ولقد كان المجلس البلدي محكا صحيحا لاختبار رجالات الكويت من اعضائه ومدى نزاهة أو شجاعة كل منهم تجاه الخدمة العامة وتجردهم من الاغراض والاهواء الذاتية، كما تم بهذا المجلس ايضا خلق النواة الأولى للحركات الوطنية من التالية من بين من ائتلفت نفوسهم وتوحدت اهدافهم حيث تعارفوا بعد طول تجربة وكثرة اختبار، إذ كان المجلس البلدي لكثرة الشئون المناطة به بمثابة برلمان صغير يتجلى فيه العمل المثمر، كما استبان للناس من خلال المواقف المتعددة نفسية كل عضو منهم ومدى حرصه على المصلحة العامة المجردة.
وقد انتهت الدورة الأولى للمجلس البلدي ومدتها سنتان وحان موعد الانتخابات للدورة الثانية، فدُعي مائتا ناخب كويتي من المعروفين لانتخاب أعضاء المجلس البلدي الثاني حيث فاز كل من: السيد علي السيد سليمان، مشاري الروضان، مشعان الخضير، خليفة الشاهين الغانم، يوسف الصالح الحميضي، السيد زيد سيد محمد، يوسف بن عيسى القناعي، مشاري حسن البدر، حمد الداود المرزوق. وفاز بكرسي ادارة البلدية بالانتخابات للمرة الثانية المدير الأول سليمان العدساني بكافة الاصوات باستثناء صوت العضو نصف اليوسف النصف الذي كان يهيئ نفسه لمديرية البلدية.
وقد تميز هذا المجلس عن المجلس الأول بظواهر كثيرة اولها ان التفاهم كان تاما هذه المرة بين من يعنون بالخدمة العامة بدون ان يتأثروا بضغوط رجال القصر من الحاشية والمتنفذين وهؤلاء هم الاغلبية الساحقة في المجلس، كما ان الاحتكاك الخفيف الأول بين السلطة والمجلس البلدي بدأ بفضل دسائس المتنفذين من رجالات القصر يتحول الى توتر مستمر تغذيه دسائس المرتزقة والافتراءات والوقيعة يقابله من الجانب الآخر الشجاعة والايمان والمثابرة. وقد كُتب للجانب الوطني ان يفوز مرارا عديدة وان يتخطى دسائس الدساسين ومكر العابثين.
وقد كان هذا الصراع يجري في داخل المجلس في صورة مجادلات عادية واختلاف في وجهات النظر، الا انه في حقيقة الأمر صراع حول المبادئ والوسائل الشريفة، اذ كان في المجلس من يتزلف الى الحاشية ان لم نقل ويتآمر معها لعرقلة سير الاصلاح وسد الطريق على العاملين المخلصين. وقد ترك هذا النزاع المستمر اثرا محسوسا في نفس الأمير الذي كان رغم سريرته الطيبة وحبه للخير مستسلما ومصغيا لاقاويل المتنفذين من رجال قصره وأنفذهم المرحوم ملا صالح الملا رئيس كتابه الأول والمهيمن الوحيد على كافة شئون الكويت ودوائرها رغم ما عرف عنه (..) واقتسامه الواردات الحكومية مع بعض موظفي الجمارك وغيرهم ممن كانوا يخشون مكانته النافذة وكلمته المسموعة لدى الحكام.
لقد كان اساليب المرحوم ملا صالح الملا انه كان يلفق بعض الكتابات ضد بعض الموظفين بتوقيعات مختلفة تستدعي النصح للأمير ويضمنها آخر هفوات أو سقطات أو تلاعبات ذلك ثم يستدعى ذلك الموظف ويعرض عليه ذلك الكتاب مدعيا انه ورد اليه ببريد الأمير فحجزه لديه كيلا يطلع الأمير على ما فيه وبهذه الكيفية يستدر من الموظف الخائف ما يشاء ويتحصل منه على شكره في نفس الوقت.
وشيئا فشيئا تولد في نفس الأمير الحذر فالنفور فالكراهية من رجالات البلد والعاملين المخلصين من اجلها، وذلك كله بسبب ما كان يولده المنتفعون الذين يريدون لقافلة الاصلاح وركبه ان يتعثر. وقد عرف الكويتيون كل ذلك بالتدريج وميزوا بين مواقف الرجال من أعضاء الجلس البلدي واعمالهم، فمنهم وهم الاكثرية التي كانت متفاهمة تماما في وجوب التقدم بالاصلاح والمطالبة به على الوجه الصحيح السليم دون مبالاة ولا مسايرة للملا صالح ورغباته ومنهم من كان يتزلف اليه أو حتى يبيت معه بعض المناورات لافساد الجو وتعكيره على العاملين المخلصين.
واليك صـــورة سريعــة مقتضبة عن هوية كل من أعضاء المجلس البلدي كما رأيتـها ولمستها، ولست ازعم لنفسي فيما ارى العصمة من الخطأ.
الشيخ يوسف بن عيسى رجل دين وخير يشايع الاصلاح بصورة عامة ولكنه مضطرب المواقف في مواجهة السلطة وحاشيتها على الدوام.
مشعان الخضير، سليمان العدساني، السيد علي السيد سليمان الرفاعي، السيد زيد السيد محمد الرفاعي هؤلاء تجمعهم وحدة الفكرة والمبدأ يتصفون بالجرأة ونكران الذات، ويؤيدهم بصورة عامة كل من خليفة بن شاهين الغانم، مشاري الحسن البدر، حمد الداود المرزوق، يوسف الصالح الحميضي.
محمد الأحمد الغانم من الشباب الوطني النابه يشايع الاصلاح دائما الا انه واخوته كانت لهم مصالح تجارية كبيرة مرتبطة مع شركة النفط B.p. تضطرهم احيانا الى مداراة الملا صالح الملا، فضلا عن ارتباط محمد بصداقة قوية مع العضو نصف اليوسف النصف الذي كان يتعاون مع الملا صالح على طول الخط.
نصف اليوسف النصف من عائلة كبيرة بارع الرأي والدهاء كان يرشح نفسه لكرسي مديرية البلدية في الدورة الثانية لمجلس البلدية، فلما خسر الكرسي عمد الى مسايرة الملا صالح الملا ضد مدير البلدية القائم وعضو المجلس البلدي سليمان العدساني والوقوف ضد بعض مشاريع الاصلاحية ومحاولة اكتساب ود السلطة (ليعذرني الصديق الكريم السيد نصف فقد آثرت أن أترك كل كتابة قديمة لي في هذه الصفحات كما سطرت في حينها -مع بعض التشطيب- غير ناس اطلاقا لهذا الرجل الكفء مكانته البارزة في المجتمع الكويتي، بل اكثر من ذلك فلقد تطورت مع الزمن -بعد تطورات الاحداث- آراء الرجل وتبلورت افكاره الوطنية حتى اصبح من الدعامات القوية التي لا يستغنى عنها في حركات الاصلاح والتنظيم في الكويت كما اتضح ذلك في عهود التنظيم والمجلس المشترك)، كل ذلك من أجل تأييدهم لكرسي البلدية في المستقبل كما وضح ذلك في دورة المجلس البلدي القادمة.
مشاري الروضان شيخ طيب مُسن غير انه من العقلية القديمة التي ليس لديها المام في معالجة الشئون العامة، ينقاد دائما الى آراء وتعليمات الملا صالح الملا وابن اخته السيد نصف اليوسف النصف.
الشيخ عبدالله الجابرالصباح الرئيس الفخري الدائم المختار من قبل الحاكم فقد كان بطبيعة الحال يمثل الجانب الحكومي في المجلس لا سيما وانه ايضا المعين من قبل أمير الكويت لرئاسة المحكمة ومباشرة تنفيذ جميع الاحكام في الكويت. ولهذه الاسباب ولكونه العضو البارز من أفراد العائلة فلقد كان تأثيره واضحا في تنفيذ مقررات المجلس البلدي والتأثير المحسوس على بعض مقرراته.
تلك هي حقيقة الحال في المجلس البلدي الثاني آثرت الاشارة اليها مفصلا لكي يتضح لقارئ هذه الصفحات الوجيزة كيف تدرجت المحركات الاصلاحية والوطنية الهامة في الكويت وما كان لعلاقة هذه الشخصيات ومواقف كل منها من الآخر فيتكون لديه صورة مقتضبة أو كاملة عن بعض الوجوه والاحوال .
المجلس البلدي الثالث
وتصرمت دورة المجلس الثانية، وابتدأ الاستعداد لاجراء انتخابات البلدية للدورة الثالثة وظهر واضحا في طلائع انتخابات هذه الدورة عن استعدادات كبيرة تتهيأ لها السلطة وينشط بها الملا صالح الملا لمصلحة نصف يوسف النصف وانصاره واخواله فكان يرسل على بعض الناخبين الذين يظن بهم الطاعة له والخوف منه فيستكتبهم ورقة الانتخابات الخاصة بهم كناخبين في محل ادارته الرسمية ثم يرسلها مع خادمه على المكشوف ليضعها في صندوق الانتخابات الموضوع خارج مقر المجلس البلدي (كانت انتخابات مجلس البلدية وكل مجلس آخر مثله كمجلس المعارف وقتها تجري ببساطة ويسر، اذ توزع ما يتراوح عددهم بين المائتين أو الثلاثمائة ناخب من وجوه الكويت المعروفين من مختلف الاجناس والعائلات اوراق الانتخابات يكتب بها الناخب اسماء اثني عشر ممن يختارهم لعضوية المجلس البلدي ثم يرسل أو يضع هذه البطاقة في صندوق الانتخابات وبعد فترة سبعة ايام تفرز هذه الاسماء باشراف هيئة مختلفة مؤلفة غالبا من (الشيخ يوسف بن عيسى، أحمد الحميضي، أحمد بن خميس، عبدالله الساير، موسى المزيدي وبرئاسة رئيس مجلس البلدية الدائم) . اما من يلي هؤلاء من الفائزين بأكثرية الاصوات فيستبقون احتياطا لاي شاغر يطرأ في عضوية المجلس البلدي . ويجري بعد هذا انتخاب مدير البلدية شريطة ان يكون من أعضاء المجلس الفائزين . ولقد كانت هذه الطريقة البدائية صالحة قبل ان تؤثر بها الاغراض والتدخلات العابثة، فلما تميزت الاهواء وتشعبت المقاصد صار من الممكن التأثير على الناخبين الذين يتأثرون بالاغراء أو الضغط لكتابة بطاقة انتخابهم كما صنع الملا صالح مع كثير منهم) وقد اثارت هذه الصورة شبه الجبرية من الملا صالح الملا التي كان يزعم انها برضاء سمو الأمير وموافقته على بعض الناخبين ضجة محسوسة بين جمهرة الكويتيين فتواصلوا على احباطها ومقاومتها وتبرع بعضهم للطواف على الناخبين والدعاية لمناصري مدير البلدية سليمان العدساني من رفقه الأولين فكتب لهؤلاء جميعا النجاح والفوز التام بصورة لم يعهد لها مثيل. وهذه اسماء الفائزين حسب ترتيب الاصوات: سليمان العدساني، مشعان الخضير، يوسف بن عيسى، السيد علي السيد سليمان، سيد زيد السيد محمد، خليفة بن شاهين الغانم، مشاري الحسن البــدر، يوسف الصالــح الحميضي، مشــاري الروضان، نصف اليوســف النصف، محمد أحمد الغانم، ويليهم الاحتياط الحاج محمد الشايع خال السيد نصف ايضا والسيد محمد العسعوسي من اصدقاء السيد يوسف.
يتبع
__________________
ان لم تكن معي والزمان شرم برم...لاخير فيك والزمان ترللي
|