عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-09-2007, 03:57 AM   #23
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الإصلاح المستحيل للأنظمة الضريبية والمالية

السرية المصرفية أو تكريس الريوع غير المنتجة

للحديث عن هذه النقطة، لنحاول أولا وصف ما كان قائما قبل الوصول الى هذا التقليد الاقتصادي الشاذ الذي يتعلق بالسرية المصرفية وما يترتب عليها..

لقد أوجدت العقلية الليبرالية في خضم مرحلة الحرب الباردة، تقليدا ذا قواعد، ظاهرها أخلاقي، وما ترتب عليها كان دمارا على الاقتصاد العالمي و تحويله الى الحالة الشاذة والقبيحة التي هو عليها الآن .. ألا وهو السرية المصرفية والتي يترتب عليها التهرب الضريبي، فكان رؤساء وملوك وأمراء دول العالم الثالث يضعون أرصدتهم في مصارف عالمية، تكون جذورها من أموال الدول التي يتربعون على حكمها، وكانت تخرج من دائرة المراقبة الضريبية للدول التي يحكمونها .. مما قاد الى بروز الظواهر التالية:

1ـ مشاركة الأشخاص والشركات الموردة للسلع والخدمات التي تحتاجها تلك الدول، وأخذ العمولات اللازمة (الخفية) وبالنسب التي يضعها (من يأخذها) على مثل تلك الأنشطة لتضاف على الكلف المدفوعة من الميزانيات العامة للدولة، لكي ينعم هؤلاء التجار والوسطاء بالتهرب الضريبي كونهم يشاركون (علية القوم) ..

2ـ لضرورات بقاء الدولة بأشكالها المتخلفة، فإنها ستضطر لتكديس عشرات الألوف من المستخدمين، سواء كانوا في أجهزتها الأمنية، أو في وظائف بيروقراطية غير (مبدعة) ومنتجة ومضيفة أية قيمة للاقتصاد الوطني، فإن تلك الدول ستضطر لأحد الطريقين التاليين للمحافظة على كياناتها :

أ ـ فرض ضرائب تصاعدية مهلكة على القوى المنتجة بشكل حقيقي، مما يدفع تلك القوى من رأسمال وطني وغيره من عدم الرغبة في بقاء نشاطها بأشكاله الطبيعية في أوطانها .. أو تجعلهم يحتالون على النظام الضريبي من خلال التهرب أو الرشاوى ..

ب ـ الاقتراض من الخارج وزيادة حجم مديونية تلك الدول، وما سيترتب على ذلك فيما بعد من اعتماد أسلوبين أولهما: الخصخصة ببيع جذور مشاريع الدولة الهامة والأساسية كالهاتف والكهرباء والتعليم والمياه والصحة، وبالتالي دفع الدولة لمزيد من التخلف الحقيقي. والثاني: زيادة الضرائب والأسعار التي تتصاعد مع تصاعد الإنفاق العام لأجهزة الدولة لديمومتها غير الضرورية إلا لنفسها ..

إن هذا الشكل من الشذوذ لم يقتصر على دول العالم الثالث فقط، بل شمل الدول الاشتراكية (سابقا) أيام ما كانت اشتراكية وبعد تخليها عن أسلوب الاقتصاد المركزي (الموجه) .. كما أنه طال حتى الولايات المتحدة حيث بلغت مديونيتها (في نهاية 2006) أكثر من 7 تريليون من الدولارات، قسم من تلك المديونية لمصارف وبيوت مال أمريكية، والقسم الثاني يعود لكل من اليابان وألمانيا، بالإضافة الى العديد من الدول المودعة أموالها بكنف (الخزينة الأمريكية) ..

إلغاء التناقضات القانونية للدولة الليبرالية :

إن ما يتعين زواله أولا هو الجانب الجزائي للمنازعات الضريبية مع تعزيز الأحكام المدنية وحجم الغرامات. فلا بد من إلغاء عقوبات السجن التي يمكن أن تصدر بحق مخالف لقانون الجمارك أو الضرائب العام، فهي تعود الى عصر آخر (حسب رأي مؤلف الكتاب) .. فالعقوبات (برأيه أيضا) يجب أن تكون على المبذرين الحقيقيين لأموال الدولة ..

ويقترح المؤلف، هنا، تحرير تداول الرساميل على الصعيد الدولي، لكن مع السماح للسلطات الضريبية الوطنية بالاستعلام عن مقدار الحركات وحجمها، التي يمكنها أن تطال حسابات مواطنيها غير المقيمين نهائيا وفعليا في الخارج (بغض النظر عن مواقعهم الاعتبارية) .. وهنا لا بد من التنويه عن ضرورة وجود تفاهم دولي يحدد بدقة معايير الإقامة الضريبية .. والتي تخص تلك الدول التي تمنح جنسيات (المجاملة) من أجل العيش في (فردوس ضريبي) ..

ضريبة الإنفاق : حل حقيقي أم طوباوي؟

اقترح بعض كبار الاقتصاديين الليبراليين أمثال (N.KALDOR) البريطاني، تتبع المكلفين ضريبيا من خلال اقتطاع أجزاء بالألف من قيمة (الشيك) الذي يتداوله الناس، أو من يعتمدون البطاقات الممغنطة، وتعديل نسبة الاقتطاع وفق مراقبة ما يتحصل من أموال لقاء تلك العملية .. وهنا سيكون على البنوك وبيوت المال التي تتعامل بهذه الطرق أن تقوم مقام دوائر الجباية الضريبية في الدول .. وبهذا سيتناقص (حسب رأي هؤلاء) التهرب من الالتزام الضريبي والذي سيكون أقل ثقلا من تلك التي تفرضها الدول على مكلفيها ..

على أي حال، فإن أجهزة الضريبة وشبه الضريبة تلفظ أنفاسها في الولايات المتحدة و تلهث في أوروبا والعالم الثالث .. وهذا ما يُسمى الآن ب (أزمة الدولة ـ الحامية) .. صحيح، أن الواقع مختلف في الأمثلة الثلاثة، لكن فكرة الضريبة التي وضعت بالأساس لتحقيق التكافل الاجتماعي بين شرائح الشعب قد فشلت في النماذج الثلاثة ..

التزايد المنفلت لمديونية الدول

إن المديونية ـ كما أسلفنا ـ لم تقتصر على دول العالم الثالث بل طالت معظم دول العالم ..وإن تقلبات صرف العملات الوطنية قد أربك إدارة تلك الديون، فانخفاض قيمة العملة الوطنية والذي كان يتم في إشراف وطلب الأجهزة التمويلية الكبيرة (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي) أدى الى انفجار أعباء خدمة الديون الخارجية .. وإن هذا الأمر أثر على مواطني الدول المدينة بشكل كبير، في تحطم القدرة الشرائية للمواطنين و عدم قدرتهم على إدارة أمور حياتهم بشكل يضمن لهم الكثير من الأساسيات .. كما أن تلك الدول ستعاني من الضعف في ديمومة حفاظها على نفسها، وسيكون الاقتراض من أجل شراء حاسوبين لوزارة أمرا متكرر الحدوث!

يتبع في هذا الفصل
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس