مجلس المعارف الأول
تسربت الحركات الفكرية والثقافية الى الكويتيين بفضل توسع اتصالهم المستمر في البلاد العربية الناهضة وبدأ سوادهم يتذمر لعدم مسايرة الكويت للنهضات العربية في البلاد التي بدأت تسير في طريق الصحة والحياة وادركوا ان سبب هذا التخلف انما يعود لحرمان الكويت من وجود مؤسسة معارف قوية تشرف على التعليم والمدارس وتنفق وتوجه عن سعة. لهذا بدأ قادة الرأي فيهم يدعون الى وجوب قيام مؤسسة معارف مستقلة ذات ميزانية ثابتة، ولما كانت خزينة الدولة ضعيفة أو كانت وقتها لم تألف القيام بالانفاق على أي خدمات أصلية عامة شأن كل الامارات البدائية ادركوا ان سعيهم في الحصول على موافقة الحاكم لتخصيص ميزانية خاصة بالمعارف سيذهب سدى ما لم يخصصوا هم من اموالهم ما يقوم بسداد النفقات فتوافقوا مع الحاكم على فرض ضريبة خاصة تجبى على البضائع الواردة بحرا قدرها نصفا بالمائة كما صنعوا عندما اقنعوا السلطة لدى تأسيس ادارة البلدية، وكان من اكبر الدعين والمتحمسين لهذا الغرض الشاب الناشئ عبدالله نجل المرحوم حمد الصقر مثري الكويت الكبير وكذلك السيد محمد أحمد الغانم، وذلك بسبب كثرة اتصال هذين الشابين بالعراق الذي كان حينذاك يلتمع بحركات النهضة الثقافية والقومية العربية تلفه من كل جانب.
ولكن السلطة تلكأت حتى في تلبية هذا الطلب حيث كان المرحوم ملا صالح واعوانه يوحشون الأمير من قيام مجلس معارف. ولكن بعد عامين من شيوع هذه الفكرة والترويج لها تقدم السيد محمد أحمد الغانم للكلام باسم احرار الكويت فتحدث الى صديقه إذ ذاك الشيخ عبدالله الجابر الصباح المتصرف باسم أمير الكويت وبعد معالجات وتوسلات اقتنع سمو الأمير وأمر بانتخاب أعضاء لمجلس يشرف على تأسيس المدارس والانفاق عليها وتوجيهها. فتم ذلك وفاز كل من الآتية اسمائهم بعضوية (مجلس المعارف الأول) وهم:
(عبدالله حمد الصقر، يوسف بن عيسى، خليفة بن شاهين الغانم، سليمان العدساني، مشعان الخضير، السيد علي السيد سليمـان الرفاعي، مشاري حسن البدر، محمد أحمد الغانم، نصف يوسف النصف، أحمد خالد المشاري، سلطان ابراهيم الكليب، يوسف عبدالوهاب العدساني).
وقد حاول الملا صالح الملا التدخل هذه المرة ايضا بإرجاء موعد اجراء الانتخابات التي بوشر فيها فعلا ليتسنى له التأثير على نتائجها بوسائله المعروفة ايضا غير ان جميع محاولاته باءت بالفشل بسبب حماس اعيان الكويت واحرارها الذين رأوا تلافيا لحدوث ما قد يحدث في الانتخابات لمجالس البلدية الاخيرة ان تقتصر الدعوة على خمسين ناخبا من كبار وجوه الكويت المعروفين يحضرون جميعا ساحة المدرسة المباركية في ميعاد محدد فيدون كل منهم في بطاقة الانتخاب المهيئة لهذه الغاية اسماء اثني عشر شخصا يختارهم لعضوية مجلس المعارف ثم يصار الى فرز الاصوات مباشرة من قبل لجنة مختارة.
وقد التئم مجلس المعارف الأول لاول مرة في المدرسة المباركية عام (..) وانتخب الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس شرف ايضا. وفي جلسة ثانية اتخذوا قرارهم بجلب مدرسين لائقين من احدى البلدان المجاورة، واقرت الاكثرية جلبهم من العراق حيث رأوا من الافضل تطبيق المنهاج التدريسي العراقي في المدارس الكويتية كيما يتسنى لخريجي المدارس الابتدائية في الكويت القبول في المدارس الثانوية العراقية في بلد شقيق مجاور لا يكلف الطالب الكويتي نفقة باهظة او سفرا بعيدا.
فلما رفع الأمر الى المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح أمير الكويت ابى الموافقة وأشار بجلب المدرسين من الديار المصرية سيراجع سموه عنهم في ذلك محمد رفعت سكرتير المحفل الماسوني في مصر (ادخل على ما نرى لسموه هذه الفكرة مرافقهُ السيد عزة جعفر الذي قدم معه من مصر هناك بتوجيه من محمد رفعت).
ولكن غالبية أعضاء مجلس المعارف عارضوا في ذلك معارضة قوية، لان جمهور الكويتيين ينفرون من الماسونية فضلا عن احتجاجهم بفداهة الماهيات التي يتطلبها المدرسون القادمون من مصر في بلد ناء كالكويت، وعرضوا على سموه ان يختار بين جلب مدرسين من العراق أو من فلسطين على ان يوصي عليهم مجلس المعارف نفسه وإلا فأنهم جميعا سيستقيلون. غير ان الشيخ يوسف وحده كان يقول لا بأس من الاكتفاء بمدرسين كويتيين للتدريس في مدارس الكويت، رغم ان الجميع يعلم ان المدرسين الكويتيين الموجودين حينذاك غالبيتهم لا تحسن سوى تدريس القراءة والكتابة وبعض مبادئ علم الحساب.
وقد جاهد رئيس المجلس الشيخ عبدالله الجابر في اقناع سموه بوجهة نظر المجلسيين فنال موافقته اخيرا وهو يقول: "لا بأس من جلب مدرسين من فلسطين ولكن قُل لرفاقك انه متى حدث أي أمر فان المسئولية ستلقى عندئذ على عواتقهم".
واهتبل أعضاء المجلس هذه الموافقة الغاضبة، وبعثوا فوراً رسالة مسجلة الى الزعيم الحاج أمين الحسيني الذي كان اذ ذاك رئيسا للمجلس الاسلامي الاعلى في القدس يرجون منه ان ان يختار لهم اربعة مدرسين ومديرا لتنظيم المدارس الابتدائية في الكويت والتدريس فيها، وقد وصل هؤلاء ما عدا المدير الذي عرقلت السلطات الانجليزية جواز سفره لاسباب سياسية واستبدل بالسيد (أحمد شهاب الدين) الذي سمي (بمدير المعلمين) والبقية السيد خميس (..) مدرس التاريخ (..) وجابر (..) مدرس الرياضيات (..) ومحمد المغربي مدرس اللغة الانكليزية والرياضة، ثم في السنة الثانية جُلب المدرسان عبداللطيف الصالح محمود نجم وهما من فلسطين ايضا.
وقد أوكل مجلس المعارف للشيخ يوسف بن عيسى النظارة على المعارف وسمي ناظرا لمعارف الكويت.
يتبع
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
|