الموضوع: قبل إعدامه !!!
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-10-2007, 07:43 PM   #4
أبو إيهاب
غيبك الموت عنا يا أبا إيهاب فلاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، نسأل الله أن يرحمك وأن يغفر لك وأن يسكنك فسيح جناته
 
الصورة الرمزية لـ أبو إيهاب
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,326
إفتراضي

15


من الصعب عليَّ أن أتصوَّرَ كيف يمكن أن نصل إلى غاية نبيلة باستخدام وسيلة خسيسة!! إن الغاية النبيلة لا تحيا إلا في قلب نبيل، فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام وسيلة خسيسة؛ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة؟! حين نخوض إلى الشطِّ الممرَّغ ببركة من الوحل، لا بد أن نصل إلى الشطِّ ملوثين.. إن أوحال الطريق ستترك آثارها على أقدامنا، وعلى مواضع هذه الأقدام، كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة.

إن الدنس سيعلَق بأرواحنا، وسيترك آثاره في هذه الأرواح، وفي الغاية التي وصلنا إليها! إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية؛ ففي عالم الروح لا توجد هذه الفوارق والتقسيمات! الشعور الإنساني وحده إذا أحسَّ غايةً نبيلةً فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة..
بل لن يهتدي إلى استخدامها بطبيعته! "الغاية تبرر الوسيلة!؟": تلك هي حكمة الغرب الكبرى!! لأن الغرب يحيا بذهنه، وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات!!

16
بالتجربة عرفت أنه لا شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف، الذي نجده عندما نستطيع أن ندخل العزاء أو الرضى، الثقة أو الأمل أو الفرح إلى نفوس الآخرين!.
إنها لذةٌ سماويةٌ عجيبةٌ ليست في شيء من هذه الأرض، إنها تجاوب العنصر السماوي الخالص في طبيعتنا، إنها لا تطلب لها جزاءً خارجيًّا، لأن جزاءها كامن فيها!.
هنالك مسألة أخرى يُقحمها بعض الناس في هذه المجال، وليست منه في شيء؛ مسألة اعتراف الآخرين بالجميل!.

لن أحاول إنكار ما في هذا الاعتراف من جمال ذاتي، ولا ما فيه من مسرة عظيمة للواهبين، ولكن هذا كله شيء آخر.

إن المسألة هنا مسألة الفرح بأن الخير يجد له صدًى ظاهريًّا قريبًا في نفوس الآخرين، وهذا الفرح قيمته من غير تلك؛ لأنه ليس من طبيعة ذلك الفرح الآخر الذي نحسه مجردًا في ذات اللحظة التي نستطيع أن ندخل فيها العزاء أو الرضى، الثقة أو الأمل أو الفرح في نفوس الآخرين!

إن هذا هو الفرح النقي الخالص الذي ينبع من نفوسنا ويرتد إليها بدون حاجة إلى أي عناصر خارجية عن ذواتنا، إنه يحمل جزاءه كاملاً، لأن جزاءه كامن فيه!.

17
لم أعُد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة! لقد أخذت في هذه الحياة كثيرًا، أعني.. لقد أعطيت!!.

أحيانًا تصعب التفرقة بين الأخذ والعطاء؛ لأنهما يعطيان مدلولاً واحدًا في عالم الروح! في كل مرة أعطيت لقد أخذت، لست أعني أن أحدًا قد أعطى لي شيئًا؛ إنما أعني أنني أخذت نفس الذي أعطيت؛ لأن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحة الذين أخذوا.

لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة؛ لقد عملت بقدر ما كنت مستطيعًا أن أعمل! هناك أشياء كثيرة أودُّ أن أعملها لو مُدَّ لي في الحياة، ولكن الحسرة لن تأكل قلبي إذا لم أستطع؛ إن آخرين سوف يقومون بها.. إنها لن تموت إذا كانت صالحةً للبقاء؛ فأنا مطمئن إلى أن العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرةً صالحةً تموت..

لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة! لقد حاولت أن أكون خيرًا بقدر ما أستطيع.. أما أخطائي وغلطاتي فأنا نادم عليها! إنني أكِلُ أمرها إلى الله، وأرجو رحمته وعفوه.

أما عقابه فلست قلقًا من أجله، فأنا مطمئنٌ إلى عقاب حق، وجزاء عدل، وقد تعوَّدت أن أحتمَّل تبعة أعمالي، خيرًا كانت أو شرًّا.. فليس يسوءُني أن ألقَى جزاءَ ما أخطأت حين يقوم الحساب!!

------------------
* أصل هذا الكتاب رسالة بعث بها سيد (رحمه الله إلى أخته أمينة قطب)، وكانت مجلة (الفكر) التونسية قد نشرته في عددها السادس من السنة الرابعة، مارس 1959م، بعنوان: (أضواء من بعيد).
أبو إيهاب غير متصل   الرد مع إقتباس