حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   مكتبـة الخيمة العربيـة (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=70)
-   -   عن بناء القصيدة العربية الحديثة-علي عشري زايد (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=85347)

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:12 PM

(106)
الفصل الرابع
المفارقة التصويرية
مفهومها :
المفارقة التصويرية تكتيك فني يستخدمه الشاعر المعاصر لإبراز التناقض بين طرفين متقابلين بينهما نوع من التناقض . وعلى الرغم من أن شعرنا القديم قد عرف صورًا وفطن إلى الدور الذي تقوم به عملية إبراز التناقض بين النقيضين في تجلية معنى كل منهما في أ:مل صورة ، ولخص إدراكه لهذا الدور في تلك الحكمة المشهورة :
والضد يظهر حسنه الضد
على الرغم من هذا فإن النقد العربي القديم والبلاغة العربية كليهما لم يهتما بهذا التكنيك الفني ، وإن كانت البلاغة قد عنيت بلون من التصوير البديعي القائم على فكرة التضاد ، وعالجته تحت اسم "الطباق "-في صورته البسيطة - والمقابلة في صورته المركبة -ولكن المفارقة التصويرية تكتيك مختلف تمامًا عن المطابقة والمقابلة ،سواء من ناحية بنائه الفني ، أو من ناحية وظيفته الإيحائية،وذلك لأن المفارقة التصويرية تقوم على إبراز التناقض بين طرفيها ، هذا التناقض الذي قديمتد ليشمل القصيدة برمتها ـ فتقوم كلها على مفارقة تصويرية كبرى ، كما سنرى في بعض النماذج التي سنعرض لها .
والتناقض في المفارقة التصويرية في أبرز صوره فكرة تقوم على استنكار الاختلاف والتفاوت بين أوضاع كان من شأنها أن تتفق وتتماثل ، أ بتعبير مقابل تقوم على افتراض ضرورة الاتفاق فيما واقعه الاختلاف ،والشاعر المعاصر يستغل هذه العملية في تصوير بعض المواقف والقضايا التي يبرز فيها هذا التناقض ، والتي تقوم المفارقة التصويرية بدور فعال في إبراز أبعادها

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:16 PM


(107)
أما الطباق والمقابلة فإن مبناهما على مجردالجمع بين ضدين- في الطباق -أو مجموعةمن الأضداد في المقابلة- في عبارة واحدة دون اهتمام بإبراز التناقض القائم بين هذه الأضداد أو استغلاله استغلالًا تعبيريًا، بل دون اشتراط أساسًا لوجود تناقض واقعي في السياق الشعري بين هذه الأضداد ، فكل ما يهتم به البلاغي القديم هو مجرد التضاد أو التقابل اللغوي بين مدلولي لفظتين أو مدلولات عدد من الألفاظ حتى وإن نظمت هذه الألفاظ المتضادة في سياق واحد لا يقوم على التناقض بل على التكامل -وهذا هو شأن معظم صور الطباق والمقابلة- وإذًا فهاتان الصورتان - من وجهة نظر البلاغة القديمة-محسنان شكليان جزئيان لا هدف لهما سوى التحسين البديعي الشكلي ، ولا يتجاوز مداهما البيت أو العبارة .
فحين يقول المتنبي :
فلا الجود بغنى المال والجد مقبل
ولا البخل يبقى المال والجد مدبر


فإنه لا يهدف إلى إبراز فكرة التناقض بني الجود والإفناء والإقبال في الشطرة الأولى ، والبخل والإبقاء والإدبار في الشطرة الثانية ، لأنه ليس من بين هذه الأضداد في البيت تناقض أساسًا ، والشطرة الثانية تكاد تكون صياغة أخرى بما يريد الشاعر أن يوحي به في الشطرة الأولى ، وقاصى ما يهدف إليه الشاعر هو المقابلة بين المدلولات اللغوي لهذه الأضداد ، أو الجمع بينهما على صعيد واحد ، وهذا هو المدلول البلاغي لمصطلح "المقابلة " الذي هو الصورة المركبة "للطباق ".
أما حين يقول شاعر معاصر كبدر شاكر السياب في تصوير حال أبناء العراق الكادحين الذين كانوا يضطرون في بعض العهود إلى الهجرة إلى الخليج تحت ضغط الحاجة مخاطرين بحياتهم بحثًا عن لقمة العيش التي كانوا لا يكادون يعثرون عليها ، على حين يفيض العراق بالخيرات التي كان ينعم بها المستغلون والطغاة :
وينثر الخليج من هباته الكثار
على الرمال رغوة الأجاج والمحار
وما تبقى من عظام بائس غريق
من المهاجرني ظل يشربا لردى
من لجة الخليج في القرار
وفي العراق ألف أفعى تشرب الرحيق
من زهرة يروبها الفرات بالندى
(99)

______________________
(99): ديوان أنشودة المطر، بدر شاكر السياب ، ص106

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:23 PM

(108)

فإن الشاعر يهدف في أبياته إلى إبراز التناقض الجائر بين وضعين متناقضين من خلال مفارقة تصويرية كبيرة ، طرفها الأول أبناء العراق الكادحون ، الذين يهاجرون إلى الخليج بحثًا عن لقمة العيش ، حيث لا يصادفون هناك سوى الموت في قاع الخليج الذي ينثر على الرمال ما تبقى من عظامهم .أما طرفها الثاني فهم أولئك المستغلون في العراق الذين ينعمون بخيراته الكثيرة دون أن يتحلموا أي جهد أو عناء .والشاعر يهدف أساسًا إلى إبراز هذا التناقض الجائر بين الوضعين وتجسيده ولا يهدف إلى مجرد الجمع بين مجموعة من الأضداد كما فعل المتنبي في بيته السابق .
والتناقض في أبيات السياب قائم على اتففراض التوافق المفقود على مستويين : المستوى الأول التنعن بخيرات العراق الذي كان مفروضًا أن يتساوى فيه كل أبناء العراق وكل طوائفه بلا تفاوت ، ولكنهم في الواقع لا يستوون ، ويبلغ التناقض بين الوضعين قمة فداحته حين يصور الشاعر أن الذين ينعمون هم الذين لا يستحقون ، هم أولئك المستغلون الذين لا يكدحون ولا يجهدون بينما يحرم المستحقو ن الكادحون ، وهذا هو المستوى الثاني للتوافق المفقود ، فقد كان مفروضًا أن يتساوى الجميع في تحمل العبء أولاً ، أو أن ينال كل بحسب جهده وعطائه ثانيًا ، ولكن التوافق مفقود على المستويين ، وهكذا تقوم المفارقة بهذا الدور الفعال في تجسيد رؤية الشاعر .

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:24 PM

(109)
أنماط المفارقة التصويرية :
تقوم المفارقة التصويرية إذًا في أوضح صورها على إبراز التناقض بين وضعين متقابلين هما طرفا المفارقة ولبناء المفارقة على هذا النحو شكلان أساسيان في شعرنا المعاصر : الشكل الأول يستمد الشاعر فيه طرفي المفارقة من الواقع المعاصر ، والشكل الثاني يستمد فيه أحد الطرفين -أو كليهما -من التراث . ولكل من هذين الشكلين مجموعة من الأنماط والصور .
أولاً : المفارقة ذات الطرفين المعاصرين :
ولهذا الشكل من شكلي المفارقة التصويرية نمطان أساسيان - من حيث أسلوب مقابلة كل من طرفي المفارقة بالآخر :
النمط الأول :فيه يضع الشاعر الطرف الأول مكتملاً ، وبكل عناصره ومقوماته ، في مواجهة الطرف الثاني مكتملاً أيضًا ، وبكل عناصره ومقوماته ، ومن خلال مقابلة كل من الطرفين بالآخر تحدث المفارقة تأثيرها ، ويبرز التناقض بين الطرفين واضحًا وفادحًا. ومن النماذج الجيدة لهذا النمط من أنماط المفارقة ذات الطرفين المعاصرين قصيدة "هاجرت من عروبتها " (100)للشاعر ممدوح عدوان ، التي يقابل فيها بين وجهين من وجوه دمشق أو بين حالتين من حالاتها : الحالة الأولى يوم كانت أمًا رءومًا له ولأبنائها ، تحتضنه -وتحضن كل ساكنيها-بكل حنان الأم وحبها ، وتغذوه -وتغذوهم- بلبان الثورة والفداء مما جعلها بالنسبة له ملاذًا ، وربط بينه وبينها برباط تواصل حميم متبادل .
___________
(100) :ممدوح عدوان : الدماء تدق على النوافذ،منشورات وزارة الإعلام العراقية.بغداد 1974ص 35

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:28 PM

(110)
أما الحالة الثانية فيوم أن تجهمت له وأنكرته ، وتخلت عن دورها العظيم ،يوم "هاجرت من عروبتها"وقطعت أواصر العمودة والتواصل بينها وبينه . والشاعر يضع الوجه الأول بكل ملامحه وقسماته -التي يتأنق في تصويرها - في مقابلة الوجه الثاني بكل ملامحه وقسماته . يقول في تصوير ملامح الوجه الأول :
كنت أعرف هذا المدينة ،كانت شوارعها تتأبطني في ليلي الضجر
وتواعدني في الغياب ، تكاتبني إذ يطول السفر
تشتكي لي ، وتنقل بشرى ، تذكرني بالزمان القديم
أتوهج شوقًا ، وحين أرى وجهها في اللقاء أبش ، فتبسم ، تربكني
بابتسامتها الساحرة
.. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. .. ..
والمدينة كانت تنادمني ، وتعيد عليّ أحاديثها .. عن ليالي أساها وأمجادها الغابرة .
كنت أعرف هذا المدينة : صوت بكاء أعزيه ، فرحة عمر أغني لديها
ديارًا تكفكف مني اغترابي وحضنًا على صدرها أترعرع ، صوت
انتخاء إذا ما أتاها الخطر
كنت أعرف هذه المدينة ، كانت دمشق ، وكان الدمشقي فيها يسجيها بالدماء
كنت أعرف أنا بناة الحصون بها ، وكماة المعارك ، الحاصدون المواسم
جمعًا من الفقراء

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:30 PM

(111)
وعلى هذا الوجه يمضي الشاعر في تصوير الوجه الأول بكل تألقه ، وبكل كبريائه وجلاله ،وبكل حنوه وتواصله الحميم معه ،وما إن ينتهي من تصوير هذا الوجه -الذي يمثل الطرف الأول للمفارقة- حتى ينتقل إلى تصوير الوجه الثاني لدمشق-الذي يمثل الطرف الثاني فيها- :
أمس فتشت فيها عن الفقراء عن الثائرين بغوطتها لم أجدهم ، وعن
شجر الغوطتين فلم أتعرف على الخضرة الحانية
ثم وجهت وجهي إلى حارة كانت "القنوات"وكانت تقاتل أعداءنا ،
وتقدم بين الحواري ملاجئها للمطارد ، وحدي صرخت بها ..لم تجب ،
لم أجد غير جبهتها الدامية
أمس فتشت عن أصدقائي القدامى فما عرفوني ، رأيت الوجوه تغيم ،
تجف ، تفر الملامح منها ، وكنت أنادي فلم يسمعوني ، ولم يفهموا
لغتي بالنداء
كنت أعرف هذي المدينة . ما للمدينة تنكر وجهي ، أضاحكها لا تجيب،
تصادر صوتي ، تحاصرني باليعاسيب ، تملأ أوجهها بالطحالب والميتين ..إلخ
وهكذا يمضي الشاعر في تصوير ملامح هذا الوجه الآخر من وجهي دمشق،
بكل مكا نفيه من تجهم له ، واربداد وإنكار ، وبكل ما يخد قسماته من ملامح الضعف والهوان
والانكسار ؛فالمدينة التي كانت شوارعها خنادق نضال وصمود ،التي كان يحس الشاعر
بالانتماء إليها والتواصل الحميم معها ، حيث كان يحس أنها جزء منه وأنه جزء منها ..تحتضنه وتنادمه
وتمنحه الأمان والنجدة والحمى إذا ما استغاث بها قد تحولت إلى خرائب صامتة يحس فيها بالغربة ،يستصرخها
فلا يجيبه أحد ، يضاحكها لا تستجيب ، تنكر ملامحه وتحاصره بكل ملامح الركود والخمود والموت ،اليعاسيب
والطحالب والميتين

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:34 PM

(112)
وهكذا من خلال مقابلة الوجه الثاني -بكل ملامحه-بالوجه الأول-بكل ملامحه أيضًا - تبرز فداحة المفارقة
ويتجاوز إيحاؤها في كل من الطرفين مدى ما كان يستطيع أن يصل إليه تصوير كل طرف منفردًا،لأن كلا
في المفارقة يلقي بظلاله على الآخر فيبرز ملامحه ويزيدها وضوحًا وجلاء ، ومن خلال التفاعل بين ملامح الطرفين تغني إيحاءات القصيدة ، ويعمق عطاؤها .

أما النمط الثاني من نمطي المفارقة ذات الطرفين المعاصرين ، فإن الشاعر لا يقدم كلاً من الطرفين متكاملاً في مقابلة الآخر ، وإنما يفتت كلاً منهما إلى مجموعة من العناصر التفصيلية ، ثم يضع كل عنصر منها في مقابلة ما يناقضه من عناصر الطرف الآخر ، بحيثب تنحل المفارقة في النهاية إلى مجموعة من المفارقات الجزئية ، وبذلك يتم إبراز التناقض على مستويين ، يتم أولاً على مستوى جزئيات كل الطرفين ، ويتم ثانيًا-ومن خلال تجميع هذه الجزئيات-على مستوى الكل الذي يتألف منها .
ففي قصيدة "الزيارة.."(101)للشاعر حامد طاهر ، التي كتبها في ذكرى وفاة بعض الأعزاء من الراحلين ، وتصوير ما كانت عليه حاله قبل رحيلهم من سعادة وانطلاق وتفتح للحياة ، وقدر ةعلى الإبداع والعطاء ، وما أصبحت عليه هذه الحال بعد رحيلهم من تعاسة وكلال وانطفاء ، وهذان هما طرفا المقابلة الأساسيان ، ولكن الشاعر يفتت كلاً منهما إلى مجموعة من العناصر الجزئية ، ويضع كل عنصر من هذه العناصر بإزاء ما يقابله من عناصر الطرف الآخر ،فيقول:
___________________
(101) حامد طاهر:"قصدية الزيارة" حوليات كلي دار العلوم .العام الجامعي 1972\1973.ص 155

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:36 PM

(113)
كانت خطواتي حين أسايرهم نغمًا يزهر فيه الصوت
صارت خطواتي يابسة ، وامتد خريف الصمت
كان خيالي مشبوبًا .. يتعلق بالسحب ، وينفذ من أبواب الجنة
صار خيالاً مشلولاً ،يتعثر بالأحجار ويسكن حفر الأرض
بصري كان أحدّ ، وعيناي تجوبان سماء الأمل ، ومملكة الشمس
صرت ضعيف البصر ، أحدق في ظلمات اليأس
كان لروحي إشعاع ، وبنفسي شوق للمجهول
جف الشوق ، انطفأ الإشعاع تهاوت أجنحة النفس

وهكذا يحل كل من الطرفين إلى مجموعة من العناصر التي يقوم بها كل عنصر منها بإزاء العنصر المقابل
له من الطرف الآخر ؛ فخطوات الشاعر التي كانت في ظل هؤلاء الراحلين نغمًا مزدهرًا بالصوت-وهذا عنصر من عناصر الطرف الأول - قد أصبحت خطوات يابسة يرين عليها خريف ممتد من الصمت -وهذا هو العنصر المقابل له من الطرف الثاني - وخيال الشاعر الذي كان من قبل رحيل هؤلاء الراحلين خيالًا مجنحًا طليقًا ،يحلق إلى أقصى الآفاق ولا تقف في وجهه حدود ولا تخوم - وهذا عنصر آخر من عناصر الطرف الأول للمفارقة-قد أصبح خيالاً كسيحًا يتعثر في أحجار الأرض وحفرها -وهذا هو العنصر المقابل-والبصر الذي كان حديدًا نافذًا يتطلع دائمًا إلى سماوات الأمل المفتوحة-وهذا عنصر ثالث من عناصر الطرف الأول - قد أصبح بصرًا كليلاً مشدودًا إلى الأرض وإلى ظلمات اليأس - وهذا هو ما يقابله من عناصر الطرف الثاني -وأخيرًا فإن روحه التي كانت تفيض بالإشعاع
،ونفسه التي كان يفعمها بالشوق إلى المجهول- وهذا هو عنصر الطرف الأول - قد جف فيهما الشوق إلى المجهول-وهذا هو عنصر الطرف الأول -قد جف فيهما الشوق وانطفأ الإشعاع .. وعلى هذا النحو يضع الشاعر كل عنصر من عناصر الطرف الأول في مواجهة ما يقابله من عناصر الطرف الثاني .
وتتحول الأبيات إلى مجموعة من المفارقات الجزئية البارعة ، التي تتألف من مجموعها المفارقة الكبرى في القصيدة، ويشعر القارئ بفداحة المفارقة بين الحالين مرتين ، مرة على مستوى جزئيات كل من الحالين ، ومرة على مستوى الحالين ككل ، وبهذا يزيد معنى المفارقة عمقًا ووضوحًا .

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:40 PM

(114)

ثانيًا :المفارقات ذات المعطيات التراثية :
شاع في شعرنا العربي الحديث في المرحلة الأخيرة بناء المفارقة التصويرية عن طريق استخدام بعض معطيات التراث لإبراز التناقض بينها وبين بعض الأوضاع المعاصرة ، ولهذه المفارقة المبنية على معطيات تراثية بدورها نمطان أساسيان :
النمط الأول : المفارقة ذات الطرف التراثي الواحد ، وفي هذا النمط من نمطى المفارقة ذات المعطيات التراثية يقابل الشاعر بين طرف تراثي ، وطرف آخر معاصر .
النمط الثاني : المفارقة ذات الطرفين التراثيين ،وفي هذا النمط يكون طرفا المفارقة كلاهما من التراث ، ولكن الشاعر يسقط عليهما -أو على أحدهما -دلالة معاصرة رمزية ، وبهذا تتم المفارقة في هذا النمط على مستويين .
المفارقة ذات الطرف التراثي الواحد :
ولهذا النمط من نمطي المفارقة ذات المعطيا ت ا لتراثية ثلاث صور أساسية :
الصورة الأولى :يصرح فيها الشاعر بطرفي المفارقة-التراثي والمعاصر- محتفظًا لكل منهما بتميزه واستقلاله عن الآخر ، وتتحقق المفارقة عن طريق المقابلة بين الطرفين المتمايزين ، ففي قصيدة "أحزان في الأندلس"(102)
للشاعر نزار قباني ، يبني الشاعر القصيدة على مفارقة تصويرية كبيرة طرفها الأول -التراثي-ماضي العرب في الأندلس ، وما كانوا عليه من قوة وبأس وسلطان ومجد ، وطرفها الثاني ما آل إليه هذ االمجد من انطفاء وخمول ،والشاعر يصرح بكلا الطرفين لا يخلطه بالآخر ، ولا يسقط عليه أيًا من ملامحه وسماته ، يقول عن الطرف الأول مصورًا عزة الماضي العربي في الأندلس وتألقه :
___________________
(102)نزار قباني : ديوان "الرسم بالكلمات" ص 176

المشرقي الإسلامي 08-06-2011 09:41 PM

(115)
كتبتِ لي يا غالية …

كتبت تسألين عن إسبانية

عن طارق يفتح باسم الله دنيا ثانية

عن عقبة بن نافع

يزرع شتل نخلة

في قلب كل رابية

سالت عن أمية

سألت عن أميرها معاوية

عن السرايا الزاهية

تحمل من دمشق في ركابها

حضارة وعافية

ثم ينتقل إلى تصوير ملامح الطرف المعاصر المتمثل فيما آل إليه هذا المجد من انطفاء وذبول :

لم يبق من اسبانية

منا ومن عصورها الثمانية

غير الذي يبقى من الخمر بجوف الآنية

.. .. .. .. .. .. .. ..
لم يبق من قرطبة

سوى المئذنات الباكية

سوى عبير الورد والنارنج والأضاليه

لم يبق من ولاّده ومن حكايا حبها

قافية… ولا بقايا قافية
لم يبق من غرناطة ، ومن بني الأحمر إلا ما يقول الراوية .. إلخ


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.