حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   دواوين الشعر (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=33)
-   -   الديوان الشعري لبدر شاكر السياب (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=75265)

ودق 09-12-2008 12:57 AM

الديوان الشعري لبدر شاكر السياب
 
هناك قصائد شعرية رائعة قلما نصادفها يتجلى فيها منتهى الجمال كقصيدة الشابي إرادة الحياة وهوامش على دفتر النكسة لنزار قباني، و غيرهما و من ذلك قصيدة بدر شاكر السياب
أنشودة المطر التي وضعتها لكم هنا لترتوا من جمالياتها
:

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر

أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر

عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم

وترقصُ الأضواءُ·· كالأقمارِ في نهر

يرجُّهُ المجذافُ وَهْناً ساعةَ السحر···

كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم

وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف

كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء

دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف

والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء

فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء

ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء

كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر

كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم··

وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر···

وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم

ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر

أنشودةُ المطر

مطر

مطر

مطر

تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال

تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:

كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام

بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام

فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال

قالوا له: ''بعد غدٍ تعود'' -

لا بدّ أنْ تعود

وإنْ تهامسَ الرفاقُ أنّها هناك

في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،

تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر

كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك

ويلعنُ المياهَ والقدر

وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر

مطر، مطر، المطر

أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟

وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟

وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟

بلا انتهاء،كالدمِ المُراق، كالجياع كالحبّ كالأطفالِ كالموتى -

هو المطر

ومقلتاك بي تطوفان مع المطر

وعبرَ أمواجِ الخليجِ تمسحُ البروق

سواحلَ العراقِ

بالنجومِ والمحار،

كأنها تهمُّ بالشروق

فيسحبُ الليلُ عليها من دمٍ دثار

أصيحُ بالخيلج: ''يا خليج

يا واهبَ اللؤلؤ والمحارِ والردي''

فيرجع الصدى كأنّهُ النشيج:

''يا خليج: يا واهب المحار والردي''

أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود

ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال

حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال

لم تترك الرياحُ من ثمود

في الوادِ من أثر

أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر

وأسمعُ القرى تئنّ، والمهاجرين

يصارعون بالمجاذيفِ وبالقلوع

عواصفَ الخليجِ والرعود، منشدين

مطر·· مطر ·· مطر

وفي العراقِ جوعٌ

وينثرُ الغلال فيه موسم الحصاد

لتشبعَ الغربانُ والجراد

وتطحن الشوان والحجر

رحىً تدورُ في الحقولِ حولها بشر

مطر

مطر

مطر

وكم ذرفنا ليلةَ الرحيل من دموع

ثم اعتللنا - خوفَ أن نُلامَ - بالمطر

مطر

مطر

ومنذ أن كنّا صغاراً، كانت السماء

تغيمُ في الشتاء

ويهطلُ المطر

وكلّ عامٍ - حين يعشبُ الثرى- نجوع

ما مرَّ عامٌ والعراقُ ليسَ فيه جوع

مطر

مطر

مطر

في كلّ قطرةٍ من المطر

حمراءُ أو صفراءُ من أجنّة الزهر

وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة

وكلّ قطرةٍ تُراقُ من دمِ العبيد

فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد

أو حلمةٌ تورّدتْ على فمِ الوليد

في عالمِ الغدِ الفتيّ واهبِ الحياة

مطر

مطر

مطر

سيعشبُ العراقُ بالمطر

أصيحُ بالخليج: ''يا خليج··

يا واهبَ اللؤلؤ والمحار والردي''

فيرجع الصدى كأنه النشيج:

''يا خليج: يا واهب المحار والردي''

وينثرُ الخليجُ من هباته الكثار

على الرمال، رغوةَ الأجاج، والمحار

وما تبقى من عظام بائس غريق

من المهاجرين ظل يشرب الردى

من لجة الخليج والقرار

وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق

من زهرة يرُبّها الفرات بالندى

وأسمعُ الصدى

يرنّ في الخليج:

مطر

مطر

مطر

في كل قطرةٍ من المطر

حمراءُ أو صفراءُ من أجنةِ الزهر

وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة

وكل قطرةٍ تُراق من دمِ العبيد

فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد

أو حلمةٌ تورّدت على فمِ الوليد

في عالمِ الغدِ الفتي، واهبِ الحياة

ويهطلُ المطرُ

السيد عبد الرازق 09-12-2008 01:54 AM

شكرا أختنا الفاضلة ودق علي أنشودة المطر لبدر شاكر السياب .
واسمح لي أن أطلب منكم طلبا هو .
أنشئ ديوانا في خيمة دواوين الشعر للشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب .
وأبدأي بهذه القصيدة .
أو غيرها أو كما شئت أو حسب ترتيب ديوانه الشعري .
هذا يكون أعم للفائدة وسيكون في صحيفة حسناتك يوم القيامة .
تحياتي لكم وكامل تقديري .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

http://66.235.120.64/ts?t=1103601106...d=23296&ppid=1

ريّا 09-12-2008 08:42 PM

ودق الرقيقة .....شكرآ لك أخذتيني لأجواء بلدي العراق الذي حرمت منه
دمت رائعة شفافة ............ألف تحية .......ريا

هـــند 09-12-2008 08:45 PM

كفى ان تذكري اسم السياب كي تعرفي أنه ملجأ الابداع وتجلي الوقائع ونبض الحرف والكلمة شكرا لنقلك الفاتن المبدع ودمتي متميزة.

المشرقي الإسلامي 09-12-2008 09:25 PM

هذه القصيدة هي واحدة من (معلقات) الشعر الحديث إن جاز التعبير ولست بآخذ الحديث عنه لأني لا أوفيه حقه .
لكن هنا نرى الشاعر يقول في كبرياء : إن الحداثة لا تعني الخروج عن متعارف الوزن والحداثة لا تعارض تنوّع القوافي ونحن
رأيناه في القصيدة وكأنه مزيج من شعر التفعيلة مع الشعر العمودي المنتظم.لفظة أنشودة تماشت بشكل سليم مع بحر الرجز الذي اختار منه القصيدة.
الصور كلها غنية عن الذكر لكن ما يميز القصيدة هو أن الشاعر رحمه الله قد أبرز معنى المطر ومزجه بأحاسيسه ومزج الأحاسيس الشخصية بالواقع السياسي والاجتماعي.
إذًا حتى نخرج عن فكرة (أغراض الشعر) لابد أن نعرف أن الشاعر هو شاعر القضية ، وقد اجتمع له في هذه القصيدة الواقعية والرومانسية والرمزية والمباشرة في آن واحد، وإذا علمنا ظروف العصر التي مرت به لوجدناه يشير إلى الخليج والنظام الملكي من طرف خفي دون أن يتبجح أو يتطاول ..
التماسك النصي ، الثراء الدلالي ، الرمز ،الأسلوب والتناول ، الصورة الشعرية والخيال .....كل هذه عناصر تواجدت في النص وهي أعمق من أن أحاول مجرد المحاولة الخوض فيها ؛فقد أفاض فيها معاصروه وليس ما أذكره إلا تكرارًا لا إضافة فيه.
استمتعوا بهذا الشاعر في قصيدته الأجمل (غريب غلى الخليج)..أشكر من اختار هذا الموضوع.أشكرك أختي العزيزة ودق على هذا الاختيار وأرجو لك وللشعر ومسيرة الإبداع دوام الرفعة والازدهار
.

الشــــامخه 09-12-2008 10:08 PM


غاليتي ودق

احسنتي الانتقاء قصيدة رائعه لشاعر مبدع
شــكراً لكِ على هذا الذوق الرفيع .. محبتي .. :heartpump


ودق 09-12-2008 11:07 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة السيد عبد الرازق (المشاركة 612050)
شكرا أختنا الفاضلة ودق علي أنشودة المطر لبدر شاكر السياب .
واسمح لي أن أطلب منكم طلبا هو .
أنشئ ديوانا في خيمة دواوين الشعر للشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب .
وأبدأي بهذه القصيدة .
أو غيرها أو كما شئت أو حسب ترتيب ديوانه الشعري .
هذا يكون أعم للفائدة وسيكون في صحيفة حسناتك يوم القيامة .
تحياتي لكم وكامل تقديري .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

http://66.235.120.64/ts?t=1103601106...d=23296&ppid=1


أخي السيد عبد الرازق لا شكر على واجب هذا من دواعي سروري
و طلبك بإذن الله مجاب و سأجتهد لذلك هذا اقل ما اقدمه و بالنهاية هي هوايتي
شكرا لمرورك الذي شرفني

ودق 09-12-2008 11:17 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة rayaa (المشاركة 612159)
ودق الرقيقة .....شكرآ لك أخذتيني لأجواء بلدي العراق الذي حرمت منه
دمت رائعة شفافة ............ألف تحية .......ريا

ريا الرقة هي أنت ..ترسمها حروفك و تشعرها قلوبنا
مادام حب العراق قابع بفؤادك..
يتجلى في ذكرياتك ..
فلا غربة و روحك تسكن المكان
أرجوا أن أسعدك دائما

:heartpump

ودق 09-12-2008 11:24 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة هنودة (المشاركة 612160)
كفى ان تذكري اسم السياب كي تعرفي أنه ملجأ الابداع وتجلي الوقائع ونبض الحرف والكلمة شكرا لنقلك الفاتن المبدع ودمتي متميزة.


هنودة الحنونة إنه إحساسي أطلق عليك الصفة فماذا ترتئين ...

كما قلتي على شاعرنا الكبير و نزيد بكثير ولا نوفيه حقه
سعدت جدا بمرورك

ودق 09-12-2008 11:35 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة المشرقي الإسلامي (المشاركة 612168)
هذه القصيدة هي واحدة من (معلقات) الشعر الحديث إن جاز التعبير ولست بآخذ الحديث عنه لأني لا أوفيه حقه .
لكن هنا نرى الشاعر يقول في كبرياء : إن الحداثة لا تعني الخروج عن متعارف الوزن والحداثة لا تعارض تنوّع القوافي ونحن
رأيناه في القصيدة وكأنه مزيج من شعر التفعيلة مع الشعر العمودي المنتظم.لفظة أنشودة تماشت بشكل سليم مع بحر الرجز الذي اختار منه القصيدة.
الصور كلها غنية عن الذكر لكن ما يميز القصيدة هو أن الشاعر رحمه الله قد أبرز معنى المطر ومزجه بأحاسيسه ومزج الأحاسيس الشخصية بالواقع السياسي والاجتماعي.
إذًا حتى نخرج عن فكرة (أغراض الشعر) لابد أن نعرف أن الشاعر هو شاعر القضية ، وقد اجتمع له في هذه القصيدة الواقعية والرومانسية والرمزية والمباشرة في آن واحد، وإذا علمنا ظروف العصر التي مرت به لوجدناه يشير إلى الخليج والنظام الملكي من طرف خفي دون أن يتبجح أو يتطاول ..
التماسك النصي ، الثراء الدلالي ، الرمز ،الأسلوب والتناول ، الصورة الشعرية والخيال .....كل هذه عناصر تواجدت في النص وهي أعمق من أن أحاول مجرد المحاولة الخوض فيها ؛فقد أفاض فيها معاصروه وليس ما أذكره إلا تكرارًا لا إضافة فيه.
استمتعوا بهذا الشاعر في قصيدته الأجمل (غريب غلى الخليج)..أشكر من اختار هذا الموضوع.أشكرك أختي العزيزة ودق على هذا الاختيار وأرجو لك وللشعر ومسيرة الإبداع دوام الرفعة والازدهار
.

أخي المشرقي الاسلامي
سواء ما خططته هنا أكان تكرارا او إضافة فيكفي أنك استطعت أن تعطينا صورة ملمه و فكرة مجملة واضحة على المدلول و الفحوى و حتى الهدف بصورة موجزة منقطعة النظير من التفصيل المنمق الجميل حتى تكون قد أضفت الكثير الكثير و الرد لو وسعته قليلا لكان موضوعا في المستوى المطلوب و لا غير ذلك يقال فقد أشرت إلى ملاحظات نبهتني لأشياء لو قرأتها كنت لأمر عليها مرور الكرام و قد أعطيت للموضوع اهتمام بالشاعر و تناولت قضية إبراز المغزى من تذكر شعرائنا و رسائلهم التي تحويها اشعارهم و فيها الكثير ليتم محاولت تجليه

مداخلة ولا أروع
حقا سعدت بها

ودق 10-12-2008 12:07 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة الشــــامخه (المشاركة 612173)

غاليتي ودق

احسنتي الانتقاء قصيدة رائعه لشاعر مبدع
شــكراً لكِ على هذا الذوق الرفيع .. محبتي .. :heartpump



كلماتك أخجلتني وكم أسعدتني منك أنت
أختي الشامخة أرجوا ان تعجبك إختياراتي دائما
أختك ودق
محبتي لك

هـــند 10-12-2008 12:07 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة ودق (المشاركة 612187)



هنودة الحنونة إنه إحساسي أطلق عليك الصفة فماذا ترتئين ...

كما قلتي على شاعرنا الكبير و نزيد بكثير ولا نوفيه حقه
سعدت جدا بمرورك

هذا فقط لأن روحك طيبة وانا سعيدة أنك تشوفيني بتلك الصفة شكرا

محمود راجي 10-12-2008 12:18 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة ودق (المشاركة 612039)
[size="6"][font="comic sans ms"][color="purple"]

في كلّ قطرةٍ من المطر

حمراءُ أو صفراءُ من أجنّة الزهر

وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة

وكلّ قطرةٍ تُراقُ من دمِ العبيد

فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد

أو حلمةٌ تورّدتْ على فمِ الوليد

في عالمِ الغدِ الفتيّ واهبِ الحياة

مطر

مطر

مطر

سيعشبُ العراقُ بالمطر

أصيحُ بالخليج: ''يا خليج··

يا واهبَ اللؤلؤ والمحار والردي''

فيرجع الصدى كأنه النشيج:

''يا خليج: يا واهب المحار والردي''

وينثرُ الخليجُ من هباته الكثار

على الرمال، رغوةَ الأجاج، والمحار

وما تبقى من عظام بائس غريق

من المهاجرين ظل يشرب الردى

من لجة الخليج والقرار

وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق

من زهرة يرُبّها الفرات بالندى

وأسمعُ الصدى

يرنّ في الخليج:

مطر

مطر

مطر

في كل قطرةٍ من المطر

حمراءُ أو صفراءُ من أجنةِ الزهر

وكلّ دمعةٍ من الجياعِ والعراة

وكل قطرةٍ تُراق من دمِ العبيد

فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسمٍ جديد

أو حلمةٌ تورّدت على فمِ الوليد

في عالمِ الغدِ الفتي، واهبِ الحياة

ويهطلُ المطرُ

الجميل في قصائد السياب أنه يتفائل دائماً في نهايتها
شكراًً جزيلاً

ودق 10-12-2008 12:32 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة محمود راجي (المشاركة 612196)
الجميل في قصائد السياب أنه يتفائل دائماً في نهايتها
شكراًً جزيلاً

التفاؤل أجمل ما في الوجود ...كنت أحفظ شيئا لـ الشاعر المميز إيليا أبو ماضي جاز لي أن أضعهما هنا

قال:"السماء كئيبة" وتجهّمـــــــا *** قلت: ابتسم يكفي التجهّم في السما
قال: الصبا ولّى فقلت له :ابتسم***لن يرجع الأسف الصبا المتصرمــــا

التفاؤل الذي يفتقده الكثير من المثقفين الذين طبعوا فيما كتبوا اليأس و العقم الذي تغمدته أفكارهم و بالتالي متناولينها .

العفو أخي محمود راجي لا شكر على واجب

المشرقي الإسلامي 10-12-2008 12:52 AM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة محمود راجي (المشاركة 612196)
الجميل في قصائد السياب أنه يتفائل دائماً في نهايتها

ليس دائمًا يا عزيزي .. اقرأ قصيدته غريب على الخليج وانظر إلى النهاية المؤسفة الحزينة
وكأنه ينظر من خلف حجب التاريخ :
فلتبكين ّ على العراق
فما لديك سوى الدموع
وسوى انتظار دون جدوى.. للرياح ..وللقلوع !
تحياتي

السيد عبد الرازق 11-12-2008 01:33 AM

غريب على الخليج- لبدر شاكر السيَّاب

Stranger in the golf. By: Badr Shākir al-Sayyāb



الريح تلهث بالهجيرة، كالجثام، على الأصيل
و على القلوع تظل تطوى أو تنشر للرحيل
زحم الخليج بهن مكتدحون جوابو بحار
.من كل حاف نصف عاري
و على الرمال ، على الخليج
جلس الغريب، يسرح البصر المحير في الخليج
: و يهد أعمدة الضياء بما يصعد من نشيج
أعلى من العباب يهدر رغوه و من الضجيج"
، صوت تفجر في قرارة نفسي الثكلى : عراق
.كالمد يصعد ، كالسحابة ، كالدموع إلى العيون
الريح تصرخ بي : عراق
و الموج يعول بي : عراق ، عراق ، ليس سوى عراق ‍‍
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما يكون
و البحر دونك يا عراق

.. بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانه
هي دورة الأفلاك في عمري، تكور لي زمانه
.في لحظتين من الأمان ، و إن تكن فقدت مكانه
هي وجه أمي في الظلام
، وصوتها، يتزلقان مع الرؤى حتى أنام
و هي النخيل أخاف منه إذا ادلهم مع الغروب
فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوب
،من الدروب وهي المفلية العجوز وما توشوش عن حزام
وكيف شق القبر عنه أمام عفراء الجميلة
.فاحتازها .. إلا جديله
زهراء أنت .. أتذكرين
تنورنا الوهاج تزحمه أكف المصطلين ؟
وحديث عمتي الخفيض عن الملوك الغابرين ؟
ووراء باب كالقضاء
قد أوصدته على النساء
أبد تطاع بما تشاء، لأنها أيدي الرجال
.كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا كلال
أفتذكرين ؟ أتذكرين ؟
سعداء كنا قانعين
. بذلك القصص الحزين لأنه قصص النساء
،حشد من الحيوات و الأزمان، كنا عنفوانه
.كنا مداريه اللذين ينام بينهما كيانه
أفليس ذاك سوى هباء ؟
حلم ودورة أسطوانه ؟
ان كان هذا كل ما يبقى فأين هو العزاء ؟
،أحببت فيك عراق روحي أو حببتك أنت فيه
يا أنتما - مصباح روحي أنتما - و أتى المساء
.و الليل أطبق ، فلتشعا في دجاه فلا أتيه
لو جئت في البلد الغريب إلى ما كمل اللقاء
الملتقى بك و العراق على يدي .. هو اللقاء
شوق يخض دمي إليه ، كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه .. كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولاده
إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون
أيخون إنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون ، فكيف يمكن أن يكون ؟
الشمس أجمل في بلادي من سواها ، و الظلام
.حتى الظلام - هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسرتاه ، متى أنام
فأحس أن على الوساده
ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي و المدن الغريبة
،غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه ،
فسمعت وقع خطى الجياع تسير ، تدمي من عثار
.فتذر في عيني ، منك ومن مناسمها ، غبار
ما زلت اضرب مترب القدمين أشعث ، في الدروب
،تحت الشموس الأجنبيه
متخافق الأطمار ، أبسط بالسؤال يدا نديه
صفراء من ذل و حمى : ذل شحاذ غريب
،بين العيون الأجنبيه
بين احتقار ، و انتهار ، و ازورار .. أو ( خطيه) 2
(و الموت أهون من (خطيه
من ذلك الإشفاق تعصره العيون الأجنبيه
قطرات ماء ..معدنيه
،فلتنطفئ ، يا أنت ، يا قطرات ، يا دم ، يا .. نقود
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع ، متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
يا لمعة الأمواج رنحهن مجداف يرود
.بي الخليج ، ويا كواكبه الكبيرة .. يا نقود

ليت السفائن لا تقاظي راكبيها من سفار
أو ليت أن الأرض كالأفق العريض ، بلا بحار
ما زلت أحسب يا نقود ، أعدكن و استزيد ،
ما زلت أنقض ، يا نقود ، بكن من مدد اغترابي
ما زلت أوقد بالتماعتكن نافذتي و بابي
في الضفة الأخرى هناك . فحدثيني يا نقود
متى أعود ، متى أعود ؟
أتراه يأزف ، قبل موتي ، ذلك اليوم السعيد ؟
سأفيق في ذاك الصباح ، و في السماء من السحاب
،كسر، وفي النسمات برد مشبع بعطور آب
و أزيح بالثوباء بقيا من نعاسي كالحجاب
:من الحرير ، يشف عما لا يبين وما يبين
.عما نسيت وكدت لا أنسى ، وشك في يقين
ويضئ لي _ وأنا أمد يدي لألبس من ثيابي-
ما كنت ابحث عنه في عتمات نفسي من جواب
لم يملأ الفرح الخفي شعاب نفسي كالضباب ؟
اليوم _ و اندفق السرور علي يفجأني- أعود

واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق
وهل يعود
من كان تعوزه النقود ؟ وكيف تدخر النقود
و أنت تأكل إذ تجوع ؟ و أنت تنفق ما تجود
به الكرام ، على الطعام ؟
لتبكين على العراق
فما لديك سوى الدموع
.وسوى انتظارك ، دون جدوى ، للرياح وللقلوع

المشرقي الإسلامي 11-12-2008 01:46 AM

أحسنت أخي العزيز في اختيار القصيدة ولعلمك لولا ملالة أصابتني من تمحيص كل نص لوقفت عند هذا النص حرفًا حرفًا.
اقرأ إن استطعت كتاب (جماليات القصيدة المعاصرة) للدكتور طه وادي أستاذ الأداب بكلية الأداب قسم اللغة العربية جامعة القاهرة فقد شرح جزءًا معقولاً من هذه القصيدة الرائعة .
ولعمري لو أن الله أحيا عبد القاهر الجرجاني فرأى هذه القصيدة لقال "عدوها واحدة من معلقات دهركم"
هناك قصائد أخرى له مثل "أغاني الكوخ " ، جيكور ، المومس العمياء ....إلخ
شكرًا على هذه الإضافة وليت شعراء الخيمة يتأملون فقط -مجرد التأمل- هذه القصيدة وهم بأنفسهم سيعرفون بإذن الله ما كان ينقصهم ويتداركونه وعسى أن يخرج من بينهم شاعر يشار إليه بالبنان made in khayma.com

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:01 AM

شكرا أخي الفاضل الكريم المشرقي الإسلامي وأنا أسعد بتعقيباتك وتعليقاتك وكلنا سيدي في الدرب سائرون .
======
قراءة في قصيدة : غريب على الخليج

--------------------------------------------------------------------------------

قراءة في قصيدة : غريب على الخليج
الشاعر هو بدر شاكر السياب ،أعظم الرواد واشهرهم لحركة التجديد التي أصابت القصيدة العربية ، ولد الشاعر ، عام 1926 في إحدى قرى مدينة البصرة( جيكور) ، ماتت أمه / وهو في السنة السادسة من عمره ، أنهى دراسته الابتدائية والثانوية ، في أبي الخصيب ، والبصرة ، ثم التحق بقسم اللغة العربية ، أولا ، وغير بعد ذلك نوع الاختصاص الى اللغة الإنجليزية ، في دار المعلمين العالية ( كلية التربية حاليا) ، وحين تخرج من الجامعة ، عين مدرسا في الرمادي ، ثم فصل من عمله لأسباب سياسية ، مما اضطره أن يشتغل في عدة أعمال بعيدة عن مجال اختصاصه ، وأصيب بمرض عضال عز شفاؤه ، توفاه الله وحيدا في مستشفى الكويت عام 1964 ، بعيدا عن العراق ، الذي عشقه ، شيعه قليل من أصدقائه ، ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير
أصدر عدة دواوين : منها ( أزهار ذابلة ) و ( أنشودة المطر) و ( المعبد الغريق ) جمعت دواوينه كلها في مجلدين بعنوان ( ديوان بدر شاكر السياب)
تعد قصيدته ( غريب على الخليج ) من أهم القصائد التي قالها ،، ومن أكثرها جمالا وروعة ، يتغنى فيها بالبلد الجميل ،، الذي عرف أقدم الحضارات( العراق الحبيب)
يقول فيها (اقتطعت جزءا من القصيدة الطويلة )

أحببت فيك عراق روحي او حببتك أنت فيه
يا أنتما مصباح روحي أنتما
وأتى المساء
لو جئت في البلد الغريب إلي ما كمل اللقاء
الملتقى بك والعراق على يدي هو اللقاء
شوق يخض دمي إليه
كأن كل دمي اشتهاء
جوع إليه كجوع كل دم الغريق إلى الهواء
شوق الجنين إذا اشرأب من الظلام إلى الولادة
الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام
- حتى الظلام – هناك أجمل ، فهو يحتضن العراق
واحسر تاه متى أنام
فأحس ان على الوسادة
من ليلك الصيفي طلا فيه عطرك يا عراق ؟
بين القرى المتهيبات خطاي والمدن الغريبة
غنيت تربتك الحبيبة
وحملتها فأنا المسيح يجر في المنفى صليبه
إن مت يا وطني فقبر في مقابرك الكئيبة
أقصى مناي
يا ريح ، يا إبرا تخيط لي الشراع : متى أعود
إلى العراق ؟ متى أعود ؟
×××××××××××××××××××××
في هذه القصيدة الطويلة المشهورة ، التي ظلت نشيدا عذبا يردده العراقيون
في جلساتهم ، كلما طال بهم الحنين الى البلاد الساحرة ، وأهلها الطيبين ، الذين امتازوا بالدفء والحنان وطيب الكلام ، والمواقف الجميلة التي تربطهم بالأصدقاء والمحبين ، نلاحظ في القصيدة الوحدة الموضوعية المتمثلة في وحدة الإحساس ، يظل الشعور المسيطر ، نحو الوطن الحبيب ، يتكلم عبر هذه القصيدة التي هي ،، من مطولات الشاعر ، والقصيدة من شعر التفعيلة الحديث الذي يتميز بتنوع القوافي ، والموسيقى الجميلة التي منحها استعمال إيقاع البحر الكامل
( متفاعلن ) أضاف لها جمالا باهرا وانفعالا يتناسب والجو النفسي العاطفي الذي أحاط بالقصيدة
يستهل الشاعر قصيدته بمخاطبة امرأة مجهولة ، لا ندري من هي ؟ قد تكون الزوجة ام الحبيبة ام الاخت ام الصديقة ، وكانت علاقة الشاعر بالمراة وطيدة ، فقد حرم من الأم وهو صغير ، لكنه أحب العديد من النساء ، وقد يكون وجد في حبه لهن ،، تعويضا عن حب الأم المفقود ، وقد تكون المراة المخاطبة هي الأهل الذين أرغم الشاعر على الابتعاد عنهم ، وقد تكون الوطن ، ذلك الساحر العجيب والأليف الذي يضطر شاعرنا الى هجره الى ضفاف أخرى قد تقيه حينا من حرارة الشوق المستعر ، ويربط الشاعر بين المراة والوطن بعلاقة قوية ،،لا انفصام بها ، فالحب بلا وطن ، لا يمنح الوصال ،، والدفء المنشود ، والوطن الذي يخلو من الحب ، هو مكان ظالم لأهله ، فالمراة والوطن كلاهما ، مصباحان ينيران طريق الشاعر ، الوعر المظلم والذي تحيطه المحبطات ، فقر طويل مهلك ، يتم وحرمان من حب الأم ، نشاط سياسي غير متواصل ، وشكل غير جذاب ، مرض عضال أقعده عن العمل ، وتذبذب بين اليمين واليسار في مسالك السياسة ، كل هذه الأمور جعلت منه شاعرا عاطفيا رقيقا رومانسيا ، والقصيدة الجميلة هذه ،، قد أبدع الشاعر في ان ينقل لنا بأسلوبه الرائع ،، معاناته الطويلة وهو متغرب في بلاد أخرى ، حتى وان كانت شقيقة ، لهذا يخبرنا ان الوطن وحده ،، يحلو به اللقاء بالحبيبة ، وان أي لقاء آخر بحسناء ،، بعيدا عن تربة العراق المعطاء ،، سيكون مبتورا ناقصا عديم الجدوى ، لا يمنح الدفء الذي ننتظر من الحب ان يمنحه
يزدحم الشوق الى الحبيبين معا ،، في نفس الشاعر ، المرهف الحس ، فيخض دمه خضا ، ويظل يحلم بان يرى العراق ، حيث يعيش هذا الحلم الجميل في دمه ، وتتحول الدماء فيه إلى اشتهاء ، لكل ما في الوطن من جمال وقبح ، ويأتي بطرق أسلوبية كثيرة ،، لتبيان ذلك الشوق ( حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق) ، وتظهر الروح الوطنية لدى السياب في هذه القصيدة بأحلى صورها ، فكل شيء رائع الفتنة والجمال ، ويتحسر الشاعر وهو غريب مريض على أمنيات ،، ميسورة سهلة متواضعة ، ولكنها بعين الغريب عن وطنه ،، مستحيلة وبعيدة التحقيق ، وهي رغبته في النوم في العراق ،، ليالي الصيف ،، حيث تتساقط قطرات الندى المنعشة ، معطرة العراق دون غيره ، وهو لم يجد أجمل من العراق ،، بعد أن جرب كل بلدان الدنيا ، ويختتم قصيدته ،بان يأتي ،، بحلم مؤثر وهو ان يجد قبرا صغيرا في العراق ، يضم رفاته ، بعد ان شعر انه سيموت بعيدا ،، عن الوطن الحبيب ، وتلك الأمنية رغم بساطتها ،، تظل حلما يراود قلوب المبعدين عن الأوطان ، والذين يعيشون بحبهم لأوطانهم رغم اضطرار الابتعاد وتوالي سنين المعاناة

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:20 AM



قراءة جديدة في (غريب على الخليج)


د. ثائر العذاري

23/08/2007
قراءات: 770


بينما كنت أراجع ديوان بدر شاكر السياب ، وأنا أستعد لمناقشة واحدة من رسائل الماجستير المتعلقة بالشعر الحديث ، مررت على (غريب على الخليج) وتولدت في نفسي رغبة لقراءتها ، ومع تقدمي في القراءة كنت أحاول تحليل البنية الفنية للقصيدة كما كانت في مخيلة الشاعر، وقد وجدت أن هذه القصيدة واحدة من أكثر قصائد السياب حبكا ، إذ يبدو كما لو أن الشاعر قد وضع خطة مسبقة لها والتزم بها حتى آخر القصيدة.

في البداية ينبغي أن نلاحظ تركيب العنوان (غريب على الخليج) ، فهو أولا يخلو من فعل ويجعلنا أمام صورة ثابتة أو جامدة ، غريب يجلس على ضفة الخليج،ولو تخيلنا صورة فوتوغرافية يظهر فيها رجل بائس يجلس على ضفة الخليج لكانت ستنفعنا كثيرا في تعاطينا مع القصيدة

يبدأ السياب قصيدته بداية سينمائية ، فهناك (لقطة كبيرة) كما يسميها كتاب السيناريو:



الريح تلهث بالهجيرة كالجثام على الأصيل

وعلى القلوع ، تظلّ تطوى ، أو تنشّرُ للرحيل

زحم الخليج بهنّ مكتدحونَ جوّابو بحارِ

من كلأ حافٍ نصف عاري



هذه خلفية كبيرة سترسم عليها تفاصيل اللوحة القصيدة فيما بعد ، منظر الخليج وأشرعة السفن المبحرة فيه ، وهؤلاء البحارة نصف العراة الباحثين عن الرزق بين الموت والغنيمة، والحرّ اللاهب ورياح الصيف.

في السطر الأول يدفع الشاعر بشعور بالبؤس الىأنفسنا من خلال بناء التشبيه الغريب ، الريح بقوتها وغبارها المتطاير في الأفق كأنها جثاما (مرض جلدي) أصاب جلد الأصيل.

ثم تبدأ كاميرا المصور بتقريب اللقطة:



وعلى الرمال على الخليج

جلس الغريب يسرح البصر المحير في الخليج

ويهدّ أعمدة الضياء بما يصعّدُ من نشيج



صورة رجل يجلس على الساحل ويستغرق في البكاء ، وأعمدة الضياء القادمة من الشمس ، أو الأمل في شيء ما ، تتحطم (تنكسر) وهي تتخلل دموعه في طريقها الى عينيه.

عند هذه النقطة يكون الشاعر قد أكمل رسم الخلفية، والسؤال الذي يمكن أن يسأل هنا، من المتحدث في هذه الأسطر ، من هذا الذي ينقل صورة الغريب بهذه اللغة الوجدانية الإنفعالية؟ والجواب انه الشاعر (المخرج) الذي وجه كامرته لتنطلق من اللقطة الكبيرة حتى تلقط صورة الغريب الذي سيستلم زمام الحديث بعد الآن، بالضبط مثل بداية فيلم سينمائي يلتقط شخصية من بين الزحام ثم يتركها تحكي حكايتها مباشرة.

صحيح ان هذه هي البداية الفيزياوية للقصيدة ، لكنها في الحقيقة ليست البداية الشعورية لها فهي لا تعدو كونها فرشة شعورية تحاول بناء سطح عاطفي سنتلقى القصيدة عليه ، فبعد هذه المقدمة يفتح الشاعر علامة اقتباس هي - في حقيقة الأمر - البداية الحقيقية للقصيدة:



"أعلى من العبّاب يهدر رغوهُ ومن الضجيج

صوتٌ تفجّر في قرارةِ نفسي الثكلى: عراق،

كالمد يصعد كالسحابةِ كالدموع الى العيون

الريح تصرخُ بي :عراق

والموج يعولُ بي : عراق عراق ليس سوى عراق

البحرُ أوسع ما يكون وأنت أبعد ما تكون

والبحرُ دونك يا عراق

بالأمس حين مررت بالمقهى سمعتك يا عراق

وكنت دورة أسطوانة

هي دورة الأفلاك من عمري تكورُ لي زمانه

في لحظتين من الزمان ، وان تكن فقدت مكانه



هذه الأسطر وكل ما سيأتي بعدها هو نقل مباشر للحوار الداخلي في نفس الغريب الذي يتسم بخصائص لغوية لابد من ملاحظتها لفهم القصيدة، فمن الملاحظ أولا اصرار الشاعر على أن تكون الجملة الإسمية هي الجملة الأساس في لغة الغريب ، والأفعال دائما تأتي في حشو الجمل لا بداياتها ، وهذا منسجم مع الفكرة التي بنيت القصيدة عليها ، فكل الحركة التي ستوصف في كلام الغريب ليست حركة حقيقية تحدث الآن ، انها حركة داخل السكون ، ليس لها وجود الا في مخيلة الغريب وذاكرته.

والسمة الثانية هي تكرار كلمة عراق في هذه الأسطر التي ستدخلنا فيما بعد الى سلسلة طويلة من تداعيات الذاكرة ، (عراق) تكررت سبع مرات بإلحاح واضح ، ونحن نرى ان لهذا التكرار مدلول سحري ، ويشجعنا على هذا الرأي الرقم سبعة الذي يرتبط بالسحر في الموروث الإنساني ، فالغريب يحاول ( استحضار روح) العراق من خلال التكرار السباعي الشائع في الرياضات الروحانية.

ومن الملاحظ أيضا استخدام الغريب كلمة (عراق) مجردة من (الـ) التعريف، عراق وليس العراق، طبعا لأن العراق في نفس الغريب لم يعد بحاجة الى التعريف فقد أصبح قيمة مطلقة موغلة التعريف مستغنية عما يعرفها.

وكما أشرنا في مقال سابق يمثل السطر (وكنت دورة أسطواتة) مفتاحا فنيا لبناء القصيدة ، فكل ما سيأتي بعد ذلك هو صور لا رابط موضوعي بينها ، تتدفق تدفقا سريعا بطريقة التداعي الحر:



هي وجهُ أمي في الظلام

وصوتها يتزلقان مع الرؤى حتى أنام

وهي النخيل أخاف منه اذا ادلهم مع الغروب

فاكتظ بالأشباح تخطف كل طفل لا يؤوب

من الدروب

وهي المفلّيةُ العجوز وما توشوشُ عن حزام

وكيف شقّ القبرَ عنهُ أمام عفراء الجميلة

فاحتازها الا جديلة



هذه هي الصور الثلاث الأولى من دفق صور طفولة الغريب (الأم ، النخيل، الجدة المفلّية) ، حيث نلاحظ أنها لا ترتبط بالسببية ، بل ان ما يربط بينها فقط تداعيها بوصفها ذكريات طفولة ، انها مستقلة عن بعضها حتى في شكلها اللغوي فليس هنا سطر واحد تشترك فيه صورتان، هذه الصور وكل ما سيأتي بعدها ليست الا الأخاديد الدائرية المحفورة على ظهر اسطوانة الكراموفون ، التي ذكرها الغريب في البداية ، انها تبدو دوائر متحدة المركز مستقلة عن بعضها ، لكنها في الحقيقة ليست الا خطا واحدا مرسوم بشكل حلزوني ليتيح لأبرة الكراموفون السير بداخله من الخارج الى الداخل حتى الوصول الى المركز. والمركز في غريب على الخليج هو هذه النقطة التي يجلس فيها الغريب متحسرا على العراق متمنيا العودة اليه ، وهكذا يعود الغريب في النهاية بعد سلسلة طويلة من صور الذاكرة الى نقطة المركز:



لتبكين على العراق

فما لديك سوى الدموع

وسوى انتظارك دون جدوى للرياح وللقلوع



ولا يمكن للقارئ أن لا يلاحظ استخدام كلمات (الرياح ، القلوع) في السطر الأخير وهما الكلمتان اللتان بدأت بهما القصيدة.




د. ثائر العذاري


--------------------------------------------------------------------------------

التعليقات

الاسم: هيا
التاريخ: 30/03/2008 19:07:23

ارجو من الدكتور ثائر تفسير هذا السطر من قصيدة غريب على الخليج
" وفي النسمات برد مشبع بعطور آب " باسرع وقت ممكن ولك مني جزيل الشكر والتقدير والعرفان



الاسم: ضياء الهاشم
التاريخ: 24/08/2007 21:45:28

تحليل مشبع بالعرفان الوجداني
والسياب يبقى شكسبير العراق بهكذا تحليل



الاسم: rehabalhindy
التاريخ: 24/08/2007 20:20:08

ويبق للسياب رونقه الشعر الذي لايموت ابداا

ورائع ان تعود اليه يا دكتوري العزيز بالتحليل والتوضيح والدراسه

دمت

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:27 AM

أقداح و أحلام







أنا ما أزال وفي يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب
ما زلت اشربها واشربها حتى ترنح أفقك الرحب
الشرق عفر بالضباب فما يبدو فأين سناك يا غرب؟
ما للنجوم غرقن ، من سأم في ضوئهن وكادت الشهب ؟
أنا ما أزال وفي يدي قدحي ياليل أين تفرق الشرب ؟
******

الحان بالشهوات مصطخب حتى يكاد بهن ينهار
وكأن مصاحبيه من ضرج كفان مدهما لي العار
كفان ؟! بل ثغران قد صبغا بدم تدفق منه تيار
كأسان ملؤهما طلى عصرت من مهجتين رماهما الحب
أو مخلبان عليهما مزق حمراء تزعم أنها قلب
******

يا ليل ، أين تطوف بي قدمي ؟ في أي منعطف من الظلم
تلك الطريق أكاد أعرفها بالأمس عتم طيفها حلمي
هي غمد خنجرك الرهيب ، وقد جردته ومسحت عنه دمي
تلك الطريق على جوانبها تتمزق الخطوات أو تكبو
تتثاءب الأجساد جائعة فيها كما يتثاءب الذئب
******

حسناء يلهب عريها ظمأي فأكاد أشرب ذلك العريا
وأكاد أحطمه ، فتحطمني عينان جائعتان كالدنيا
غرست يد الحمى على فمها زهرا بلا شجر فلا سقيا
إن فتحته بحرها شفة ظمأى يعربد فوقها ندب
رقص اللهيب على كمائمه ومشى الطلاء يهزه الوثب
******

عين يرنح هدبها نفسي وفم يقطع همسه الداء
ويد على كتفي مجلجلة واخجلتاه أتلك حواء
لا كنت آدمها ولا لفحت فردوسي الخمري صحراء!
صوت النعاس يرن في أفقي فتذوب ناعسة له السحب
وانثال ، من سهري على سهري ينبوعه المتثائب الرطب
******

يا نوم بين جوانحي أمل لم أدر ، قبلك أنه أمل
مثل الفراشة بات يحبسها دوح بذائب طله خضل
لولا خفوق جناحها غفلت بيض الأزاهر عنه والمقل
أنا من ظلالك بين أودية عذراء كل مهادها عشب
هام الضباب على رفارفها طل الوشاح ... كنجمة تخبو
******

ماذا أراه ؟! أطيفها مسحت عنه التراب أنامل الغسق؟
هو يا فؤادي غيرها ، رفة هو من دمائك أنت من حرقي
هو ما نحن إليه بادلني حبي وفتح بالسنا أفقي
فإذا لثمت فغير خادعة باتت لكل مخادع تصبو
أفكان سورا قام بينهما بين الخيانه والهوى _ هدب ؟
******

خفقت ذوائبها على شفتي وسنى فأسكر عطرها نفسي
نهر من الاطياب ارشفني ريحا تريب مجابر الغلس
فكان ناديا ضمخته يدا آذار غرد ليلة العرس
فغفا وما زالت ملاحنة ملء الفضاء يعيدها الحب
أو أن سوسنة يراقصها رجع الغناء بشعرها تربو
******

يا جسم طيفك ، انت يا شبحا من ذكرياتي يا هوى خدعا
لعناتي الحنقيات ما برحت تعتاد خدرك والظلام معا
خفقت بأجنحة الغراب على عينيك تنشر حولك الفزعا
الصبح ، صبحك ، ضحك شامته والليل ليلتك مضجع ينبو
وإذا هلكت غدا ، فلا تجدي قبرا ومزّق صدرك الذئب ؟
******

والبوم يملأ عشه نتفا من شعرك المتعفر النّخر
ويعود ثغرك للذباب لقي ويداك مثقلتان بالحجز
لا تدفعان أذاه عن شفة بالأمس اخرس لغوها وترى
وليسق من دمك الخبث غدا دوح تعشش فوقه الغرب
تأوي الصلال الى جوانبه غرثي ويعوي تحته الكلب


السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:30 AM

هوى واحد !







على مقلتيك ارتشفت النجوم وعانقت آمالي الآيبة
وسابقت حتى جناح الخيال بروحي إلى روحك الواثبة
أطلت فكانت سناً ذائباً بعينيك في بسمة ذائبة
*

أأنت التي رددتها مناي أناشيد تحت ضياء القمر
تغني بها في ليالي الربيع فتحلم أزهاره بالمطر
ويمضي صداها يهز الضياء ويغفو على الزورق المنتظر
*

خذي الكأس بلي صداك العميق بما ارتج في قاعها من شراب
خذي الكأس لا جف ذاك الرحيق
و إلا صدى هامس في القرار ألا ليتني ما سقيت التراب

*

خذي الكأس إني زرعت الكروم على قبر ذاك الهوى الخاسر
فأعراقها تستعيد الشراب وتشتفه من يد العاصر
خذي الكأس اني نسيت الزمان فما في حياتي سوى حاضر
*

وكان انتظار لهذا الهوى جلوسي على الشاطيء المقفر
وإرسال طرفي يجوب العباب ويرتد عن أفقه الأسمر
إلى أن أهل الشراع الضحوك وقالت لك الأمنيات : أنظري
*

أأنكرت حتى هواك اللجوج وقلبي وأشواقك العارمة
وضللت في وهدة الكبرياء صداها .. فيا لك من ظالمة
تجنيت حتى حسبت النعاس ذبولا على الزهرة النائمة
*

أتنسين تحت التماع النجوم خطانا وأنفاسنا الواجفة
وكيف احتضنا صدى في القلوب تغني به القبلة الراجفة
صدى لج احتراق الشفاة وما زال في غيهب العاطفة
*

ورانت على الأعين الوامقات ظلال من القبلة النائية
تنادي بها رغبة في الشفاة ويمنعها الشك .. والواشية
فترتج عن ضغطة في اليدين جكعنا بها الدهر في ثانية
*

شقيقة روحي ألا تذكرين نداء سيبقى يجوب السنين
وهمس من الأنجم الحالمات يهز التماعاتها بالرنين
تسلل من فجوة في الستار إليك وقال ألا تذكرين
*

تعالي فما زال في مقلتي سنا ماج فيه اتقاد الفؤاد
كما لاح في الجدول المطمئن خيال اللظى والنجوم البعاد
فلا تزعمي أن هذا جليد ولا تزعمي أن هذا رماد؟

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:33 AM

أساطير







أساطير من حشرجات الزمان

نسيج اليد البالية

رواها ظلام من الهاوية

وغنى بها ميتان

أساطير كالبيد ماج سراب

عليها وشقت بقايا شهاب

وأبصرت فيها بريق النضار

يلاقي سدى من ظلال الرغيف

وأبصرتني والستار الكثيف

يواريك عني فضاع انتظار

وخابت منى وانتهى عاشقان

**

أساطير مثل المدى القاسيات

تلاوينها من دم البائسين

فكم أومضت في عيون الطغاة

بما حملت من غبار السنين

يقولون : وحي السماء

فلو يسمع الأنبياء

لما قهقهت ظلمة الهاوية

بأسطورة بالية

تجر القرون

بمركبة من لظى في جنون

لظى كالجنون !

**

وهذا الغرام اللجوج

أيريد من لمسة باردة

على اصبع من خيال الثلوج

وأسطورة بائدة

وعرافة أطلقت في الرمال

بقايا سؤال

وعينين تستطلعان الغيوب

وتستشرقان الدروب

فكان ابتهال وكانت صلاة

تغفر وجه الآله

وتحنو عليه انطباق الشفاه

**

تعالي فما زال نجم المساء

يذيب السنا في النهار الغريق

ويغشى سكون الطريق

بلونين من ومضة واطفاء

وهمس الهول الثقيل

بدفء الشذى واكتئاب الغروب

يذكرني بالرحيل

شراع خلال التحايا يذوب

وكف تلوح يا للعذاب

**

تعالي فما زال لون السحاب

حزينا .. يذكرني بالرحيل

رحيل

تعالي تعالي نذيب الزمان

وساعة في عناق طويل

ونصبح بالأرجوان شراعا وراء المدى

وننسى الغدا

على صدرك الدافئ العاطر

كتهويمة الشاعر

تعالي فملء الفضاء

صدى هامس باللقاء

يوسوس دون انتهاء

**

على مقلتيك انتظار بعيد

وشيء يؤيد

ظلال

يغمغم في جانبيها سؤال

وشوق حزين

يريد اعتصار السراب

وتمزيق أسطورة الأولين

فيا للعذاب

جناحان خلف الحجاب

شراع ..

وغمغمة بالوداع !!

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:37 AM

أنشودة المطر
لبدر شاكر السياب

التعريف بالشاعر :
بدر شاكر السياب شاعر عربي عراقي ولد1929م بقرية ( جيكور) بالبصرة ، كانت طفولته سعيدة يحب مراقبة السفن والمراكب وقد تركت حكايات جدته انطباعات عميقة الأثر في نفسه جسدها شعرا فيما بعد ، أتم تعليمه الثانوي فيها ثم التحق بدار المعلمين ببغداد وتخصص في اللغة العربية والإنجليزية وزادت شهرته من خلال المجالس الأدبية عمل معلما كما عمل في الاستيراد والتصدير بميناء البصرة ، وخسر في الجميع لمواقفه السياسية فقد كانت الحركات اليسارية العربية في العراق مشتعلة وقد انضم السياب إلى الموجة الشيوعية والتي انعكست على شعره فاتسم بالبعد عن مقتضى الإيمان ثم حدثت بعض المفارقات التي أبعدته عن الفكر الشيوعي فقد كان طريدا من قبل الحكومة مما دفعه للجوء إلى إيران . أصيب السياب بداء عضال أقعده فكان الجسر الذي عبر من خلاله إلى التوبة وتفجرت من خلاله المعاني الإيمانية ، يعد من رواد شعر التفعيلة ، وقد تأثر السياب بالأدب العربي و الأوروبي والإنجليزي والصيني مما كان عاملا لنزوعه إلى الأسطورة والرمز ، له عدة دواوين منها : أزهار ذابلة وأساطير وأنشودة المطر وقد جمعت في مجلدين .
مناسبة القصيدة
اتخذ بدر شاكر السياب من المطر رمزا واسعا قادرا على حمل هواجس النفس الإنسانية . فيتخذ الشاعر من موطنه العراق حبيبة يتغنى بها ويتمنى أن يعم وطنه الخير والخصب والنماء منطلقا من همه الفردي الخاص إلى عرض بعض الهموم الاجتماعية مثل : الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده .
1- ذكريات الشاعر الجميلة :

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحر
أو شرفتانِ راحَ ينأى عنهُما القمر
عيناكِ حين تبسمانِ تُورقُ الكروم
وترقصُ الأضواءُ.. كالأقمارِ في نهر
يرجُّهُ المجدافُ وَهْناً ساعةَ السحر...
كأنّما تنبُضُ في غوريهما النجوم
وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيف
كالبحرِ سرَّحَ اليدينِ فوقَهُ المساء
دفءُ الشتاءِ فيه وارتعاشةُ الخريف
والموتُ والميلادُ والظلامُ والضياء
فتستفيقُ ملء روحي، رعشةُ البكاء
ونشوةٌ وحشيةٌ تعانق السماء
كنشوةِ الطفلِ إذا خاف من القمر
كأنَّ أقواسَ السحابِ تشربُ الغيوم..
وقطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر...
وكركرَ الأطفالُ في عرائش الكروم
ودغدغت صمتَ العصافيرِ على الشجر
أنشودةُ المطر
مطر
مطر
مطر

المفردات :
السحر : قبل الصبح (ج) أسحار ، ينأى : يبتعد ، تورق : تكثر أوراقها " دلالة على الإزهار والإثمار" ، الكروم : شجر العنب ، يرجه : يهزه بشدة ويحركه ، المجداف : خشبة يحرك بها القارب (ج) مجاديف ، وهناً : نصف الليل ووَهِنَ بمعنى أصابه الوجع ويقال "دخل في الوهن من الليل " ، تنبض : تحرك الشيء في مكانه ، غور : القعر والعمق (ج) غيران وأغوار ، تغرقان : يغلب عليها الماء حتى يهلكها ، الضباب : سحاب يغشى الأرض كالدخان ، أسى : حزن ، شفيف : شديد ، سرَّح : أرسل ، ارتعش : ارتجف واضطرب ، تستفيق : أفاق فلان أي عاد إلى طبيعته من غشية لحقته ، ملء : قدر ما يأخذه الإناء ، رعشة : رجفة ، نشوة : أول السكر والارتياح للأمر والنشاط له والمراد بها الرغبة ، وحشية : عارمة لا يسيطر عليها ، تعانق : تحتضن حباً ، أقواس : مفردها قوس وهو جزء من محيط الدائرة ، الغيوم : السحب مفردها غيمة ، تذوب : تسيل ، كركر : ضحك بشدة ، عرائش : مفردها عريشة وهو ما يستظل به ، دغدغ : غمزة تسبب انفعالا ، أنشودة : الشعر المتناشد بين القوم (ج) أناشيد .

الشرح
يتخيل الشاعر العراق حبيبة له ويتذكر من خلالها ذكرياته الجميلة بها فيتذكر غابات النخيل الشامخة في أواخر الليل بهدوئها وسكونها ، فعندما يعم السلام والسعادة في العراق تتحرك كل مباهج الكون وتعزف أنشودة الحياة التي يراها في شجر الكروم الذي كثرت أوراقه وكذلك في الأضواء المنبعثة من القمر التي تتراقص وتتلألأ على سطح الماء عندما يتحرك المجداف بضعف قبيل الصباح . يتذكر الشاعر لمعان النجوم الخافت الذي يكاد يختفي في الضباب الشديد مما يسود البلاد من حزن شديد للأوضاع العامة فيعم الظلام على البحر والبر وبدأ الشاعر يستشعر بالعراق فشعر بدفء شتاء الوطن ورعشة الخريف فيه فتدور بداخله ملحمة عظيمة يروى من خلالها قصة الحياة بين الموت والميلاد ، بين النور والظلام ، مما أفاق بداخله الشعور الجارف بالبكاء على هذا الوطن فيشعر بالرغبة الشديدة للتحرر والارتباط بعالم السماء الرحب فيرى بصيص من الأمل المتمثل في المستقبل والطفل ، ويعود مرة أخرى فيتذكر طفولته في العراق وقد امتلأ الجو فيها بالسحب الماطرة التي بدأت تقضي على الغيوم فيسقط المطر قطرة قطرة وقد تهلل الأطفال فرحين في عرائش العنب وبدا المطر محركاً لصوت العصافير على الشجر يعزف أنشودة الحرية والخصب والنماء " مطر... مطر.... مطر " .
مواطن الجمال :
· عيناك غابتا نخيل ساعة السحر : شبه عينا الحبيبة بغابتا النخيل وقت السحر للدلالة على الهدوء والسكون .
· أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر: شبه عينا الحبيبة بالشرفتين اللتين بعد عنهما القمر للدلالة على الأمل في التحرر من الليل .
· يلاحظ استخدام الشاعر للجمل الاسمية مما يوحي بالسكون والهدوء ويبدأ يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها مثل : " تورق الكروم ، ترقص الأضواء ، يرجه المجداف ، تنبض في غوريهما .........."
· استخدام الشاعر للأفعال المضارعة للدلالة على الاستمرارية والدوام
· عيناك حين تبسمان : تراسل حواس حيث أعطى وظيفة الفم للعين .
· استعارة مكنية شبه العين بالإنسان الذي يبتسم .
· ترقص الأضواء : استعار مكنية شبه الأضواء بإنسان يرقص .
· ترقص الأضواء كالأقمار في نهر : شبه رقص الأضواء باهتزاز القمر في النهر عندما يتحرك المجداف فوق الماء .
· كأنما تنبض في غوريهما النجوم : استعارة مكنية شبه النجوم بالقلب الذي ينبض .
· وتغرقان في ضباب من أسى شفيف : استعارة تمثيلية شبه النجوم التي تختنق بالضباب بالإنسان الذي يغرق في الحزن الشديد .
· كالبحر سرح اليدين فوقه المساء: استعارة مكنية شبه المساء بالإنسان الذي أرسل يده فوق البحر.
· الموت والميلاد ، الظلام والضياء : طباق يوضح المعنى ويبرزه .
· ونشوة وحشية تعانق السماء: وصف النشوة بالوحشية دلالة على عدم قدرته على السيطرة عليها
· وفيها استعارة مكنية شبه النشوة بالحيوان المفترس ، وشبه السماء بالإنسان الذي يعانق ، وشبه النشوة بالإنسان الذي يعانق .
· ونشوة وحشية كنشوة الطفل إذا خاف من القمر : شبه النشوة الوحشية بنشوة الطفل عند خوفه من القمر .
· وهنا إشارة لأسطورة خسوف القمر والخوف الذي يدفع الأطفال للغناء والإنشاد.
· والطفل هنا يرمز إلى المستقبل الذي يبشر بالأمل .
· كأن أقواس السحاب تشرب الغيوم: استعارة مكنية شبه السحاب بالإنسان الذي يشرب الغيم.
· وقطرة فقطرة تذوب في المطر : تقديم ما حقه التأخير
· وكركر الأطفال في عرائش الكروم : كناية عن السعادة التي يحملها المستقبل و تجدد الحياة وولادة العالم الفتي الذي بدأ يلوح في الأفق .
· ودغدغت صمتَ العصافير على الشجر: كناية على الحرية والانطلاق
· تكرار كلمة مطر يدل على حرص الشاعر على إظهار أثر المطر في الخصب والنماء.
- المناحي التي تبعث السرور والحزن في نفس الشاعر :

تثاءبَ المساءُ والغيومُ ما تزال
تسحّ ما تسحّ من دموعها الثقال:
كأنّ طفلاً باتَ يهذي قبلَ أنْ ينام
بأنّ أمّه - التي أفاقَ منذ عام
فلم يجدْها، ثم حين لجَّ في السؤال
قالوا له: "بعد غدٍ تعود ..."
لا بدّ أنْ تعود
وإنْ تهامسَ الرِّفاقُ أنّها هناك
في جانبِ التلِ تنامُ نومةَ اللحود،
تسفُّ من ترابها وتشربُ المطر
كأنّ صياداً حزيناً يجمعُ الشباك
ويلعنُ المياهَ والقدر
وينثرُ الغناء حيث يأفلُ القمر
مطر، مطر، المطر

أتعلمين أيَّ حزنٍ يبعثُ المطر؟
وكيف تنشجُ المزاريبُ إذا انهمر؟
وكيف يشعرُ الوحيدُ فيه بالضياع؟
بلا انتهاء_ كالدمِ المُراق، كالجياع
كالحبّ كالأطفالِ ، كالموتى –
هو المطر
ومقلتاك بي تطيفان مع المطر
وعبرَ أمواجِ الخليجِ تمسحُ البروق
سواحلَ العراقِ بالنجومِ والمحار،
كأنها تهمُّ بالشروق
فيسحبُ الليلُ عليها من دمٍ دثار
أصيحُ بالخيلج: "يا خليج
يا واهبَ اللؤلؤ والمحارِ والردى"
فيرجع الصدى
كأنّهُ النشيج:
"يا خليج: يا واهب المحار والردى"

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:38 AM

المفردات :
تثاءب : تصنّع الثوباء ، الثوباء حركة للفم لا إرادية من هجوم النوم أو الكسل ، تسح : تنزل وتنصب ، الثقال : الشيء الكريه للنفس ، يهذي : تكلم بغير معقول لمرض ، أفاق : تنبه ، لج : ألح ولزم الشيء ولم ينصرف عنه ، تهامس : تكلم بصوت منخفض ، التل : ما علا من الأرض (ج) تلال ، اللحود : مفردها لحد وهو القبر ، تسف : تأكل ، يلعن : يسب ، القدر : قضاء الله ، ينثر : ينشر ، يأفل : يغيب ، تنشج : ونَشَجَ الباكي يَنْشِج نَشْجاً ونَشيجاً، إذا غَصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب ، المزاريب : مفردها مزراب وهي مجاري للماء ، انهمر : سال بشدة ، الضياع : الفقد والهلاك ، المراق : المسال ، مقلتاك : عيناك ، تطيفان : تأتيان كالخيال ، المحار : حيوان بحري ينتج اللؤلؤ ، تهم : تشرع ، دثار : ما يتدثر به ( يتغطى به) الإنسان من كساء أو غيره ، واهب : معطي ، الردى : الموت والهلاك ، الصدى : رجع الصوت .

الشرح :
يستمر الشاعر في تداعي الذكريات التي تربطه بالوطن في تعبيرات رمزية رائعة ، فيرى دخول الليل وما زالت الغيوم تنزل المطر الذي أثقل كاهلها فيرى أبناء العراق الذين استفاقوا من غفوتهم للتحرر يحملون معهم الأمل الذي سيتحقق طالما أصروا عليه وقد أخذ بعض الرفاق البعيدين عن الوطن يتكلمون همسا أن العراق ما زالت في رقادها وذلها وهوانها فالشعب يعاني فيها في يأس وحزن ينعى حظه وقدره يحاول أن يتغلب على قهره بالغناء عندما يغيب القمر منشدا " مطر... مطر .."
ثم يوضح الشاعر أن المطر يبعث الحزن في نفسه ، فعندما ينهمر المطر ويسمع صوت وقع الماء من المزاريب وكأنه بكاء عنيف يشعر الإنسان الوحيد بالضياع والهلاك ولا ينتهي هذا الشعور كالشعور الناجم من رؤية الدم المسال والناس الجوعى أو الشعور بالحب المتجدد والحنين للوطن والشعور النابع من رؤية طفل أو ميت ، فالمطر يطلق هذا الشعور باستمرارية .
تمر علي هذه الأطياف أطياف الوطن مع هطول المطر فأقف أتأمل أمواج الخليج التي تحمل معها الأمل من جديد وقد رأيت الأحرار الذين يعدون أنفسهم لتخليص العراق من الظلم واسترداد ثرواتها المسلوبة وكأنهم سيشرقون بعراق جديد ولكن هذه المحاولات انتهت بالفشل وسالت دماء هؤلاء الأحرار ومن بقى منهم لاجئا بعيدا عن وطنه ليس له إلا أن ينادي على الخليج الذي يهب الخير والعطاء وكذلك الهلاك لصعوبة الحصول على خيراته ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وتفشل هذه الحركات التحررية .

مواطن الجمال :
· تثاءب المساء : استعارة مكنية شبه المساء إنسانا يتثاءب
· الغيوم ما تزال تسح ما تسح من دموعها الثقال : استعارة مكنية شبه الغيوم بالمرأة التي تبكي بشدة .
· دموعها الثقال : كناية عن شدة ما يعانيه الوطن من ظلم وقهر .
· كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام : : يربط الشاعر صورة الغيوم التي تذرف الدمع بصورة الطفل الذي فقد أمه ويبكي سألا عنها
· يستخدم الشاعر الطفل رمزا للمستقبل الذي يحمل الأمل في الحرية
· ويستخدم الشاعر الأم رمزا للوطن المستعمر .
· حين لج في السؤال
قالوا له بعد غد تعود
لا بد أن تعود : نلمح إصرار الشاعر وتحدي المناضل الطريد على تحرير الوطن وعودة العراق حرة كما كان.
· وإن تهامس الرفاق : الهمس هنا يدل على مدي الخوف والقلق الذي يملأ النفوس .
· تنام نومة اللحود : كناية عن الموت والخراب الذي حل بالوطن.
· تسف من ترابها وتشرب المطر: كناية عن الذل الذي تعيش فيه العراق.
· كأن صيادا حزينا يجمع الشباك
ويلعن المياه والقدر
وينثر الغناء حيث يأفل القمر : ربط الشاعر حال العراق بحال الصياد الذي نصب شباكه للصيد وأتى المطر وخرب عليه الصيد فأخذ يجمع شباكه لاعناً القدر الذي لم يمكنه من صيده .
· فالصياد رمز للشعب اليائس الحزين الذي يصارع الحياة .
· وينثر الغناء حيث يأفل القمر : كناية عن الألم الذي يعانيه الشعب في وجود الظلم والاحتلال .
· تكرار كلمة " مطر " يدل على الثورة العارمة والصراع .
· أتعلمين أي حزن يبعث المطر ؟ وكيف تنشج المزا ريب إذا انهمر؟ وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع ؟
أساليب إنشائية استفهام غرضها التقرير .
· كالدم المراق .. كالجياع.. كالحب .. كالأطفال .. كالموتى : كلمات تحمل ترسبات الماضي في نفس الشاعر مما يوحي بالمفارقات الكامنة بنفسه .
· تمسح البروق سواحل العراق : استعارة مكنية شبه البروق بالإنسان الثائر ضد الظلم .
· النجوم والمحار : كناية عن الثروات الموجودة بالعراق .
· كأنها تهم بالشروق : كناية عن الأمل في زوال المستعمر .
· فيسحب الليل عليها من دم دثار : شبه الليل بالإنسان الذي يغطي ، والدم بالغطاء ، دلالة على العنف المتواجد في العراق .
· يا خليج ، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى : أسلوب نداء يدل على بعد الشاعر وغربيه عن الوطن
· اللؤلؤ والمحار والردى : اللؤلؤ والمحار كناية عن مهنة الغوص والتي ارتبطت بالموت للدلالة على صعوبة العيش في العراق
· كأنه النشيج : كناية عن الألم الذي يعتصر العراق من المستعمر.
· عودة الصدى " يا واهب المحار والردى " تحمل دلالة ضياع خيرات العراق وثرواته .

لهم الذي يؤرق السياب :

أكادُ أسمعُ العراقَ يذخرُ الرعود
ويخزنُ البروقَ في السهولِ والجبال
حتى إذا ما فضّ عنها ختمَها الرجال
لم تترك الرياحُ من ثمود
في الوادِ من أثر
أكادُ أسمعُ النخيلَ يشربُ المطر
وأسمعُ القرى تئنّ، والمهاجرين
يصارعون بالمجاذيفِ وبالقلوع
عواصفَ الخليجِ والرعود، منشدين
مطر.. مطر .. مطر


المفردات :
يذخر : خبأ لوقت الحاجة ، الرعود : صوت السحاب المصطدم المحمل بالمطر ، البروق : مفردها برق وهوا للمعان الناتج من اصطدام السحب ببعضها ، فضّ : فض الشيء فرقه ، ختمها : ختم النحل أي ملأ خليته عسلا ، واختم الشيء أي أتمه ، ثمود : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة ، تئن : تتألم ، المهاجرين : المستعمرين ، يصارعون : يقاتلون ، المجاذيف : مفردها مجذاف وهو ما تتحرك به السفينة ، القلوع : مفردها قلع وهو الشراع ، عواصف : مفردها عاصفة وهي الريح الشديدة .

الشرح
في هذا المقطع يوضح السياب الهم الذي سبب له الأرق وهو المستعمر الذي غزا بلاده فنجده يعايش الموقف بالعراق فالثورة قائمة والعراقيون يستعدون للقاء المستعمر وحربه ولكن تفرقوا وتشتت أمرهم فلم يبق إلا صوت المطر الذي يضفي الحزن في النفس وكذلك القرى التي لحقها الدمار من جراء الصراع الذي دار بينهم وبين المستعمر لاقتلاع خيرات الخليج .

مواطن الجمال
· اسمع العراق : شخص الشاعر العراق بالإنسان الذي يتكلم .
· يذخر الرعود ، يخزن البروق : أساليب خبرية تدل على الثورة الموجودة داخل العراق .
· لم تترك الرياح من ثمود
في الوادي من أثر : إشارة إلى قوم ثمود الذين أخذهم الله بالصيحة والرجفة والزلزلة وقد التبس الأمر على الشاعر بين قوم عاد وثمود فعاد هم من أخذوا بالريح الباردة " وهنا لجأ الشاعر إلى استخدام معاني القرآن الكريم "
· أكاد أسمع النخيل يشرب المطر : استعارة مكنية شبه النخيل بالإنسان الذي يشرب .
· أسمع القرى تئن : استعارة مكنية شبه القرى بالإنسان الذي يئن .
· المهاجرين يصارعون عواصف الخليج : شبه أهل العراق بالعواصف في ثورتهم .


نقد القصيدة


التمهيد ..
يعد بدر شاكر السياب من الذين وظفوا المطر ليكون رمزا واسعاً على حمل هواجس النفس الإنسانية وعرض همومه الفردية منطلقاً منها إلى عدد من الهموم الاجتماعية مثل الفقر والجوع على الرغم من وجود الخير الكثير في بلده ، فقد حوّل المطر إلى قيمة ثرية غنية بالدلالات .
ولعل المحور الرئيسي الذي تدور حوله هذه الأبيات من القصيدة هو قضية العراق والاستعمار الذي طالما حاول النيل منها ولا عجب أن تتفق هذه الرؤية مع الواقع الحالي الذي يعيشه العراق فقد استبد فيه الطامعين وحولوه إلى ساحة قتال لهدف واحد وهو الثروات العراقية التي تزخر بها .

الأفكار :
أفكار القصيدة مترابطة ، وقد ابرز الشاعر أفكاره من خلال التشخيص والتجسيم والرمز فلم يعبر عنها صراحة ولكن ضمنا حيث نجده يبدأ القصيدة بذكرياته الجميلة في العراق ثم يبين المناحي التي تبعث السرور في حياته والمناحي التي تثير الحزن فيها والأسى ، فينطلق مباشرة إلى الهم الذي يؤرقه ويؤرق العراق كلها وهو طمع المستعمر فيها .

العاطفة :
عاطفة الشاعر في هذه القصيدة إنسانية عامة ، فهو يريد أن يدفع الخطر عن وطنه المتمثل في المستعمر الغاصب لخيرات بلاده فحب الوطن والانتماء إلى الأرض يشترك فيه جميع الناس ، فالعاطفة صادقة " بين الألم والحزن والأمل والفرحة " نابعة من حب الشاعر لوطنه وأرضه وشعبه المقهور .

الألفاظ :
استخدم الشاعر الألفاظ السهلة الواضحة موحية فجاءت ملائمة للموضوع ، وقد استخدم الشاعر الرمز للتعبير عما يريد دون خوف مثل:
الطفل : رمز للمستقبل الذي يبشر بالأمل ، والأم : رمز للوطن ، والصياد : رمز للشعب اليائس الذي يصارع الحياة ، والمهاجرين : رمز للمستعمرين الذين يغتصبوا ثروات العراق .

الأساليب
تنوعت الأساليب في القصيدة بين الخبرية والإنشائية التي توحي بالصراع المرير والحزن
فمن الأساليب الإنشائية أكثر من النداء والاستفهام للتعبير عن الجو النفسي الذي يعيشه الشاعر.
وبالنسبة للأساليب الخبرية نجد الشاعر وفق في استخدام الجمل الاسمية التي توحي بالسكون والهدوء و يعقبها بالجمل الفعلية التي تسبب الحركة وبدء الحياة وتجددها .
وكذلك استعان الشاعر بأسلوب التقديم لما حقه التأخير مثل تقديم الحال
كما ضمن الشاعر بعض الأساليب القرآنية ويعاب عليه الخلط بين عاد وثمود .

الصور والأخيلة :

جمع الشاعر بين التصوير الكلي والجزئي لتوضيح الفكرة والتعبير عن المشاعر فنجده يفصّل الصور الكلية بصور جزئية تثري العمل الفني مثل : " عيناك حين تبسمان " صورة كلية فسرها بعدة صور جزئية مثل :" ترقص الأضواء كالأقمار في نهر ، كأنما تنبض في غوريهما النجوم ، وتغرقان في ضباب من أسى شفيف ، كالبحر سرح اليدين فوقه المساء "
فنلاحظ تداعي الصور الشعرية فالصور تتوالد داخليا لتشكل حشداً هائلا من الصور المبنية على التشبيه والتي تعد بمثابة إشعاعات تومض بصفة دورية.
لمحسنات البديعية :
غير متكلفة وقد استخدم الشاعر بعض المتناقضات للتعبير عما بداخله من إحساس
كالموت والميلاد ، والظلام والضياء ، دفء وارتعاشة
في القصيدة نوعان من الموسيقى :


أ – ظاهرة : وتتمثل في المحسنات البديعية والمتناقضات .
ب- خفية : تتمثل في حسن اختيار الألفاظ الموحية التي تعبر عن الحالة الوجدانية ، والمتواليات الصوتية التي تحدث إيقاعاً يتوافق مع الجو النفسي والصور الحية الرائعة وترتيب الأفكار مع صدق العاطفة وقوتها .

الوحدة العضوية :
تتحقق الوحدة العضوية حيث نرى أن حب الوطن والانتماء إليه يدفع الشاعر لدفع خطر المستعمر عن بلاده ، ووحدة الجو النفسي والتي تمثلت في الفاجعة والحزن لما آل إليه الوطن الجريح .
الخصائص الفنية لأسلوب الشاعر :
1- اختيار الألفاظ السهلة الموحية المعبرة الموسيقية .
2- عدم الالتزام بقافية واحدة .
3- الميل إلى التجسيم والتشخيص والاهتمام بالصورة الشعرية.
4- التحرر من المحسنات البديعية المتكلفة .
5- التجديد في شكل القصيدة .
6- البناء على وحدة التفعيلة
7- استخدام الرمز في قصائده .
8- التأثر بالآداب الغربية والصينية .
9- استخدام الأسطورة أو الحكايات المروية من التراث .

ليتك ترى يا بدر عراقك اليوم

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:48 AM



لغة الشعر عند بدر شاكر السياب

وصلتها بلغة المصادر العربية القديمة
القائمة الرئيسية >>

الفصل الثاني - اللفظة عند السياب




اللفظة عند السياب :
اللفظة هي ركن هام من أركان الجملة ، وبها نستطيع الحكم على تقليد الشاعر وتجديده، ونحن نتناول بحثها على هذا النسق:

أ- ظاهرة مستعملة كثيرًا في شعر السياب: وقد لاحظنا ظاهرتين بارزتين هما التشديد والتضعيف.

ب- التقيد بالأصول اللغوية واستعمال الكلمات المعجمية (كالواردة مثلاً في "لسان العرب" و "المنجد").

ج- التجديد في اللفظة: في صيغتها ودلالتها، مما نجده عند الشاعر، وقد يشاركه في استعمالها آخر؛ ومن التجديد ما لم يرد في المعاجم واعتبره البعض من الدخيل، والشاعر أيضًا لا ينفرد بها، ومنه ما يمكن اعتباره خطأ أو صورة جديدة غير مألوفة لغويًا، وهو في حاصل الحساب جديد.

أ- الظواهر البارزة:

1- اختيار كلمات مشددة: ومنها ما هو جائز لغويًا، ومنها ما هو تجديد لدى الشاعر، ولنقرأ:

"وعلى القلوع تظل تطوى أو تنشّر للرحيل

... جلس الغريب يسّرح البصر المحيّر في الخليج

ويهدّ أعمدة الضياء بما يصعّد من نشيج

أعلى من العبّاب....." (573).

فهو يجعل "العبّاب" مشددة وهي ليست كذلك في المعاجم نحو "لسان العرب"، ويقول الشاعر:

"فليحقدن علي كالحمم المستعرّة" (574)، "تنثّر زهرة" (575).

وأبرز ما يقع على وزن (فعّل): "سقّتك الحيا سحب" (576)، "تروّى" (577)، "وردّ هابيل ما قضّاه بارئه" (578).

وفي الكثير من هذه الاستعمالات نرى أنها تدل على عنف في نفس الشاعر، وتأتي للتنفيس عن كبت وضغط.

2- استعمال الأفعال الرباعية المضعفة ومصادرها:

وتبرز هذه الأفعال في شعر السياب (579)، وقد أكثر منها بشكل لا يجاريه شاعر قديم أو معاصر، ففي قصيدة "منزل الأقتان" (580)مثلاً نراه يستعمل: سقسقات (العصافير)، وهسهسة (الرثاء)، وهدهدة (طفلها)، وتهزهز (مهدها)، ويدندن (القصاص)، وولولة (الأب المفجوع)، وكفكف (أدمع الباكين)، ورقرق (الجدول). وهذا الولع الخاص بها جاء ليضفي موسيقى خاصة أو (أونوموتوبيا) يجاري المعنى فيها لفظ الصوت (581). ونظرة فاحصة إلى استعمالات المضعف فانه:

أ. يستعملها كما هي في المعاجم: لجلج، رجرج، لملم، غلغل، هزهز، هدهد، رفرف، صلصل (582).

ب. ويستعملها بمعنى حقيقي آنا وبمعنى مجازي آنا آخر:

حمحم: "الخيل من سأم تحمحم وهي تضرب بالحوافر" (583)، "أطيار من الفولاذ... تحمحم" (584).

دغدغ: من الاستعمال الحقيقي "تدغدغني ونحن على السرير" (585)ومن المجازي "نار تدغدغها" (586)، "التمني يدغدغه" (587)، "يدغدغ أشرعة" (588).

سقسق: الحقيقي "أيسقسق فيها عصفور؟" (589)والمجازي "سقسق الليل" (590)، "سقسقة الصباح" (591).

غمغم: وتعني في "لسان العرب " تكلم بكلام مبهم غير مبين، وقد أكثر الشاعر من استعمالها بجميع مشتقاتها، وكان أكثرها في المعنى الحقيقي: "تغمغم لا لن تراه" (592)، بل إن الشاعر يرددها في القصيدة الواحدة أكثر من مرة (593)، ومن المعنى المجازي لها ما ينسبه للشروق: "غمغمة الشروق" (594).

وسوس: وتعني في " لسان العرب " صوت فيجعلها الشاعر للخيوط والرغام والإنسان والنخل والسنابل والنقود والحرير والشاي والزورق (595).

وقد وردت "يوسوس" في القرآن في سياق الحديث عن الشيطان "الذي يوسوس في صدور الناس" (596)، فيظل أثر الخداع الشيطاني عالقًا في قول السياب:

"يوسوس في تهدج صوتها فيخادع الأرواح" (597)، إذن ، فالكلمة عنده تعني (صوت) دون تحديد أي صوت. ومن الطريف أن نذكر أنه يستعمل (وسوس الشاي) أكثر من مرة، فترافقه بعض ألفاظ الجملة الأولى:

"ولا وسوس الشاي فوق الصلاء" (598)، "وسمراء تصغي إلى الشاي فوق الصلاء يوسوس" (599).

ج. يستعملها مجازيًا:

جعجعة: فهي في اللغة صوت الجمل وصوت الرحى فيجعلها السياب للسنين (600).

ذرذر: وتعني في اللغة رش فيجعلها الشاعر للأنوار والغبار والأضواء والظلمة (601).

قعقع: وتعني صريف الأسنان ، ولها معان أخرى ليس فيها صوت النار، يقول الشاعر: "نارًا تقعقع" (602).

ويذكر " لسان العرب " أن القعقعة للسلاح، ويبدو أن الشاعر رمز إلى السلاح بكلمة (نار).

قهقه: فالظلمة تقهقه (603)، والجليد يقهقه (604).

هسهس: وتعني صات ، فالخبز والنار يهسهسان (605).

د. غير دقيقة الدلالة:

كركر: ومن معانيها في " لسان العرب " - تراجع في مسيله، صوت يردده الإنسان في جوفه، كركرت الشيء أي جمعته، وكركر الرجل أي انهزم...الخ.

وفي استعمالاته الكثيرة يعني بها صوت الماء، فهو يحسها قريبة ومتوافقة مع صوت الماء، ، كما وترد بعض الكلمات من مشتقات (كركر) بمعنى الضحك، يقول الشاعر:

"طفل شرود يكركر بالضحكة الصافية" (606).

إلا أننا لا نستطيع البت في دلالة (كركر) إذا ما استعملتها للشمس والضياء والسحابة والصحراء (607) وأستطيع من خلال مراقبة استعمالاتها أن افهم أنها تعني الضحك، فكثيرًا ما وردت الكلمة وتبعتها أو سبقتها كلمة يدغدغ (608).

قفقف: وتعني في اللغة ارتعاد من البرد أو غيره، ويقول الشاعر:

"وسمعت قفقفة الضحايا في القبور" (609).

ولا نجزم أن كان هذا ما عناه الشاعر، وكثيرًا ما نرى الشاعر جريئًا في استعمال المضعف كأن يجعل الوهوهة (وهي ترديد الصوت بحزن، أو ترديد الزئير) للنيون الكهربائي وللدماء وللدجى وللماء ولليل (610).

ب- التقيد بالأصول اللغوية:

1- ألفاظ معجمية قليلة الاستعمال:

نجد الشاعر يستعمل الكثير من الألفاظ التي لا يعرفها كثير من القراء :

* كلمات وردت في القرآن مثل آد، أيمّ، اجتبى، أزف (611)، وقد أشرنا إليها في فصل الإيحاء القرآني.

* كلمات وردت في شعر العرب مثل: أثافي، دمنه، بهير، بوقات، تشظى، انثال، ثواء، عارض، سحاح، رداح، بهم وغيرها (612).

* وهو يستعمل كلمات نادرة الاستعمال مثل "جوسق" ، "كوسج"، "مغير" (613).

* والشاعر يستعمل كلمات غير واضحة الدلالة، كأن يكون لها أكثر من معنى في المعاجم مثل قداح، عفاة، عنقاء، غرب، نث، نض، (614) ومن الأضداد: جون، صرد (615).

* وكثيرًا ما نلاحظ أنه مولع باستعمال الكلمة الصعبة فيستعمل:

آب (616)بدلاً من عاد (وهي نفس الوزن الشعري)، عقار (617)بدلاً من خمور، موصد (618)بدلاً من مغلق، يم (619)بدلاً من بحر، أشاجع (620)بدلاً من أفاع، ثواء (621)بدلاً من بقاء أو مكوث وغيرها.

2- ألفاظ معجمية شعبية: ومن ملامح اللفظة عنده أن تكون في اللغة الدارجة، ولها أصول في المعاجم، فعندما يقول: "كتبوا أساميهم على الماء" (622) فإننا نشعر أن كلمة "أسامي" عامية وبعد تدقيق نجدها أصيلة، وهكذا شأن بعض الألفاظ مثل: جرار، حارة، أجنبي (623)وغيرها كثير.

ج- التجديد في اللفظة:
1- التجديد في الدلالة:

وأكثر ما استعمله السياب متفق عليه بين عصره، لكني سأورد بعض النماذج القليلة لما أحصيت من الألفاظ التي تكاد لا تقع عند غيره إلا قليلا.

* بلم- "يتماوج البلم النحيل بنا" (624)، والبلم في "المعاصم" سمك بحري صغير، لكن هذه المعنى عند الشاعر لا يستقيم، والشاعر يشرحها في ذيل الصفحة: زورق يستخدمه أهل البصرة.

دخيل: "هل تصيرين للأجنبي الدخيل" (625)، وهي في "المنجد" تعني داخل أعماق البدن، بيد أن معناها الحديث اكتسب طابعًا سلبيًا للمستعمر الذي يدخل البلاد.

استمهل: "كبنلوب تستهمل العاشقين" (626)، واستمهل في "لسان العرب" استنظر، لكن الشاعر لا يريد القول أن بنلوب تستنظر وإنما يريد أنها تجعلهم ينتظرون.

هوّم: ومن مترددات ألفاظ السياب هذه الكلمة التي يعني بها غالبـًا: يدور أو يجول ...وغالبًا ما يرافق ذلك صوت :

"من رياح تهوم بين النخيل" (627)، "على شط يهوم فوقه القمر" (628)

وقد أكثر منها بوجه خاص في ديوانه الأول "أزهار وأساطير" في مرحلته الرومانسية ، ومعناها في "لسان العرب": هز رأسه من النعاس، نام قليلا، وشاعرنا يستعمل "هوم" باشتقاقاتها بمعنى آخر أشرنا إليه.

2- التجديد في الصيغة: فهو يستعمل أسماء الوحدة ( اسم المرة ) مثل: انكسارة، اختلاجة، تكشيرة (629)، وكثيرا ما يجمعها مثل: غمغمات، ابتسامات، تنهدات، التماعات، اختلاجات (630).

وليس جمع المصدر بالمألوف في العربية، وذلك أن ما جمع من المصادر هو الحدث من كونه اصطلاحا نحويًا ، ولكنه انتقل من صورة الحدث إلى صورة الجمود، فاستحال إلى اسم يعيد عن الحدثية والاستعمال مرد هذا التوسع اللغوي.

ويرى د. إبراهيم السامرائي في كتابه "فقه اللغة المقارن" (631) أننا نقول إن النجاحات جمع لنجاح ونشاطات جمع لنشاط وهذه شائعة في الفرنسية succe`s, activite`s وفي الإنجليزية successes, activities. وقد أجاز الأقدمون جمع المصدر إذا أفاد النوعية المختلفة ، وإذا انتقل من الحدث إلى الاسمية كما نجده في مقررات المجمع اللغوي في القاهرة.

وإليك ثبتًا ببعض الكلمات التي تعتبر صيغًا جديدة، وقولي (جديدة) لا يعني أنها مقصورة على السياب فقط، كما أننا لا نحصر - بالضرورة - كل لفظ ولفظ.

* ملاحظة: الرقم إزاء الكلمة هو رقم الصفحة من المجموعة الكاملة.

أبيد: (ص56) وردت في " لسان العرب " مرادفة لأبد، والشاعر فصل بين الكلمتين: "أبيد الرؤى".

آدمية: (ص372) وهي مصدر صناعي من النسبة لآدم.

أكيل: (ص45) وهي صيغة جديدة أرادها صفة على وزن فعيل ولا تؤنث "الرئة الأكيل".

تتأكل: "يا لك ثورة تتأكل القلبا" (ص628) وهي هنا صيغة جديدة لـ (أكل)، ففي "المنجد" تعني: صار منخورًا وسقط.

آه: "أي آه" (ص433)، وآه في اللغة اسم فعل مضارع بمعنى أتوجع، والشاعر يجعلها أسماء.

بابا: ترد كثيرًا عنده بالمعنى الشائع يا أبي (ص324) مثلاً.

تحايا: (ص36) وهي جمع تحية لم ترد هذه الكلمة في المعاجم القديمة، ويبدو أنه جمعها على غرار منية- منايا، رزية رزايا.

خبّط: (البواكير: 101) والمعاجم تعرف خبط وتخبط، لكن الصيغة (خبّط) وقعت عند الشاعر بتأثير العامية، وهو يصوغها بصورة موحية.

مخاضر: (البواكير: 34) والخضرة في اللغة هي أرض فيها خضرة، والمخاضر تعبيبر جديد.

متخافق: (ص321) وخفق تعني اضطرب وتحرك، وتخافق تعبير جديد يضفي حرمة.

مدار: ولم ترد في المعاجم كمصدر أو اسم مكان، بيد أن اللغة تجيز ذلك، فها هو الشاعر يستعملها في التثنية (ص107)، وفي الجمع مدارات (ص13).

ذقون: (147) وهي في الأصول اللغوية أذقان، (انظر: "لسان العرب").

أَذْكَرَ: (ص104) وهي صورة جديدة ل (ذكّر).

تراعش: (ص553) وهي صيغة جديدة من (رعش).

سماوة: (ص324) وهو يعني بها سماء، وربما اشتقها مفردة من سموات.

ساع: (البواكير: 70) ويعني بها ساعة، حذفت التاء لضرورة الشعر.

زئبقي: (575)، ويعني بها الشاعر غير المستقر كالزئبق.

زنبقت: (ص386) فعل مشتق من الزنبق.

مزهرية: (ص203) مأخوذة من زهر ، وهي استعمال في اللغة الدارجة .

زغاريد: (ص347) جمع زغرودة: هدير البعير في جوفه "لسان العرب"، صوت النساء في الفرح "المنجد".

شَحِب: (ص 52 ) ، والوارد في المعاجم ( شاحب ) .

مصارف ( ص630 ) اسم مكان من صرف ، ويعني بها (البنك).

تصخاب: (ص564) مصدر على وزن تفعال لم يرد في المعاجم (ومثله تشراب، تسكاب في اللغة).

استضحك: (البواكير: 10) وهي جديدة إذا اعتبرناها لمعنى (ضحك) كما وردت عند الشاعر.

تضوأ: (ص401) والصيغة المعهودة في المعاجم- ضوّأ.

طفّأ: (ص77) ويستعمل كذلك: تطفأت (ص166) والمعهود في المعاجم- انطفأت، طفئت.




السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:53 AM

مطلول: (البواكير: 69) بمعنى أصابه الطل وهي في المعاجم: لم يثأر له.

ظلموت: (ص257) وهي لم ترد في المعاجم القديمة، وكما نرى فهي مشتقة على وزان ملكوت كهنوت جبروت، وفي (ص165) مثلاً يستعملها الشاعر، وبعدها بعدة أبيات يستعمل "ظلمات"، وتبين لي أنه يجعل الظلموت للأحلام ليبين شدتها وحدتها . بينما الظلمات تأتي لليل بالمعنى الشائع، وربما تقع كلمة "ظلموت" بتأثير جو كلمة أخرى في نفس القصيدة، إذ يستعمل الشاعر ملكوت (ص166).

عصفر: (البواكير:54) وهي صيغة جديدة يعني بها صبغة بالعصفر أي جعله أصفر اللون.

عضعض: (ص145) مشتق من عض.

معطور: (325) وصيغة المفعول من عطر صيغة جديدة في استعمالها.

عميل: (ص199) ترد كثيرًا عند الشاعر بمعنى الجاسوس الذي يتعامل مع الأعداء.

مفزّع: (ص608) اسم فاعل من فزع، وهي في اللغة فزع (من غير تشديد) ويعني بها الشاعر:

ما ينصب في المزرعة تخويفًا للوحش.

يتقافز: (ص440) ومعناها في "المنجد" تواثب ، بينما لم ترد في معاجم أخرى مثل: "لسان العرب"، "تاج العروس".

انقهر: (البواكير:30) وهي بمعنى قُهِر، ونسمعها في اللغة الدارجة.

مقهى: (ص550) وهي كلمة حديثة ترد مرارًا عند الشاعر.

كوخة: ويعني بها الكوخ (أشار إليها د.السامرائي في "لغة الشعر بين جبلين" ص324).

لحود: (ص476) وهي في اللغة بمعنى مائل، بينما هي عند الشاعر مشتقة من لحد وتعني لحود.

لاقف: (ص628) لقف الشيء تناوله بسرعة، ولاقف صيغة جديدة.

تلامح: (176) وهي صيغة تتردد عنده، وقد ابتكرها لتدل على وقوع اللمح تدريجيًا.

تلهاث: (ص365) وصيغة تفعال من لهث لم ترد في المعاجم.

تلاوين: (ص34) ويقصد بها ألوان ، وهي صيغة جديدة يستعملها الشاعر.

تتمرى: (ص259) وتتمرّى في "المنجد" تتزين ويقصد بها الشاعر- تقف أمام المرآة، وهي في الحالتين صيغة جديدة من (رأى).

هماس: (البواكير: 116) وهي صيغة جديدة لهمس.

تهاويل: (ص54) هول تهويلاً في "المنجد" أفزعه، وتهاويل صيغة جديدة في الجمع.

مستوحد: (ص676) ويعني بها الشاعر منعزل يرددها كثيرًا، بينما الصيغة اللغوية هي متوحد.

ويجعل الشاعر صيغة يتوحد (ص120) بمعنى يتحد ، بينما هي في اللغة يبقى وحده ويتفرد به.

"خلاصة تجديد الصيغة":
مما تقدم نجد التجديد:

أ. في الأفعال:

* على وزن فعل مثل خبّط، طفّأ وهي لزيادة التشديد.

* على وزن تفاعل مثل تخافق، تراعش، تلامح وهي لبيان التدريجية في الوقوع.

* على وزن تفعّل مثل تأكل، تضوأ، تمرى وهي أيضًا للتأكيد على الحدثية.

ب. في المصدر: يستعمل مصادر جديدة مثل تصخاب، تلهاث وغيرهما.

ج. في اسم المفعول: كأن يستعمل مطلول من الطل، ومعطور من العطر.

د. اشتقاقات أخرى: كقوله: آدمية (مصدر)، زئبقي (نسبة)، زنبقت (فعل)، نقالة (اسم آلة).

* يجمع جموعًا غير مألوفة في أصول اللغة: تحايا، مخاضر، عصبات، تهاويل، كما يجمع أسماء الوحدة: ابتسامات، تنهدات، التماعات... الخ.

3- كلمات لم ترد في المعاجم:

وهذه ظاهرة غير قاصرة على الشاعر، فهو مثلاً يجعل عنوان إحدى مجموعاته "شناشيل ابنة الجلبي"، والشناشيل (632) شرفة مغلقة مزينة من الخشب المزخرف والزجاج الملون كان شائعًا في البصرة وبغداد قبل مئة سنة، وقد ورد استعمال الكلمة مذكرًا (633).

والجلبي: لقب عند العراقيين يقابل الماركيز عند الأوروبيين، ومثل هاتين الكلمتين كثير مما لا نجده في معاجم اللغة، ومن هذه الكلمات: سيكارة، نيون، إسفلت، بار، باص وغيرها كثير.

1- ألفاظ بشكل مغاير للأصول اللغوية:
وأعني ما اصطلح عليه بالأخطاء التي وقع فيها الشاعر، لكننا لا نؤثر استعمال هذه الكلمة، لأن اللغة في طبيعتها متطورة، فمن هذه الكلمات: بردانة (634)، استهون (635).

ومنها ما هو غير مألوف في الصياغة كقوله (مضارع) بدلاً من مضوع، ويحضين بدلاً من يحظين (636).

إذًا فباستطاعتنا تمييزها من صور التجديد التي ذكرناها، لأننا هنا نشعر بخطأ أكثر من محاولة تجديد، وأيًا كان الأمر فباستطاعتنا أن نحصر الكل في إطار اللفظة الجديدة.

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:54 AM

د- المزج بين القديم والحديث:

من خلال معاينتنا لطريقة استعمال الألفاظ عند السياب تبين لنا هذا المزج:

أ. في الجملة الواحدة ...فبينما تكون لفظة فصحى فإننا نراها تعايش لفظة عامية كقوله:

"حيـًا زخّ" (637) تعني أن المطر نزل بغزارة، "فعنا القلب وانقهر" (638)، "ألفيتني احسب ما ظل في جيبي من النقد" (639)، "بردانة أنا والسماء تنوء بالسحب" (640)، "كالغابة تربض بردانة" (641)، "لا أرد من الزبائن أجمعين إلا العفاة المفلسين" (642).

وقد تكون الكلمة الأولى فصحى ، والثانية جديدة على المعاجم- غير واردة في المعاجم، كقوله: "ونايي أجتبي الأنغام" (643)، "يوصد الماخور" (644).

"زورق العرس المحلى

بعيون آرام ودفلى

ودرابك ارتعدت حناجرها" (645).

إذن فشاعرنا يمزج في القصيدة الواحدة، بل في الجملة الواحدة الكثير من الفصحى- أي القديم- بالتعابير الحديثة سواء بصيغتها أو بدلالتها، وسأسوق مثلاً آخر على هذه الظاهرة:

"فتسأل عن بابا أما طابا" (646).

وصيغة الاستفهام "أما" هي من فصيح الكلام في القرآن وفي الشعر، وكذلك استعمال ألف الإطلاق بعد "طاب"، لكن "بابا" و "طاب" كلمتان تردان على لسان الأطفال، ولهما دلالة جديدة.

وفي القصيدة الواحدة نلاحظ تعبير عامية في مجموعها "مدى ما ترى العين" (647)، "العيد من قال انتهى عيدنا" (648)، "بالعيون سلم علي إذا مررت" (649)، "الأقة- صاح القصاب من هذه اللحم بفلسين" (650)، "يا حاملات الجرار رحن واسألنها" (651)، وغيرها كثير.

- وهناك تعابير فصيحة يبدو وكأنها مترجمة عن العامية كقوله: "ماذا علينا أن عبد اللطيف يدري" (652)، فاستعمال "ماذا علينا" كأنه من العامية (إيش علينا)، وفي قوله: "وكل ضاحك فمن فؤاده" (653)، فكأنه يريد أن يقول -من كل قلبه-، وقوله "منذ صار" (654)ترجمة لقولنا من يوم ما صار.

- ومن استعمالاته التي تقع بتأثير لغة الحديث أو الفصحى المعاصرة:

* حتى- فهو يقول: "والظلام حتى الظلام هناك أجمل" (655)، "حتى كأن الأرض من ذهب" (656).

* إلا- ففي تكرارها تأثير من العامية: "ما فيه إلا النخيل وإلا العصافير" (657).

وعندما يقول الشاعر: "الجناح الحديد" (658)، "عجله الذهب" (659)، فهو يعني الحديدي والذهبي ومثل هين الاستعمالين يبرز في اللهجة المصرية الدارجة على وجه التخصيص.

ب. وقد يستعمل لغة شعبية في جملة القول (660)كقوله: "ترددها المقاهي (ذلك الدلال جاء يريد أتعابه)" (661)، فكلمة "ذلك" هي التي أكدت صيغة الفصحى.

- "والضيفة تضحك وهي تقول:

خطيب سعاد جافاها وانطوت الخطبة

الكلب تنكر للكلبة" (662).

"وتوسلته فدى لعينك خلني بيدي أراها" (663).

ج. وقد يكون في هذا المزج إدخال الأغنية الشعبية:

"وصدى يوشوش يا سليمة نامت عيون الناس آه من لقلبي كي ينـيمه" (664)،

وقد يكون التضمين واضحًا من الغناء الشعبي العراقي:

"يا مطرًا يا جلبي عبّر بنات الجلبي"
يا مطرًا يا شاشا، عبر بنات الباشا، يا مطرًا من ذهب (665).

وهذه الأغنية من أغاني أهالي البصرة كما يقول مطاع صفدي، ويقول الشاعر ضمن قصيدة عمودية:

"خورس شيخ اسم الله ترللا قد شاب ترل ترل ترار وما هلا، ترللا العيد ترللا، ترللا عرس حمادي، زغردن ترل ترللا، الثوب من الريز والنقش صناعة بغداد ترللا" (666).

ويشرح الشاعر في حاشية الصفحة- الخورس: أغنيتين شعبيتين عراقيتين واسم الله: نبات كالحلفاء تؤكل أزهاره وهي في براعمها وتتفتح عن سنابل تشبه الرؤوس التي شابت.

ويبدو لنا أن استعمال الأغنية الشعبية في الشعر الحديث ظاهرة جديدة من أعظم ميزاتها المحلية والصدق.



"الخاتمة"

تناولنا في هذا البحث دراسة بناء الجملة وطبيعة اللفظة كوحدة فيها، وقد لمسنا الأصداء القديمة في مبنى الجملة، والظواهر الأخرى البارزة سواء في الجملة أو في طبيعة اللفظة والأصوات الجديدة أو الخروج عن المألوف اللغوي في الجملة واللفظة.

وتناولنا في نهاية كل فصل، وغالبًا في نهاية كل باب ملخصًا مجملاً أو استخلاصًا وصلنا إليه من خلال البحث، وقد تبين لنا في هذه الدراسة أن هناك ظواهر بارزة أهمها:

1- تبرز عنده الأصداء القرآنية في الأسلوب والألفاظ والمضمون.

2- أصداء الشعر القديم: في الأسلوب والتراكيب اللغوية والتضمينات المباشرة وغير المباشرة.

3- الجمل الإنشائية: كالاستفهام والنداء والتمني والتأوه، وتكثر أدواتها بشكل مفاجئ ومعبر عن ألم لدى الشاعر .

4- جملة التشبيه حتى تكاد لا تخلو قصيدة منها.

5- الجمل الاعتراضية، وكأنها جزء هام من طبيعة شعره.

6- جملة القول.

7- ظاهرة التكرار في الحرف والكلمة والجملة.

8- النعوت ويستعملها أحيانًا استعمالات جديدة.

9- حذف حرف العطف، وكذلك استعمال واو العطف قبل المعطوف الأخير.

10- عدم الوضوح في بعض الجمل بسبب تأخير الفاعل أو عدم تبيّنة أو غموض اللفظ والاكتفاء.

11- استعمال نون النسوة لجمع غير العاقل، واستعمال "ما" الزائدة بعد كلمات لم تعهدها، واستعمال ضمير الشأن، وضمير الفصل، والفعل المضعف، والكلمة المشددة.

12- الألفاظ عنده منها ما هو معجمي ، ومنها ما هو جديد على المعاجم شأنه شأن الشعراء الجدد.

وهذا يجعلنا نخلص إلى القول أن الشاعر يمزج بين القديم والحديث، فهو إلى جانب استفادته من القرآن يستفيد من الأغنية الشعبية ويضمنها، وإلى جانب الكلمة الصعبة القاموسية يستعمل الكلمة العامية.

وهذه النقاط البارزة وغيرها مما ألمحنا إليه في ثنايا الدراسة تشكل معًا أسلوب السياب الشاعر الحديث، الذي امتص البنى القديمة في اللغة وجعلها تتعايش والكلمات البسيطة المباشرة.

أود أن أشير إلى أننا لاحظنا- برغم أننا لم نفترض أولاً- علاقة أسلوبه بواقع حياته، فكثيرًا ما كانت أمثلة التكرار والاستفهام والنداء والتشديد على اللفظ وحتى الأصداء القرآنية شعرًا مشبعًا بالألم، ونحن نترك موضوع علاقة مرضه بأسلوبه لباحث آخر يجمع بين علم النفس واللغة والأدب وهو يستطيع البت نهائيًا في افتراضي الذي أدوّنه أدناه:

(كما كان في حياة السياب صراع العافية والمرض، وصراع بين المواقف الحزبية المختلفة، فإننا نلمس هذا الصراع متجليًا أيضًا في النسيج الشعري عنده).

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:56 AM

ملحق: "دراسة تطبيقية"
أولاً أود أن أؤكد أن قصيدة "يقولون تحيا" وقع اختيارها عرضًا واتفاقًا، وذلك لغرض فحص النتائج التي توصلنا إليها، وليس من الضرورة أن تحوي القصيدة كل الظواهر التي أشرنا إليها، بل يكفي بروز بعض هذه الظواهر حتى يضفي هوية خاصة على شعر الشاعر.



" يقولون تحيا" (ص644)

لأحببت لو أن في القلب بقيا

- وقد لفه الليل- للمشرق،

يقولون "ما زلت تحيا".... أيحيا

كسيح إذا قام أعيا

5 به الداء فانهار، لم تخفق

علي الدرب منه الخطا؟ يا أساه

ويا بؤس عينيه مما يراه



* * * * * *

يقولون : "تحيا" فيبكي الفؤاد

فلو لم يكن خافقًا لاستراح،

10 كطير رميّ يجر الجناح

وقد مد، عبر الربى والوهاد،

بعينيه: في دوحة خلف تلك الظلال

سجا عشه، فيه زغب جياع

15 إذا حجب الغيم ضوء الهلال

يقولون: "هذا جناح أبينا وقد عاد بعد الصراع

بزهرة،

بقطرة

من الطل "... حتى يطل الصباح

20 كطير رميّ يجر الجناح،

أقضّي نهاري بغير الأحاديث، غير المنى

وإن عسعس الليل نادى صدى في الرياح:

"أبي... يا أبي" طاف بي وانثنى

"أبي... يا أبي"

25 ويجهش في قاع قلبي نواح

"أبي... يا أبي"

"أبي... يا أبي" في صفير القطار

"أبي... يا أبي" في صياح الصغار

(خفاف الخطا يعبرون الدروب

30 بلا غاية يقطفون الثمار

ولا يطعمون ابنة جائعة

ولي منزل في سهول الجنوب

إذا كنت أسعى، من السابعة

إلى أوبة الطير عند الغروب

35 فكي أطعم الجائعين

وراء نوافذه شاخصين

إلى الدرب: "أين الأب المطعم؟")

"أبي... يا أبي" والدجى مظلم

40 وجيكور خلف الدجى والدروب وخلف البحار.



إذا درسنا الظواهر اللغوية في هذه القصيدة على طريقة بحثنا فإننا نجد:

1- الأصداء القرآنية في قوله: "وإن عسعس الليل"- سطر 21، وهو مأخوذ من قوله تعالى "والليل إذا عسعس" (667)، وهو تطابق في المضمون القرآني، بالإضافة إلى أن قوله:

"يقطفون الثمار"- سطر 29، يوحي لنا بوصف الجنة في القرآن، وقد أورده في سياق الألم (668).

2- أصداء الشعر القديم: ونجد ذلك في قوله: "وقد لفه الليل"- سطر 2، وهذا التركيب مأخوذ من خطبة الحجاج: "قد لفّها الليل بعصلبيّ" (669).

كما نجد في قول السياب: "كطير رميّ يجر الجناح" – سطر 10، إشارة لصورة الطير المقتول عند المتنبي في القصيدة التي مطلعها:

"وطائرةٍ تتبعُّـها المنايا

على آثارها زجِلُ الجناحِ" (670).

بالإضافة إلى إن استعمال "زغب جياع"- سطر 13- لأبناء الشاعر يوحي باستعمال الحطيئة "زغب" لأبنائه في معرض استعطافه لعمر (671).

3- تبرز في القصيدة الجمل الإنشائية:

* الاستفهام (672):

"أيحيا كسيح إذا قام أعيا"؟ -سطر 3.

"أين الأب والمطعم؟" -سطر 36.

* النداء (673): "أبي يا أبي"- وردت ست مرات في ثنايا القصيدة.

* التفجع (674): "يا أساه ويا بؤس عينيه مما يراه" -سطر6.

* التمني (675): "لو أن في القلب بقـيا" -سطر 1.

وهي جميعًا ترينا مدى ضيق الشاعر وتكبده الألم.

4- وفي القصيدة تشبيهات (676) من وحي ألمه كقوله: "كطير رميّ" -سطر 10، 19.

5- ونجد الجمل المعترضة ومنها: "وقد لفه الليل" -سطر 2، بالإضافة إلى أننا نستطيع أن نضع إشارات الجملة الاعتراضية في أكثر من مكان ، وخاصة في نهاية القصيدة (677).

6- وجمل القول (678)في القصيدة هي:

"يقولون... ما زلت تحيا" -سطر 3.

"يقولون - تحيا" سطر 7.

"يقولون... هذا جناح أبينا" -سطر 15 وغيرهما.

السيد عبد الرازق 11-12-2008 02:59 AM

ظاهرة التكرار (679): وهي واضحة ، فهناك كلمات تتكرر أكثر من مرة في ثنايا القصيدة (دجى، غير، طير)، بالإضافة إلى تكرار الجمل: "كطير رمي يجر الجناح" -سطر 10، 19.

" أبي يا أبي" -سطر 22، 23، 25، 26، 27، 37- وقد تتناقص الجملة المكررة (680): "يقولون ما زلت تحيا" -سطر 8.

8- والنعوت (681) تبرز هنا- كشأنها في قصائد الشاعر-: "طير رمي" -سطر 10، "زغب جياع" -سطر 13، "ابنة جائعة" -سطر 30، "الأب المطعم" -سطر 36.

9- ونجد هنا أيضًا حذف حرف العطف (682): "عاد بعد الصراع بزهرة بقطرة" -سطر 15، وقوله: "بغير الأحاديث غير المنى" -سطر 20.

10- وفي القصيدة تأخير للفاعل (683): "لم تخفق على الدرب منه الخطا" -سطر 5.

وفيها استطراد (684) إذ يتحدث عن نفسه ، ثم يشبه حالته كحالة طائر ، ويستطرد في وصف الطائر ناسيًا نفسه:

"فلو لم يكن خافقًا لاستراح
كطير رمي يجر الجناح

وقد مد عبر الربى والوهاد

بعينيه في دوحة خلف تلك الظلال

سجا عشه فيه زغب جياع" -سطر 9-13، ولعل هذا الاستطراد من شأنه أن يؤدي إلى عدم الوضوح بالجملة.

11- ولاحظناأيضًا ظاهرة التضمين (685):

"يقولون ما زلت تحيا... ايحيا
كمسيح إذا قام أعيا

به الداء فانهار لم تخفق

على الدرب منه الخطا" -سطر 3 حتى 6.

12- وفي استعمال حروف الجر نجد (686):

"أعيا به الداء" -سطر 4، والمعاجم تذكر (اعياه).

"لم تخفق على الدرب منه الخطا" -سطر 5 وهو يقصد "خطاه"، ويتكرر حرف الجر كما أشرنا (687) من غير استعمال واو العطف:

"عاد بعد الصراع بزهرة بقطرة" -سطر 15 وفي القصيدة أيضًا استعمالات خارجة عن مألوف اللغة في قوله: لأحببت" -سطر 1 أي أن الفعل يقع بعد لام الابتداء (688)، وهذه ظاهرة جديدة، أو في قوله:

"إذا كنت أسعى فكي أطعم الجائعين" -سطر 34 فاستعمال "فكي" استعمال غريب على شروط اقتران الفاء في جواب الشرط، بالإضافة إلى دخول الفاء على "كي" (689).

وفي إطار اللفظة نجد:

أ. يستعمل الكلمة المشدد: "أقضّي" -سطر 20-، وكان بإمكانه أن يقول (وأقْضي) لولا هذه الولع بالتشديد (690)، وكذلك قوله: "حجّب" -سطر 14-.

ب. وفي الفعل المضعف (691) لاحظنا الكلمة القرآنية عسعس" -سطر 21-.

ج. ومن الألفاظ المعجمية (692) لاحظنا الكثير منها: أوبـة، رميّ، طَلّ، خافِق وغيرها.

د. وفي التجديد في الدلالة نجد "يجهش" -سطر 24- فهو يعني بها: يستغرق في البكاء ، بينما معناها اللغوي في "لسان العرب" يتهيأ للبكاء، كما أن كلمة "القطار" -سطر 26- لها دلالة (693) في لغة اليوم تختلف عما هي عليه في المعاجم القديمة.

هـ. وفي المزج بين القديم والحديث يقول الشاعر:

"ويجهش في قاع قلبي نواح" -سطر 24-، فاستعمال "قاع قلبي" استعمال وارد في اللغة الدارجة، وكذلك في قوله:

"أبي يا أبي في صفير القطار
أبي يا أبي في صياح الصغار

خفاف الخطا يعبرون الدروب" -سطر 26 حتى 29- نلاحظ هذا المزج بين مستويات مختلفة في اللغة.



--------------------------------------------------------------------------------

(573) ص317.

(574) ص341.

(575) ص681 وكذلك ص379، 687.

(576) ص280.

(577) ص280.

(578) ص360، ونماذج أخرى ص331، ص461، 547، 681، والبواكير ص101.

(579) وهذا لا يعني أنها لم تبرز عند سواه ففي ديوان "قاب قوسين" لمحمود حسن إسماعيل الكثير منها: جمجم، زمزم، همهم، هسهس.

(580) ص277، ونماذج أخرى ص491، 563.

(581) انظر كتاب Wright ج1، ص47.

(582) على الترتيب ص8، 91، 119، 156، 245، 381، 491، 513.

(583) ص515.

(584) ص255.

(585) ص708، 566.

(586) ص648.

(587) ص244.

(588) ص678.

(589) ص412.

(590) ص128.

(591) ص307.

(592) ص91 وتكررت نفس الجملة ص581.

(593) مثلاً ص581، 582، 553، 554.

(594) ص156.

(595) على الترتيب: ص158، 197، 206، 412، 520، 551، 556، 582، 641.

(596) سورة الناس:5.

(597) ص216.

(598) ص582.

(599) ص631.

(600) ص538.

(601) على الترتيب ص132، 143، 538، 708.

(602) ص238.

(603) ص34.

(604) ص220.

(605) ص266، 582.

(606) ص565 ونماذج أخرى ص419، 475، 491، 530، 674.

(607) على الترتيب: ص119، 132، 242، 723.

(608) ص244، 475، 565.

(609) ص443.

(610) على الترتيب: ص213، 341، 625، 625، 658.

(611) على الترتيب: ص493، 383، البواكير: 37، ص323، انظر: ملاحظة 23 وما بعدها . على الترتيب: ص351، 233، 552، 132، 352، 325، 649، 491، 491، البواكير 80 ، ن.م ، ص 34.

(612) الترتيب: ص351، 233، 552، 132، 352، 325، 649، 491، 491، البواكير ، 34. ، 80 .

(613) على الترتيب: ص597، 182، 547.

(614) على الترتيب: ص612، 537، 365، البواكير: 61، ص631، 576.

(615) ص366، 406.

(616) البواكير: 17.

(617) ص654.

(618) ص143.

(619) البواكير: 23.

(620) ص184.

(621) ص649.

(622) ص703.

(623) على الترتيب: ص 143، 270، 346.

(624) ص623.

(625) ص346.

(626) ص14.

(627) ص344.

(628) ص641، ونماذج أخرى ص77، 543، 545.

(629) على الترتيب: ص136، 138، 703.

(630) على الترتيب: ص21، 37، 52، 91، 97.

(631) السامرائي إبراهيم، فقه اللغة المقارن، ص294 وانظر كذلك: ن،م ص163.

(632) انظر: لويس عوض، الثورة والأدب، ص67، وكذلك مقال مطاع صفدي، مجلة الآداب شباط 1965.

(633) ص599، 601 ورد استعمالها مرتين.

(634) ص327.

(635) البواكير: 34.

(636) حضى تعني في "اللسان" حرك الجمر بعد ما يهمد، ويبدو لي أن الكلمة يجب أن تكون (يحظين) في قول الشاعر: "دون أن يحضين حتى بالحباب" (ص102)، وربما كان الخطأ مطبعيًا مع احتمال الالتباس بين الضاد والظاء أمر وارد بسبب اللهجة العراقية.

(637) البواكير : ص14.

(638) البواكير: 30.

(639) ص288.

(640) ص327.

(641) ص329.

(642) ص537.

(643) البواكير: 37.

(644) ص421.

(645) ص308.

(646) ص709.

(647) ص462.

(648) ص452.

(649) ص308.

(650) ص438.

(651) ص636.

(652) ص427.

(653) ص146.

(654) ص143.

(655) ص320.

(656) ص549.

(657) ص14.

(658) ص238.

(659) ص502.

(660) ص133 انظر: ملاحظة 367 وما بعدها .

(661) ص133.

(662) ص330.

(663) ص518.

(664) أورد هذا المثل إحسان عباس على انه ترجمة لاغنية شعبية انظر كتابه، بدر شاكر السياب: ص202.

(665) ص599، انظر: صفدي مطاع، السياب الإنسان والشاعر، مجلة الآداب، شباط 1965.

(666) ص406، ويورد البصري عبد الجبار في كتابه: بدر شاكر السياب، ص47 الأغاني التي أوردها السياب في نسيج شعره.

(667) سورة التكوير: 17.

(668) انظر: ملاحظة 272 وما حولها .

(669) كما أورده كتاب أحمد صفوت : جمهرة خطب العرب ج 2 ، ص 289 .

(670) ديوان المتنبي/ ج1/ ص382.

(671) أشرنا إلى تأثير الشعر القديم ، انظر ملاحظة 233 وما بعدها ، وقد وردت "زغب".

(672) أشرت إلى الجملة الاستفهامية ملاحظة 279 وما بعدها .

(673) انظر ملاحظة 317 وما بعدها .

(674) انظر ملاحظة 376 وما بعدها ة.

(675. ) انظر ملاحظة300 وما بعدها

(676) ) انظر ملاحظة 444 وما بعدها .

(677. ) انظر ملاحظة 355 وما بعدها .

(678) ) انظر ملاحظة 367 وما بعدها..

(679) . ) انظر ملاحظة 399 وما بعدها.

(680) ) انظر ملاحظة 459 وما بعدها .

(681) ) انظر ملاحظة 504 وما بعدها .

(682) انظر ملاحظة 518 وما بعدها .

(683) انظر ملاحظة 392 وما بعدها .

(684) انظر ملاحظة 465 وما بعدها .

(685) ) انظر ملاحظة 459 وما بعدها .

(686) انظر ملاحظة 541 وما بعدها .

(687) انظر ملاحظة 545 وما بعدها .

(688) انظر ملاحظة 560 وما بعدها .

(689) لم نشر إليها سابقًا لأنها ظاهرة فريدة.

(690) انظر ملاحظة 573 وما بعدها .

(691) انظر ملاحظة 579 وما بعدها .

(692) انظر ملاحظة 611 وما بعدها .

(693) انظر ملاحظة 624 وما بعدها .

السيد عبد الرازق 11-12-2008 03:04 AM

ظواهر بارزة في مبنى الجملة:-

1- أصداء قديمة.

2 - بين القديم والجديد.

ظواهر أخرى بارزة في مبنى الجملة.

3- أصوات جديدة.



أصداء قديمة


أ‌- مدخل إلى الأصداء القرآنية في شعر السياب:


القرآن بأسلوبه ولغته له تأثير على كل شاعر وناثر، بيد أن السياب يبرز ويتميز بكثرة اقتباساته من الألفاظ القرآنية، بل إننا نرى في كل قصيدة " تحويماتــه " في الأجواء القرآنية: في ارتباطه بالعبارة أو المضمون أو الأسلوب، فهو يطعّم شعره بالروح التراثية مستغلاً ثقافته العربية؛ وفي بروز هذه الظاهرة دعوى للقارئ أن يستقبل الشعر الحديث ويأنس به، إذ أن مثل هذا الشعر المتصل بالشعر القديم والقرآن يستهوي إليه القارئ التقليدي، بالإضافة إلى أن القارئ الحديث يجد بهذه الاقتباسات والانتفاعات ثقافة واطلاعًا.

ففي لغة السياب كثيرًا ما نقع على تركيب أو جملة مأخوذة من القرآن أصلاً، يسوقها في شعره كما هي بمعناها الأول أو في سياق جديد. وليس سبيلنا أن نذكر في كل استعمال كيف كان في القرآن وكيف غدا عند السياب إلا إذا وجدنا ضرورة تحتم ذلك. ومن أساليب القرآن المتنوعة وجدنا بعض الاستعمالات في شعر السياب جمعناها لنشير بأنه استعملها من غير بتّ أنها من القرآن حصرًا وقصرًا.

ونحن هنا لا نتحدث عن مواضيع القرآن في تناولنا المضمون، بل نقف عند الآية ذاتها، وكيف كانت عند السياب، ودليلنا إلى ذلك وجود كلمة أو أكثر توحي لنا بالأصداء القرآنية، فإذا قال الشاعر:"حبل من الليف" (6) فإننا نستذكر قوله تعالى " حَبْلٌ مِنْ مَسَد" (7). فالمسد هو الليف ولسنا نرى وجوب المقارنة، وان قال الشاعر:- " علينا عقاب برئوا منه واقع" (8) فإننا نتذكر "سَألَ سائِلُ بِعَذابٍ واقِع" (9) فالعذاب في القرآن هو العقاب عند السياب. وما من شك في أن الشاعر بكثرة استفادته من القرآن قد حافظ على جزالة اللغة ، واقترب من المألوف اللغوي ، ومهد لاستقبال التراكيب الغربية مما سنعمد إليه .



تأثير القرآن على السياب


1- في الأسلوب.

2- في التعابير.

3- في المضمون.

4- الأجواء القرآنية.

5- ألفاظ قرآنية بارزة.

1- في الأسلوب:

في القرآن أساليب مختلفة من تكرار ونداء واستفهام وتمنٍّ وإيجاز وحذف وغيرها، وإليك بعضًا من هذه الأساليب التي استعملها السياب:

أ- التكرار: ظاهرة تلازم شعر السياب، ولها أصول في القرآن، وعلى سبيل المثال ما ورد في سورة الرحمن، ونحن هنا لا نجزم أنه استفاد التكرار من القرآن مباشرة، بل نؤكد أن أسلوب التكرار وارد كثيرًا في القرآن، وربما كان له تأثيره على الشاعر.

(أنظر موضوع التكرار – ملاحظة 397 وما بعدها ).

ب- التمني: ففي قول السياب " يا ليتني ما زلت في لعبي" (10) يذكرنا بتمنيات مشابهة مبدؤه ب "يا ليتني" وردت في القرآن (11) وحتى المعنى يتطابق أحيانًا ...فالسياب يقول:

" يا ليتني لم أكن رأيتك من قبل ولم ألق منك عطف حنون

آه لو لم تعوديني على العطف وأه لو لم أكن أو تكوني" (12).

فهو مستمد من قوله تعالى: "يا لَيْتني مِتُّ قَبْلَ هذا وكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًا" (13).

ج- أما الاستفهام والتكرار في أداته فاقرأ قوله تعالى: " قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السماءِ والأرضِ أمْ مَنْ يَمْلُكُ السَّمْعَ والأبْصارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ ويُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَنْ يُدّبِرُ الأمرَ..." (14).

وهذه الطريقة تتكرر عند السياب ، ولنذكر مثلاً:

" فمن يسمع الروح من يبسط الظل

في لافح من هجير النُّضار

ومن يهتدي في بحار الجليد إليها،

فلا يستبيح السكينة" (15).

د- ومن أساليب القرآن القسم ، فكثيرًا ما نرى - وخاصة في مطالع السور قسمًا مبتدئًا بالواو: " والتين والزيتون" ، "والفجر" ، "والليل" ...الخ.

والسياب في ديوانه "البواكير" استعمل هذا الأسلوب على غرار ما ذُكر في القرآن ، وذلك إذ يقول:

"والعصر مخضوب البنان

وأزاهر الحقل الحسان

والصبح يملأ بالندى عطرًا سلال الأقحوان

والبدر وهو مظلة لليل يمتلك افتتاني

إن الفؤاد لفي ضلال..." (16).

وهو تتبع لأسلوب القرآن - وخاصة في سورة العصر ، إذ تبدأ بنفس الكلمة "والعَصْرِ" ، ثم ما يلبث أن يقول: "إِنَّ الإِنسانَ لفي خُسْر" (17).

وجملة السياب " إن الفؤاد لفي ضلال" جوابًا للقسم جاءت على نـمط الآية وطريقة ترتيب كلماتها.

ه- واستعمال المفعول المطلق عند السياب كثير نذكر بعضها:

" وهي تسفه سفّـا" (18).

" يزحف تحتنا زحفا" (19).

وما أكثر هذه الصيغة في القرآن: "أنَّا صَبَبْنا الماءُ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنا الأرْضَ شَقّا" (20).

وحتى أن بعض الكلمات يكررها السياب كما هي:

" قد فتحت فتحًا مبينًا مضاربه" (21).

وقد ورد في القرآن: " إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبيناَ" (22).

و- الأسلوب القصصي- ونورد مثلاً مشابهًا للقرآن نصًا وروحًا من السياب:

" اروي لنا نبأ الطريد فأنت راوية الزمان

أغوته حواء فسد يديه نحو الأفعوان

ذاقا فكانا ظالمين فكيف يُجْزى الظالمان؟

وبدا الموارى منهما فإذا هنالك سوءتان

وعليهما طفقا من الورق المهدل يخصفان" (23).

وهذا السرد الشعري استقى أغلب ألفاظه من القرآن:

" فلمّا ذاقا الشَجرةَ بَدَت لهما سوءاتُهُما وطَفِقا يَخْصِفان عليهما مِن وَرَقِ الجَنّة، ونادَاهما رَبُّهما أَلَمْ أَنْهَكُما عَن تِلْكُما الشجرةِ وأقُلْ لَكُما إنَّ الشيطانَ لكُما عَدَوٌّ مُبين، قالا ربَّنا ظَلَمْنا أَنُفُسَنا...." (24).

ز- استعمال "مِنْ" الزائدة ، وتكون مسبوقة بنفي أو استفهام ، كقوله تعالى: "ما أُريد مِنْكم مِنْ رِزْق" (25) والسياب يستعمل هذا الأسلوب في قوله: " ما لها من مَرْسى" (26) وسنرى في تناولنا لجملة العطف وضمير الشأن أثر القرآن كذلك.

السيد عبد الرازق 11-12-2008 03:09 AM

2- استعمال تعابير وتراكيب قرآنية:



فالمثل الذي سقناه، "فتحت فتحًا مبينًا مضاربه" مأخوذ كلماته كما قلنا من القرآن ، وما أكثر ما يضمن الشاعر تراكيب كما هي:

"والجوع لعنة آدم الأولى وارث الهالكين

ساواه والحيوان ثم رماه أسفل سافلين" (27)

ومن المؤكد أن الشاعر نظر إلى الآية "ثم رددناه أسفل سافلين" (28) ، وما فعل إلا أن استبدل كلمة بكلمة لملائمة الوزن الشعري.

وفي القرآن: "فهي خاويةٌ على عُروشها وبِئْرٌ مُعَطَلةٌ وقَصْرٌ مَشيد" (29).

و ها هو السياب يكرر حروف العطف على نسق القرآن ، ويستعمل تركيبًا ورد في الآية السابقة :

"خاتم وسوار وقصر مشيد

من عظام العبيد" (30).

وفي قول السياب:

"وكأن- يا بشرى- كأن هناك في أقصى الجنوب" (31) تذكرة بدعوة البشارة:"قال- يا بشرى-

هذا غلام" (32).

والاستعمالان اعتراضيان.

ويقول السياب: "ويصدى كل فج" (33 ، )فسرعان ما يتبادر إلى أذهاننا تركيب "كل فج..." (34).

وفي قول الشاعر: "قضي الأمر بالسفر" (35) استخدام لـ "قضي الأمر" الواردة في القرآن (36).

ومن التعابير القرآنية "ملح أجاج" و "عذب فرات" يقول تعالى: "هذا عَذْبٌ فُراتٌ وهذا ملحٌ أُجاج" (37).

فالسياب يقول مستعملا التركيبين:

"فما دهاه اليوم حتى غدا-
ملحًا أجاجًا بعد عذب فرات" (38).

كما يستعمل كلمة ( أجاج ) بمعنى المالح: "شربت أجاج الماء" (39).

والنفخ في الصور وارد في القرآن: "يومَ يُنْفَخُ في الصور فتأتون أفواجا" (40) ، فيقول السياب وهو يتمنى أن يكون له صوت قوي: "كنفخ الصور يسمع وقعة الموتى" (41).

وفي تعليق السياب: "وحق العقاب" (42) تطابق مع قوله تعالى: "إن كُلٌّ إلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فحَقَّ عِقاب" (43) .

وقول السياب في سياق ديني: "لقد أغضب الآثمون الإله وحق العقاب".

واستعمال "المن" و "السلوى" في الشعر عنده مأخوذ من القرآن "وأنزَلْنا عليهِم المَنَّ والسَّلْوى" (44) فالمن والسلوى المنزلان على بني إسرائيل يجعلهما الشاعر للاجئين ولكنهما من نوع جديد: من شعير، يقول السياب:

"يا مكتبا للغوث هب للتائهين
منًّـا وسلوى من شعير" (45).

تبين لنا مما سلف أن الشاعر يتناول التركيب القرآني ويدخله في نسيج شعره، ولم نلحظ فيما تتبعنا أنه اقتبس آية بكاملها ، كما عهدنا ذلك في بعض "الاقتباسات" البلاغية القديمة.



3- في المضمون:



الشاعر يتأثر بمضامين القرآن، فهو يتحدث عن الجنة والثمر.. وكأنه يستذكر قوله تعالى: "ولهم فيها مِنْ كُلِّ الثَّمَرات" (46) ، فيقول السياب:

"من نخل جيكور أجني دانـي الثمر" (47).

"لن أرى جنة الهوى- لا ولن اقطف الثمر" (48).

وهذا يذكرنا بقوله تعالى وصفًا لجنته - "قُطوفُها دانِيَة" (49 ؛ بل هناك آيات أعاد السياب صياغتها شعرًا:

"وبدا الموارى منهما فإذا هناك سوءتان

وعليهما طفقا من الورق المهدل يخصفان" (50).

وهذان البيتان مستمدان من قوله تعالى:

"فلما ذاقا الشَّجَرةَ بَدَتْ لهما سَوْءاتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عليهِما مِنْ وَرَقِ الجَنّة" (51).

وعندما يقول السياب عن المسيح:

"فسار يبعث الحياة في الضريح

ويبرئ الأبرص أو يجدد البصر" (52).

كما يقول في مكان آخر : "سيبرئ الأعمى- ويبعث من قرار القبر ميتا" (53).

فالسياب يتأثر مباشرة من مضمون الآية التي تتحدث عن المسيح: "وأُبْرئُ الأكُمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيي المَوْتى" (54).

ويقول الشاعر:

" وفتحت السماء لغيثها المدرار بابـًا بعد باب" (55)،.

فهو قد استذكر قوله تعالى: "وفُتِحَتِ السَّماءُ فكانَتْ أبْوابا" (56).

وكلمة "السماء" ارتبطت بكلمة "مدرار" في ثلاثة مواضع في القرآن (57)، فلا عجب إذا رأينا لصوقهما عند الشاعر.

وفي سورة مريم يقول تعالى: "وهُزّي إليْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عليكِ رُطَبًا جَنِيّا" (58).

والسياب يقول:

"إنه الرطب

تساقط في يد العذراء وهي تهز في لهفة

بجذع النخلة..." (59).

فالشاعر تخيل ما حدث بعد أمر الله إلى مريم، وهو يتحدث عن النخل في العراق ...ثم عن المطر والخير اللذين يعقبانه، فالرطب عطاء لمريم ساعة الضيق، وهو ما يتشوق إليه الشاعر حتى يتخلص مما يعانيه.

يقول د. عز الدين إسماعيل في مقالـة له: "فالشاعر الذي هدّه السفر وأيأسه المرض لا بد أن ينتظر معجزة تفتح أمامه باب الحياة من جديد، وتذهب بالمخاوف في نفسه وتشيع فيها الأمن، ولنتدبر كيف تسرب هذا المعنى إلى نفس الشاعر من بقية الآية، لقد اتخذت الآية الكريمة في نفس الشاعر مسارًا نفسيًا خاصة وتحددت أمامه ببعد شعوري يرتبط بأزمته الراهنة" (60).

وفي حين يقسم القرآن "والليل إِذا عسْعَس" (61) يستعمل شاعرنا نفس الكلمات بصيغة الشرط: "وإن عسعس الليل" (62)، "حين يعسعس الوسن" (63)، والآية القرآنية المذكورة متلوّة بآية أخرى "والصُّبْحِ إِذا تَنَفَّس" لكن الشاعر آثر أن تتغير كلمة "الصبح" فيأتي بمرادفة لها ، وذلك إذ يقول: "تنفس الغد في اليتيم" (64).

ومن تأثير القرآن مضمونًا ما قاله السياب:

"سيعلمون من الذي هو في ضلال" (65).

والآية تنص: "فَسَتَعْلمونَ مَنْ هو في ضَلالٍ مُبيِن"(66) وهو تطابق إلا ما ألزمته الضرورة الشعرية واللغوية.

وقول السياب: "أنا مع الصبح على موعد" (67)، صياغة أخرى لقوله تعالى: "إِنْ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْح" (68).

فالموعد في الحالين هو في الصباح، أما ما يتبع ذلك فهناك تباين، إذ معنى "الصبح" في القرآن وارد على وجه التعميم بترقب العذاب والتهديد للكفار، بينما "الصبح" عند الشاعر هو رمز تفاؤل وخير.



4- الأجواء القرآنية والإيحاء:



لعل أبرز ما يوحي لنا بهذه الأجواء بعض الكلمات التي تشير إلى الصورة القرآنية، فعندما يقول الشاعر:

"فرأى القبور يهب موتاهن فوجًا بعد فوج" (69). فان كلمة "فوج" تستدعي تذكّرنا للموقف يوم القيامة: "يَوْمَ يُنْفَخُ في الصّورِ فَتَأتون أفْواجا" (70).

وفي قول السياب: "يتنفس في كهف هار" (71) يخطر في بالنا قوله تعالى: "جُرُفٍ هارٍ" (72) ، والشاعر استعمل "هار" بعد الاسم الموصوف ، لأنه يريد أن يبين عمق المكان ونتانة التنفس فيه، بالإضافة إلى أن في المخرج الصوتي للفظتين "كهف" و "جرف" تشابهًا.

ويقول الشاعر:

"قبس من نور قلبي مشرق في ناظريك" (73).

هذا القبس يذكرنا بقوله تعالى: "أنظُرونا نَقْتَبِسْ من نورِكُم" (74).

فبينما يتحدث القرآن على لسان المنافقين وهم يخاطبون المؤمنين ، فإن الشاعر يورد هذا في معرض الغزل فقبس النور من قلبه يشرق في عينيها.

ويقول الشاعر:

"بجرتها من دافق الماء سلسل" (75).
ودافق الماء إضافة لفظية وقلب لقوله تعالى:

"مِنْ ماءٍ دافِق" (76).

فالشاعر تحدث عن الماء المتدفق ، بينما كان الماء في القرآن مجازًا.

ويقول الشاعر:

"ألا وقرت آذان من يسمعونه" (77).

ووقر الآذان تعبير قرآني: "وفي آذانهم وَقْرًا" (78).

فالشاعر صاغ جملته بأسلوب إنشائي دعائي يعبر فيها عن انفعاله ، بينما هي في القرآن جملة خبرية.

وتفجير العيون وارد في القرآن بصيغة خبرية:

"وفَجَّرْنا فيها مِنَ العُيون" (79).

" وفَجَّرْنا الأَرْضَ عُيونـًا فالتَقَى الماءُ" (80) ؛فالشاعر يصوغ بعض كلماتها بأسلوب إنشائي استفهامي: (81)

"فمن يفجر الماء منها عيونا لتُبنى قرانا عليها".

ويقول السياب بأسلوب التمني الذي يعبر عن تشفّيه : :

"لو تستطيع الكلام

لصبت على الظالمين

حميمًا من اللعنات" (82).

فنلحظ أن بعض كلماتها توحي لنا بالآية: "قُطّعَتْ لَهُم ثِيابٌ من نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقَ رؤوسِهم الحَميم" (83) ؛

وهذه الصورة أيضا نجدها عند الشاعر في قوله:

"ستنصب نار" (84)، كما أن قول الشاعر:

"ولا تلظّى بناره" (85) يذكرنا بقوله تعالى:

"فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظى" (86).

وتعبير "العيون الحور" عند الشاعر مأخوذ من قوله تعالى : "حُورٌ عين" (87).

فالعيون "الحور" و "الشراب" من كلمات القرآن المترددة في وصف الجنة والشاعر يقول:

"العيون الحور لو أصبحن ظلاً في شراييني" (88) ، "من الأعين الحور ينبوعها" (89).

وعندما يقول الشاعر "فينفطر قلب السماء" (90) لا شك انه يستوحي جو الآية "إِذا السَّماءُ انْفَطَرَتْ" (91)، وكلمة "انفطر" في كل استعمال لها في القرآن ملازم لكلمة "السماء"، لكن الشاعر يمزج بين التعبير القرآني وبين التعبير الدارج "انفطر عليه"، ويقول الشاعر:

"لم تترك الرياح من ثمود

في الواد من أثر" (92).

إشارة إلى قوله تعالى: "وَثَمود الذين جابُوا الصَّخْرَ بالواد" (93) ويذهب تفسير الجلالين إلى أن كلمة "الواد" تعني وادي القرى، وفي "معاجم اللغة" الوادي- منفرج بين جبال إن آكام يكون منفذًا للسيل؛ فالشاعر -كما رأينا - يستعمل كلمة "الواد" بحذف الياء وليس له أي مبرر، ففي القرآن حذفت الياء لأنها في نهاية آية ، وحفاظًا على الفاصلة القرآنية، بينما هي عند الشاعر حافظت على رسمها القرآني كما هو.

ولنلاحظ كيف يستعمل الشاعر الكلمات القرآنية من أكثر من آية، فالسياب يقول:

"كورت النجوم إلى نداء: قابيل أين أخوك" (94) يجمع الكلمات من أكثر من آية: "إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وإذا النُّجوم انْكَدَرَتْ" (95) ، ثم لم يلبث في معرض حديثه عن اللاجئين أن يخاطب قابيل الوارد ذكره في القرآن (المائدة 31)، كما نلحظ أن كلمة "نداء" وردت في القرآن بمثل الجو الذي وصفه السياب في قصيدته "قافلة الضياع"- يقول تعالى: "وَمَثَلُ الذينَ كفروا كَمَثَلِ الذي يَنْعَقُ بما لا يَسْمَعُ إلا دُعاءً ونِداء" (96).

وفي قافلة الضياع يقول الشاعر:

"جمعت السماء آمادها لتصيح
كورت النجوم إلى نداء، قابيل أين أخوك؟" (97).

ويقول السياب: "... ابَّنه في موته والمضغة الصلصال" (98) "والمضغة" و "الصلصال" تتعلقان بخلق الإنسان: "إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ" (99)، "خُلِقَ الإِنسَّانُ مِنْ صَلْصَّالٍ كَالفَخّار" (100).

ويبدو أن الأصداء القرآنية تبقى في نفَس القصيدة، فكلمة "الفخار" التي في الآية الأخيرة يستعملها السياب في مكان آخر من القصيدة التي استشهدنا منها (101).

ويقول الشاعر:

"وانجلى الفجر حاملاً بين كفيه سعيرا

عذابه يصليني" (102).

وفي القرآن : "وَيَصْلَى سَعيرا" (103)، وكلمة "يَصْلَى" تتردد عند الشاعر، وعلى سبيل المثال: "اصلوها نارا" (104)، وهي مطابقة لقوله تعالى : "واصْلَوْها..." (105) والكلمات بتجميعها تدعنا نتذكر آيات مشابهة، ففي قول السياب:

"أنها عادت هشيما يوم أن أمسيت ريحا" (106).

(116).

السيد عبد الرازق 11-12-2008 03:15 AM

فإن لفظتي "الهشيم " و" الرياح " تذكراننا بقوله تعالى : " فأصْبَحَ هَشيمًا تَذْرُوه الرِيّاح" (107)؛ فالشاعر يخاطب الصقر الإلهي أن يترفق لأن روحه تتمزق، والله يريد أن يضرب مثلاً على ضعف الإنسان: أن نبات الأرض أصبح قشًا تذروه الرياح ، وهكذا حال الكافر.

وفي قول السيياب:

" يا للقبور كأن عاليها غدا سفلا

وغار إلى الظلام" (108).

نستوحي قوله تعالى: "فَجَعَلْنا عالِيها سافِلَها" (109)، ومن الملاحظ أن جملة السياب تشبيه يعبر فيه عن رهبة الموقف ، بينما آية القرآن تقرير ووصف حال .

وفي قول السياب:

" مصابيح لم يسرج الزيت فيها وتمسسه النار" (110).

استفادة من القرآن : "يَكادُ زَيْتُها يُضيء ولَوْ لَمْ تَمْسَسَهُ نار" (111).

والشاعر يقول:

"لو أودع الله إياها أمانته

لنالهن على استيداعها ندم" (112).

وهذا مضمون قرآني من الآية: "إِنَّا عَرَضْنا الأمانةَ على السمواتِ والأرْضَ والجِبالَ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها" (113).

فالشاعر استعمل أداة الامتناع - بمعنى أن الندم سيحصل لو تم ذلك، بينما الآية تتحدث عن رفض الجبال أن تحمل الوديعة.

وترتبط كلمة "التنور" بالفيضان في قوله تعالى:

"حتّى إذا جاءَ أمْرُنا وفَار التّنّور قُلْنا احْمِل فيها مِنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْن" (114).

وإذا بها عند السياب مرتبطة كذلك:

" في قلبه تنور- النار فيه تطعم الجياع
والماء من جحيمه يفور

طوفانه يطهر الأرض من الشرور" (115).

وكلمة "التنور" لها أكثر من تفسير، لكن الغالب فيها أنه الموقد،وهذا لا يمنع الشاعر من ترديد كلمة "تنور" بالمعنى القروي "موقد" من غير أن يتقيد بالجو القرآني كقوله:
5- ألفاظ قرآنية بارزة:



ليس سبيلنا هنا أن نقف عند كل لفظة قرآنية، وإنما نقف عند بعضها، فكلمات مثل: آد، يدثر، اجتبى، وغيرها كثير نميزها على أنها وردت في القرآن ...وتذكرنا بآيات قرآنية.

وشاعرنا مولع باللفظة القرآنية كلفظة: "أزف" (117)، يقول الشاعر:

"لقد أزف الوعد" (118)

وكأنما أزف النشور" (119)

وهو يؤثرها على (حان) و (آن) و (جاء) وإضرابها لان "أزف" تخلق عنده الإحساس بالجزالة اللغوية، وكلمة "الوصيد" (120) تعني العتبة أو فناء الدار، فيقول الشاعر:

"رمت الرداء ونشرته على الوصيد" (121).

واستعمال حرف الجر "على" يقربنا من معنى آخر من معاني الوصيد وهو "نبات متقارب الأصول" (122) وليس هذا

المعنى بدعًا ، فمن العرب من ينشر ملابسه على النبات، غير أن متابعة دقيقة تؤكد لنا أنه عنى معنى

"الساحة" (123):

" عباس عاد من الترصد بالرجال على الوصيد"

"وما زال جمعنا في الوصيد" (124).

ويؤثر الشاعر كلمة "الرعاء" اعتبارًا للقافية وللاستعمال القرآني (125)، إذ أن الشاعر يقول:

"ومن كوة في خيام الرعاء" (126).

وفي قول الشاعر:

" ولا اختص في الصرصر اللاجئون" (127).

تسترعي انتباهنا كلمة "صرصر" الواردة في القرآن (128)، وترتبط كلمة "السموم" في شعر السياب بالريح:

"ريحها السموم (129)، رياح سموم" (130).

وتعني "السموم" الريح الحارة، فيقول تعالى: "عَذاب السّموم" (131)، "نار السَّموم" (132).

كما أن الشاعر في استعماله: " بأفنانك الناطفات المياه" (133) يعرف أصلاً أن (أغصان) تؤدي نفس المعنى، لكنه يفضل كلمة "أفنان" القرآنية (134)، وكذلك الأمر في استعمال الشاعر كلمة "الحرور" التي يؤثرها على الحر.

وكم تتردد كلمات من وحي القرآن في شعر الشاعر، ونسوق بعضًا مما ورد في معنى العذاب مثلا : لظى، سعير، سقر، رجوم، وغيرها (135)....





"استخلاص"



من خلال ما تقدم نستخلص ما يلي:

1- أن أثر القرآن بارز في كل المجموعات الشعرية على السواء، وتوفرها كثيرًا في ديوان "أنشودة المطر" يعود إلى حجم الديوان أولاً .

إذا تفحصنا التراكيب التي استفاد منها الشاعر واستعملها كما هي أو طورها فإننا نجد:

أ- أن بعض التركيب وارد في لغة الأدب الحديث ، كمثل قوله "قبس من نور"، "العيون الحور" الأمر الذي يجعلنا لا نبت في الحكم أنه أفادها مباشرة من القرآن، وهذا ينطبق أيضًا على استعمال المفعول المطلق، حيث أن هذا الأسلوب ليبس واردًا قصرًا على القرآن ، ولكن لا منأى من وضعها ضمن إطار الاستفادة من القرآن لأنه الأشيع والمتداول .

ب- أن الشاعر في تأثره بالقرآن أسلوبًا ومضمونًا وتراكيب لم يقتبس على الطريقة البلاغية القديمة في الاقتباس – وذلك ، كأن ينقل الآية أو جزءًا منها كقول ابن الرومي:

" لقد أنزلت حاجاتي بواد غير ذي زرع" (136).

بل هو يستفيد من القرآن وأساليبه ، ويطور هذه الاستفادة بعد هضمها باتجاه الآية ، أو بمعنى مخالف مغاير للأصل.

ج- أن اغلب الاستعمالات التي اشرنا إليها في شعر السياب ترد بمعنى العذاب كقوله:

"وحق العذاب" (137) ، "ستنصب نار" (138).



مدخل إلى استفادة السياب من شعر السابقين :


لا شك أن كل شاعر في مطلع كتابته يترسم خُـطا سابقيه، والسياب- الذي أشار إليه النقاد بأنه تأثر بأبي تمام والمتنبي وغيرهما- (139) أكثر من استعمال القاموس الشعري القديم، وأعلى صوت الموروث الشعري وأدخله في عشرات الأبنية، فكان من أكثر الشعراء المحدثين اقترابًا من روح الشعر القديم، وكان من أبرز من حوّم حوله رصانته وجزالته (140) ، وهو بهذا أحيا الكثير من الكلمات القديمة، إذ أن استعماله – مثلاً - صدر بيت قديم:

"ناحت مطوقة بباب الطاق" (ص717)- على سبيل المثال- فإنه يحيي كلمة "مطوقة"، بالإضافة إلى أنه يعمق المعنى، ونحن نحس ألم الشاعر -العراقي- من خلال هذا التضمين ، ومن خلال تذكرنا البيت القديم:

"ناحت مطوقة بباب الطاق

فجرت سوابق دمعي المهراق"

والشاعر الحديث عندما يضمن شعره فإنه:

- يثري التجربة ويعمق المعنى.

- يحيي بعض الكلمات القديمة.

- يؤكد أهمية التراث اللغوي، وهذا من شأنه – بالتالي - أن يحفز القارئ على تقبل التراكيب الجديدة (141).

ويلاحظ الدارس أن الشاعر ساق الكثير من هذه الآيات في سياق تشاؤمه وألمه.

وقد حاولنا تصنيف نوعية هذا التأثر، وسجلنا الظاهرة الفريدة كدلالة على الاستفادة، ففي الأسلوب لا نستطيع الحصر مهما أوتينا، وفي التراكيب سجلنا ما تكرر عند الشاعر من غير أن نبحث كيفية وقوع التركيب هنا وهناك إلا ما يقتضي ذلك، فمن التركيب ما بقي على حالة الأول، ومنه ما تغيرت دلالته .

وقد استعمل السياب التضمين ، وأخذ يرصع به شعره ، وتناول بعض العبارات الشعرية وطورها توسعًا في المعنى أو اعتراضًا له، وفي الحالتين فإن التأثر واقع، فيه تذكير وإثارة، وفيه قدرة الشاعر على نقل التراث بصورة جديدة.


السيد عبد الرازق 11-12-2008 03:18 AM

تأثير الشعر القديم على السياب :


1- في بناء الجملة.

2- في تراكيب رددها الشاعر وهي لشعراء سابقين.

3- في تضمين أبيات من الشعر القديم في سياق جديد.

4- في تطوير تعابير الشعر القديم بشكل مغاير للأصل.



1- التأثر بصياغة الجملة الشعرية القديمة:

لا نستطيع أن نزعم أن باستطاعتنا حصر كل الأساليب التي تأثر بها الشاعر، فربما يكون بعض هذه الأساليب من القرآن أو الحديث، ولكن سبيلنا أن نقف عند بعض الأساليب البارزة في الشعر:

أ- أسلوب التفريع[1] أو ما أصطلح عليه أسلوب : "ما...بـ ": وهو الابتداء بما التي تعني ليس، والتي يتأخر خبرها وهو مسبوق بالباء- حرف الجر الزائد-، فالأعشى مثلاً يقول:

"ما روضة من رياض الحزن معشبة خضراء جاد عليها مسبل هطل

يومًا بأطيب منها نشر رائحة ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل" (142).

وها هو السياب يستعمل هذا الأسلوب المتوافر في الشعر القديم فيقول:

"فما مذهب من شعور الحسان

تراخى على كتف واستراح

بمشبه منديلها فتنة

وسحرًا إذا جاذبته الرياح" (143).



ب- أسلوب الاستفهام في اصطلاح البلاغين "تجاهل العارف": والمقصود منه تهويل الموقف، ومن ذلك ما تقول الخنساء : "قذى بعينك أم بالعين عوّار" (144) .

ويقول السياب: "أنار البرق في عينيه أم شعار المعبد" (145).

ج- استعمال "ما الزائدة" بعد إذا: يقول النابغة: " إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم" (146).

والسياب يكثر من مثلها كقوله:

" إذا ما راح يطوي إليهم نحو الشاطئ الخصب
إذا ما اهتزت الزهرة ألقت بالندى العذب" (147).

د- استعمال المدح بما يشبه الذم: يقول السياب:-

"فتى ما جنى ذنبًا سوى أنه انتضى حسامًا بوجه الظلم ما لان جانبه" (148).
وصيغة هذا القول تذكرنا ببيت النابغة:

"ولا عيب فيهم غير أن سيوفيهم بهن فلول من قراع الكتائب" (149) .

ه- استعمال أنماط صياغة قديمة:

ففي قول المتنبي: "لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي" (150)، نجد أن قول السياب:

"لغيرك لم يخفق فؤادي ولا هفا" (151) ، مشابه له ، إذ أن البيتين يبدأان بحرف جر ، فاسم مضاف إلى الضمير، فحرف نفي ، ففعل ، فحرف عطف ، فحرف نفي ، ففعل.

ونظرة إلى مطولة "بور سعيد" (152) في قصائدها العمودية الثلاث، فإننا نستوحي الأجواء الشعرية لجرير وأبى تمام والمتنبي في كل قصيدة على التوالي، ولنضرب مثلاً:

يقول السياب: "إيماضة البرق إلا أنها حقب" (153).

ويقول المتنبي: "هذا عتابك إلا أنه مقة" (154)، وغيره كثير.

ولو أنعمنا النظر في أبيات السياب التي دللنا على تأثرها لألفينا أكثرها من مجموعة "البواكير" ، غير أن هذا لا يعني أن السياب لم تتأثر صياغته في سائر الدواوين، ففي "أنشودة المطر" مثلاً يقول:

"عصافير أم صبية تمرح

أم الماء من صخرة تنضح" (155) .وفي تكرار "أم" نتذكر قول الخنساء:

"قذى بعينيك أم بالعين عوار

أم ذرفت إذ خلت من أهلها الدار" (156) .

2- تراكيب من الشعر القديم رددها السياب:

وإفادة السياب من الشعراء السابقين تبرز كذلك في تضمين بعض التراكيب كما هي، فالدعاء بالسقي مثلاً كان يلائم طبيعة الصحراء، وقد أكثر منه الشعراء ، فهذا قيس بن ذريح يقول:

"سقى دار لبنى حيث حلت وخيمت من الأرض منهل الغمام رعود" (157) .

ويقول ابن زيدون مستعملاً نفس الدعاء- برغم اختلاف البيئة عليه:-
"ليسق عهدكم عهد السرور" (158) .

وكما كان الشاعر القديم يدعو بالسقي على الأطلال ، فها هو شاعرنا يستوحي السقي على منزل الأقنان:

"ألا يا منزل الأقنان سقتك الحيا سحب" (159) .

ودعاء السقي في الشعر القديم يأتي كذلك بصورة سلبية كقول المتنبي مستعملاً لا الدعائية:

"فلا سقاها من الوسمي باكره" (160) .

وهذا التركيب نجده- قريبًا من الأصل- عند السياب في قوله: "فلا سقيا" (161) .

فالتراكيب القديمة التي استخدمها السياب كثيرة ، وها نحن نذكر ما استطعنا حصره ابتداء من الشعر الجاهلي:

فـ " رعي النجوم " تعبير وارد في شعر النابغة: "وليس الذي يرعى النجوم بآئب" (162) ومعنى رعي النجوم مراقبتها ، وها هو السياب يقول كذلك : "وأرعى نجوم الظلام العميق" (163) .

ويقول الشاعر القديم:

"نذر علي لئن راحوا وإن رجعوا
لأزرعن طريق الطف ريحانا" (164) .

فيأتي السياب ويقول:

"نذر علي لئن تشب
لأزرعن من الورود" (165)

كما أن ترديد السياب لـ (حُييت من...) في قصيدة "بور سعيد" (166) تذكرنا بعنترة في ابتدائه:
"حييت من طلل تقادم عهده" (167) .

وطول الثواء تعبير عند الأقدمين، وفيه يقول عنترة:

"طال الثواء على رسوم المنزل" (168) .

ويقول الحارث بن حلزة:

"رب ثاو يمل منه الثواء" (169)، فيأتي السياب ويمزج بين المعنيين:

"حتى ضجرت واسأمه طول الثواء وآده التعب" (170).

ومن الطبيعي أن السياب كان يستطيع استعمال "المقام" بدلاً من "الثواء" مع محافظته على الوزن - لكن الشعر الجاهلي بقي تأثيره طاغيًا.

"والبنان الرخص" وارد في الشعر القديم، يقول النابغة:

"بمخضّب رخص كأن بنانه عنم يكاد من اللطافة يعقد" (171) .

ويقول عمر بن أبي ربيعة:

"ومخضب رخص البنان كأنه عنم" (172).

وإذا ترددت كلمة "عنم" عند الشاعرين فإن السياب أغفلها لتوغلها في البعد عن الطبيعة الحضرية، فهو يقول "جاءتك ظمأى بالبنان الرخص تغترف المياه" (173).

ومن قول السياب:

"ماء اسق يا ماء والغيث الرهيب كلى

مفرية سحت الآجال والكربا" (174).

نرى أن "الكلى المفرية" تعبير وارد عند ذي الرُّمة:

"ما بال عينيك منها الماء ينسكب كأنه من كلى مفرية سرب" (175).

ومن الشعر العباسي استعار السياب الكثير من مثل هذه التركيبات كما هي:

يقول أبو تمام في بائيته المشهورة:

"كأس الكرى ورضاب الخرد العرب" (176).

ويقول السياب: "والنار أعراض كل الخرد العرب" (177).

يقول أبو تمام: "قاني الذوائب من آني دم سرب" (178).

ويقول السياب: "حتى جبى قدر ماء من دم سرب" (179).

ويقول أبو تمام: "للنار يومًا ذليل الصخر والخشب" (180).

ويقول السياب: "ما ذل غير الصفا للنار والخشب" (181).

والبحتري يقول: "أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا" (182)، فيستعمل السياب نفس التعبير "والربيع الطلق" (183)، وكذلك فإن البحتري يقول: "يفتقها برد الندى.." (184) فيستعمل السياب: "كما تنفض الريح برد الندى" (185).

ويقول ابن الرومي:


" يا قصة عنتر إذ تروى حول التنور فأحياها"

محمود راجي 11-12-2008 12:03 PM

نهاية

-1-

أضيئي لغيري فكل الدروب

سواء على المقلة الشاردة

سأمضي إلى مجهل لا أؤوب

فإن عادت الجثة البارده

فألقي على الأعين الخاويات

طيب السماء

لعل الرؤى الخابيات

إذا مس أطرافهن الضياء

يخبرن عن ذلك المجهل:

عن الريح و الغاب و الجدول

أضيئي لها يا نجوم !

**

-2-

سأهواك حتى نداء بعيد

تلاشت على قهقهات الزمان

بقاياه في ظلمة في مكان

و ظل الصدى في خيالي يعيد

سأهواك حتى سأهوى نواح

كما أعولت في الظلام الرياح

سأهواك حتى سـ.... يا للصدى

أصيخي إلى الساعة النائية

سأهواك حتى بقايا رنين

تحدين دقاتها العاتية

تحدين حتى الغدا

سأهواك ما أكذب العاشقين !

سأهوا نعم تصدقين

**

-3-

ظلام و تحت الظلام المخيف

ذراعان تستقبلان الفضاء

أبعد اصفرار الخريف

تريدين ألا يجيء الشتاء؟

لقاء و أين الهوى يا لقاء؟!

عويل من القرية النائية

وشيح ينادى فتاة الغريق

بهذا الطريق و ذلك الطريق

و يمشي إلى الضفة الخالية

يسائل عنه المياه

و يصرخ بالنهر يدعو فتاه

و مصباحه الشاحب

يغني سدى زيته الناضب

محال يراه

و يحنو على الصفحة القاتمة

يحدق في لهفة عارمه

فما صادفت مقلتاه

سوى وجهه المكفهر الحزين

ترجرجه رعشة في المياه

تغمغم لا لن تراه

**

-4-

أحقا نسيت اللقاء الأخير

أحقا نسيت اللقاء ... ؟

أكان الهوى حلم صيف قصير

خبا في جليد الشتاء

خبا في جليد

و ظل الصدى في خيالي يعيد

خبا في جليد خبا في جليد

و يا رب حلم يهيل الزمان

عليه الرؤى و السنين الثقال

فتمضي و يبقى شحوب الهلال

يلون بالأرجوان

شحوب النجوم وصمت القمر

ويومض في كل حلم جديد

شحوب الهلال و ظل الشجر

وطيف الشراع البعيد ؟

ودق 11-12-2008 06:06 PM

الشكر و لا يسعني سواه للتثبيت و الإضافات الرائعة التي أثرت الموضوع و هي دعوة أيضا لكل زائر ان يضيف لنجعله موضوعا متكاملا بإذن الله
أخي السيد عبد الرزاق و أخي المشرقي الاسلامي و أخي محمود الراجي أشكركم على المداخلات و أرجوا ان لا تتوقف و هذا لما عمّ من فائدة وجزاكم الله خيرا

ودق 11-12-2008 06:27 PM

مدينة بلا مطر




مدينتنا تؤرّق ليلها نار بلا لهب

تحمّ دروبها و الدّور ثم تزول حمّاها

و يصبغها الغروب بكل ما حملته من سحب

فتوشك أن تطير شراره و يهب موتاها

صحا من نومه الطينيّ تحت عرائش العنب

صحا تموز عاد لبابل الخضراء يرعاها

و توشك أن تدق طبول بابل ثم يغشاها

صفير الريح في أبراجها و أنين مرضاها

و في غرفات عشتار

تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار

و يرتفع الدعاء كأن كل حناجر القصب

من المستنقعات تصيح

لاهثة من التعب

تؤوب إله الدم خبز بابل شمس آذار

و نحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار

لنسأل عن هداياها

جياع نحن و اأسفاه فارغتان كفّاها

و قاسيتان عيناها

و باردتان كالذهب

سحائب مرعدات مبرقات دون إمطار

قضينا العام بعد العام بعد العام نرعاها

وريح تشبه الإعصار لا مرّت كإعصار

و لا هدأت ننام و نستفيق و نحن نخشاها

فيا أربابنا المتطلعين بغير ما رحمه

عيونكم الحجار نحسّها تنداح في العتمة

لترجمنا بلا نقمة

تدور كأنهن رحى بطيئات تلوك جفوننا

حتى ألناها

عيونكم الحجار كأنّها لبنان أسوار

بأيدينا بما لا تفعل الأيدي بنيناها

عذارانا حزاني ذاهلات حول عشتار

يغيض الماء شيئا بعد شيء من محيّاها

و غصنا بعد غصن تذبل الكرمة

بطيء موتنا المنسلّ بين النور و الظلمة

له الويلات من أسد نكابد شدقه الأدرد

أنار البرق في عينيه أم من شعله المعبد

أفي عينيه مبخرتان أوجرتا لعشتار

أنافذتان من ملكوت ذات العالم الأسود

هنالك حيث يحمل كل عام جرحة الناريّ

جرح العالم الدوار فاديه

و منقذه الذي في كل عام من هناك يعود بالازهار

و الأمطار تجرحنا يداه لنستفيق على أياديه

و لكن مرّت الأعوام كثرا ما حسبناه

بلا مطر و لو قطرة

و لا زهرة و لو زهرة

بلا ثمر كأنّ نخيلنا الجرداء أنصاب أقمناها

لنذبل تحتها و نموت

سيدنا جفانا آه يا قبره

أما في قاعك الطيني من جرّة

أما فيها بقايا من دماء الرب أو بذره

حدائقه الصغيرة أمس حعنا فافترسناها

سرقنا من بيوت النمل من أجرانها دخنا و شوفانا

و أوشابا زرعناها

فوفّينا و ما وفى لنا نذره

و سار صغار بابل يحملون سلال صبّار

و فاكهة من الفخّار قربانا لعشتار

و يشعل خاطف البرق

بظل من ظلال الماء و الخضراء و النار

و جوههم المدوّرة الصغيرة و هي تستسقي

فيوشك أن يفتّح و هي تومض حقل نوار

ورفّ كأنّ ألف فراشة نثرت على الأفق

نشيدهم الصغير

قبور إخوتنا تنادينا

و تبحث عنك أيدينا

ل؟أن الخوف ملء قلوبنا و رياح آذار

تهز مهودنا فنخاف و الأصوات تدعونا

جياع نحن مرتجفون في الظلمة

و نبحث عن يد في الليل تطعمنا تغطّينا

نشد عيوننا المتلفتات بزندها العاري

و نبحث عنك في الظلماء عن ثديين عن حلمة

فيا من صدرها الأفق الكبير و ذديها الخيمة

سمعت نشيجنا و رأيت كيف نومت فاسقينا

نموت و أنت واأسفاه قاسية بلا رحمة

فيا آباءنا من يفتدينا من سيحيينا

و من سيميت يولم لحمه فينا

و أبرقت السماء كأن زنبقة من النار

تفتح فوق بابل نفسها و أضاء وادينا

و غلغل في قراره أرضنا

ودق 11-12-2008 06:36 PM

المسيح بعد الصلب




بعدما أنزلوني سمعت الرياح


في نواح طويل تسف النخيل


و الخطى و هي تنأى إذن فالجراح


و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل


لم تمتني و أنصتّ كان العويل


يعبر السهل بيني و بين المدينة


مثل حبل يشدّ السفينة


و هي تهوي إلى القاع كان النواح


مثل خيط من النور بين الصباح


و الدجى في سماء الشتاء الحزينة


ثم تغفو على ما تحسّ المدينة


حينما يزهر التوت و البرتقال


حيت تمتدّ جيكور حتى حدود الخيال


حين تخضرّ عشبا يغنّي شذاها


و الشموس التي أرضعتها سناها


حين يخضرّ حتى دجاها


يلمس الدفء قلبي فيجرى دمي في ثراها


قلبي الشمس إذ تنبض الشمس نورا


قلبي الأرض تنبض قمحا وزهرا و ماء نميرا


قلبي الماء قلبي هو السنبل


موته البعث يحيا بمن يأكل


في العجين الذي يستدير


ويدحى كنهد صغير كثدي الحياه


متّ بالنار أحرقت ظلماء طيني فظلّ الإله


كنت بدءا و في البدء كان الفقير


متّ كي يؤكل الخبز باسمي لكني يزرعوني مع الموسم


كم حياة سأحيا ففي كل حفرة


صرت مستقبلا صرت بذره


ذرت جيلا من الناس في كل قلب دمي


قطرة منه أو بعض قطرة


هكذا عدت فاصفرّ لما رآني يهوذا


فقد كنت سره


كأن ظلا قد اسود مني و تمثال فكره


جمّدت فيه و استلّت الروح منها


خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه


عيناه صخرة


راح فيها يواري عن الناس قبره


خاف من دفنها من محال عليه فخبّر عنها


أنت أم ذاك ظلي قد أبيضّ وارفضّ نورا


أنت من عالم الموت تسعى هو الموت مرّه


هكذا قال آباؤنا هكذا علمونا فهل كان زورا


ذاك ما ظنّ لما رآني و قالته نظرة


قدم تعدو قدم قدم


القبر يكاد بوقع خطايا ينهدم


أترى جاءوا من غيرهم


قدم قدم قدم


ألقيت الصخر على صدري


أو ما صلبوني أمس فها أنا في قبري


فليأتوا إني في قبري


من يدري أني من يدري


ورفاق يهوذا من سيصدق ما زعموا


قدم قدم


ها أنا الأن عريان في قبري المظلم


كنت بالأمس ألتف كالظن كالبرعم


تحت أكفاني الثلج يخضل زهر الدم


كنت كالظل بين الدجى و النهار


ثم فجرت نفسي كنوزا فعرّيتها كالثمار


حين فصلت جيبي قماطا و كمّي دثار


حين دفأت يوما بلحمي عظام الصغار


حين عريت جرحي و ضمدت حرجا سواه


حطم السور بيني و بين الإله


فاجأ الجند حتى جراحي و دقات قلبي


فاجأوا كل ما ليس موتا و إن كان في مقبرة


فاجأوني كما فاجأ النخلة المثمرة


سرب من الطير في قرية مقفرة


أعين البندقيات يأكلن دربي


شرع تحلم النار فيها بصلبي


إن تكن من حديد و نار فأحداق شعبي


من ضياء السماوات من ذكريات و حب ّ


تحمل العبء عني فيندى صليبي فما أصغر


ذلك الموت موتي و ما أكبره


بعد أن سمّروني و ألقيت عينيّ نحو المدينة


كدت لا أعرف السهل و السور و المقبرة


كان شيء مدى ما ترى العين


كالغابة المزهرة


كان في كلّ مرمى صليب و أم حزينة


قدس الربّ


هذا مخاض المدينة

ودق 11-12-2008 06:42 PM


قصيدة ذكرى لقاء


قد انتصف الليل فاطو الكتاب عن الريح و الشمعة الخابية
فعيناك لا تقرآن السطور و لكنها العلة الواهيه
فأنت ترى مقلتيها هناك و ذكرى من الليلة الماضيه
فتطوي على ركبتيك الكتاب و ترنو إلى الأنجم النائيه
**


هنا أنت بين الضياء الضئيل و بين الدجى في الفضاء الرحيب
و كم من مصابيح تفنى هناك تنير الثرى و الفراغ الرهيب
**


مصابيح كانت تذوب


و تنحل في شعرها:س


خطانا و لون الغروب


و ما ضاع من عطرها


و تلقي على ذكريات الشتاء ستاراً من الأدمع الراجفة
فتخبو مصابيحهن البعاد بطيئاً كما تبرد العاطفة
كما افترقت يوم حان الرحيل يد صافحتها يد واجفة
كرجع الخطى في الطريق البعيد كما انحلت الرغبة الخائفة
**


وتصغي و لا شيء إلا السكون و إلا خطى الحارس المتعب
وإلا ارتعاش الضياء الضئيل و خفق الظلال على المكتب
**


و أسفارك البالية


كأشباح موتى تسير


حياري إلى الهاوية


وحلم أدكار قصير


**


و تنساب مثل الشراع الكئيب وراء الدجى روحك الشاردة
ترى وجهها كالتماع النجوم و تطويه عنك اليد الماردة
إلى أن يذوب الضباب الثقيل و تنهار ألوانه الجامدة
فها أنت ذا تستعيد اللقاء كما عادت الجثة الباردة
**


و تمتد يمناك نحو الكتاب كمن ينشد السلوة الضائعة
فتبكي مع العبقري المريض و قد خاطب النجمه الساطعة
**


تمنيت يا كوكب


ثباتا كهذا أنام


على صدرها في الظلام


وافني كما تغرب


و يغشى رؤاك الضياء القديم بطيئاً كما سارت القافلة
ترى الباب مثل انعكاس المغيب على صفحة الجدول الناحلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم ينير لك الغرفة الآفلة
و يغشى رؤاك الضياء القديم فيا لانتفاضتك الهائلة!
**


ترى الباب ألقى عليه الأصيل ظلالاً من الكرمة العارية
فما كان غير اعتناق طويل عصرنا به القوة الباقية
**


و ألقيت عبء السنين


و رأسي على صدرها


فشدت عليه اليمين


و أدنته من ثغرها


**


و أيقنت أن الحياة الحياة بغير الهوى قصة فاترة
و إني بغير التي ألهبت خيالي بأنفاسها العاطرة
شريد يشق ازدحام الرجال و تخنقه الأعين الساخرة

ودق 11-12-2008 06:49 PM

مرثية جيكور



يا صليب المسيح ألقاك ظلا فوق جيكور طائر من حديد

يا لظل كظلمة القبر في اللون و كالقبر في ابتلاع الخدود

و التهام العيون من كل عذراء بيت لحم الولود

مرّ عجلان بالقبور العواري من صليب على النصارى شهيد

فاكتسب منه بالصليب الذي ما كان إلا رمزا الهلاك الأبيد

لا رجاء لها بأن يبعث الموتى و لا مأمل لها بالخلود

ويل جيكور ؟ أين أيامها الخضر و ليلات صيفها المفقود

و العشاء السخي في ليلة العرس و تقبيلة العروس الودود

و انتظار له على الباب

محمود تأخرت يا أبا محمود

ناد محمود

ثم يوفي على الجمع بمنديل عرسه المعقود

نقطته الدماء يشهدن للخدر بعذراء يا لها من شهود

لا على العقم و الردى بل على الميلاد و البعث و الشباب الجديد

أي صوت يصيح محمود محمود تأخرت كالنواح البعيد

أين محمود ليس محمود في الدار و لا الحقل

يا أبا محمود

ناد محمود كاد أن يهتف الديك و ما زال جمهنا في الوصيد

قل له يبرز الدماء فأنا في انتظار لها و شوق مبيد

ذر نجم الصباح محمود محمود أأقبلت بالدم المنشود

أي جرح يتر منه الدم الموار في باب دارك المرصود

إنه منك منك هذا الدم الثر و من جانب العروس القديد

الصليب الصليب إنا رأيناه و قد مر كالخيال الشرود

قد رأيناه في الصباح و في الليل سمعنا كقعقعات الرعود

أهو هذا الذي يريدون ؟ أشلاء و أنقاض منزل مهدود

أفما قامت الحضارات في الأرض كعنقاء من رماد اللحود

لا و لم افرح العقول على المجهول يسبرن فيه غور الوجوه

أو يشقّ العباب قلع يصك الريح صكا إلى البعيد البعيد

أو يلمّ النسيم عقدا من النور و يذروه باقة من ورود

ساحر فجر المدى عن مدى ملآن باللحن مترع بالنشيد

أو تدّق الأجراس يا أرض يا بشراك بالحبّ و المسيح الوليد

لا و لم يختم الزجاج على كل هرقل من العقار الأكيد

بخنق الموت كلما همّ بالناس و يجتاح كاسرات الأسود

لا و لا قيس بعدما لفه الليل من الأرض و احتوى من حدود

بالذي قاس حافة الساعة القوراء في قرصها ذراعا حديد

أو يفض الظلام ألا لكي تندّك جيكور بالسلاح الجديد

كي يراها على اتساع المدى و الشأو من ليس طرفه بالحديد

من وراء المحيط و الليل و الغابات و البيد و الذرى و السدود

أين من شال جين أطمار كلثوم ؟ و أن الغضا من الأركيد

فيم أسرى صحاب جين المغاوير إلى زوج كلثوم المنكود ؟

أنت جيكور كل جيكور أحداق العذارى و باسلات الزنود

و الرؤوس التي حثا فوقهنّ الدهر ما في رحاه من تنكيد

صرّد القمح من نثار لها اللون و لم تحظ بالرغيف الوئيد

فهي صحراء تزفر الملح آهات و شكوى لمائها المؤود

خورس

شيخ اسم الله ترللا

قد شاب ترلّ ترلّ ترار و ما هلّ

ترلل العيد ترللا

ترللا عرّس حمادي

زغردن ترلّ ترللا

الثوب من الريز ترلّلا

و النقش صناعة بغداد

إنها الريح فاملئي الريح يا جيكور بالضحك أو نثار الورود

فقطب الصمت حيث كانت أغانيك و حيث العبير نتن الصديد

جاء قرن و راح و المدن في ضوضاء و ما زلن من حساب النقود

ضاع صوت الضعاف فيها و آهات النبيين و ابتهال الطريد

و استحال الفضاء من ضجة الآلات فيها و من لهاث العبيد

غير هذا الفضاء شيئا لغير الآدميين ربما للقرود

ربما للذئاب و الدود و الآذنى من الدود في الحضيض البليد

ظلّ ذاك الضجيج كالجيفة الحبلى بما ليس غير عقم الولود

ثمة التمّ في كرات من النار فألقى عليك صمت اللحود

لا عليك السلام يا عصر تعبان بن عيسى و هنت بين العهود

ها هو الآن فحمة تنخر الديدان فيها فتلظي من جديد

ذلك الكائن الخرافيّ في جيكور هومير شعبه المكدود

جالس القرفصاء في شمس آذار و عيناه في بلاط الرشيد

يمضغ التبغ و التواريخ و الأحلام بالشدق و الخيال الوئيد

ما تزال البسوس محمومة الخيل لديه و ما خبا من يزيد

نار عينين ألقتاها على الشمر ظلالا مذبحات الوريد

كلما لز شمره الخيل أو عرى أوزيده التحام الجنود

شد راحا و أطلق المغزل الدراء يدحوه للمدار الجديد

و انتهى من حديثه الضخم عن ضخم منالغزل و انتهى من قعود

نصف عريان يسحب الطرف عن صدر تعرى و عن قميص فقيد

غير بقيا على فم دق حتى عن فم العنكبوت في رأس عود

مغزل ينقض الذي حاكه النول و جهد أضاع شتى جهود

فهو كد و ليس بالكد أردى قبله اثنين و أدعى بالمزيد

حاضر غير حاضر منه للماضي فناء و للغد الموعود

لا عليك السلام يا عصر تعبان بي عيسى و هنت بين العهود

أنت أيتمت كل روح من الماضي و سودت آله من حديد

تسكب السم و اللظى لا حليب الأم أو رحمة الأب المفقود

سلم في الحضيض أعلاه مرقاه انخفاض و إن بدا كالعصود

حدقت منه في الورى مقلتا فوكاي تستشرقان أيام هود

و المسيح المبيع بخسا بما لو بيع لحما لناء عن تسديد

حدّقي حيث شئت يا عين فوكاي المدمّاه من مداك المديد

فهي سوق تباع فيها لحوم الآدميين دون سلخ الجلود

كل أفريقيا و آسيه السمراء ما بين زنجها و الهنود

و اشتري لحم كلّ من نطق الضاد تجار تبيعه لليهود

هكذا قد أسف من نفسه الإنسان و انهار مانهيار العمود

فهو يسعى و حلمه الخبز و الأسمال و النعل و اعتصار النهود

و الذي حارت البرية فيه بالتآويل كائن ذو نقود

ودق 11-12-2008 06:55 PM

في السوق القديم



-1-

الليل و السوق القديم

خفتت به الاصوات إلا غمغمات العابرين

و خطى الغريب و ما تثبت الريح من نغم حزين

في ذلك الليل البهيم

الليل ، و السوق القديم ، و غمغمات العابرين

و النور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب

مثل الضباب على الطريق

من كل حانوت عتيق

بين الوجوة الشاحبات كأنه نغم يذوب

في ذلك السوق القديم

-2-

كم طاف قبلي من غريب

في ذلك السوق الكئيب

فرأى و أغمض مقلتيه و غاب في الليل البهيم

و ارتج في حلق الدخان خيال نافذه تضاء

و الريح تعبث بالدخان

الريح تعبث بالدخان

الريح تعبث في فتور و اكتئاب بالدخان

و صدى غناء

ناء يذكر بالليالي المقمرات و بالنخيل

و أنا الغريب .. أظل أسمعه و احلم بالرحيل

في ذلك السوق القديم

-3-

و تناثر الضوء الضئيل على البضائع كالغبار

يرمي الظلال على الظلال كأنها اللحن الرتيب

و يرتق ألوان المغيب الباردات على الجدار

بين الرفوف الرازحات كأنها سحب المغيب

الكوب يحلم بالشراب و بالشفاة

ويد تلونها الظهيرة و السراج أو النجوم

و لربما بردت عليه و حشرجت فيه الحياة

في ليلة ظلماء باردة الكواكب و الرياح

في مخدع سهر السراج به و أطفأه الصباح

-4-

ورأيت من خلل الدخان مشاهد الغد كالظلال

تلك المناديل الحيارى و هي تؤمئ بالوداع

أو تشرب الدمع الثقيل ، و ما تزال

تطفو و ترسب في خيالي – هوم العطر المضاع

فيها و خصبها الدم الجاري

لون الدجى و توقد النار

يجلو الأريكة ثم تخفيها الظلال الراعشات

يخبو و يسطع ثم يحتجب

ودم يغمغم و هو يقطر ثم يقطر : مات ...مات

-5-

الليل و السوق القديم و غمغمات العابرين

و خطى الغريب

و أنت أيتها الشموع ستوقدين

في المخدع المجهول في الليل الذي لن تعرفيه

تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف

حقل تموج به السنابل تحت أضواء الغروب

تتجمع الغرباء فيه

تلقين ضوءك في ارتخاء مثل امساء الخريف

في ليلة قمراء سكرى بالأغاني في الجنوب

نقر [الداربك] من بعيد

يتهامس السعف الثقيل به و يصمت من جديد

-6-

قد كان قلبي مثلكن و كان يحلم باللهيب

حتى أتاح له الزمان يداً ووجها في الظلال

نار الهوى ويد الحبيب

ما زال يحترق الحياه و مان عام بعد عام

يمضي ووجه بعد وجه مثلما غاب الشراع

بعد الشراع و كان يحلم في سكون في سكون

بالصدر و الفم و العيون

و الحب ظلله الخلود فلا لقاء و لا وداع

لكنه الحلم الطويل

بين التمطي و التثاؤب تحت أفياء النخيل

-7-

بالأمس كان و كان ثم خبا و أنساه الملال

و اليأس حتى كيف يحلم بالضياء فلا حنين

يغشى دجاه و لا اكتئاب و لا بكاء و لا أنين

الصيف يحتضن الشتاء و يذهبان و ما يزال

كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الرياح

كالسلم المنهار لا ترقاه في الليل الكئيب

قدم و لا قدم ستهبطه إذا التمع الصباح

ما زال قلبي في المغيب

ما زال قلبي في المغيب فلا أصيل و لا مساء

حتى أتيت هي و الضياء

-8-

ما زال لي منها سوى أنا التقينا منذ عام

عند المساء و طوقتني تحت أضواء الطريق

ثم ارتخت عني يداها و هي تهمس و الظلام

يحبو و تنطفئ المصابيح الحزانى و الطريق

أتسير وحدك في الظلام

أتسير و الأشباح تعترض السبيل بلا رفيق

فأجبتها و الذئب يعوى من بعيد من بعيد

أنا سوف أمضي باحثا عنها سألقاها هناك

عند السراب و سوف أبني مخدعين لنا هناك

قالت ورجع ما تبوح به الصدى أنا من تريد

أنا من تريد فاين تمضي ؟ فيم تضرب في القفار

مثل الشريد أنا الحبيبة كنت منك على انتظار

أنا من تريد و قبلتني ثم قالت و الدموع

في مقلتيها غير أنك لن ترى حلم الشباب

بيتا على التل البعيد يكاد يخفيه الضباب

لولا الأغاني و هي تعلو نصف وسنى و الشموع

تلقى الضياء من النوافذ في ارتخاء في ارتخاء

أنا من تريد و سوف تبقى لا ثواء و لا رحيل

حب إذا أعطى الكثير فسوف يبخل بالقليل

لا يأس فيه و لا رجاء

-10-

أنا أيها النائي القريب

لك أنت وحدك غير أنى لن أكون

لك أنت أسمعها و أسمعهم و رائي يلعنون

هذا الغرام أكاد أسمع أيها الحلم الحبيب

لعنات امي و هي تبكي أيها الرجل الغريب

إني لغيرك بيد أنك سوف تبقى لن تسير

قدماك سمرتا فما تتحركان و مقلتاك

لا تبصران سوى طريقي أيها العبد السير

أنا سوف أمضي فاتركيني : سوف ألقاها هناك

عند السراب

فطوقتني و هي تهمس : لن تسير

-11-

أنا من تريد فأين تمضي بين أحداق الذئاب

تتلمس الدرب البعيد

فصرخت : سوف أسير ما دام الحنين إلى السراب

في قلبي الظامي دعيني أسلك الدرب البعيد

حتى أراها في انتظاري : ليس أحداق الذئاب

أقسى على من الشموع

في ليلة العرس التي تترقبين و لا الظلام

و الريح و الأشباح أقسى منك أنت أو الأنام

أنا سوف أمضي فارتخت عني يداها و الظلام

يطغي ...

و لكني وقفت و ملء عيني الدموع


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.