سعدي المذيع  
 
   كثيرا ما تستمد الشخصيات قوتها من بيئتها .. وقد تكون البيئة ضيقة .. كما في حال من يركب سيارة فارهة أو يجلس خلف مكتب فخم ، أو حتى يلبس ملابس أنيقة ، فان حركاته ستثقل و تتناسب مع ما دخل فيه من حيز جديد ! 
 
  و أحيانا تكون البيئة معنوية ، كأن يتباهى أحدهم في انتماءه الى عشيرة كبيرة ويظهر ذلك على طريقة كلامه مع ابن عائلة بسيطة ، قد يفوقه علما و خلقا ومكانة اقتصادية واجتماعية ..    
 
  وأحيانا ـ كما في حالة بوش ـ فإنه يسير كأنه طاووس يزهو بريشه ، في حين لو تصورنا أنه مدير ناحية في غينيا بيساو ، فلا أحد يضمن له أن ينجو من حمام من ( البصاق ) يوميا .. 
 
  في حالة سعدي المذيع ، التي لا تبتعد كثيرا عن تلك القواعد ، كان يزهو كونه ينتمي لأسرة محطة تلفزيونية ، لها الملايين من المشاهدين يوميا ، وكان يتصرف وفق هذا الشعور .. 
 
   كان يتنقل بين مواضيع كثيرة ، ففي الأسبوع تشاهده ، ينتقل بين أزمة اليسار العالمي ، الى موضوع شح المياه ، الى انفلونزا الطيور ، الى أسرار المفاعلات النووية ، وكأنه اكتشف ( أقراصا ) من الدواء ، لو بلع أحدها سيتسوعب خمسة كتب في الثانية ! 
 
  كان يتلذذ في جعل من يقابلهم ، يشعرون بشعور دوني تجاهه ، فكان ينادي ضيوفه بأسمائهم ، دون ألقاب ، وإن كان القصد الظاهر ، هو إضفاء جو حميمي على المقابلة ، لكنني كنت ألاحظ أنه كان يتعمد ذلك ، لملئ داخله بكبرياء من نوع ما ، أو أنه قد تراهن مع صنف من المشاهدين ، قد تكون زوجته أو خليلته أن يوجه إهانة خفية لأكبر رأس ..  
 
  كان يستقبل أكثر من ضيف ، ولا يستمع اليهم ، بل كان يعمل كميقاتي ، تقفز من فمه الأسئلة ، وفق تدريب خاص ، فيطرح سؤاله التالي ، حتى لو لم يكن هناك تأسيسا له في الإجابة السابقة .. وينتقل من ضيف الى آخر ، وفق نظرية الأكل و( أنت ماشي ) .. حيث يقضم من سندويشته قضمة ، ويجرع فوقها جرعة من علبة بها مشروب غازي .. 
 
  كان يضع رجلا على رجل ، وبيده أوراق السيناريو ، فيتكلم بصوت كأنه أعد للرد على المكالمات الهاتفية ، فلم يكن بنغمة صوته ما يوحي أنه يفهم ما يطرح  
 
   بالمقابل كان ضيفاه ، على ما يبدو أنهما حديثي العهد بذلك النوع من المقابلات التلفزيونية ، وقد تكون تلك أول مرة يجلسان بها أمام كاميرا التلفزيون ، ورغم أن ثقافتهما كانت عالية ، إلا أن شخص متوسط الانتباه يمكن أن يلاحظ ظاهرة الجهل والاستسلام لسعدي المذيع .. 
 
  ومن يدري علهما ، انشغلا بتحضير فيديو لتسجيل تلك الحلقة ، وقاما بالاتصال بكل معارفهما ليتسمروا حول أجهزة التلفزيون لمراقبة الحدث العظيم .. 
 
  ومن يدري ، لعلهما راجعا أكبر قدر ممكن من كتبهما اللاتي ألفاها ، أو قرأاها، خشية أن يواجههما هذا الصنديد سعدي بسؤال محرج ! 
 
  لم يكن لأحدهما ، أي فكرة عن عمليات التصوير ، داخل الاستوديوهات ، بل كان يعتقد أن التكلم بصوت رزين والتقليل من إشارات اليد ، ومسحة مبتسمة قليلة على محياه ، مع الاهتمام بتناسق ربطة العنق مع القميص والجاكت ، ستجعله صاحب طلة مؤثرة على الجمهور .. 
 
   كان طويلا ونحيفا ، وعندما جلس على الكرسي ، ارتفع بنطلونه ليصبح طرفه الأسفل أعلى من كعبه بأكثر من شبر و نصف ، فبانت جواربه التي كف جزء من إحداها وظهر جزء من ساقه النحيل الأبيض الشاحب .. 
 
  كان المصور يعمل كقناص ، وبالطبع فلم يثر المصور ما تم من كلام ، بقدر ما كان فرحا بقنص تلك اللقطات .. 
 
  لقد ضاع علي ما طرح من موضوع في تلك الحلقة ، فكنت أنا الآخر مشغولا بتوليف مقالتي ..
		 
		
		
		
		
		
		
			
				__________________ 
				ابن حوران
			 
		
		
		
		
	 |