ثانيا : ان الحكومة الانكليزية مقتنعة من استياء الاهالي من فوضى الاحكام في الكويت قبل وبعد حادثة البراك، كما انها من جهة اخرى لا تستبعد ان تتسرب موجات الديمقراطية الى اذهان الكويتيين، لذلك فانها تشير على سموه ان يعمل لاشراك رعاياه ومشاورتهم في إدارة حكم البلاد).

يتبع
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
صتيمه غير متصل   الرد مع إقتباس