الموضوع: قبل إعدامه !!!
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-10-2007, 07:43 PM   #3
أبو إيهاب
غيبك الموت عنا يا أبا إيهاب فلاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، نسأل الله أن يرحمك وأن يغفر لك وأن يسكنك فسيح جناته
 
الصورة الرمزية لـ أبو إيهاب
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2004
المشاركات: 1,326
إفتراضي


11


الاستسلام المطلق للاعتقاد في الخوارق والقوى المجهولة خطر؛ لأنه يقود إلى الخرافة.. ويحوِّل الحياة إلى وهم كبير!.. ولكن التنكُّر المطلق لهذا الاعتقاد ليس أقلَّ خطرًا؛ لأنه يغلق منافذ المجهول كله، وينكر كل قوة غير منظورة، لا لشيء إلا لأنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري في فترة من فترات حياتنا!

وبذلك يصغر من هذا الوجود، مساحة وطاقة، وقيمة كذلك، ويحده بحدود "المعلوم"، وهو إلى هذه اللحظة حين يقاس إلى عظمة الكون ضئيل.. جدّ ضئيل!..
إن حياة الإنسان على هذه الأرض سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية، أو سلسلة من القدرة على إدراك هذه القوى، كلما شبَّ عن الطوق وخطا خطوةً إلى الأمام في طريقه الطويل!.

إن قدرة الإنسان في وقتٍ بعد وقتٍ على إدراك إحدى قوى الكون التي كانت مجهولةً له منذ لحظة، وكانت فوق إدراكه في وقت ما.. لكفيلةٌ بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى أخرى لم يدركْها بعد لأنه لا يزال في دور التجريب!

إن احترام العقل البشري ذاته لخليقٌ بأن نحسب للمجهول حسابَه في حياتنا، لا لنكل إليه أمورنا كما يصنع المتعلِّقون بالوهم والخرافة، ولكن لكي نحسَّ عظمة هذا الكون على حقيقتها، ولكي نعرف لأنفسنا قدرها في كيان هذا الكون العريض، وإن هذا لخليقٌ بأن يفتح للروح الإنسانية قوى كثيرة للمعرفة وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا، وهي بلا شك أكبر وأعمق من كل ما أدركناه بعقولنا حتى اليوم؛ بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن مجهول جديد؛ وأننا لا نزال بعد نعيش!!


12


من الناس في هذا الزمان من يرى في الاعتراف بعظمة الله المطلقة غضًّا من قيمة الإنسان وإصغارًا لشأنه في الوجود، كأنما الله والإنسان ندَّان يتنافسان على العظمة والقوة في هذا الوجود!.

أنا أحسُّ أنه كلما ازدَدْنا شعورًا بعظمة الله المطلقة زِدْنا نحن أنفسنا عظمةً؛ لأننا من صنع إله عظيم!.

إن هؤلاء الذين يحسبون أنهم يرفعون أنفسهم حين يخفضون في وهمهم إلهَهم أو ينكرونه، إنما هم المحدودون، الذين لا يستطيعون أن يروا إلا الأفق الواطئ القريب!.

إنهم يظنون أن الإنسان إنما لجأ إلى الله إبان ضعفه وعجزه، فأما الآن فهو من القوة بحيث لا يحتاج إلى إله! كأنما الضعف يفتح البصيرة والقدرة تطمسها!.

إن الإنسان لجديرٌ بأن يزيد إحساسًا بعظمة الله المطلقة كلما نمت قوته؛ لأنه جدير بأن يدرك مصدر هذه القوة كلما زادت طاقته على الإدراك..

إن المؤمنين بعظمة الله المطلقة لا يجدون في أنفسهم ضعةً ولا ضعفًا، بل على العكس يجدون في نفوسهم العزَّة والمنعة، باستنادهم إلى القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود.
إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الأرض، وبين هؤلاء الناس، فهي لا تصطدم بعظمة الله المطلقة في هذا الوجود.

إن لهم رصيدًا من العظمة والعزة في إيمانهم العميق لا يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم "كالبالون"، حتى ليغطي الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق الوجود!

13
أحيانًا تتخفَّى العبودية في ثياب الحرية، فتبدو انطلاقًا من جميع القيود.. انطلاقًا من العرف والتقاليد.. انطلاقًا من تكاليف الإنسانية في هذا الوجود!.

إن هنالك فارقًا أساسيًا بين الانطلاق من قيود الذل والضعط والضعف، والانطلاق من قيود الإنسانية وتبعاتها.. إن الأولى معناها التحرر الحقيقي.. أما الثانية فمعناها التخلي عن المقوِّمات التي جعلت من الإنسان إنسانًا، وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة!..


إنها حرية مقنعة؛ لأنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية، تلك الميول التي قضت البشرية عمرَها الطويل وهي تكافحها لتخلص من قيودها الخانقة إلى جوِّ الحرية الإنسانية الطليقة..

لماذا تخجل الإنسانية من إبداء ضروراتها؟! لأنها تحس بالفطرة أن السموَّ مع هذه الضروريات هو أول مقومات الإنسانية، وأن الانطلاق من قيودها هو الحرية، وأن التغلب على دوافع اللحم والدم وعلى مخاوف الضعف والذل كلاهما سواء في توكيد معنى الإنسانية!.

14
لست ممن يؤمنون بحكاية المبادئ المجرَّدة عن الأشخاص؛ لأنه ما المبدأ بغير عقيدة حارة دافعة؟! وكيف توجد العقيدة الحارَّة الدافعة في غير قلب إنسان؟!

إن المبادئ والأفكار في ذاتها- بلا عقيدة دافعة- مجرد كلمات خاوية، أو على الأكثر معان ميتة! والذي يمنحها الحياة هي حرارة الإيمان المشعَّة من قلب إنسان! لن يؤمن الآخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد لا في قلب مشعّ.

آمِن أنت أولاً بفكرتك.. آمن بها إلى حدِّ الاعتقاد الحارّ! عندئذٍ فقط يؤمن بها الآخرون!! وإلا فستبقَى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة!..

لا حياة لفكرة لم تتقمَّص روحَ إنسانٍ، ولم تصبح كائنًا حيًّا دبَّ على وجه الأرض في صورة بشر!.. كذلك لا وجود لشخص- في هذا المجال- لا تعمر قلبَه فكرةٌ يؤمن بها في حرارة وإخلاص..

إن التفريق بين الفكرة والشخص كالتفريق بين الروح والجسد، أو المعنى واللفظ، عملية في بعض الأحيان مستحيلة، وفي بعض الأحيان تحمل معنى التحلل والفناء!.
كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان! أما الأفكار التي لم تطعم هذا المقدس فقد وُلِدَت ميتةً ولم تدفع بالبشرية شبرًا واحدًا إلى الأمام!.
أبو إيهاب غير متصل   الرد مع إقتباس