اليوم التاسع والعشرون من رمضان
ـ مجالس ختم الحديث النبوي في رمضان:
من حوادث اليوم التاسع والعشرين من رمضان مجالس ختم الحديث النبوي الشريف.
وعادة تبدأ هذه المجالس في هذا الشهر الكريم مع أوله، موازيةً لمجالس القرآن الكريم، وفي اليوم التاسع والعشرين يكون المقروء من الحديث النبوي قد شارف على نهايته ، فيحتفل المسلمون – وتلك عادة دارجة – بذلك.
وعلى سبيل المثال فقد أورد أحمد بن خالد الناصري في كتابه (الاستقصا في أخبار دول المغرب الأقصى 3/133) أن السلطان المولى حسن دخل رباط الفتح صبيحة يوم الخميس التاسع والعشرين من رمضان من سنة (1290) وكان العيد يوم السبت ، فأقام السلطان سنة العيد برباط الفتح، وختم به صحيح البخاري على العادة.
وكان فقيه المجلس ومدرسه يومئذ الفقيه العلامة السيد المهدي بن الطالب بن السودة الفاسي.
وحضر ذلك المجلس وفود المغرب وقضاة العدوتين وعلماؤها ، ومدح السلطان بقصائد بليغة.
واحتفل لهذا الختم بأنواع الأطعمة والأشربة والطيب وفرق الأموال على من حضر.
وتتكرر هذه الصورة الجميلة لاهتمام المسلمين بالحديث النبوي ـ ممثلاً في اهتمامهم بأصح كتبه صحيح الإمام البخاري ـ في شرق بلاد المسلمين كما هي في غربها.
جاء في كتاب ( النور السافر ) للشيخ عبد القادر العيدورسي اليمني (1/273) في ترجمة الإمام العلم عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد الغيثي المقصري المعروف بان زياد وشيخ علماء الشافعية بالمين المتوفى 975هـ قال :
ـ وفي شهر رجب وشعبان ورمضان يقرأ عليه صحيح البخاري بالجامع المظفري بزبيد بحضرة الجمع الغفير من العلماء والطلبة وغيرهم بأيديهم النسخ العديدة نحو الأربعين نسخة، وبين يديه هو فتح الباري (أشهر شروح صحيح البخاري).
ويكون ختم هذا الدرس صبح اليوم التاسع والعشرين من رمضان، ويحضر الختم جمع عظيم من الخاص والعام وأمير البلد وقضاة الشرع وأجناس مختلفة من بوادي زبيد، ويكون جمعاً حفيلاً مشهود الخير والبركة، وينشد فيه القصائد المبتكرة، وتظهر بركة المجلس على من حضر.
وكان يبتدئ مجلس الدرس بالفاتحة وآية الكرسي ويس وتبارك والإخلاص والمعوذتين والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء.
ومثل ذلك الاهتمام بمجالس ختم الحديث في رمضان ما نقله البصروي في تاريخه (1/215) أنه في تاسع عشرين من رمضان سنة 902هـ عمل القاضي نجم الدين الخيضري ميعاداً بالجامع الأموي تحت قبة النسر بدمشق، سماه ختم البخاري والسيرة ، وأنشد الخير أبو الصغير وأجاد وكان مجلساً حافلاً.
ـ انتهاء تمرد عسكري في دمشق ضد السلطان ابن قلاوون:
ومن حوادث اليوم التاسع والعشرين من رمضان سنة 762هـ انتهاء تمرد عسكري في دمشق ضد السلطان ابن قلاوون من قبل نائبه في دمشق سيف الدين بيدمر
فقد أورد هذه الحادثة ابن كثير في البداية والنهاية مفصلة (14/281) وبين أن أمراء العساكر في دمشق نقموا على ابن قلاوون تسلط وزيره يلبغا الناصري، وأنهم لا يوافقون على تصرفه في المملكة ، وأرسلوا بذلك مكتوباً ثم إن سيف الدين بيدمر شرع في نصب مجانيق أعلى بروج القلعة حتى شاهد الناس ستة مجانيق على ظهور الأبرجة وأخرج منها القلعية ( سكانها الأصليين ) وأسكنها خلقاً من الأكراد والتركمان وغيرهم من الرجال الأنجاد، ونقل إليها من الغلات والأطعمة والأمتعة وآلات الحرب شيئاً كثيراً، واستعد للحصار إن حوصر فيها بما يحتاج اليه.
وبعد أيام من القلق والاضطراب وصل السلطان المنصور قادماً من مصر لقمع التمرد ـ إلى ضواحي دمشق عند المصطبة غربي عقبة سجورا في السادس والعشرين من رمضان في جحافل عظيمة كالجبال، فأيقن بيدمر ومن معه من أمراء الجيش بالحصار والملاقاة، فدخلوا القلعة وتحصنوا بها.
ولكن في اليوم الثامن والعشرين من رمضان أرسل القضاة، ومنهم الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي والشيخ سراج الدين الهندي الحنفي قاضي العسكر المصري إلى بيدمر ومن معه، ليتكلموا معهم في الصلح لينزلوا على ما يشترطون، قبل أن يشرعوا في الحصار والمجانيق، فلما اجتمع به القضاة طلب بيدمر أن يكون بأهله ببيت المقدس ، وطلب أن يعطى منجك – أحد أعوانه - كذا بناحية بلاد سيس من أراضي تركيا حالياً وغير ذلك، فرجع القضاة إلى السلطان ومعهم أحد الأمراء فأخبروا السلطان والأمراء بذلك فأجيبوا إليه، وخلع السلطان على الأمير ابن جبريل الذي نزل إليه مع القضاة.
فلما أصبح يوم الإثنين التاسع والعشرين من رمضان خرج الأمراء الثلاثة من القلعة، فدخل القضاة وسلموا القلعة بما فيها من الحواصل إلى مندوب السلطان، ودخل السلطان محمد بن قلاوون دمشق وانتهى التمرد سلماً.
ـ شهادة كاذبة في هلال شوال:
ومن حوادث اليوم التاسع والعشرين من رمضان سنة 1292هـ نادرة غريبة – وربما وقع مثلها في الأزمنة المتباعدة – وهي شهادة كاذبة لبعض المغرضين المستهترين. قال الناصري في ( الاستقصا 3/147 ) :
ـ إن جماعة من شهود اللفيف (اثني عشر) جاءوا إلى القاضي ابن عبد الله بن إبراهيم رحمه الله ليلة التاسع والعشرين من رمضان وشهدوا عنده أنهم رأوا هلال شوال بعد الغروب رؤية محققة: لم يلحقهم فيها شك ولا ريبة!..
فسمع القاضي شهادتهم وسجلها، وكتب للسلطان بذلك وهو بقرميم، فارتحل السلطان في جوف الليل، ودخل داره وأصبح من الغد معيداً، وعيد أهل العدوتين بفاس وأعمالها، والجم الغفير من أهل المغرب الذين حضروا مع السلطان.
ولما كان ظهر ذلك اليوم وهو التاسع والعشرون من رمضان حقق الفلكيون من أهل الدولة أن العيد لا يمكن أن يكون في ذلك اليوم، وتكلموا بذلك وفاهوا به، فكثر الكلام بذلك، وكان جل الناس على شك أيضاً.
ولما حان وقت الغروب ارتقب الناس الهلال، والسماء مصحية ليس فيها قزعة، فلم يروا للهلال أثرا ، فأمر السلطان بالنداء وأن الناس يصبحون صياماً لأن رمضان لا زال فصام الناس من الغد.
وبعد ذلك ظهر الهلال ظهرواً معتاداً، وتبين كذب الشهود، فسجنوا ثم سرحوا بعد حين.
ـ منع الإمام ابن تيمية من الفتيا بمسألة الطلاق الثلاث:
ومن حوادث اليوم التاسع والعشرين من رمضان سنة (719هـ) صدور قرار سلطان منع بموجبه أحد العلماء الأفاضل من الإفتاء بفتواه مخالفة للجمهور من علماء الفقه.
قال ابن كثير في البداية والنهاية (14/93) ولما كان يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من رمضان اجتمع القضاة وأعيان الفقهاء عند نائب السلطته بدار السعادة (بدمشق) وقرئ عليهم كتاب من السلطان يتضمن منع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الفتيا بمسألة الطلاق، وانفصل المجلس على تأكيد المنع من ذلك.
وهذه المسألة معروفة عند أهل العلم ، فالمذاهب الفقهية الأربعة كلها تقول بأن الطلاق الثلاث بلفظ واحد يقع ثلاثاً كما أنشأه صاحبه، ويقول ابن تيمية : إنه يقع طلاقاً واحداً.
وقد أدى الخلاف أول الأمر إلى تدخل السلطان بحسم الأمر والأخذ بقول الجمهور من العلماء!..
لكن ابن كثير ينقل بعد ذلك ما يلي (14/97) فيقول : ـ وفي يوم الخيمس ثاني عشرين رجب من عام 720هـ عقد مجلس بدار السعادة للشيخ تقي الدين بن تيمية بحضرة نائب السلطة وحضر فيه القضاة والمفتون من المذاهب
وحضر الشيخ وعاتبوه على العود إلى الإفتاء بمسألة الطلاق، ثم حبس في القلعة فبقي فيها خمسة أشهر وثمانية عشر يوماً.
ثم ورد مرسوم من السلطان بإخراجه يوم الإثنين يوم عاشوراء من سنة إحدى وعشرين وسبعمائة للهجرة.
ـ وفاة الإمان الهيثمي صاحب مجمع الزوائد:
ومن حوادث اليوم التاسع والعشرين من رمضان سنة 707هـ وفاة الإمام أبي الحسن الهيثمي
قال ابن حمزة الحسيني في ذيل تذكرة الحفاظ (1/242) هو علي بن أبي بكر بن سليمان بن صالح المصري الشافعي الإمام الأوحد الزاهد الحافظ صحب الحافظ العراقي وسمع معه غالب مسموعاته.
جمع زوائد المسند للإمام أحمد وزوائد البزار وزوائد أبي يعلى وزوائد المعجم الكبير في مؤلف واحد ، وله موارد الظمآن لزوائد ابن حيان وغير ذلك.
كان رحمه الله ورعاً زاهداً متواضياً خيراً سالكاً سليم الفطرة، شديد الإنكار للمنكر محباً للغرباء وأهل الدين والعلم.
وكان رحمه الله من محاسن القاهرة كثير التلاوة بالليل والتهجد سريع الاستحضار للمتون ارتحل إلى دمشق صحبة شيخه العراقي، وسمع ببيت المقدس والإسكندرية.
توفي الهيثمي رحمه الله ليلة الثلاثاء التاسع والعشرين من شهر رمضان.
ـ الإمام محمد البليدي المالكي فقية معروف:
ومن حوادث اليوم التاسع والعشرين سنة 1176هـ وفاة الإمام الفقيه المحدث الشريف السيد محمد بن محمد البليدي المالكي الأشعري الأندلسي.
قال الجبرتي في (عجائب الآثار 1/324) حضر البليدي دروس الشيخ شمس الدين محمد بن قاسم البقري المقري الشافعي ثم على أشياخ الوقت كالعزيزي والملوي والنفراوي، وتمهر ولازم الفقه والحديث بالمشهد الحسيني، فراج أمره واشتهر ذكره وعظمت حلقته، وحسن اعتقاد الناس فيه وانكبوا على تقبيل يده وزيارته، وخصوصاً تجار المغاربة لعلة الجنسية (أي بسبب اتحاد الجنسية بينه وبينهم) فهادوه وواسوه، واشتروا له بيتاً بالمحلة المعروفة بدرب الشيشيني، وقسطوا ثمنه على أنفسهم، ودفعوه من مالهم.
ولم يزل البليدي مقبلاً على شأنه ملازماً على طريقته مواظباً على إملاء الحديث كصحيح البخاري ومسلم والموطأ والشفاء والشمائل حتى توفي ليلة التاسع والعشرين من رمضان سنة ست وسبعين ومائة ألف.
ـ أبو زرعه بن الحافظ العراقي محدث بشوش:
ومن أعلام الإسلام الذين توفوا يوم التاسع والعشرين من رمضان سنة 826هـ الحافظ ولي الدين أبو زرعة ابن الحافظ الشهير عبد الرحيم العراقي.
قال ابن العماد الدمشقي (شذرات الذهب 4/173) طاف أبو زرعة على الشيوخ وكتب الطباق، واشتغل في الفقه والعربية والمعاني والحديث.
أقبل أبو زرعة على التصنيف فأبدع كتابه (النكت) على المختصرات الثلاثة، الذي تلقاه أهل العلم وطلبته بالقبول ونسخوه وقرأوه عليه.
ولما مات أبوه الحافظ العراقي ناب عنه وتقرر في وظائفه، فدرس بالجامع الطولوني وغيره ثم ولي القضاء الأكبر وصرف عنه.
وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم وقياماً في الحق، وطلاقة وجه وحسن خلق وطيب عشرة.
توفي أبو زرعة يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر رمضان عن ثلاث وستين سنة ودفن عند والده.
ـ كسوف للشمس شديد !
ويورد ابن الأثير في الكامل (1/78) أنه في رمضان عام 571هـ انكسفت الشمس جميعها، وأظلمت الأرض، حتى بقي الوقت كأنه ليل مظلم، وظهرت الكواكب، وكان ذلك ضحوة النهار يوم الجمعة التاسع والعشرين من رمضان.
ابن الأثير : وكنت حينئذ صبياً بظاهر جزيرة ابن عمر مع شيخ لنا من العلماء، أقرأ عليه الحساب، فلما رأيت ذلك خفت خوفاً شديداً، وتمسكت به فقوّى الشيخ قلبي وكان عالماً بالنجوم أيضاً وقال لي: ـ الآن ترى هذا جمعيه انصرف!
فانصرف سريعاً.
ـ القبض على راشٍ وتعزيره!!
ومن حوادث اليوم التاسع والعشرين من رمضان ما قاله علي بن يوسف البصروي في تاريخه (1/215) قال :
ـ وفي التاسع والعشرين من رمضان سنة (902) ذهب أحمد بن أخي القاضي شعيب إلى قاضي القضاة المالكي محمد بن يوسف وراوده على أن يفوض إليه الحكم، ويدفع له خمسين أشرفياً (ديناراً) وأكد له في ذلك. فقال له القاضي المالكي: ـ أحضر الخمسين أشرفياً
فذهب وأحضرها، ووضعها تحت مقعده ، فأحضر القاضي المالكي الشهود الذين ببابه والرسل. فلما وقفوا قال لهم : ـ إن هذا اجعل لي هذه الخمسين لأفوض إليه القضاء.فقال الراشي أحمد ببلاهة: نعم. فقال : اذهبوا به إلى الكافل لنستأذنه (والكافل يشبه نائب السلطة أو المتولي ، وكان في حينه يسمى جان بلاط) فتوقف أحمد عن الذهاب بعد أن أدرك مراد القاضي المالكي، فسحبه الرسل وذهبوا به إلى دار النيابة، وأوقفوه عند الدوادار دولات باي. وشاوروا عليه فخرج الأمر بضربه.
فلما هموا بضربه دفع خمسين أشرفياً لخزانة النائب.
ثم ردوه إلى القاضي المالكي ليفعل به ما يستحقه، فضربه وأمر بالمناداة عليه.
فأركبوه بغلاً مقلوباً مكشوف الرأس، وداروا به من عمارة الأخنائي ودخلوا به من باب الفرج إلى السجن.