اليوم الثامن والعشرون من رمضان
ـ معركة وادي برباط مفتاح الأندلس:
من حوادث اليوم الثامن والعشرين من رمضان سنة 92هـ المعركة الحاسمة التي دخل المسلمون على إثرها بلاد الأندلس وافتتحوها، وهي المسماة بمعركة(وادي برباط) وقد سبقتها مناوشات.
روى ابن خلدون في تاريخه ( العبر ) أن طارق بن زياد أجاز البحر سنة 92هـ بإذن أميره موسى بن نصير في نحو ثلاثمائة من العرب ، واحتشد معهم عشرة آلاف فصيرهم عسكرين:
أحدهما: عليه هو نفسه، ونزل به جبل الفتح فسمي جبل طارق به.
والآخر: عليه طريف بن مالك النخعي، ونزل بمكان مدينة طريف فسمي به.
ويذكر صاحب تحفة الأنفس علي بن عبد الرحمن الهذلي ( ) أن قتلاً جرى عند أو قرب جبل طارق قبل معركة البرباط الرئيسية. فاقتتلوا ثلاثة أيام.
وكان على الروم (تدمير) استخلفه ( لذريق ) ملك الأندلس وكان (تدمير) قد كتب إلى (لذريق) يعلمه بأن قوما لا يدرى أمن أهل الأرض أم من أهل السماء؟ قد وطئوا إلى بلادنا، وقد لقيتهم فلتنتهض إلي بنفسك. وجمع (لذريق) ما أمكن من الجيش وكان متأكداً من انتصاره على المسلمين، لدرجة أنهم أعدوا ما يحملون عليه أسرى المسلمين.
وكانت الملاقاة الفاصلة كما يذكر المقري في (نفح الطيب 1/259) يوم الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان، فاتصلت الحرب بينهم إلى يوم الأحد لخمس خلون من شوال، بعد تتمة ثمانية أيام، ثم هزم الله المشركين.
وجاء في (البيان المغرب) لابن عذاري ( ) كانت المعركة تزداد عنفاً في المجالدة ، وقدم المسلمين كثرة من الشهداء ، وكانت قلة منهم يركبون الخيل فاقتتلوا قتالا شديداً حتى ظنوا أنه الفناء ، ثم انهزم أهل الأندلس هزم الله لذريق ومن معه ، وغرق لذريق في النهر.
ـ فرض زكاة الفطر على المسلمين:
ومن حوادث اليوم الثامن والعشرين من رمضان سنة (2) للهجرة أن زكاة الفطر ـ التي هي من شعائر رمضان ـ فرضت فيه.
قال في (السيرة الحلبية 2/364) وكان فرض زكاة الفطر قبل العيد بيومين، وكان صلى الله عليه وسلم يخطب قبل العيد بيومين يعلم الناس زكاة الفطر فيأمر بإخراج تلك الزكاة قبل الخروج إلى صلاة العيد.
وكان فرض زكاة الفطر قبل فرض زكاة الأموال.
و"أمر صلى الله عليه وسلم أن تخرج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد والذكر والأنثى: صاعٌ من تمر أو صاع من شعير أو صاع من زبيب أو صاع من بر" و"كان صلى الله عليه وسلم إذا رجع من صلاة عيد الفطر يقسم زكاة الفطر بين المساكين".
قال علي بن برهان الدين الحلبي (السيرة الحلية) في شرحه : أي الزكاة المتعلقة به هو (ص) ، لأنه تقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإخراجها قبل الصلاة ، إلا أن يقال: المراد بإخراجها جمعها له صلى الله عليه وسلم ليفرقها.
ـ الشعراني يفرغ من كتابه: العهود المحمدية :
ومن حوادث اليوم الثامن والعشرين من رمضان سنة 958هـ ما أورده حاجي خليفة عن الفراغ من كتاب نفيس جليل.
قال في (كشف الظنون 2/1687) : كتاب (مشارق الأنوار القدسية في بيان العهود المحمودية) للشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني.
أوله الحمد لله رب العالمين..الخ. ضمّن فيه جميع العهود التي بلغت إليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل المأمورات وترك المنهيات، ثم ذكر أنه أخذ علينا عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كذا وكذا، ورتبه على ترتيب أبواب العبادات.
وفرغ الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني من كتابه المذكور في ثمان وعشرين من رمضان سنة 958هـ، وقسمه على قسمين: الأول: فيما أخل به الناس من اجتناب المنهيات ، والثاني: فيما أخل به الناس في إتيان المأمورات.
ـ الإمام محمد بن خير اللمتوني مقرئ محدث فاضل:
ومن حوادث اليوم الثامن والعشرين من رمضان سنة 502هـ ولادة الإمام المقرئ المجود محمد بن خير بن عمر اللمتوني من أهل إشبيلية.
جاء في كتاب (التكملة لكتاب الصلة 2/50) أَخَذَ القراءات عن أبي الحسن شريح بن محمد ولازمه حتى توفي.
لقي كثيراً وسمع كثيراً، وعدد من سمع منه أو كتب إليه نيف ومائة رجل، قد احتوى على أسمائهم برنامج له ضخم في غاية الاحتفال والإفادة. لا يعلم لأحد من طبقته مثله. كان مقرئاً مجوداً ضابطاً محدثاً جليلاً متقناً أديباً نحوياً لغوياً واسع المعرفة رضى مأموناً كريم العشرة خيراً فاضلاً, ما صحب أحداً ولا صحبه أحد إلا أثنى عليه.
وكانت كتبه في غاية الاتقان لكثرة ما عاناها وعالج تصحيحها بحسن خطه وجودة تقييده وضبطه.. وأدى ذلك إلى المغالاة فيها بعد وفاته حتى بلغت أثمانها الغاية.
ولي الصلاة بجامع قرطبة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، وبقي حتى توفي عام 575هـ، وكانت جنازته مشهودة حضرها الوالي ولم يتخلف عنها أحد كبير. واتبع ثناء جميلاً.
كان مولده فيما نقل عن خطه ليلة الأحد لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة 502 هـ.
ـ تمرد في غرناطة ضد ابن الأحمر:
ومن حوادث اليوم الثامن والعشرين من رمضان سنة 755هـ حدوث تمرد على السلطان ابن الأحمر صاحب غرناطة
قال ابن المقري في (نفح الطيب 5/96) خرج السلطان أبو الحسن ابن الأحمر إلى بعض متنزهاته برياضه، فانتهز الفرصة بعض الموالين لأخ السلطان الذي حجبت عنه السلطنة التي عهدها إليه أبوه لصغر سنه واسمه إسماعيل, فصعد معارضو أبي الحسن سور قصر الحمراء في أوشاب جمعهم لثورته. وعمد إلى دار الحاجب رضوان فاقتحم عليه الدار وقتله بين حرمه وبناته، وقربوا إلى إسماعيل قائد التمرد فرسه وركب، فأدخلوه القصر وأعلنوا بيعته، وقرعوا طبولهم بسور الحمراء. واعتقلوا الوزير الكاتب ابن الخطيب.
وفر السلطان أبو الحسن من مكانه بمتنزهه فلحق بوادي آش، فلما بلغ ذلك الخبر إلى سلطان أبي سالم في المغرب أزعجه مقتل الحاجب وخلع السلطان.
وأرسل السلطان المغرب أبو سالم أحد رجاله ( أبا القاسم الشريف ) لاستقدام السلطان أبي الحسن المخلوع وإطلاق الوزير الكاتب ابن الخطيب، فكلم أبو القاسم السلطان الجديد إسماعيل ومن معه في السماح للسلطان أبي الحسن للعبور إلى المغرب وإطلاق ابن الخطيب فوافقوا.
ووصل أبو الحسن إلى سلطان المغرب في فاس أبي سالم، فأجلَّ قدومه وركب للقائه ودخل به مجلس ملكه.
ووقف الوزير الكاتب ابن الخطيب، فأنشد السلطان أبا سالم قصيدته الرائية الرائعة، يستصرخه لسلطانه ويستظهره لمناصرته، واستعطف واسترحم بما أبكى الناس شفقة له ورحمة.
ثم انفض المجلس وانصرف ابن الأحمر المخلوع إلى نزله، وقد فرشت له القصور وقربت له الجياد بالمراكب الذهبية، وبعث إليه بالكساء الفاخرة، ورتبت له الجرايات ولمواليه وبطانته، وحفظ عليه رسم سلطانه في الراكب والراجل.
واستقر في ذلك إلى أن كان لحاقه بالأندلس وارتجع ملكه سنة 763هـ - أي بعد ثمان سنين من خلعه - وكانت الثورة عليه ليلة ثمان وعشرين من رمضان.
ومطلع رائية ابن الخطيب المذكورة :
سلا هل لديها من مخبَّره ذكر *** وهل أعشب الوادي ونمّ به الزهر
ـ ابن الحنبلي زاهد أصولي:
ومن حوادث اليوم الثامن والعشرين سنة (611هـ) وفاة أبي بكر بن الحلاوي البغدادي المأموني المقري الفقيه الجنبلي.
قال ابن العماد (شذرات الذهب 3/49) برع في المذهب الحنبلي حتى قال عنه الذهبي:
ـ هو شيخ الحنابلة في زمنه ببغداد . وقال ابن القادسي :
ـ كانت له اليد الباسطة في المذهب والفتيا
كان ابن الحلاوي ملازماً لزاويته في المسجد، قليل المخالطة إلا لمن عساه يكون من أهل الدين, ما ألمّ بباب أحد من أرباب الدنيا، وما قبل من أحد هدية، وكان أحد الأبدال الذين يحفظ الله بهم الأرض ومن عليها.
وقال الناصح بن الحنبلي عنه: كان زاهداً عالماً فاضلاً مشتغلاً بالكسب من الخياطة، ومشتغلاً بالعلم يقري القرآن احتساباً له تصانيف عدة منها المنبر في الأصول.
توفي ابن الحلاوي رحمه الله ليلة الجمعة ثامن عشرين رمضان. ودفن بباب حرب.
ـ زين الدين يوسف صاحب أربل من أمراء الأيوبيين :
ومن حوادث اليوم الثامن والعشرين من رمضان وفاة صاحب أربل، وهو أحد الملوك الأيوبيين.
قال ابن خلكان ( وفيات الأعيان 4/115 ) : ثم لما كان السلطان صلاح الدين منازلاً عكا بعد استيلاء الفرنج عليها، وردت عليه ملوك الشرق تنجده وتخدمه، وكان في جملتهم زين الدين يوسف أخو مظفر الدين - وهو يومئذ صاحب أربل - فأقام قليلاً ثم مرض وتوفي سنة 586.
قال ابن كثير (البداية 12/338) : وفي الثامن والعشرين من رمضان توفي الملك زين الدين صاحب أربل في حصار عكا مع السلطان، فتأسف الناس عليه لشبابه وغربته وجودته، وعزى أخاه مظفر الدين فيه.
وقام مظفر الدين بالملك من بعده، وسأل صلاح الدين أن يضيف إليه شهرزور وحران والرها وسميساط وغيرها، وتحمل مع ذلك خمسين ألف دينار نقداً، فأجيب إلى ذلك وكتب له تقليداً، وعقد له لواء.
الشاعر البغدادي ابن القطان ودعاباته
ومن حوادث اليوم الثمن والعشرين من رمضان وفاة الشاعر المشهور ابن القطان البغدادي أبو القاسم هبة الله بن الفضل.
قال ابن خلكان (وفيات الأعيان 6/60) كان غاية في الخلاعة والمجون، كثير المزاح والمداعبات، مغرى بالولوع بالمتعجرفين والهجاء لهم.
وله في ذلك نوادر ووقائع وحكايات ظريفة وله ديوان شعر.
قال أبو سعد السمعاني في كتاب الذيل عن ابن القطان: شاعر مجود مليح الشعر رقيق الطبع، إلا أن الغالب عليه الهجاء، وهو ممن يتقى لسانه، وفي ديوانه عبث بجماعة من الأعيان وثلبهم، ولم يسلم منه أحد لا الخليفة ولا غيره.
وله مع (حيص بيص) الشاعر ما جريات وقصص منها:
أن الشاعر ابن القطان هذا دخل يوماً على الوزير الزينبي وعنده الحيص فقال:
ـ قد عملت بيتين ولا يمكن أن يعمل لهما ثالث، لأنني قد استوفيت المعنى فيهما.
فقال له الوزير: هاتهما فأنشده:
زار الخيالُ نحيلاً مثل مرسله *** فما شفاني منه الضم والقبل
ما زارني قط إلا كي يوافقني *** على الرقاد فينفيه ويرتحل
فالتفت الوزير إلى الحيص فقال له: ـ ما تقول في دعواه؟ فقال: ـ إن أعادهما سمع الوزير لهما ثالثاً . فقال له الوزير: ـ أعدهما.. فأعادهما فوقف الحيص بيص لحظة ثم أنشد:
وما درى أن نومي حيلة نصبت *** لطيفه حين أعيا اليقظة الحيلُ
فاستحسن الوزير ذلك منه.
ولما هجا ابن القطان قاضي القضاة الزينبي بالقصيدة المسماة بالكافية سير إليه أحد الغلمان فأحضره ومنعه وحبسه ، فلما طال حبسه كتب إلى مجد الدين ابن الصاحب أستاذ دار الخليفة كتاباً يشكو فيه:
إليك أظل مجد الدين أشكو *** بلاء حل لست له مطيقاً
وقوماً بلغوا عني محالا *** إلى قاضي قضاة الندب سيقا
فأحضرني بباب الحكم خصمٌ *** عنيد جرني كُمّاً وزيقا
وأخفق نعله بالصفق رأسي *** إلى أن أوجس القلب الخفوقا
فيا مولاي هب ذا الإفك حقاً *** أيحبس بعدما استوفى الحقوقا!!
ودخل يوما على الوزير ابن هييرة وعنده نقيب الأشراف ـ وكان ينسب إلى البخل ـ وكان في شهر رمضان والحر شديد، فقال له الوزير: ـ أين كنت ؟ فقال: ـ في مطبخ سيدي النقيب. فقال له : ـ ويحك أيش عملت في شهر رمضان في المطبخ ؟ فقال: ـ وحياة مولانا كسرت الحر
فتبسم الوزير وضحك الحاضرون وخجل النقيب.
وقصد دار بعض الأكابر في بعض الأيام فلم يؤذن له في الدخول، فعز عليه. فأخرجوا من الدار طعاماً وأطعموه كلاب الصيد وهو يبصره فقال: ـ مولانا يعمل بقول الناس: لعن الله شجرة لا تظل أهلها...
توفي ابن القطان يوم السبت الثامن والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين وخمسمائة.