عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-10-2007, 01:53 AM   #8
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

(4)

لم يتفق أن التزم الحاج فالح بالبدء بتناول إفطاره في رمضان، على صوت المؤذن سعد الملوح، فقد كان يبدأ بتناول إفطاره قبل رفع الأذان .. في حين يلتزم أبناؤه وزوجته بالأذان وهم يرقبونه بعد أن يستخرج ساعة نوع (لونجين) من جيب صدريته و يبدأ بشرب اللبن .. وعندما اعترضت زوجته بأدب، نهرها و قال لها لن أنتظر هذا الفاسق حتى يفطر ويقوم برفع الأذان ..

لم يخف الحاج فالح فرحته عندما ضربت الصاعقة مئذنة العتيقة، وامتد أثر تلك الصاعقة من خلال أسلاك الكهرباء التي كانت تربط بين السماعات على أعلى المئذنة و الحاكي (الميكرفون) الذي يرفع به (سعد الملوح) الأذان .. وقد ابتهج عندما علم أن وجه المؤذن قد أصابه بعض الحروق، كان يتمنى في قرارة نفسه أن تقضي الصاعقة عليه قضاء تاما ..

علم (جمال) الابن الأكبر للحاج فالح سر كراهية والده لذلك المؤذن، فقد كان يرافقه أحيانا لرفع الأذان قبل أن تصل الكهرباء لقريتهم، كان والده الشيخ فالح يرتقي يوميا الدرجات المائتين وإحدى عشر درجة، خمس مرات عندما كان مؤذنا للقرية .. وكان ينشغل في تحضير خلطات خاصة من ( السكر النباتي) و (الزنجبيل) التي يتناولها باستمرار ليبقى صوته قويا وواضحا، يسمعه من كان على بعد مسير ساعة على الأقدام .. وكان يتقاضى ما يعادل عشرة دولارات شهريا لقاء عمله، وما أن تم تمديد الكهرباء للمسجد، وانتفت الحاجة الى الصعود لأعلى المئذنة من خلال ممر ملتوي بشكل مروحة داخل المئذنة، قامت سلطات الأوقاف بالاستغناء عن خدماته وعينت (سعد الملوح) براتب قدره حوالي مائتان من الدولارات ..

مازحه ابنه ذات يوم، قائلا .. لقد ارتحت من تلك المهمة الصعبة، وها أنت قد عبرت سنون عمرك السبعين عاما، فستوفر ثمن الزنجبيل و السكر النباتي والحبة السوداء التي كنت تتناولها لتقوية رُكَبَك ..فأجابه بتهكم : هل أكافأ بعد أن قمت برفع الأذان خمسين عاما بعد وفاة جدك بهذه المكافأة؟ وبعد أن أصبح الأذان على (الكرسي)؟ وبهذا الراتب المغري؟ .. يا ولدي لن يكون هناك واسطة لعمل شاق، بل الواسطة لكل عمل ليس به جهد .. هل رأيت يوما فلاحا يبحث عن واسطة!

اكتفى الحاج فالح بما يزرع من أرضه، وما يقوم به من تدريس أبناء البلدة في مكان أسماه (المكتب) حيث كان يجتمع لديه ما يقرب من الستين ولد وبنت .. ثم أخذ هؤلاء يتناقصون بعد أن تم توسيع مدرسة البلدة الابتدائية ..

وذات يوم استدعاه مدير الناحية يطلب منه ترخيص للقيام بعملية التدريس، وفق الأسس الحديثة .. عاد الى بيته وطرد الأولاد والبنات .. وامتنع من يومها عن مواصلة ما بدأ به جده قبل مائة عام تقريبا وواصل والده تلك المهمة .. لتنتهي عند طلب الترخيص ..

بقي الحاج فالح يسخر من الطريقة التي يؤدي بها (سعد الملوح) الأذان، فقد كان صوت سعد رفيعا غير متزن، وما أن يقول الله .. يجيبه الحاج فالح (الله يأخذك) .. حتى توفاه الله .. وتبعه سعد الملوح بعد عدة سنوات ..
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس