حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   مكتبـة الخيمة العربيـة (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=70)
-   -   عن بناء القصيدة العربية الحديثة-علي عشري زايد (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=85347)

المشرقي الإسلامي 28-05-2011 12:06 PM

(76)
نجده يبدأ من تشابه حسي بين عنصري الصورة : شوارع المدينة من ناحية ، والقيعان من ناحية أخرىفكل منهما يشبه الآخر شكليًا في أنه مكان منخفض بين مرتفعات ولكن الشاعر لا يقف أمام هذا الشبه الشكلي المادي إلا بمقدار ما يعقد صلة بني الطرفين ليحول هذه الصلة إلى تشاهب عميق في الواقع النفسي للطرفين ، ليعكس من خلاله إحساسه نحو هذه المدينة القاسية الجهمة ، التي تصلي الغريب بحر لهيبها المختزن ، وتواجهه بوجه جامد صلد ، فليس ثمة سوى هذه الأشكال الجامدة التي لا معنى لها ، ولا حس فيها :البناء ،والسياج ،والمربعات والمثلثات والزجاج.
أية غربة قاسية ، وأي أدوار وأية أحاسيس بالضياع والضآلة يعانيها الغريب في شوارع هذه المدينة بلا قلب ؟!
لقد نجح الشاعر في أن يحول هذا التشابه الشكلي المحسوس بين الطرفين إلى أداة للإيحاء بهذا البعد الاساسي من أبعاد تجربته في هذ االديوان كله .

وتبين لنا قيمة صنيع الشاعرهنا حين نقارته نصينع نزار قباني في تشبه شوارع غرناطة الملأى بالإسبانيات ذوات العيو السوداء الواىسعة بحقول اللؤلؤ الأسود ، فالصورة هناك صورة جامدة لا حياة فيها ولا حس ، أما هنا فالصورة تنبض بالحياة والحركة وتفيض بالإيحاءات ، على الرغم من أن عناصرها جامدة ، ولكن الشاعر استطاع أن يكسبها حياة من خلال المشاعر التي حاول أن يجسدها بواسطتها مع ملاحكة أن الشوارع طرف أساسي في كلتا الصورتين ، ومع ملاحظة أن الشوارع في صورة نزار تموج بالحياة ولكن الشاعر جمد ما فيها من حياة وحيوية بوقوفه عند التشابه الحسي على حين أن الشوارع في صورة حجازي جامدة أساسًا لا حياة فيها ، ولكن الشاعر استطاع- بمحاولته ربط هذه العناصر الخارجية الجامدة بعالمه النفسي الداخلي الموار بالحاءة والحركة –أن يضفي علها جمود الشوارع حركة نفسية بالغة الغنى .




المشرقي الإسلامي 28-05-2011 12:09 PM

(77)
التنافر :
ثمةلونان من ألوان التنافر الذي يمثل عيبًا من عيوب الصورة الشعرية ، أولهما يمكن تسميته "تنافر عناصر الصورة "أما الثاني فيمكن تسميته "تنافر الصور".
أما "تنافر عناصر الصورة " فيتمثل في أن يكون الوقع النفسي لأحد طرفي الصورة مناقضًا لوقع الطرف الآمخر الذي مفروض فيه أن يدعمه ويقويه ، وهذا النوع من اتتنافر غالبًا ما يكون نتجية لولع الشاعر برصد التشابه الحصي بين الأشيا دون أن يفطن إلى ما بين هذه العناصر المتشابهة في الحس من تنافر من ناحية إيحاءاتها النفسية ، كما رأينا في تشبين ابن المعتز للثريا في السماء المظلمة بقدم تبدت من ثياب حداد ، فلا شك أن بين الطرفين من التباعد في الأثرر النفسي ما بين السماء والأرض ، وأن معاني الضياء والغراق والوضاءة التي تثيرها الثريا في النفس متنافرة أشد التنافر مع ما يثيرة القدم من أحاسيس ومشاعر ، وكذلك الأمر بالنسبة للسماء وثياب الحداد.
ومن هذا القبيل أيضًا قول الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل من قصيدته "عاهل الريف"(73)-الثور- في تصوير العذاب الذي يقاسيه الثور :
يا ثور كيف غزتك أسواط الورى
وتقطعت في جانبيك جلودها
مردت على كتيفيك محرابًا إذا
صلّت بلهب يفري حشاك سجودها
حيث يشبه حركة السياط صعودًا وهبوطًا على جسد الثور المسكين ، بحركة المصلي سجودًا ورفعًا ، ولا شك أن بين الحركتين –على الرغم ممن تشابههما الشكلي المحسوس-تنافرًا شديدًا من ناحية الوقع النفسي لكل منهما ؛فأين معاني القسوة والظلم والعدوان والرعب التي ترتبط نفسيُا بحركة السوط من معاني الرحمة والأمان والسلام والطمأنينة التي تثيرها في النفس حركة المصلي سجودًا وركوعًا ورفعًا ؟ إن انسياق الشاعر وراء التقاط مثل هذا التشابه الحصي بين أطراف الصورة يصرف عن إدراك ما بين هذه الأطراف من تنافض في إيحاءاتها ودلالاتها النفسية ومن ثم يقع في هذا اللون من ألوان التنافر .
_________________________
(73)محمود حسن إسماعيل : ديوان هكذا أغني مطبعة الاعتماد .القاهرة 1938.ص126 وانظر "د.محمد فتوح أحمد :الرمز والرمزية في الشعر المعاصر :ص256،257

المشرقي الإسلامي 28-05-2011 12:11 PM


(78)
على أننا ينبغي أن نفرق بين تنافر عناصر الصورة –الذي هو عيب من عيوب الصورة- وبين ما سميناه مزج المتناقضات – الذي هو وسيلة من وسائل تشكيل الصورة الشعرية – إذ على الرغم من أن الاثنين يشتركان في وجود تنافر وتناقض فيهما بين العناصير التي تتألف منها الصورة ، فإن هذا التناقض في مزج المتناقضات يكون مقصودًا من الشاعر ، كما أن العناصر المتناقضة فيه تمتزج بعضها ببعض وتفقد استقلالها وتمزيها ، وينتج من مزجها مركب جديد ، أما في تنافر عناصر الصورة فإن هذ التنافر يتم بدون قصد من الشاعر ، بل وبدون وعي منه ، كما أن الأطراف المناقضة فيه لا تمتزج ، كما أن الأطراف المتناقضة فيه لا تتمازج وإنما تتنوازى ويظل لكل منها استقلاله وتميزه وتظل العلاقة بينها – من وجهة نظر الشاعر – هي العلاقة بين العناصر المتشاهبة التي تتوارد على فكرة واحدة ، وليست العلاقة بن العناصر الممتزجة التي تفقد في إطار المزج الجديد ممزاتها وخواصها ، ففي تشبهي حركة السوط بحركة المصلي يظل العنصران مفترقين ، ويظل كل منهما – من وجهة نظر الشاعر – معادلاً للآخر ومشابهًا له ، أما في "نشيد السكون " مثلاً أو "الثلج الأسود " فإن كلا العنصرين ليس موازيًا للآخر ، ولا مشابهًا له – من وجهة نظر الشاعر – فليس النشيد معادلاً للسكون ، ولا الثلج مكافئًا لصفة السواد ، وإنما يندمج كل من العنصرين في الآخر ، وينتج من هذا الاندماج شيء واحد هو "نشيد السكون" أو "الثلج الأسود " .
أما تنافر الصور فأحرى به أن يكون عيبًا من عيوب وحدة القصيدة وليس عيبًا من عيوب الصورة ، لأ،ه ليس عيبًا فلي الصورة المفردة ،وإنما هو عيب في علاقة الصور في القصيدة بعضها ببعض ، فتنافر الصور معناه أن تعطى بعض الصور – مع خلوها من التناقض بين عناصرها – إيحاء مناقًا لإيحاء بقية الصور في القصيدة ، أو أن تعبر عن فكرة أو إحساس يتنافى مع المسار الشعوري والفكري العام في القصيدة أو في جزء من أجزائها ،فتنافر الصور إذن يتم بين صورة وصورة وليس بين عنصر وآخر من العناصر التي تتألف منها الصورة .

المشرقي الإسلامي 28-05-2011 12:12 PM

(79)

ومن نماذج تنافر الصور قول شوقي في قصيدته عن أبي الهول مصورًا عداء الدهر لأبي الهور ، وكيف سلط عليه ديك الصباح فنقر عينيه :
أسال البياض ، وسل السواد
وأوغل منقاره في الحفر
فعدت كأنك ذو المحبسين
قطيع الكلام سليب البصر
وقوله بعد ذلك في نفس القصيدة :
تطل على عالم يستهل
وتوفي على عالم يحتضر
ثم قوله في موضع ثالث من نفس القصيدة :
تجوس بعين خلال الديار
وترمي بأخرى فضاء النهر
فالصورتان الأخيرتان تتنافران مع الصوةر الأولى ، وذلك لأن الشاعر في الصورة الأوىل صور أبا الهور وقد فقد بصره بعد أن نقر ديك الصباح عينيه فأصبح كأنه "ذو المحبسين ، قطيع الكلام سليب البصر "على حين يثبت له في الصورتين الأخيرتين حاسة الإبصار حيث يجعله في الصورة الأولى منهما يطل بعينيه على الأجيال المتعاقبة ، يستقبل من يأتي ويودع من يذهب ، فإحدى عينيه تستقبل من يولد والأخرى تشيع من يرحل ، وفي الصورة الأخيرة يصوره وهو يجوس بإحدى عينيه عبر البلاد ويعبر بالأخرى فضاء النهر . وعلى هذا النحو تتنافر إيحاءات الصور الثلاث ودلالاتها وينقض بعضها بعضًا .(74)
______________
(74)انظر : د.إحسان عباس : فن الشعر .الطبعة الثالثة . دار الثقافة بيروت.ص240 وما بعدها.

المشرقي الإسلامي 28-05-2011 12:14 PM

(80)
وواضح أن هذا اللون من التنافر نوع من الإخلال بوحدة القصيدة أكثر منه عيبًا من عيوب الصورة الشعرية. ولكن لما كانت القصيدة –في ضوء مفهوم الوحدة – بمثابة صورة كلية للرؤية الشعرية بأبعادها المختلفة ، وكانت الصور الجزئية بمثابة العناصر لهذه الصورة الكلية أمكن النظر إلى تنافر الصور على أنه عيب من عيوب الصروة الشعرية .
الخضوع لإغراء الصورة ومخاطره:
إن وظيفة الصورة الشعرية هي أن تكون أداة من الأدوات الفنية التي يجسد بها الشاعر رؤيته الشعرية الخاصة ، ويحدد بها أبعادها وتخومها ،فهي إذًا لبنة من لبنات بناء أكبر هو القصيدة ، لابد من أن تتسق مع بقية اللبنات ، وتساهم معها في تنمية المسار الشعور والنفسي والفكري في القصيدة لتصل به إلى مداه ، وقيمة الصوةر الشعرية تقاس فنيًا بمدى أدائها لهذا الدور ، وليس بمدى جمالها أو غرابتها ، وذلك لأن "الصور في القصائد –كما يقول أرشيبالد ماكليش- لا تهدف إلى أن تكون "جميلة" ، بل إن عملها أن تكون صورًا في قصائد وأن تؤدي ما تؤديه الصور في القصائد "(75) وأنه كلما كانت صورها" أجمل"(76) وقدمت هي صورًا" أجمل" وزدات عدد حبا ت اللؤلؤ المنظوم بها كانت القصائد ذاتها أفضل " . وإذا كان ماكليش يتجه بها التحذير إلى القارئ فإنه يصدق أيضًا على الشاعر ، بل ربما كان الأحرى به أن يوجه إلى الشاعر أساسًا ، فليس هناك ما هو أخطر على الصورة الشعرية وعلى القصيدة كلتيهما من أن يهتم الشاعر بالصورة الشعرية في ذاتها ، وينساق وراء إغراء جمالياتها الخاصة أو غرابتها على حساب النسيج العام للقصيدة الذي لا تمثل الصورة المفردة أكثر من خيط من خيوطه ، لابد له أن يتلاحم ويتسق مع بقية الخيوط ليسهم في نمو النسيج العام وتكامله.
___________________
(75) أرشيبالد ماكليش : الشعر والتجربة .ترجمة سلمى الخضراء .ص 67.
(76):السابق والصفحة ذاتها .

المشرقي الإسلامي 28-05-2011 12:15 PM

(81)
ولكن بعض الشعراء يغوبهم إغراء جماليات الصورة فنيساقون وراءه يشكلون الصور بلا هدف واضح ، ويولدون بعضها من بعبض بغير انضباط ، بحيث تأتي القصيدة ركامًا من الصور المكدسة التي لا يضمها نظام ، يضيع من القارئ في غمارها الخط الشعوري أو الفكري لرؤية الشاعر ، الذي من المفروض ان توضحه هذه الصور وتحدده.
وإذا كان مثل هذا الضرب من توليد الصور مقبولاً –بل مطلوبًا – من وجهة نظر السيرياليين ، فقد كانت لهم فلسفتهم الخاصة في ذلك ، حيث كان اتجاههم صرخة عالية ضد طغيان قيود العقل والمنطق ، و نزعة إلى التعبير عن المشاعر والأحاسيس الفطرية الساذجة قبل أن تخضع لسيرطة هذه القيود ، كما كان لتتابع الصور عندهم منطقه الخاص الذي متى ما وعاه القارئ سهل عليه أن يدرك طبيعة هذا التتابع ، هذا بالإضافة إلى ان ما يقبل في بيئة معينة في عصر معين ليس مقبولاً بالضرورة في كل البيئات وكل العصور .
وإذًا فإن الفتنان بجمال صورة في ذاته ، أو بغرابتها ، وانسياق بعض شعرائنا وراء إغرائها وما يترتب على هذا من تراكم الصور وتكدسها في القصيدة بدون نظام ، يعد عيبًا من أخطر العيوب التي تعتري الصورة الشعرية في القصيدة العربية الحديثة ، بل إنه يحيد بالصورة الشعرةي عن وظيفتها الأساسية –باعتبارها أداة من أدوات التعبير والإيحاء – يخل بوحدة القصيدة وترابط عناصرها ونمو الخط الشعوري النفسي فيها ، وأخيرًا فإنه يعد عاملاً من أهم عوامل ذلك الغموض الكثيف الذي تعاني منه القصيدة العربية الحديثة في الكثير من نماذجها ، والذي يمثل حاجزًا من الحواجز الضخمة التي تحول دون تعاطف القارئ العاربي المعاصر مع القصيدة الحديثة ، وإذا كانت الإشارة قد سبقت إلى خطر هذا النوع من الغموض فمن المهم أن نشير إليه هنا باعتباره عيبًا من أ هم العيوب التي تعتري الصورة الشعريةالحديثة.

المشرقي الإسلامي 28-05-2011 12:16 PM

(82)
هذه المخاطر كلها تكمن في ظاهرة انسياق الشاعر وراء إغراء الصورة المفردة ، ولنقرأ معًا قول الشاعر محمد عفيفي مطر -وهو واحد من الشعراء الذين تشع في شعرهم هذه الظاهرة بشكل خطير - في القصيدة الثالثة من قصائد "الحصان والجبل" :
أتيت كما أثقلتني المورايث ، واستحكمت في دمائي الشريعه
وشيخوخة الدهر قد أضرمت نارها الفلكية ، فاحرتقت كلمات الطبيعه
وأطعمني فندق الصمت خبز الفجيعه
فجئت- كما طردتني الوصايا- من البحر والطرقات السحيقه
فأوفقني مولد الوعد بين العروق العميقه
تطالعنا منذ الوهلة الأولى هذه الطاهرة بكل مخاطرها ومحاذيرها حيث يفتتن الشاعر افتتانًا كبيرًا بتكدجس الصور وتوليد بعضها من بعض دونأ، يكون في القصيدة خط شعوير أو فكري من الأساس ، فنحن حين نقرأ البيت الأول نحس أن مسر الشعرو أو الفكرة التي تحددها الصورتان اللتان يشتمل عليها هذا البيت هو التعبير عن- أو الشكوى من - خضوع الشاعر لمواريثه وسيطرة قوانين هذه المواريث ونوامسيها على تكوينه العاطفي أو الفكري ، فالشاعر يأتي وقد "أثقلته " هذه المورايث ، "واستحكمت" الشريعة في دمائه، ولكن ما إن نقرأ البيت الثاني حتى نحس أن الخيط الذي كدنا نمسك به في البيت الأول قد ابتدأ يتفلت قليلاً من أيدينا ، حيث تطالعنا من هذا البيت صورة مركبة غريبة ، وهي صورة "شيخوخة الدهر"التي " أضرمت نارها الفلكية فاحترقت كلمات الطبيعه"، ونحن لا نستطيع أ، نمنع أنفسنا من التساؤل : كيف يكون لشيخوخة الدهر -والشيخوخة هممود وخمود - نار تحرق بها كلمات الطبيعه -والنار تأج واضطرام وقوة ؟ ثم ما معنى أن تكون هذه النار فلكية ؟ولا نقصد بالمعنى المعنى المنطقي أو العقلي ،إنما نقصد المعنى الشعوري المتثل في قدرة الصورة على الإ يحاء بمشاعر أو أفكار خاصة تتلاءم مع المسار الشعوري العام في القصيدة ةوتنميه .

المشرقي الإسلامي 28-05-2011 12:18 PM

(83)
الخطابية والمباشرة :
إن الصورة الشعرية وسيةل من وسائل الإيحاء بالأبعاء المختلفة لرؤية الشاعر ، فهي أداة إيحائية ولست أداة تقريرية ، أي أ،ها توحي بالمشاعر والأحاسيس والأفكار دون أن تسميها أو تصفها وصفًا مباشرًا ، وعلى هذا الأساس فإن من عيوب الصورة الشعرية الحديثة أن تكون صورة تقريرية تعبر عن الأشياء تعبريًا مباشرًا لأنها تتحول إلى لون من التعريف التقريري لا يميزه عن النثر سواء الوزن والقافية ، ويتصل بالمباشرة أيضًا أن تطغى على الصورة النبرة الخطابية العالية التي تتجه إلى السمع والحواس أكثر مما تتجه إلى الروح والوجدان ، وإذا خاطبت في القارئ شيئًا من عواطفه فإنما تخاطب أكثر هذه العواطف سطحية .
فنحن حين نقرأ هذه الأبيات من قصيد ةالشاعر السوداني محمد الفيتوري : أغاني أفريقيا "77":
وستبقى أرض أفريقيا لنا
فهي ما كانت لقوم غيرنا
نحن أهرقنا عليها دمنا
ومزجنا ثراها عظمنا
وشققناها بحارًا وربىً
وزرعناها سيوفًا وقنا
وركزنا فوقها أعلامنا
وتحدينا عليها الزمنا
وسنهديها إلى أحفادنا
وسيحمون علاها مثلنا
فاسلمي يا أرض أفريقيا لنا
اسلمي يا أرض أفريقيا لنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
(77)محمد الفيتوري :أغاني أفريقيا.نشر دار المعارف .بيروت.مطبعة دا ر الهنا .القاهرة .ص20

المشرقي الإسلامي 31-05-2011 03:58 AM

(84)

الفصل الثالث
(الرمز)
الرمز
-1 مفهوم الرمز الشعري :
الرمز وسلة إيحائية من أبرز وسائل التصوير الشعرية التي ابتدعها الشاعر المعاصر عبر سعيه الدائب
وراء اكتشاف وسائل تعبير لغوية ، ثري بها لغته الشعرية ويجعلها قادرة على الإيحاء بما يستعصي على
التحديد والوصف من مشاعهر وأحاسيسه وابعاد رؤيته الشعرية المختلفة ، فالرمز إذًا اكتشاف شعري حديث
عفلى الرغم من أن مصطلح الرمز ذاته (بمعنى التوحيد بين حدين أو طرفين) مصطلح قديم ، فنحن لم تكن لدينا
فكرة واضحة عن حقيقة الرمز إلا منذ وقت قريب .(78)
وقد أصبح الرمز منذ ذلك الحين موضع اهتمام وبحث في مجال مجموعة من العلوم المخلتفة ، كعلم النفس ، وعلوم اللغة وعلم الأدب والأساطير ..
وغير ذلك من مجالات المعارف والعلوم والفنون . وكان طبيعيًا أن ينظر إلى الرمز في كل مجال من هذه المجالات
من وجهة نظر مختلفة عن النوجهة التي ينظر إليه منها في المجالات الأخرى ، وأ، يحدد مفهومه ووظيفته نتيجة
لذلك على أساس مختلف ، بحيث يأتي هذا المفهوم في كل مجال مغايرًا قليلاً أو كثيرًا لبقة المجالات ، وإن كانت هذه المفهومات المختلفة تنطلق في مجملها
من المفهوم العام للرمز ، وهو "محاولة تقديم حقيقة مجردة او شعور أو فكرة غير مدركة بالحواس في هيئة صور وأشكال محسوسة.(79)

________________
(78):Olivier Beigbedr :La Symbloique.Presses Universitaires de France 1986.p.5
(79)Ibid

المشرقي الإسلامي 31-05-2011 04:00 AM

(85)
ونحن لا يهمنا بالطبع إلا تحديد مفهوم الرمز في المجال الأديب ، أو الشعري على وجه الخصوص ، وقد حاول
كثير من النقاد والعلماء تحديد مفهوم الرمز الشعري (80) ، وكل محاولاتهم لا تبتعد كثيرًا عن المدلول العام للرمز إلا بمقدار ما تقتضيه طبيعة
إلا بمقدار ما تقتضيه طبيعة الأداة المستخدمة في بناء الرمز الشعري وهي اللغة ، فالمرز الشعري والأدبي عمومًا "عبارة عن إشارة حسية مجازية لشيء لا يقع
تحت الحواس ".(81) أي أن الرمز ببساطة "يستلزم مستويين :مستوى الأشياء الحسية أو الصور الحسية التي
قالبًا للرمز ومستوى الحالات المعنوية المرموز إليها ، وحين يندمج المستويان نحصل على الرمز .(82)
وعلى هذا الأساس فإننا في الرمز الشعري لا نستطيع أ، نستغنى بالرمز عن المرموز إليه ، أو بعبارة أخرى لا
نستطيع أن أن نستغني بالمعطيا ت اللاحسية -التي تخذ رموزًا- عن الحالات المعنوية التجريدية - التي يرمز إليها
بهذه المعطيات- كما لا يمكن بالمقابل أن نستغنى بالمرموز إليه عن الرمز ، لأن" الرمز كل غير قابل
للتجزئة "83" تفنى فيه الحالات المعنوية التجريدية في المعطيات الحسية التي تتخذ رموزًا لها ، كما تفقد المعطيات
الحسية ماديتها وتتحول إلى دلالات تجريدية ، والشاعر الذي يستخدم الرمز "لا يقصد إلى معنى يخفيه ثم يحاول أن
يعبر عنه بطريقة أخى تنوب عنه ، فإذا وجدنا المعنى المقصود استغنينا به عن العمل نفسه ، إن الرموز لا تصنع
بهذه الطريقة ..وبعبارة أخرى إن المستوا الحرفي أو الظاهر لا يُسخّرطريقة مصطنعة واضحة للتعبير عن معنى آخر ، المعنى الثاني ينمو نموًا باطنيًا من المعنى الأول .(84)
_____________________________
(80)انظر : د.أنظون غطاس كرم:الرمزية والشعر العربي الحديث.ص8-14.ود.محمد فتوح أحمد الرمز والرمزية في الشعر المعاصر.ص33-43
(81). Grand Larousse Encyclopediaque.Paris1964.ART.Symbole,
(82) : الرمز والمرزية في الشعر المعاصر ص 40
(83)La symoblique p.5.
(84) د.مصطفى ناصف: مشكلة المعنى في النقد الحديث .ص91


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.