حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   الخيمة الفـكـــريـة (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=68)
-   -   إصلاح ذات البين في المجتمع العشائري (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=77977)

ابن حوران 07-04-2009 03:07 PM

إصلاح ذات البين في المجتمع العشائري
 
إصلاح ذات البين في المجتمع العشائري

مقدمة:

لا تزال بعض مظاهر العشائرية منتشرة في كثير من المناطق العربية، ولا زالت الكثير من الخصومات يتم حلها عن الطريق العشائري، ورغم وجود القوانين المدنية التي تتوكل في حسم تلك الخصومات عن طريق القضاء المدني، إلا أن هناك كثير من الحالات التي يرهن القضاء أو (الحاكمية الإدارية) البت فيها على ضوء ما تسفر عنها المداولات العشائرية، والتي تدون ما تم من اتفاق وترفعه الى الدوائر الرسمية لتتخذ قرارها على ضوء حسمها عشائريا.

وبالرغم من أن تلك المظاهر تلقى نقدا كبيرا من المثقفين على أنها سمة من سمات التخلف، إلا أنها تسهم في كثير من الحالات في إشاعة أجواء الاستقرار في المجتمع. وهناك من يدحض حجج المنتقدين لتلك المظاهر ويقارن بينها وبين هيئات المُحَلَفين في القضاء الأمريكي (مثلا) فيقول: أن هيئة المُحَلفين تتكون من ذوي الاختصاص في مجالٍ ما، يتم استدعائهم مقابل أجور يتحملها من يُجرم في الخصومة، في حين تكون الهيئات العشائرية من ذوي المعرفة في مثل تلك المسائل المُتخاصم حولها، ولكنهم يتطوعون (دون أجور) في حل تلك الخصومات خدمة لاستقرار الأمن في المجتمع المحلي.

هذا، وقد أخذت مظاهر حل الخصومات بالطرق العشائرية بالتناقص والاختفاء، واقتصرت على بعض الأرياف والبوادي في بعض الدول العربية، وسنحاول إلقاء الضوء على بعض مظاهرها ـ من باب العلم بالشيء ـ مستندين على ما تم رصده في بعض الخصومات في بلاد الشام والعراق.

مجالات التدخل العشائري

رغم أن مجالات الخصومات قد زادت بزيادة التنوع في النشاط، فالخلافات الاقتصادية التي تنجم عن فض (الشراكات) أو كتابة شيك بدون رصيد، أو الاتهام بسوء استخدام المال، أو قضايا المستأجرين، فإنه في المجتمعات الريفية تجد مثل تلك الخصومات اهتماما من المجتمع المحلي في فض الخصومة فيما بين المتخاصمين، إلا أن ما تبقى من الخصومات الأكثر تخصصا في القضاء العشائري، هي تلك المتعلقة بالقتل وانتهاك الأعراض وغيرها.

دواعي التدخل العشائري

في المدن ذات الطابع الريفي، يجد الحاكم الإداري أنه لا بد من الاستعانة بالوجهاء في منطقته للمساعدة في محاصرة المشكلة وحلها. فعند وقوع جريمة قتل أو هتك عرض، يستدعي الحاكم الإداري، وجهاء العشيرة التي منها المعتدي، ويطلب منهم التوجه لعشيرة ثالثة، ليدخلوا بهم، ويطلب من جهاز الشرطة أن يكون قريبا من منازل العشيرة مسببة الحادث، ليمنع اعتداء أبناء العشيرة المعتدى عليهم من الثأر الفوري من المعتدين.

ويعلم الحاكم الإداري، كما يعلم وجهاء المجتمع المحلي، أن السرعة في هذا الإجراء هي المفتاح الرئيسي لتطويق المشكلة. كما يعلم أهل المعتدى عليه أنهم إذا تلكئوا في سرعة انتقامهم، سيكونون تحت وطأة القوانين العشائرية والمدنية، لأنهم مجرد أن يقبلوا فكرة الحل العشائري بأول مراحلها، سيكونون مطالبين بالهدوء وانتظار ما ستئول إليه نتائج الحل العشائري، لذلك فإن المجتمع الريفي والدوائر الأمنية سيكونون في حالة استنفار كاملة في أول ثلاثة أيام من وقوع الحدث. وهذه الفترة يُطلق عليها (فورة الدم).

إجراءات فورة الدم

في حالات القتل أو هتك العرض، فإن الحاكم الإداري، يبادر على الفور بتبليغ العشيرة التي منها (المعتدي) أن يذهبوا الى طرف ثالث (عشيرة أخرى لها مواصفاتها) ويدخلوا بهم، فتصبح العشيرة الأولى في حماية العشيرة الثالثة، فيذهب وجهاء العشيرة (المدخول بها) مع وجهاء من العشائر الأخرى، الى ديوان عشيرة المعتدى عليها، وبمرافقة عناصر أمنية وتحت رعاية الأمن، ويطلبوا منهم (عطوة أمنية) لمدة ثلاثة أيام وثلث، ولن يغادروا الديوان إلا أن يأخذوا مثل تلك (العطوة: أي صك القبول بالإجراءات الأولية).

وإن لم يقبل أهل المعتدى عليهم من إعطاء هذا الصك، يلجأ الحاكم الإداري الى سجن وجهائهم ووجهاء عشيرة المعتدي ـ وهي نادرة الحدوث ـ وذلك للضغط على المعتدى عليهم، وحماية كل الأطراف من توابع الثأر الفوري، ومع ذلك تبقى المحاولات قائمة لأخذ صك (العطوة الأمنية) والتي مدتها ثلاث أيام وثلث.

وفي تلك المدة قد يرفض أهل المعتدى عليهم قبول (دخالة: توسط) الطرف الثالث، فيقوم الحاكم الإداري، بالبحث عن طرف ثالث مقبول لدى المعتدى عليهم، ولكن تبقى عشيرة المعتدين في حماية الطرف الثالث الحالي ريثما يتم تغييره، وقد يقيم كل أبناء عشيرة المعتدين أو وجهائهم أو أقرب الناس للقاتل أو المعتدي في منازل العشيرة الثالثة.

هذا باختصار أولي حول تلك الظاهرة، وسنقوم بالتطرق للخطوات الأخرى وواجبات العشيرة الثالثة ومواصفات قاضي العشائر، وحكم من ينقض أحكامه. وقبل كل شيء سنتطرق الآن لبعض المصطلحات التي قد ترد في إجراءات التداول العشائري:

بعير النوم: قيمة الجمل التي يسلمه ذوو الجاني من (الدرجة الخامسة) أي الذين يلتقون مع الجاني في الجد الخامس، بدل بقائهم في منازلهم دون إجبارهم على الرحيل.

بشعة: عندما كانت تغيب الأدلة كان القاضي يقضي بوضع قطعة من الحديد المحماة جيدا لدرجة الاحمرار على لسان المتهم، فإن كان بريئا فإن ريقه سيمتص حرارتها ولا يؤذيه، وإن كان مذنبا فإن ريقه سيجف وعندها سيتعرض لسانه ربما لدرجة (الخرس)

تقطيع الوجه: خرق الضمانات المتفق عليها لحفظ السلام، من قبل المتخاصمين، خلال سريان مدة العطوة المأخوذة تمهيدا لوقف النزاع.

تسويد: تشويه سمعة أحد الأطراف، ويترتب عليها دعوى وعقاب.

تفويل: رفض أحد كبار العشيرة لقرار القضاة، وهو مصطلح يستعمل عندما تخطب فتاة من عشيرة، ويعترض أحد أبناء العشيرة على الخطبة ويبطلها.

جاهة : مجموعة من الوجهاء تتدخل لإصلاح ذات البين.

جلوى: طرد شخص أو مجموعة من الأشخاص من مكان سكناهم الى مكان آخر كجزء من العقوبة المطلوبة.

حفار ودفان: حرفياً: الحفر والدفن، أي نسيان الشر والثأر الماضي.

حرمة البيت: أحد الجرائم الأربعة الهامة عند العشائر، أي اختراق حرمة البيت.

خاوة: ما يدفعه الضعيف للقوي، حتى يأمن جانبه.

دخيل: الشخص الذي يطلب الأمن أو الحماية من الآخرين.

دخالة: عملية طلب الحماية وإجراءاتها.

سابقة: قضية مثيلة للقضية الحالية.

شرف: عِرض، سمعة، كل ما يتعلق بكرامة الفرد أو المجموعة.

شومة: السماح والصفح والكرامة.

صيحة: صوت المرأة التي تتعرض لهجوم للاعتداء عليها دون قبولها.

فورة دم: حرفياً: غليان الدم ومدته ثلاثة أيام وثلث من وقوع الجريمة.

فنجان الجاهة: هو الفنجان الأول من القهوة، إن شربه من يقدم إليه، فإنه قبل بالإجراءات التي تليه، وإن لم يشربه، تعالج أسباب ذلك.

قلطة: قاضي عشائري رفيع المستوى.

كفيل الدفا: هو من يحمي المعتدي أثناء إجراءات الصلح.

كفيل الوفا: هو من يكفل المعتدي في الالتزام بدفع ما يفرضه عليه القضاء.

مكبور: أي شخص له كبير، لا يتكلم إلا بعد إذنه.
مثيلة: قضية مماثلة

مقطع: قرار حاسم قاطع.

مطلع: القاضي الذي يصدر حكما صريحا بيناً.

مشمس: الشخص الذي تطرده عشيرته من حمايتها، وتعلن ذلك قبل ارتكابه جريمة، أما إن لم تعلن ذلك فهي ملزمة بما يقوم به.

وساقة: حجز كمية من المتاع أو المواشي، مقابل ما يترتب على المدين بذلك.

يتبع

البدوي الشارد 08-04-2009 09:34 AM

شكرا لهذا الموضوع القيم.
وأي مجتمع يجب أن يحل مشاكله انطلاقا من قوانينه وهو الأسلم.
وتتحول المشاكل إلى معضلات لا تحل عندما يتدخل غرباء من الخارج لا يعرفون حال المجتمع ولا مفاهيمه. ومن الأمثلة على ذلك مشكلة دارفور التي لو ترك أهلها لعاداتهم لحلوا مشاكلهم بأنفسهم.
ولو أن حرب داحس والغبراء نشبت في ظل النظام العالمي الجديد ودست الأمم أنفها فيها لتفانت عبس وذبيان وما استطاع السيدان اللذان أوقفاها بطرق العرب حلها.

كريم الثاني 08-04-2009 11:30 AM

بصراحة :


في ظل وجود دولة مدنية ذات سياده حقيقية


لا يجوز أن يبقى العرف العشائري هو السائد والمسيطر

على ثقافة الافراد.


الحالة العشائرية مرحلة تارخية من حياة الامة العربية

فرضتها عليهم الصحراء


والان لا داعي لوجود مثل هذه الحالة

وإذا قال البعض أن العشائريه لها إيجابيات

إلا أنه لها أضعاف مضاعفة من السلبيات.






وشكرا" لك .

ابن حوران 18-04-2009 12:54 PM

الأخ الفاضل البدوي الشارد
الأخ الفاضل كريم الثاني
أشكر تفضلكما بالمرور

أخي كريم الثاني.. أتفق مع حضرتكم بأن القانون المدني في دولة مدنية متكاملة، هو الأفضل، ونحن عندما نتعرض لمثل هذا الموضوع ننطلق من الرؤية الواضحة للعيان لبروز العصبية، والكيفية التي تدخل بها أصابع المتدخلين من الخارج لإذكاء الفتن، من جانب، ولإبقاء حالة الترهل في البنيان الإداري.

وتنتشر مظاهر العصبية في معظم البلدان العربية، فإن كنا نتفق على أن مصر قد سبقت شقيقاتها العربيات بما لا يقل عن قرن من الزمان في تجاوز العصبية القبلية، إلا أن بقايا ظواهرها لا زالت ماثلة حتى اليوم، ويضرب المؤلف (محمد عودة) في كتابه عن تلك الظاهرة مثلا عن قرية مصرية اسمها (شمياطس) وكان عدد سكانها عام 1960 وفق الإحصاءات الرسمية 2671 نسمة، وأن عائلة واحدة كانت نسبتها 40% من السكان كانت تسيطر على مظاهر الوجاهة والمناصب الحكومية والنشاط الاقتصادي، وبعد التطور الذي حل بمصر بعد ثورة يونيو 1952 وما تلاها من تغيرات، فقدت تلك العائلة قوتها الاقتصادية، لكن بقيت الشخصيات النافذة من تلك العائلة*1

أما في العراق، فالصورة العصبية واضحة في الوقت الحاضر في ظل الاحتلال ولجوء الناس الى التمركز العشائري، أما قبل ذلك فيمكن الاطلاع على دراسة قيمة ل (حنا بطاطو)*2

في الأردن، نلحظ تغلب الدور العشائري وبروزه في الانتخابات، أما القضاء العشائري فقد أفرد الباحث (احمد عويدي العبادي) دراسة كاملة حول أثر القضاء العشائري في إحلال الأمن في المجتمع الأردني*3


هوامش
*1ـ محمود عودة/ الفلاحون والدولة: دراسة في أساليب الإنتاج والتكوين الاجتماعي للمجتمع التقليدي/ بيروت: دار النهضة العربية 1983 صفحة 37.

*2ـ العراق: الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني حتى قيام الجمهورية/ حنا بطاطو/ ترجمة: عفيف الرزاز/ بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية 1990 صفحة 110.

*3ـ القضاء عند العشائر الأردنية/ احمد عويدي العبادي/ سلسلة من هم البدو؟/ وادي السير/الأردن دار العبادي للنشر1988


ابن حوران 05-05-2009 01:12 PM

من ركائز الأعراف العشائرية

رغم اقتراب العادات والأعراف العشائرية من الاندثار، فإن ركائز تلك العادات والأعراف لا تزال تسكن في خبايا مولدات التقييم الخلقي والسلوكي عند قطاعات واسعة من الناس، فالجبن والشجاعة والنذالة والكرم والخساسة والمروءة لها مبررات في أصل موروث العرف. وهي في نفس الوقت تشكل الى جانب القوانين المدنية الحديثة وما آل إليه وضع المجتمعات الحالية أحد ركائز القاعدة الخلقية السائدة أو التي يُفترض أن تسود.

الالتزام بالأعراف دون وازع خارجي

قبل نشوء الدولة الحديثة، كانت ضوابط سلوك الناس تعتمد على التصرف المماثل. فالمسافر في الأزمنة القديمة كان يعتمد الجمل أو الفرس أو السير على الأقدام، حتى يصل الى وجهته، فكان لا بد له من أن يقابل بترحاب من يصادفهم في الطريق لندرة أو لغياب المطاعم والفنادق وغيرها من مستلزمات السفر في زمننا الحاضر. وعليه كان لا بد أن يكون كريما لضيفه لأنه سيكون ذات يوم في نفس موقف ذلك الضيف، وكان المسافرون يحطون رحالهم عند أناس سبق لهم أن استضافوهم أو سمعوا عن كرمهم.

كما أن تأمين الحماية للأفراد المقيمين أو المتنقلين كانت من مهمة العشيرة أو المجتمع المحلي البدائي الذي يقطنه أو يمر به الفرد، وذلك لغياب أشكال الإدارات الأمنية التي تخص الدولة. وأثناء تطور الدولة ومؤسساتها بقيت بعض الأطراف من قرى وبوادي لم تحظ بتغطية الأمن الحكومي، فكانت المهام الأمنية تُناط تلقائيا بإدارة المجتمع البدوي أو الريفي.

ضوابط أخلاقية تم ابتكارها على مر العصور

من هي القبيلة النبيلة ومن هي القبيلة المحتقرة؟

كانت القبائل تأخذ مجدها من خلال عدد الغزوات التي تقوم فيها، وكان هذا يعتمد على كثرة رجالها وبسالتهم في القتال وحسن إدارتهم، بصرامة قياداتهم، وكانت القبيلة التي يكون لديها 400 مقاتل، تسمى (جمرة) وهي القبيلة التي لا تحتاج الى معونة أحد من القبائل الأخرى، وقد عرفنا ثلاث جمرات قبل الإسلام هن: (عبس وذبيان و ضمرة). أما القبائل التي ليس لها تلك الإمكانات من المقاتلين فأمامها خياران: إما أن تدخل في حلف مكون من عدة قبائل، ويعتمد ذلك الحلف (طوطما) يكون عنوانا لذلك الحلف، فكان بني ثور وبني أسد وبني جحش الخ، أي أولئك الذين يرفعون طوطم (الثور والأسد والجحش)*1، وإما أن لا تلجأ للتسلح وترضى أن تعيش تحت حماية غيرها من القبائل، وعندها تكون قبيلة (محتقرة).

القبيلة المحتقرة، لا تغزوها أي قبيلة، ولا يتزوج أبناء القبائل النبيلة منها، وإن غزتها إحدى القبائل، أصبحت القبيلة الغازية محتقرة، وتنادت عليها القبائل لتردعها وتعيد حق القبيلة المحتقرة لها.

ويأتي ذلك من كونها لا تحمل السلاح ولا تغزو، والفرد الذي لا يحمل السلاح، أو سقط سلاحه أثناء القتال، يمتنع المقاتل النبيل عن قتله، لأنه اعترف ضمنا بهزيمته.

من هنا، وبعد الإسلام وتشكيل الدولة والحرس والأمن، بقيت تلك الأسس سائدة في المجتمعات العربية غير المتمدنة.

وهناك من القبائل التي اعتبرت محتقرة لأسباب مختلفة: منها ما عُرف عنهم أنهم كان أجدادهم يتعاملون مع أعداء الجيوش الإسلامية في الفتوحات، أو أن غيرتهم على نسائهم معدومة، أو أنهم يتصفون بالغدر، وقد ذكرت كتب التاريخ مثل تلك القبائل، فلذلك لا يتم مصاهرتهم ولا يتم التعامل معهم فهم محتقرون لأسباب غير التي تتعلق بقدرتهم على حمل السلاح.

حق الجار

حماية الجار والحرص عليه، أمر يتعلق بالكرامة والشرف، وهو بنفس الوقت له ضرورة أمنية واجتماعية، كون بيوت العرب (الرحل) غير محصنة وليس لها أسوار وموانع، فكان كل جار مسئولا ضمنيا عن جيرانه، وإذا حدث أن تعرض جار للأذى من جاره، فعقوبة ذلك هي أربعة أضعاف ما على الغريب من حق. فإن كانت عقوبة الغريب في مسألة ما عشرة (جمال) فإنها في حالة أذى الجار ستكون أربعين جملا.

المرأة في الأعراف العشائرية

المرأة (عِرض) وحمايتها أكثر أهمية من حماية الأرض التي ارتبطت معها كمحركين لمسألة الشرف. وإن كان هناك خصومة بين قبيلتين وتعرضت إحدى النساء الى المساس بشرفها، فإن أي فرد حتى لو كان من أبناء القبيلة الخصم سيقوم بالدفاع عن شرفها، رغم خصومته مع قبيلتها، سنذكر مثلا:

في عام 1910 (أي في أواخر أيام الحكم العثماني) تعرضت فتاة من عشيرة (القرضة) وهي تملأ الماء من عين صويلح (12كم غرب عمان ـ الأردن)، تعرضت لاعتداء من شاب من الشيشان (هاجر قسم من الشيشان في نهاية القرن التاسع عشر الى الأردن) حيث وخزها في مؤخرتها برأس عصاه، فصرخت طالبة النجدة، ومن حسن طالعها أن كان شاب من عشيرة (البقور ـ عباد) يدعى (هزاع الكايد) قريبا من المكان يرعى في أغنامه، فاستجاب فورا للاستغاثة فأطلق النار على المعتدي فأرداه قتيلا، دفاعا عن الفتاة، رغم أن عشيرته وعشيرة الفتاة على عداء مستمر. فلحقه الشيشان وأطلقوا عليه النار فأصابوه إلا أنه استطاع امتطاء جواده ووصل لمضارب عشيرته الذين انتقموا فورا، بمهاجمة الشيشان وقتل الكثير منهم، ثم جاء جنود الأتراك وأوقفوا الهجوم، لكن في النهاية أقر الجميع بما فيهم شيوخ الشيشان والأتراك بسلامة تصرف الشاب. *1

هذا يبين لنا الكيفية التي تربط بها السلطات الحكومية القوانين مع الأعراف وإقرار العقلاء من الخصوم لجواز العمل المنسجم مع تلك الأعراف.

هوامش
*1ـ من المفصل لتاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي/ بيروت: دار العلم للملايين.
*2ـ القضاء عند العشائر الأردنية/احمد عويدي العبادي/ سلسلة من هم البدو؟/ وادي السير/الأردن دار العباديللنشر1988 ص 174

محمود راجي 06-05-2009 11:25 PM

أخي ابن حوران....
أنا أعيش في منطقة لا تحكم إلا بالحكم العشائري بحكم طبيعتها السياسية حيث إنني أعيش في بلدة تقع شرقي القدس المحتلة ولا يسيطر عليها الاحتلال ولا يسمح للسلطة ببسط سيطرتها عليها لمحاذاتها للقدس وأقول لك أن هذا الحكم يحل العديد من المشاكل بين الناس إلا أنه بحاجة إلى تعديلات...
حيث إنه يشتمل على الكثير من الظلم المناقض لديننا الحنيف.............



مشكوور على الطرح الجميل

ابن حوران 18-05-2009 01:05 PM

الأخ الفاضل محمود راجي

أؤيد ما تفضلتم به من لجوء الناس في طبيعتهم الفطرية الى الحلول التوافقية، وهذه الحالة لا تقتصر على المجتمعات البدوية أو الريفية، بل تتعداها الى المجتمعات المتمدنة، فلا يبادر متخاصمان الى اللجوء للقضاء المدني، إلا بعد استنزاف كل الوسائل المتاحة للتفاهم، هذا في ظل الظروف الطبيعية. أما في ظل الإحساس بفساد أو ضعف الأجهزة الحكومية، فإن الحاجة الى استنباط وسائل للحلول بعيدة عن الدولة ستكون أكبر. هذا ما يجري في الصومال والعراق.

أما تطوير أساليب الحلول العشائرية، فأظنها من الصعوبة بمكان في مثل هذه الأيام، للتطور الثقافي والاجتماعي والسياسي الذي جعل المواطنين في أي بقعة من بلادنا تفكر في تطوير الأداء الحكومي المدني وقضاءه.

أشكركم أخي على تفضلكم بالمرور

ابن حوران 18-05-2009 01:06 PM

آليات الاحتكام للأعراف العشائرية

هناك في داخل كل إنسان، مخزون ثقافي تراثي يظهر بشكل فوري لتقييم ما يجري حوله، حتى لو بدا ذلك الإنسان أنه قد تخلى عن ذلك المخزون بفعل تعليمه العالي أو بفعل أسفاره واختلاطه مع مجتمعات مدنية راقية.

فكثيرا ما نصدف بعض الأشخاص الذين أمضوا عقدين أو أكثر من حياتهم في الاغتراب بإحدى الدول الغربية. فما أن يعود ذلك المغترب الى مجتمعه الريفي حتى تنهض تفاصيل ذلك المخزون في أدق التصرفات. فإنه سيخلع حذاءه عند الباب ويتوجه منحنيا لتقبيل يدي أبيه وأمه، ويتخلى عن استخدام الشوكة والسكين في تناول طعامه. كل هذا يتم دون إعادة تمرين، رغم طول المدة التي لم يمارس بها ذلك المغترب تلك الطقوس.

وإن صدف أن ذلك المغترب، حضر جلسة عائلية لمعالجة مشكلة معينة كالتحرش بإحدى قريباته، فإنه لن يستعين برصيده المعرفي الذي حصله من الدنمرك أو الولايات المتحدة، بل سينخرط وعلى الفور مع جماعته ويناقش الموضوع بطرح أسئلة: من أي عشيرة ذلك المعتدي؟ وبمن دخلت عشيرته؟ وكم عدد أفراد تلك العشيرة؟ إنها أسئلة تعبوية تشبه أسئلة قادة أركان يخططون للحرب.

الدَخَالَة

يقوم الطرف المتهم بالتوجه لعشيرة لها هيبتها في المجتمع المحلي بعدد رجالها، وقوتها الاجتماعية وماضيها، طالبا منها الحماية والقيام بإجراءات الصلح بين العشيرتين المتخاصمتين. وتسمى تلك العملية بالدخالة، ويكون هذا الإجراء بالتفاهم مع الحاكم الإداري للمنطقة، الذي بدوره يبلغ الطرف المتضرر باسم العشيرة (الثالثة: المدخول بها).

وقد ترفض العشيرة المتضررة، أن تكون تلك العشيرة وسيطا بين المتخاصمين، ولكن ليس لها الحق بذلك قبل إعطاء العطوة الأمنية (ثلاثة أيام وثلث). فإن رفضت فإن الحاكم الإداري سيوعز لأجهزة الأمن بإيداع وجهاء تلك العشيرة بالسجن حتى يقبلوا بالعطوة الأمنية.

الجاهة

عندما تقبل العشيرة المتضررة بالعشيرة المدخول بها، وقبل انتهاء مدة الثلاثة أيام وثلث، تدعو العشيرة وجهاء المجتمع المحلي للتجمع في ديوانها للتباحث بالمسألة، وإن كانت القضية بها قتل عمد أو انتهاك عرض، فإن الجاهة ستضم وجهاء من مناطق مختلفة.

ويلبي المدعوون الدعوة بأقصى سرعة، فالمناسبة لهم تدلل على مكانتهم الاجتماعية، فسيتباهون أمام أسرهم أنهم كانوا في مهمة خطيرة! ويتباهوا أمام بعضهم البعض بسؤال غير بريء: (ما شفتك بجاهة العطوة؟) هو يريد أن يقول لمن تحدث معه أنه أرفع مكانة منه إذ تفقده المجتمع ودعاه في حين لم يدع صاحبه.

كما أن تلك المناسبات بكثرتها، ستكون بما يشبه القانون غير المكتوب، فمن يشارك بها سيستعمل تفاصيل تلك الأحداث في مناقشة ما سيجري بعدها من قضايا مشابهة وتسمى المثيلات.

فنجال القهوة

بعد وصول الجاهة الى ديوان العشيرة المتضررة، فإنهم سيرحبون بهم في الباب، مع فسح المجال لبعض الجهلة من الشباب أن يظهروا بعض ملامح الغضب والعصبية، كأن يصيح أحدهم قائلا: ( يا ويلي أتوا ليدفعوا ثمن دم فلان) ويشتم الظروف والبلاد والعادات، لكي يسمع الرجال الذين يدخلون الديوان تلك الكلمات، فيخرج أحد العقلاء ليزجر ذلك الشاب بمشهد تمثيلي قد يكون مؤثرا في بعض الأحيان.

يقوم أحد أهل المغدور، بصب فنجال القهوة السادة، ويتلفت يسارا ويمينا كمن يبحث عن الشخص الذي سيتناول منه الفنجال، وعندها يقول: (شومتكم بيناتكم: أي لتقوموا أنتم باختيار من يمثلكم).

أحيانا، يكون الوجيه الأول قد تم الاتفاق عليه قبل تحرك الجاهة، فتتصاعد الأصوات (ضع الفنجال أمام الشيخ فلان). ولكن عندما لا يكون هناك اتفاق على ذلك، يطلب ممن صب القهوة أن يضع الفنجال على منضدة بالوسط.

خطاب الجاهة

إما أن يقف الشيخ الذي تم الاتفاق عليه، أو يقوم إمام مسجد معروف بنزاهته وعدله، ويلقي كلمة يذكر فيها آيات من القرآن الكريم عن العفو والصلح وإصلاح ذات البين، ويستعين ببعض الأحاديث الشريفة ثم يعرج على بعض الأمثلة المشابهة.

وينهي كلامه، بأن تلك الجاهة أتت الى ديوانكم العامر وأنتم العشيرة المعروفة بكرمكم وشجاعتكم وورع أهلكم وحبكم للوطن وحبكم لإشاعة الأمن والسلام الخ. وهي طامعة أن لا تردوها خائبة.

خطاب أهل المتضرر

يقف أحد الفصحاء من أهل المتضرر، ويمتدح الإسلام والوطن والحاكم ويمتدح الجاهة الكريمة... ثم يضع (ولكن) ويكمل خطابه لتصوير القضية أو الجريمة، بأنها أبشع جريمة حدثت في المجتمع، ثم يصور المعاناة الت يلاقيها العقلاء في لجم جموح الشباب المطالبين بالثأر، ولا ينسى قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب).

تتصاعد الأصوات الغاضبة في الخارج من جديد، وتتداخل أصوات الحضور، ( صلوا على النبي) ( توكلوا على الله)

أحيانا، يطلب أهل المجني عليه، مالا ( فراش عطوة) ويبالغون في كميته، تعبيرا عن رفضهم لمبدأ الصلح، وأحيانا يطلبوا ترحيل كل عشيرة الجاني لمسافة 50 كم. وأحيانا يتم الاختلاف على تسمية العطوة ( أي صك تهدئة الأمور لفترة يتفق عليها) هل هي عطوة إقرار واعتراف بالذنب، أم عطوة (حق) أي أن الجاني وأهله لم يعترفوا بالذنب بل أخذوا عطوة حق حتى ينجلي الجاني الفعلي.

سنمر على ذلك




ابن حوران 06-06-2009 10:10 AM

تطور القوانين الخاصة بالعشائر لتتماشى مع روح العصر

بادرت بعض الدول العربية الى تهميش القوانين والعادات العشائرية، ففي العراق بالسبعينات من القرن الماضي، حاولت دوائر الأحوال المدنية شطب اسم العشيرة من البطاقة الشخصية للمواطن، واكتفت بالاسم الرباعي دون ذكر عشيرته مثل: (احمد محمد سالم علي)، لدفع حالة التعاطف العشائري والمحاباة في دوائر الدولة الى الاختفاء، ولكن ذلك لم يمنع المجتمع الريفي والبدوي من إبقاء عاداته وتقاليده في فض الخصومات وإحقاق الحق على طريقته، مما اضطر الدولة الى عدم حسم الخلاف بين المتخاصمين في مناطق واسعة من العراق دون أخذ الاعتبار لما هو عليه الحال في مجتمعاتهم، فلم تفرج عن متهم دون إسقاط حق من اتهمه عنه، وإجراءات إسقاط الحق هذه كانت تمر ضمن قنوات تعتمد الأعراف العشائرية.

وقد كان هذا الأمر يتعدى حدود العراق، فكانت الخلافات التي قد تحصل بين مواطن عراقي مع سوري أو سعودي أو أردني، تتم ضمن اتصالات تعتمد الأسلوب العشائري.

وفي الأردن، ونتيجة لتداخل ما هو سياسي وما هو مدني، اتجهت الحكومة الى إلغاء القضاء العشائري عام 1976، وعدم اعتماده من قبل الدوائر العدلية والأمنية، ولكن شيوخ العشائر لم يوافقهم هذا الأمر مما حدا بالحكومة الأردنية لإيجاد صيغ توفيقية، تجمع بين القوانين المدنية واستشارة العشائر، وقد حاولت الحكومة إنشاء محافظات خاصة بالبدو، تترك لهم شأنهم في قضائهم العشائري، في حين لم يكن الاعتراض قد أتي من البدو فقط، بل جاء من مناطق ريفية ومدنية أخرى.

العوامل المؤثرة في تعقيد القضايا

قد يكون الحادث أو الجرم بسيطا في بعض الأحيان، ولا يحتاج الى معونات عشائرية، كحادث مشاجرة أو إصابة بإطلاق نار في احتفالات الأعراس، أو حتى حادث دهس بسيارة، وهي حوادث يستطيع القضاء المدني أو الحاكم الإداري معالجتها دون إحالتها للمعالجة العشائرية. ومع ذلك سنجد أن هناك من الناس ما يجعل من هذا الحدث البسيط مناسبة هامة، ما هي العوامل التي تقف وراء تصنيف الحدث؟

1ـ قوة العشيرة اجتماعيا، فأبناء العشيرة التي لها حضور اجتماعي، سيجدون من حادث (دهس) طفل مناسبة، للتعريف بأهميتهم وكرمهم وكثرة رجالهم، خصوصا إن كانت تلك العشيرة ممن يرغب في تبوء مناصب لها علاقة بالانتخابات، كالبرلمان والبلدية وغرفة التجارة. في حين يكون أفراد العشيرة الضعيفة أو العائلة الصغيرة التي تعيش وسط مجتمع عشائري لا يحبذون المضي قدما في إجراءات التصالح العشائري، لأكثر من سبب أهمها: عدم تلبية وجوه العشائر في مشاركتهم (مشوارهم) وحتى لو قضت تلك الأعراف بإعطائهم حقهم فهم نادرا ما يحصلون عليه.

كما أن أبناء العائلات الصغيرة والفقيرة، إذا ما وقع أحدهم بمشكلة كأن يدهس أحدا، فإن أحد من العشائر الكبرى لن يكفله لأنه ليس باستطاعته القيام بدفع ما يتوجب عليه.

قبل عشرين عاما اصطدمت شاحنة كبيرة بسيارة نقل ركاب تقل خمسة ركاب مع سائقهم، توفي منهم اثنان وجرح البقية وكانوا من مناطق متباعدة، وعندما أشار الناس على سائق الشاحنة (لم تكن الشاحنة له) أن يلجأ للمصالحات العشائرية، حتى يتم إخلاء سبيله من التوقيف، لم يستطع أقاربه أن يدفعوا فواتير المستشفيات، ولم يستطيعوا تأمين سيارات لنقل الوجهاء، مما دفع ذلك العشيرة (الكافلة) أن تعلن انسحابها ـ خلافا للعادات ـ من تكملة المشوار، وأجبر ذلك أهل المصابين والمتوفين أن ينتظروا إجراءات التأمين لتعوض عليهم.

2ـ طمع بعض المصابين والمتأذين بالحصول على المال.
تشاجر ذات يوم جنديان في ثكنتهما، فضرب أحدهما الآخر، وكان الاثنان من عشيرتين ذات أعداد كبيرة ومنهما رجال دولة الخ. وقد حجزت الوحدة العسكرية الضارب حتى تتم إجراءات إسقاط حق المضروب.

وقد اشتركت بثلاث محاولات للصلح، وكانت (الجاهة ) تعد أكثر من خمسين رجلا، وكان في استقبالهم عشيرة (المضروب) وتأكدت أن من الحاضرين ثلاثة من رتبة (عميد متقاعد). ولم تكن الحادثة تحتاج الى كل هذا الجهد، فخرجت في المشوار الثالث ألتمس تفسيرا لتلك التعقيدات، فصادفت شابا سألته ببعض المكر عن (المضروب) وعن السر في عدم (توجيبه واحترامه) لتلك الطقوس. فقال: بصراحة أن (المضروب) يعلم أن من ضربه لن يُفرج عنه ما لم يتم الصلح هنا، وأن (المضروب) يطمع بألف دينار لتسديد أقساط سيارته، ولن يهتم بكل تلك الطقوس إن لم يحصل على المال!

عدت وهمست لأحد الوجهاء بما فهمت طالبا منه أن ينهوا تلك المجادلات العقيمة وعليهم إحضار المضروب الى الديوان، فحضر ووضع يديه على الباب ولم يكن يلبس تحت قميصه الخارجي المفتوح من الأعلى أي لباس، ولم يكن مهتما لا بالرتب العسكرية ولا بالوجوه، وطلب ألف دينار ليسقط حقه عن زميله.

3ـ عدم إخلاص الجاهة لمن يبعثها في مهمة
تشاجر اثنان، أحدهما ابن لرجل اغتنى فجأة وأصبح من أصحاب الملايين، فضرب من اختلف معه بأداة حادة قلعت عينه، وذهب المصلحون وكان من بينهم أربعة نواب في البرلمان ورجال من مختلف أنحاء المنطقة.

ولاحظت عدم تعاطف الجاهة الكبيرة مع والد الجاني، فالأعراف تدلل على أن فقدان رجل أو يد أو عين لها ربع دية القتيل، ولكن (ارتخاء) الجاهة جعل أهل المتأذي يطلبون مبالغ هائلة، مما استدعى عدة مشاورات وعدة جولات، وعندما لاحظت أن الجاهة قبلت بتعويض يزيد عن ثلاثة أضعاف دية القتيل، ذكرت الجاهة بالآية الكريمة (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن ألا تعدلوا) .. طلب مني الجميع أن أصمت، متذرعين (نريد أن نخلص .. ووالد الجاني لن يتضايق) .. وعندما قلت لهم أنكم تمدون جسرا سيمشي عليه غيركم .. اتقوا الله .. تجاهلوني فخرجت مع ثلاثة ممن لم يعجبهم الأداء..

4ـ تسديد إساءات قديمة ..

أحيانا، يتحين البعض أن يخطئ من أتعبهم في قضية قديمة لينتقموا منه في أي خطأ يقع به، فيعقدون مهمة الصلح.

5ـ ضعف الحاكم الإداري واستجابته للضغوط.

ابن حوران 27-06-2009 12:49 PM

كيف يتم تصنيف القضايا؟

تتراوح القضايا التي يتناولها المجتمع العشائري، بين قضية بسيطة وقضية كبرى وما بينهما، ولا يوجد تحديد واضح لفداحة القضية، ولكن ظروف كل قضية تفرض الكيفية التي يتم تناول المجتمع المحلي لها. فالمشاجرة واللطم على الوجه تعتبر من القضايا التي لا يهتم بها المجتمع العشائري كثيرا، فهي تحدث بالأسواق وفي ورشات العمل، وفي ساحات المدارس، وفي كل مكان. لكن إذا ما تعرض أحد الوجهاء أو الموسرين الى إهانة من هذا النوع فإن المجتمع المحلي سينشغل في تلك القضية مدة طويلة، وقد يترتب على سوء التعامل مع تلك القضية عواقب وخيمة قد تصل الى حد القتل.

من جانب آخر، تعتبر قضايا هتك العرض من أكثر القضايا خطورة، ولكن عندما يحاول ولي أمر الفتاة التي تم التحرش بها، أن يقلص حجم القضية لمعرفته بعدم إمكانياته كفرد أو أسرة (ضعيفة العدد والمكانة) بتصعيد مطالبته وملاحقته لحقوقه، فإنه يكتفي بتزويج ابنته لمن اعتدى عليها أو تحرش بها، حتى لو طلقها من تزوج بها بعد أسبوعٍ، أو أحياناً يكتفي بتعويض مادي يتم الترتيب له على نطاق ضيق. وبهذه الحالة لن ينشغل المجتمع بمتابعة مثل تلك القضية.

وفي بعض المرات، يأخذ الجانب الكيدي طريقه في فرض قضية على المجتمع، فقد تتراكم الضغائن بين أسرتين، ولم تسوى المشاكل العالقة بينهما، على إثر طلاق زوجة، أو على إثر مشاجرة قديمة، أو على إثر خلاف تجاري الخ، فيتحين أحد الطرفين الفرص للإيقاع بالآخر، فقد يضرب أحد المدرسين طالباً في المدرسة، ويرفع أهل الطالب شكوى، يتوقف فيها المعلم ويصبح مصيره مربوطا برضا أهل الطالب.

ترجيح العرف على القانون

في عام 1980، خطب شخص فتاة، واتفق الخاطب وولي أمر الفتاة على مهر مسمى، وقد تم عقد النكاح حسب الشريعة (أي أن الفتاة شرعا وقانونا أصبحت زوجة للشاب). ولكن المهر لم يكن قد دفع كاملا، ولم تُزف الفتاة الى عريسها فهي حسب الأعراف لا تزال (غير متزوجة). إلا أن خطيبها قد مارس الجنس معها وهي في بيت أهلها، وبعد أشهر ظهرت علامات الحمل على الفتاة، فجن جنون والدها، فقدم شكوى للمحاكم المدنية فرفضتها لعدم الاختصاص، وحولته للمحاكم الشرعية التي رفضت طلبه لوجود عقد شرعي، يجعل الفتاة زوجة أمام القضاء، فتوجه الى المحافظ فقام الأخير بإجراءات تحول دون توسيع شقة النزاع فكلف لجنة عشائرية بذلك.

كان قرار اللجنة، أن يحلف الشاب يمينا مغلظا أنه لم يفعل فعلته قبل عقد النكاح (حفاظا على سمعة الفتاة وأخواتها)، ثم يدفع المهر كاملا، ويدفع 300 دينار لانتهاكه حرمة بيت أهل الفتاة (وهي تساوي قيمة المهر تقريبا في تلك الأيام) وأن يقيم صلحا كبيرا واحتفالا، يقيم فيه وليمة يحضرها كل أهل المنطقة. وقد أوصى المحافظ بتنفيذ قرارات اللجنة، فتوقف الخصام الذي لم تستطع المحاكم المدنية أو الشرعية إيقافه. *1

التباين في النظر لتصنيف القضية

هناك عند بعض البدو (بدو شرق شمال الأردن) لا ينظرون الى أن يحصل أحد الرجال على زوجته عن طريق الخطف (أي يخطفها ويرحل بها الى مكان آخر)، لا ينظرون الى تلك الحالة على أنها جريمة، حتى لو كانت المرأة المخطوفة في عصمة رجل آخر! وعلى الخاطف أن يدفع مهرها مضاعفا وتحل القضية، ويقال على إثر ذلك (كحيلة وعادت لمربطها)، وقد أورد (العبادي) ذلك في كتابه، رغم أننا لم نسمع عن ذلك في مختلف أنحاء الأردن، وإن كان مصطلح الخطف معروفا ومتداولا بين الناس، لكن نعرف أن ذلك يعرض من يفعله لعقوبة الإعدام.

هامش
*1ـ أحمد عويدي العبادي ـ مصدر سابق صفحة 124

ابن حوران 13-07-2009 02:06 PM

القضاء العشائري

كما أن هناك قضايا على الصعيد المدني، ممكن أن تُحل في مراكز الشرطة، أي قبل تحويلها للمحاكم المختصة، من خلال إسقاط حق المشتكي، والتصالح قبل أن تُعرض على القضاء، فإنه يوجد قضايا على المستوى العشائري يتم حلها بتدخل العقلاء قبل أن يتم عرضها على القضاء العشائري.

لكن، عندما يتمسك طرفان متخاصمان في أن الحق لصالح كلٍ منهما، فعندها لا بد أن يتدخل القضاء، سواء في المسائل المدنية والشرعية التي تعرض على المحاكم الحقوقية والجزائية والشرعية، أو أن تُعرض على القضاء العشائري.

وبالعادة، فإن القضاء يعتمد استنباط الدلائل من خلال الأسئلة والأجوبة والتحقيقات الجنائية، والاستعانة بمختبرات حديثة تكشف البصمات وما يُعثر عليه من دلائل تصل الى فصيلة الدم والحامض النووي.

ويجري تكييف القضايا وتصنيفها مع نصوص المواد القانونية، والنطق بالحكم وفق تلك القواعد والأحكام القانونية.

على ماذا يستند القضاء العشائري؟

يستند القضاء العشائري بالأساس على الشريعة الإسلامية، لكن مع فهم قد تكون بالمشافهة والقياس مستنداً الى فهارس الوقائع المشابهة، التي يُبَتُ في فصلها وفق الشريعة والأعراف.

ففي الكثير من الحالات، يجد الحاكم الإداري أو المدعي العام أو قاضي التحقيق نفسه عاجزا عن إحلال الأمن بين المتخاصمين، رغم أنه استند الى اللوائح القانونية (في حالة الخصومات المدنية) أو اللوائح الشرعية في الفصل بتلك القضايا، فيلجأ الحاكم الإداري الى الأمر بسجن أو توقيف أبرياء قد برأهم القضاء المدني أو الشرعي، حفاظا على سلامة أرواحهم، حتى يتيقن الحاكم أو القاضي أن الرضا بالحكم قد عم الجميع.

بين العدل والقِسْط

العدل: هو إحقاق الحق وِفق منطوق النص القانوني أو الشرعي.
أما القسط: فهو إحقاق الحق مع رضا الطرفين المتخاصمين.
فقد ينطق القاضي بالحكم على قاتل أو جاني بالسجن ثلاث سنوات مثلا، نتيجة تقديم المحامين قرائنهم المخففة للحكم ونجاحهم بها، لكن الطرف الثاني من أهل المجني عليه كانوا يتصورون أن الحكم لا يقل عن الإعدام، فلذلك يبقى الطرف الذي أحس بالغبن يتحين الفرص لإلحاق الأذى بالجاني أو أحد أقاربه. وهنا تكون الاستعانة بالقضاء العشائري للمساعدة في حسم مثل تلك القضايا.

من هو القاضي العشائري؟

تاريخيا، كان القضاء العشائري يمتد حتى قبل الإسلام بقرون، وقد كان بعد موت القاضي أن يخلفه ابنه أو ابن أخيه، حتى انحصر نشاط القضاء في أسرٍ دون غيرها، وتكاد كل البلدان العربية تتشابه في احتوائها عائلات تنتهي ب (القاضي).

ومع ذلك فإن هناك مواصفات يجب أن يتمتع بها القاضي العشائري:

1ـ أن يكون مرضيا عنه ومشهودا له بالنزاهة والعدل، من قِبل سكان الحي (البادية) أو العشيرة.

2ـ أن يكون محاربا قديرا يتمتع بصفات القيادة (هذا قبل استقرار الدولة المدنية) حيث كان مسئولا عن تقسيم الغنائم.

3ـ أن يوصي بتوليته القضاء قاض آخر مشهود له بكفاءته.

4ـ أن يكون قد تم استشارته من قبل قضاة في حل نزاعات قديمة، وتناقل الناس حكمته في المشورة.

تصنيف قضاة العشائر:

1ـ قضاة (القَلْطَة) : وهم القضاة المشرعون الذين يبتكرون قواعد للقضاء العشائري، وقواعدهم لا يتم تجاوزها من قبل أي قاض أو إلغاؤها، حتى من الدولة، ولكن الدول ومنها الأردن قد عدلت منذ عام 1921 تلك القاعدة، لتصبح شرائع هؤلاء القضاة قابلة للمناقشة أو الاستئناف.

2ـ قضاة مقطع الحق: وهم الذين يتناولون بحث القضايا الخطيرة والهامة.

3ـ قضاة التمهيد وهم الذين يتولون القضايا البسيطة، وإن عجزوا عنها يحيلونها لقضاة متقدمين أكثر منهم.

ابن حوران 08-08-2009 06:48 AM

إقامة القضايا

يختلف الفضاء العشائري عن القضاء المدني، بأنه يسعى الى إحلال الوئام بين الناس، ولا تدخل في قضاياه الدوافع السياسية، ولا يشترط وجود مذنب (أساسا) ولا يعتمد المنطق القانوني، بل يرد معظم الأفعال الرديئة الى (الشيطان)، وكثيرا ما نسمع في المداولات العشائرية عبارة (الله يلعنك يا شيطان) لتحميل تلك العبارة كل ما يذهب إليه علماء النفس والاجتماع والجريمة.

فالقاضي لا يريد تفصيلات كثيرة ومعقدة تحمل الى القضية الى متاهات، فإن (شطح) أحد الفريقين في شرحه، طلب القاضي العودة الى القضية الأساسية، أو أن يرفع الى الجهات الأعلى ما يستجد من إضافات خارج محور القضية الأصلي.

الاتفاق على التقاضي

يشترط في عملية التقاضي قبول الطرفين المتخاصمين بذلك القاضي، فإن انتدب أحد المتخاصمين قاضيا وقبل به، في حين امتنع الطرف الثاني عن المثول أمام القاضي، ليس تهرباً من التقاضي، بل رفضا لقاضٍ بعينه، فهذا من حقه، وعلى القاضي المنتدب أن يرفع ذلك ـ حتى لو كان ممتعضا ـ الى من أعلى منه سواء كانت سلطة عشائرية أو حكومية، يطلب فيها اعتذاره والبحث عن قاضٍ آخر.

من يقوم بتبليغ أطراف النزاع؟

عندما تحال قضية لقاض عشائري، فإنه يعد أسماء المتنازعين والشهود، ويكلف وجهاء أو شيوخ عشائرهم ليقوموا بذلك، ولا يتحمل القاضي مسئولية عدم امتثال أو استجابة هؤلاء للمثول أمامه. وهي شبيهة بالقضاء المدني حيث تقوم المحكمة بتلك المهمة بمساعدة الشرطة أحياناً.

تكاليف القضية

تسمى تلك التكاليف ب (الرزقة) وقد يكون اسمها مأخوذا من تفرغ القضاة العشائريين المعترف بهم من أوساط العشائر أو الدولة بتلك المهام، فهم يرتزقون منها، ولها أصولها، وعادة تحدد قيمة التكاليف قبل البدء بالتقاضي، وإن من يمتنع عن أداء تلك التكاليف ممن يقع عليهم تحميل الذنب أو الجرم، فإن الكفلاء هم من يجب عليهم دفعها. وإن لم تُدفع تعتبر من باب (قطع الوجه)، أي الاستهتار بكل أعراف تلك المحاكم وما يئول إليها من تبعات.

وقد كانت تلك الأمور تتم بمصادرة أموال من يقع عليهم الحق، أو ذبح مواشيهم، أو حرق مزروعاتهم، هذا قبل أن تتشكل العلاقة بين الحكومات المدنية والقضاء العشائري.

كيف يتم اختيار القضاة العشائريين؟

في منتصف السبعينات من القرن العشرين، تم في الأردن إنهاء الإجراء القضائي العشائري رسمياً، أي لم تعد الحكومة الأردنية تتدخل في توجيه هذا المنحى. ولكن هذا لم يجعل العشائر الأردنية من الاستمرار في إجراءات تنصيب القضاة أو الاتفاق عليهم.

كما لم تحل ظلال الاحتلال الصهيوني لصحراء النقب (بئر السبع) من الإبقاء على طقوس اختيار القضاة العشائريين.

لكن كيف؟
انه مبدأ (ثلاثة من خشم تسعة) أي أن يتم اختيار تسعة قضاة ثم يتم حذف ستة منهم ليبقى الثلاثة وكأنهم الهيئة العليا للقضاء العشائري، وقد غضت السلطات الحكومية النظر عن تلك الإجراءات طالما أنها لا تمس بالأمن الوطني، وطالما أنها تسهم في استتباب الأمن بين ربوع المناطق البدوية، وحتى الريفية.

يتبع


ابن حوران 07-09-2009 02:07 PM

الاستدلال في تسيير المحاكمات القضائية العشائرية

لم يكن للقضاة العشائريين وسائل معينة كالتي في أيامنا الحاضرة من فحص حامض نووي وتتبع البصمات الخ من مهام المختبرات الجنائية.

وكان تحصيل الحق يعتبر أهم من قيمة المختلف عليه مادياً، فقد شاهدت عدة مرات، أحد سكان قرية (كودنه ـ في الجولان المحتل ـ قبل احتلاله) يكلف أشخاصا لتقفي أثر سرقة بعض مواشيه، وكانت مصاريف من يكلفهم تفوق عدة مرات قيمة ما سُرق له.

ولتجميع الدلائل التي تثبت الحق عدة طرق عن العشائر، ومعظمها تعتمد المنطق الفطري في الاستدلال، لنتأمل تلك القضية التي أوردها الدكتور عبادي في كتابه القضاء عند العشائر الأردنية صفحة 369ـ370 وقد سبق الإشارة لهذا الكتاب:

في الخمسينات من القرن الماضي وقع الزنا في إحدى فتيات إحدى العشائر، وذهب أهلها الى قاضي عشائري وسأنقل الصيغة باللهجة التي قيلت بها:

(( يا قاضي وأنت تذكر الله، ويش عندك (أي ماذا عندك من عقوبة عادلة ضد الشخص) بالرجل اللي استغصب (اغتصب) إنثانا (ابنتنا). وخافت من الفضيحة ومن أهلها، ويوم فضحها بطنها (أي ظهرت حبلى)، راحت لأبو الولد واشتكت له عن اللي ساواه ولده بها، لكن أبوه طردها، وقال: روحي يا مره لا ترمينا ببلاكِ الذي بك، وبعدها راحت على عم الولد، فقال: قوطري لا تبلينا (أي اذهبي لا تفتري علينا). ويوم شافت ما عندهم فرج توهدنت الدولة (أي لجأت الى الدولة)، حيث اعترف الفاعل جدام (أمام : قدام) المحافظ قرار ما به إنكار. وهذه حجتي حجة الرجل البليم عند الرجل الفهيم))

لكن كبير المدعى عليه، قدم حجة دقيقة ومختصرة، حيث قال: (وش لك بالعري البري اللي ماله عندها مدور) ومعنى تلك العبارة: أيها القاضي، ماذا تحكم على شخص بريء مما ألصق به من اتهام، عار من أي ثوب للفضيحة يراد إلصاقه به.

تظهر في القصة ضعف حجة ذوي الفتاة المجني عليها، حيث أنهم لم يقتلوا الفتاة لتقوى حجتهم في المطالبة بالحقوق العشائرية، كما أن ادعائهم بأن الزنا قد وقع غصبا (استغصب إنثانا) يناقض قولهم بأن (بطنها فضحها) أي أن القضية بقيت ساكتة لظهور أعراض الحمل واضحة، فأين ردة فعل الاغتصاب؟

لقد فهم القاضي ضعف موقف أهل المجني عليها، ووضعتهم تلك القضية في دائرة قاتمة من الاعتبار الاجتماعي، لكن القاضي لا يريد أن يفقد حكمته التي ستغلق دائرة المشاكل، فاقترح زواج المدعى عليه بالمجني عليها، بمبلغ 300 دينار وإن طلقها عليه دفع 200 دينار، كأنه يريد أن يقول لذوي الفتاة (عيبك أصبح في جيبك).

مظاهر الأدلة

1ـ الاعتراف: في كل القوانين المدنية والشرعية والعشائرية، يكون الاعتراف سيد الأدلة. لكن في القضاء العشائري قد يكون الاعتراف للتغطية على جريمة أخرى أو لتبرئة فاعل آخر كأن يكون شيخا للعشيرة أو ابنا لرجل مهم. فلا يؤخذ بالاعتراف إلا في حالة واحدة وهو أن يكون المعترف على شفير الموت حيث تعتقد العشائر أن تلك اللحظات هي أكثر اللحظات رجاءً من الله وتقرباً له، فلا يعقل أن يكذب من يعترف بها.

2ـ اليمين: في كثير من القضايا، تختلط الأمور على القضاة أو المصلحين فيلجئون الى اليمين. في عام 1985، قام رجل بإطلاق النار على رجل وهما جالسين في سيارة أجرة، فتم القبض على الفاعل فوراً، لم يكن الاثنان يعرفان بعض، أو على الأقل لم يكن يعرفان بذهاب كل منهما الى تلك المدينة، لقد حيرت تلك القضية الناس والقضاة، واستمرت الحيرة ست سنوات، حيث وضع الفاعل في المصح النفسي، بعد إنكاره عن فعلته أو علمه بأن هناك من قُتل، وأخذت الظنون الناس الى وضع الاحتمالات، بأن الاثنين قد وجدا كنزا واختلفا، وأنهما قد تشاركا في تهريب بعض المخدرات ولم تكن قسمتهما مرضية، وعند البحث عن ماضي كل منهما لم يؤكد أحد من ذوي كل منهما أن الفاعل أو المقتول يعرفان بعض. هنا تم اللجوء الى اليمين في المسجد، وتم الصلح.

ولكن في بعض الأحيان، قد يقوم الطرف الآخر بحلف يمين مضاد ينسف ما جاء بيمين الطرف الأول، فتكون عندها الصلاحية للقاضي أن يلجأ لأسلوب المصالحة والمسامحة الخ.

3ـ العرافة: هذه تتعلق بمعرفة الأنساب واللهجات، وحتى بمعرفة سلالات الحيوانات (في حالات سرقة المواشي).

4ـ الشهود: معروف دور الشهود.

5ـ البشعة: وهي كي اللسان بقطعة حديد حارة (يد المحماسة: التي يحمس بها البن) بعد وضعها على الجمر حتى تحمر، ثم وضعها على لسان المتهم، ظنا أن المذنب الخائف ينشف ريقه فيخشى من حرق لسانه، وأن غير المذنب، يبقى لسانه رطبا فلا يخاف ولا يتأذى!

وقد ألغت معظم الدول تلك الطريقة، وأبقت على الشهود والقرائن واليمين والاعتراف، أما العرافة والبشعة فلم يعد لهما دور.




ابن حوران 27-09-2009 10:42 AM

مراسم الصلح

تختلف مراسم الصلح من قضية لأخرى ومن منطقة لأخرى. والهدف من الصلح بشكل عام هو وضع حد نهائي للقضية، وقد يتم ذلك في مراكز الشرطة أو عند الحاكم الإداري، أو في حضرة قاضي مدني (حقوقي، جزائي، أو شرعي). وقد تتم على يد مصلح (فرد أو جماعة) قبل أن تصل الى المحاكم المدنية أو حتى الشرطة، وقبل أن تأخذ مسارا عشائرياً متكاملا.

القضايا التي تُصنف على أنها من باب (القضاء والقدر) كقضايا (الخطلة: أي القتل برصاصة طائشة) أو قضايا الدهس (سيارات وغيرها) أو قضايا المشاجرات، تكون عادة أسهل من القضايا التي تتعلق بالشرف (اغتصاب، تحرش، دخول بيت دون إذن أصحابه بشكل مريب الخ) أو قضايا القتل العمد.

مقدمات الصلح في القضايا الكبرى

سبق وأن مررنا على المراحل الأولى (عطوة أمنية: والتي تأخذها الأجهزة الأمنية من المتضررين ومدتها محدودة ثلاثة أيام وثلث) وما يليها من (دخالة: أي توسط طرف ثالث يختاره أهل الجاني ويقبل به المتضررين) ومراحله التي تصنف العطوات التي تسبق الصلح، فإن اعترف أهل الجاني بذنبهم سميت عطوة اعتراف، وإن كان المسبب للأذى قد أنكر فعله وادعى أنه بريء، ولكن الشواهد العينية تشير إليه سميت العطوة ب (عطوة حق) أي أنه قد تبرئ جهات التحقيق (الحكومية أو الأهلية) ساحة المتهم. وقد يتم تجديد العطوة عدة مرات بمدد مختلفة لكل مرة بين شهر وستة أشهر، وأحيانا تطول القضية أكثر من عشرين سنة.

وقد تتخلل فترات تجديد العطوة اللجوء للقضاء العشائري، أو الاستناد لما ينتج عن تحريات أومحاكمة أجهزة الدولة، والتي تشترط إنهاء القضية بإسقاط الحق أو الوصول الى صلح عشائري يمنع تجدد الخلافات بين المتخاصمين.

عطوة الإقبال

يظهر من اسمها أنها آخر عطوة تسبق الصلح النهائي بين المتخاصمين، وتكون ثمرة لجهود الوسطاء ومشاويرهم المكوكية بين المتخاصمين لتقريب وجهات النظر، والتي عادة تكون حول شروط المتضررين من الخصومة، سواء كانت متعلقة بحجم الأموال المطلوبة (الدية) أو بطلبات معينة كإبعاد عائلة أو مجموعة عائلات من مكان سكناها الى مكان بعيد عن البلدة أو الحي (الجلوة: الجلاء).

وبعد أن يتوصل الوسطاء الى التفاصيل الدقيقة المتعلقة بكل تلك الأمور، والتي عادة ما تكون داخل غرف مغلقة وبعدد محدود جدا من الرجال الحكماء، يتم بعدها الاتفاق على موعد الصلح، ومكانه وأعداد المدعوين وشكل الصلح الخ.

تأمين الدية

تلجأ العشائر الكبيرة الى تقسيم الدية بين أبنائها (الذكور) وتكون أحيانا لصلة القرابة (أخ، ابن عم) يُفرض عليهم أكثر من أبناء العشيرة الأبعد قرابة.

وعندما يكون الجاني من عائلة صغيرة وفقيرة، يحمل راية خاصة ويطوف بها على أهالي البلدة أو البلدات والأحياء المجاورة طالبا المعونة بهتاف ذليلٍ خاص، فيقوم الناس بمساعدته حقنا للدماء.

مكان الصلح

مكان الصلح في القضايا الكبرى، يكون في أراضي المتضررين، سواء ديوان مبني بالحجارة أو بيت (شعر) أو سرادق، وعادة تكون كلف نصب السرادق والكراسي وحتى القهوة والماء وما يطلبه الطرف المتأذي على حساب مسببي الضرر (أهل الجاني)، ولكن بإدارة الدخيل (الطرف الوسيط).

ويبالغ أهل المتأذي بطلباتهم في بعض الأحيان في تضخيم مكان الصلح، ونصبه قبل الصلح بيوم أو يومين وذلك للإعلان عن أنهم في طريقهم لأخذ حقوقهم وغسل عارهم.

المشاركون في الصلح

يشترط المتأذون بإشراك وجوه معنوية معينة كرئيس الوزراء (أحياناً) أو شيوخ القبائل في مناطق محيطة بالبلدة، وبطبيعة الحال فإن الأجهزة الأمنية تكون حاضرة حضورا واضحاً تحسباً لأي طارئ.

كرنفالية الصلح

يصب أحد أفراد العشيرة المتأذية فنجال القهوة ويقول: (شومتكم بينكم) أي أنكم أنتم من تختارون من سيتكلم باسمكم، وطبعا هذا الأمر يكون متفق عليه بشكل مسبق، فيقوم من تم وضع الفنجال أمامه ويثني على مضيفيه وكرم أخلاقهم ويذكر بعض الآيات الكريمة التي تحث على الصلح، وبعض الأحاديث النبوية، ويلعن الشيطان الخ،

ويقوم ممثل ألمتأذين ويشكر الوسيط والمجتمع ويذكر مطالبهم التي تم تلبيتها في (عطوة الإقبال) ولكنه يزيد عليها كأحد طقوس الصلح، فيقوم متكلم آخر ويرجو من المتأذين تكريم الجاهة (وفد الصلح الكبير) فيتنازل عن جزء، ثم يقوم آخر فيطلب المزيد من التكريم حتى يصل ما تم الاتفاق عليه.

يتم بعضها التهليل والتكبير وقراءة الفاتحة، وشرب القهوة للجميع، ثم يدخل وجهاء وأبناء العشيرة المسببين للأذى بوضع ذليل يقودهم بعض رجال العشيرة الوسيطة، وأحيانا يضعون (عُقلهم: جمع عقال وهو ما يثبت غطاء الرأس) في رقابهم، تعبيراً عن أنهم أسرى للعشيرة المتأذية وتحت كرمهم.

تُعقد راية الصلح (راية بيضاء) تثبت على طرف عصا (رمح من القصب) ثم يهتف بعض أفراد العشيرة الوسيطة بهتاف خاص يمجد ويشكر العشيرة المتأذية ويرددون الهتاف وهم يطوفون بأرض الصلح ويحملون رايتهم ويبرزونها في عودتهم، سواء كانوا راكبين أو راجلين.

انتهى


Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.