حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   خيمة كتاب روائـع الخـواطر (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=66)
-   -   رص الكلام للكاتب المقتدر إبن حوران (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=81852)

إيناس 30-11-2009 04:28 PM

رص الكلام للكاتب المقتدر إبن حوران
 
وشوشات
(1)



الحرف لا يصنع وحده كلمة
حرفان يصنعان كلمتين
ثلاثة حروف يصنعن ست كلمات
كلما زادت الحروف حرفا تكون الكلمات أكثر


ثمان وعشرون حرفا تصنع كل كلماتنا
أنتي ثلاثون حرفا
الكلمات فيك تزيد

لكنها لا تعطيك جزءا من حقك




هل تعلمين لماذا؟
لو كنت أعلم لأخبرتك ..
وعندما أعلم شيئا .. فإن آخرين سيعلمونه

لكنني أحس بعظمتك إحساسا




لا تسعفني كل الكلمات لأن أشرحه
حتى كلماتك ..
فالسحر لا يكتب بالحروف

لكنه بالطلاسم يُكتب




والعطر لا يترجم بالحروف
ولا تصوره آلات تصوير
كذلك يكون المسحور

يحس باضطراب

لكنه لا يستطيع وصفه






يبتسم .. يضحك .. بجنون
لعله مريض .. أو لعله مفتون
من يدري

فكل ذلك ظنون




وحده فقط ..
من يستطيع فك الطلسم
وحده فقط

من يستطيع رفع الجنون




هل تعلمين من هو
انه الساحر
فإن زال سحره

الهدوء سيكون




من قال أن الهدوء مطلوب
فاضطراب النفس
يشبه بعض الفنون

الرقص اضطراب

الغناء اضطراب
الرسم اضطراب
وسحر حروفك
لا يسعه مليون كتاب




ابن حوران




إيناس 30-11-2009 04:30 PM

وشوشات
(2)




أطلقت عليها لقبا
سلطانيا
قد لا يراه الناس فيها
ولن يروا التاج فوق رأسها
ولن يروا البساط الأحمر تحت قدميها

قد يسمعون ضحكاتها
ولكني أسمع أنهارا تبث الخير

قد يعجبوا بكلماتها
وقد لا تكون الأجمل
بين نساء الأرض
وقد يتفق الجميع
على هذا التصنيف
لها

ولكن .. لا أوافقهم
قد يعمون عن رؤية خلاخيلها
وأساورها
وكل حليها الذي لم تلبس

ولكني أراه بكل وضوح

من يدري
فقد أكون أعمى
ولكني مسرور

ألم يدخل السرور
قلب الشهيد
ويتمناه المجروح

لكن جرحي
كجرح شجر المطاط
ينزف خيرا
لي ولها
فقط


ابن حوران



إيناس 30-11-2009 04:32 PM

وشوشات
(3)



هل يكون الوهم حقيقة؟
لا.. لن يكون
و قد يكون
ان قادك عطشك نحو السراب
ومت قبل وصول النهاية
فأنت مت بالسراب
والسراب مكان
فالسراب حقيقة

الخداع والوهم باطل
لكنه قد يكون حقيقة
فإن ماتت منابع السر
لكشف الخديعة
ستبقى حقيقة

لكنهم سيفشون السر
حتى بعد موتك
أو عند بعثك

وعندها لن يكون الوهم حقيقة



ابن حوران

إيناس 30-11-2009 04:45 PM

وشوشات
(4)



قلب مثقوب
ينبض بالحب مرتعشا
عندما ينساب داخله
وينكر ملامسته للحب
إذا توقف الجريان

بئر مثقوب
يظن من يراه
والماء ينهمر داخله
أنه مترع بالماء
ويجف إذا توقف الجريان

قطط تتعارك على لحمة
معلقة في صرة على حبل
قبل أن يكون هناك كهرباء
وتكون ثلاجات

يأخذ اللحم صاحبه
وقت يشاء
وتبقى القطط في عراك
تحتفظ بالخصومة لا غير

أسواق مليئة بالبضائع
يظن المتسكع في أزقتها
أن كل الموجودات فيها ملكه
يذهب للبيت خالي الوفاض

شوارع تمتلئ بالنساء
مجنون من ظن أنهن يلتفتن إليه
يهمهم بزهو فارغ
ويعود خالي الوفاض

تبقى الأسواق مملوءة
ببضائعها
والشوارع فوقها تسير
النساء

ولا يملك شيئا منها أبدا
إلا من يدفع
ثمن الأشياء

لا لوم يقع على اللحمة
ولا يقع لوم
على الأشياء
والنساء



ابن حوران

إيناس 30-11-2009 04:49 PM

وشوشات
(5)




من بين زهور البراري
استوقفته زهرة
لونها متصالح مع لون الأرض
عطرها يتمازج مع عطر الأرض

تأملها وابتسم
قد لا تلفت الانتباه
لكنها كانت منتبهة
لا تقبل عليها الزنابير

فهيبتها تجعل العابثين في حالة تراجع
لم يشأ أن يشمها
فالشم يقلل من رصيد المادة
والعطر مادة

لكنها أجبرته أن يتخلص من خوفه عليها
فاشتم رائحتها
انتشى وطرب ولم يعد يخاف
فأصبح عطرها جزءا من كينونته

كل الزهور تجف
وتزول رائحتها
والربيع ينتهي ويأتي الصيف
فالخريف

الكلام يتناقص مع طول الوقت
العمر يمضي ويؤول الى النهاية
الحقد يتلاشى
والحب يفتر

شيء واحد يزيد مع طول الوقت
الحفر في التربة
وكلنا من تراب
وحبها يحفر في قلبي




ابن حوران




إيناس 30-11-2009 04:51 PM


وشوشات
(6)




أن تشم رائحة عطر
للحظات
ثم تعود لمكبات النفايات
أو تتمتع برؤية طفل مبتسم
ثم تفاجئك آلاف الصور
القبيحة

أو تتناول لقمة مطبوخة
بعناية
وتشاهد دماء تسيل
في نشرة الأخبار

أو تمارس حقك في الانتخاب
فتنتخب جحشا أو حمار
أو يخيرونك
بين شطيرة من صراصير
أو أخرى من خنافس

أو تسمع تلاوة قرآن
في تلفاز
وتعود لرؤية النفاق
والعهر

أو ترى ابتسامة زوجتك
ورضاها
وبعد أسابيع
تكتشف أنها
مصابة بالسرطان

تتجمع حبات الندى
لتضفي على أشجار
السرو رونق

تتشابك خيوط دقيقة
لتصنع في النهاية
بيرق

تتزاحم الآهات
والزفرات
لتخرج بشكل بركان
يحرق

تتكدس أطنان الأوراق
من بيانات
ونظريات
ثم يأتي
من يُمزق

تلتهم النيران كل شيء
ولن يبقى رخ
ولن يبقى
بيدق

يعود الناس لعقولهم
فيجدونها مشوية
مسحوقة

ويخرج من رمادها
عنقاء
تستفيق وتنهض
وتخيط ما تمزق


ابن حوران


إيناس 30-11-2009 04:53 PM

وشوشات
(7)



لا ترحلي .. بل ارحلي
الحجر الساقط من جدار نذير شؤم ..
سينهار الجدار من بعده لا محالة
هكذا كان حجر سنمار

الحجر البارز في الجدار
يجعل اللصوص تتشبث به
وترتقي
فوق الجدار

تكسير رأس الحجر
يجعل الجدار من دون علامة بارزة
فقط الحجر الأسود
علامة بارزة

يطوف الحجيج حول الحجر
هناك من يومئ نحوه
وهناك من يقبله
لكنه مقدس

أما أنت فلا أود طواف الناس حولك
وسأقتل من يقبلك
أو أقتل نفسي
ستلعن الناس روحي
ولن أكون شهيدا

سيقولون متخلفا كان
أو أن غيرته عمياء
وسيقولون مُحِقا كان
رحمة لروحه في السماء

ستطوف روحي مستهزئة
مبتسمة حزينة
لقد ظلموك ولم يفهموا
أن حجر سنمار كذبة



ابن حوران


إيناس 30-11-2009 04:55 PM

وشوشات
(8)




رموه بتهمة جهله بمعرفة العسل ..
ابتسم ولم يدفع عن نفسه التهمة ..
عشق العسل لسانه ..
ولم يبلغهم بأن هناك حالة عشق بينه وبين اللسان

زعموا أنهم أولى بالعسل ..
فأقاموا عليه حراسة ..
كانت حراستهم مثيرة للتقزز
عافت نفسه العسل
وكأنه قد سقط بوعائه فأر
لكن الفأر لم يسقط ..

*****

في كليات الطب يجوعون الطلاب
ويحضرون لهم شطائر
ويجبرونهم على أكلها
قرب القمامة والذباب

حتى يتعودون ملامسة جسم المريض
بجرحه وقرفه و وسخه
دون تقزز
لكي تكتمل الرسالة

الطب يحتاج ابتعادا عن التأفف
لكي يعالج الطبيب الداء
والفأر لم يسقط بوعاء العسل
وبالعسل دواء



ابن حوران





إيناس 30-11-2009 04:57 PM

وشوشات
(9)





الكلمات هي الكلمات الأماكن هي الأماكن ... الطعام بمكوناته هو نفسه ... الأغاني بتوزيعها وكلماتها وألحانها وأصوات مغنيها نفسها... الطرقات الخطيرة بانحدارها والتوائها واحتمالية الموت فيها هي نفسها ...يحلو الطعام مع أناس ... وتعافه النفس مع غيرهم... تحلو الأماكن مع أناس ... وتصبح باهتة خاوية مع غيرهم ...

من يسلك طريق (خربة الوهادنة) قادما من عجلون ومتوجها الى الأغوار .. سيحس أنه هبط من نقطة عالية جدا، الى نقطة قريبة من أخفض نقطة بالعالم .. ولو كان يعلم عن طبيعة الطريق، لما اختار أن يسلكها، حتى لو اقتضى الأمر أن يتأخر عدة ساعات في الطريق ..

عندما أدار مفتاح سيارته، وأدار زر المسجلة، صدحت فيروز بصوتها المخملي (ع هدير البوسطة ..) كان قد سمع تلك الأغنية مئات المرات قبل هذا التاريخ، وأولها وهو مسافر الى لندن من الكويت عام 1980، أعجب باحتفالية الأغنية وتراكض كلماتها ولحنها، ولكن لم تكن في نفس التأثير الذي سمعه وهو ينحدر بطريق (خربة الوهادنة) .. لم يفكر وهو يرى الطريق من الأعلى وكأنه أفعى سوداء تتلوى على ضفاف جبل عمودي تقريبا، فكانت يدٌ تعبث بشعره من الخلف تعمل عمل الترياق لسم الأفعى .. وكان اللحن الفيروزي كأنه ينطلق من حركة رؤوس الأنامل التي تداعب شعره .. كان يسترق نظرة من خلال المرآة ليرى لمعانا في عينيها ..كان بريق العينين وتقاسيم الوجه تعزف لحنا صامتا أعطى لأغنية فيروز توزيعا موسيقيا لم يخطر على بال أي ملحن.. كان مستعدا أن يقود سيارته وهو مغمض العينين ليحبس سحر تلك العينين في مخياله الحالم .. ولو كان الثمن حياته .. ولكنه كان ينتبه مع كل التواء في الطريق وانحدار أكثر، ليطيل عمر السحر ..

كم مرة زار جرش وآثارها؟ كم مرة زار قلعة (الربض) حيث كان صلاح الدين، لم تكن تلك المرات بطعم تلك المرة، كم مرة رأى شجرة (الجميلة) بأزهارها الحمراء الصارخة في الأغوار عندما كان يمر من هناك، لم تكن تلك الأزهار لها نفس الروعة، كانت تنتصب في تلك المرة وكأن أياد خفية تحملها لتقدمها لمن عبثت في شعره تكريما لقدومها ..

سأله من كان بجانبه : أين سرحت؟
فأجاب بعد أن التفت في المرآة ليجد فراغا يجلس خلفه، لاشيء .. لا شيء..


ابن حوران

إيناس 30-11-2009 04:59 PM

وشوشات
(10)





تمهلي .. تمهلي
فالشوق لا يروي حبات البذار
والعرق يكسب الأرض ملوحة
ولكنه لا يقتلها

فالنخيل أكثر الأشجار صبرا
على الملوحة ..
وسيقدر جهد صاحب العرق
ويستخلص ماء عرقه

ليتحول الى تمر لذيذ
به طعم السكر
ويخلو من أي ملوحة

تمهلي .. تمهلي
فالانتظار لا يعني التهيؤ للموت
بل هو استهلاك وقت
مع حرق للأعصاب

تزول هموم الولادة
بعد أول صرخة للوليد
لا ضمانة أن يكون سفيها
أو رجلا عتيدا

لكن وهج الشروق
يبشر بيوم جديد
وكل يوم تشرق الشمس
ويبقى وقت الشروق سعيدا

تمهلي .. تمهلي
لا تعلني وقت الحداد
فليس هناك شهادة وفاة
وليس هناك للجنازة موكبا

سينظرون نحوك بعطف كاذب
وسيتمتمون
ويتغامزون
علهم يكسبوا المراهنون

لا تستكيني .. فالوقت لا زال مبكرا
والحرب لم تنته
فالكل ينتظر
عل رهانه ينتصر

أطيحي برؤوس التردد
وانهضي من موتك
فالبعث يكفل عودة الحياة
ورب العباد أنبأهم بذلك

آمني .. أو اكفري
فلن تغيري بالمصير شيئا
لكن في إيمانك تربحين
وفي كفرك تموتين
أكثر من ميتة
ولن يكون لك إلا شهادة وفاة
واحدة .. نعم واحدة


ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:00 PM

وشوشات
(11)




استخرج صورة من ملفاته
أغمض عينيه حتى يعتم المكان
عرض الصورة على باطن جفنيه
كانت صورة لقرعة صفراء

هكذا تراءت له الصورة
لاحتجاب الضوء
ربما لم تكن صفراء
أو لم تكن قرعة

حاول أن يتعرف على محتواها
عاينها
تفحصها
كانت القرعة فارغة

كان بها ثقب
من خلال الثقب خرج المحتوى
وربما قد دخل كائن من خلال الثقب
فأكل المحتوى

سمن الكائن من أكل المحتوى
لم يستطع الخروج من الثقب
لأنه سمين
وفتحة الثقب متصلبة

تمنى بعض النور
كي يستطيع التعرف على الكائن
استعان ببصيرته
فلم يتعرف على وجه الدقة

كان في الكائن ملامح فأر
وأحيانا يبدو بملامح غول
والغول من المحال
فقد يكون فأرا قد تغول

لم يصمد كثيرا وهو مغمض
فتح عينيه
فلم يجد
إلا بقايا شبح




ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:03 PM

وشوشات
(12)



عندما يرتطم الرأس بأعلى الباب
فإن الأبواب لن تسمح بالمرور
دون ارتطام
وإن من صمم الأبواب هم من الأقزام

عندما ينتصر القزم على المارد
فإنه قد اكتشف تقنية إطفاء عينيه
الشعب مارد!
الحُكم مارد!

قد يكون من دخل الباب
عدة أقزام ارتقوا هامات بعضهم
فكانوا مشغولين في حفظ توازنهم
فانتصر عليهم القزم الحارس

الشعب قزم!
الحُكم قزم!
وكلاهما يعتقد خاطئا
أنه مارد

يكشف حقيقتهم من في الخارج
عندما يعرض صورهم القصيرة
العارية
العاجزة

يبدعون في الكلام
وفي الدعاء
وفي الصيام
ينفضون عن كواهلهم ما يدينهم

لأنهم تكلموا في الخفاء
وصاموا في العلن
وتغزلوا في الجهاد
وألصقوا الكفر بالعباد

يفطرون فيثقلون
ويظنون أنهم رزينون
في حلبات المصارعة
كلهم من وزن الذبابة

فأمام غيرهم سينسحبون
لكنهم يصرون أنهم مصارعون
فاختيارهم لخصومهم سيكون من بينهم

إن سقط أحدهم سيشمتون
وإن انتصر غيرهم سيشتكون
وبمن خارج الحلبة سيستنصرون
ولكنهم لن يخرجوا من حلبات صراعهم

لأن أسوار الحلبات عالية
وحكام الصراع وحراسه
من المـَردة
فلن يتركوهم يخرجون
ألا يفهمون؟




ابن حوران





إيناس 30-11-2009 05:04 PM

وشوشات
(13)



غادرتُ النفسَ لأرقُبها
عن قربٍ وبعين خبير
فوجدتُ النفس محتوية
لمضغٍ من نوعٍ شرير

صدر قرار عن عقلي
باستئصال كل خطير
أمسكت المبضع والمشرط
لم أنس فعل التخدير

نامت روحي ونام عقلي
من البنج بنفس التأثير
صحوت فلم أبصر شيئا
غابت مضغي عن التعبير

أوليت المهمة لغيري
جرح .. شق .. عمل كثير
عاد الوعي الى عقلي
أردت معرفة التغيير

كان الجراح شريرا
فاستأصل غير الشرير
عدت لأرمم بقاياي
لكن أخطأت التدبير



ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:17 PM

وشوشات
(14)




عند عرض مسرحية كوميدية
هناك من يلتفت الى الجالسين حول التلفاز
يبتسم وكأنه هو من قام بإخراجها

عند سماع أغنية عاطفية
يحس البعض أن من يغني يقصده
ويبني علاقة من طرفه
تجاه صاحب الصوت

بين صفحات الكتب الكثيرة
يلتقط قارئ عبارة وينسبها لنفسه
يظن أن عينا غير عينه
لم تراها

يرددها .. يستعملها .. يقولها
ويكون على استعداد للدفاع
عن ملكيتها
حتى أمام قائلها الأصلي

شكل الابتسامات تتحكم فيه قوة
تسكن في الأعماق
واحد من يستطيع معرفة صدقها
من كانت الابتسامة له

نبرات صوت المطربين تتنوع
منها للمهنة
ومنها تنبع من مصدر الابتسامة

مذاق الطعام يتنوع
منه لملئ البطن
ومنه للفن والإبداع

يكون الطعام كالابتسامة
كاللحن
كتفصيل ثوب

الأعياد يختلف نسق الاحتفال بها
منها لوقوعها بالروزنامة
ومنها للانتصار والنشوة

كثيرون نسوا طعم الانتصار
والنشوة
ولكنهم يحتفلون بالعيد


ابن حوران



إيناس 30-11-2009 05:24 PM

شظايا ذاكرة ..
(1)



أوائل شهر أيلول/سبتمبر 1959

كان اليوم الأول له في المدرسة الابتدائية.. وكونه لم يتعود أن يُرصف في مقاعد دراسية، كما أن التلاميذ الآخرين لم يتعودوا ذلك .. فكان عليه أن يلتزم بما بلغهم إياه رجل لا يلبس ملابس كملابس آبائهم، ولا يتكلم بلغتهم، فكانت الخشية من كونه كذلك، أو لأن الأطفال اعتقدوا أنه يعتمد على قوة لا يدركوا مصادرها..

وكونه التزم بالجلوس دون أي حركة، بل وقد طُلب من التلاميذ الصغار أن يشبكوا أيديهم بعضها ببعض.. فكان هذا الوضع يجعله يرى مؤخرة رأس الطفل الذي يجلس أمامه.. إنه وضع جديد .. لقد لمح حشرة تتحرك على أسفل رأس الطفل الذي أمامه إنها (قملة) كاد يختنق من الضحك .. لكنه قطع رغبته في الضحك وخطر على باله أنه قد يكون على مؤخرة رأسه (هو) ما يشبه تلك الحشرة فغارت رغبته في الضحك بأعماقه..


_______________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:26 PM

شظايا ذاكرة ..
(2)



أحد أيام ربيع عام 1956

تبعها بسنين عمره الأربعة كما يتبع (كتكوت) بط أمه. لكنها لم تكن أمه، بل كانت زوجة أخيه، كانت تزجره في كل مرة وهو لا يدرك لماذا تزجره، ولماذا كانت تحمل معها (مقلاة) ذات يد تنطوي لتطوق غطاء لها، مقلاة لم تبلى، كانوا قد حصلوا عليها إما من غنائم الحرب العالمية الثانية، أو من ممتلكات شركة (ال أي بي سي) النفطية ..

وعندما أصر على اللحاق بها وجد أنها تحضر بعض البصل المقلي بزيت الزيتون، كان يكره البصل ولا يزال .. خرج من عندها تاركا لها خلوتها .. وفيما بعد علم أنها كانت في فترة (وِحام) .. كانت تتوحم على بصل مقلي بزيت الزيتون وليس على كافيار ..


__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:27 PM

شظايا ذاكرة ..
(3)


في شتاء عام 1960

كان بعض البدو يحطون شرق البلدة .. وقد مات عندهم رجل .. فذهب أحدهم يترجى من شيخ تاب عدة مرات من غسل الموتى، ليغسل الرجل الميت، ذهب الشيخ راكبا حماره، وعندما وصل هناك رأى الميت ممددا على الأرض.. فسأل الشيخ أهل البيت .. هل سخنتم له الماء من أجل غسله؟

فأجابوا: كلا يا شيخنا .. ومن أين لنا الوقود كي نسخن له الماء؟ ثم ماذا تفرق مع الميت إذا كان الماء ساخنا أم باردا .. توكل على الله يا شيخ وقم بعملك إكراما لله ..

تناول الشيخ إناء وغرف بعض الماء من وعاء كبير في جانبه، ورشق ما في المغرفة دفعة واحدة على وجه الميت ..

فإذا بالميت يصيح بصوت عال : لِبن .. لِبن ..
ففزع الشيخ مذعورا وشتم أهل البيت : .. لعن الله أباكم على أبي من مات عندكم .. أحضروا لهذا اللعين لبنا ..

وكانت هذه آخر مرة يمارس الشيخ فيها هوايته التطوعية ..

__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:29 PM

شظايا ذاكرة ..
(4)



عصر أحد أيام الصيف من عام 1960

كانت أم محمد تتقن الاستشهاد بآيات قرآنية في حديثها مع النساء اللواتي يجلسن معها.. فكانت إذا ذكر العلاقة بين الزوجين تذكر عدة آيات عن المعاشرة بالمعروف، وإن ذكرت أمامها التباهي بالمال ذكرت بعض الآيات عن قارون وغيره .. وهكذا .. فكانت في جلساتها تجذب النساء اللواتي في مثل عمرها من الجارات ..

لكن أم عاكف التي كانت تتعجب عن القدرة التي عند أم محمد في الكيفية التي تهتدي فيها لانتقاء مثل تلك الآيات و تضعها في سياق أحاديثها اللطيفة .. فقررت فجأة أن تخوض هذا المجال وليكن ما يكن ..

جاءت أم عاكف، فبعد أن طرحت السلام وكلام المجاملة الذي يتبعه، ردت أم محمد التحية .. وبعد فاصل تستجمع به النساء قواهن لترتب جدول الحديث بعده، بادرت أم محمد بالسؤال عن عاكف وهو سؤال له علاقة بوضع سابق تعرفه كلتا المرأتين..

وحان الوقت لأم عاكف أن تجرب حظها في استخدام الآيات القرآنية في جوابها عن السؤال عن ابنها .. فصمتت لحظة ثم قالت : سورة أنزلناها وأرادت التكميل .. فانفجر الطفل ابن الثماني سنوات ضاحكا، مكتشفا بحسه عدم توفق أم عاكف في مهمتها الجديدة .. فأدركت أم عاكف أن في الأمر خطأ ما، لكن أم محمد حاولت تكسير امتداد الوقت الذي قد يفضح جرأة ابنها، فتناولت رمحا من القصب تضعه النسوة جانبها لمطاردة الدجاج الذي يتخطى عتبة الغرفة..

فتساءلت أم عاكف ببراءة مخلوطة بجهل واضح والطفل يقوم بالفرار: ما به؟ فأجابت أم محمد بلهجة مصالحة: وجهه بارد ..
__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:30 PM

شظايا ذاكرة ..
(5)




لم أتذكر التاريخ جيدا

جاء أحد أعمامه وهو المقتصد في ابتسامته .. فلم يذكر أنه رأى سنا له طيلة حياته.. جاء وجلس بالقرب من والده، حيث كان والده هو الأخ الأكبر بين خمسة من أبناء الشيخ (جده) .. وحدثه في أن يذهب ويخطب له أحد الفتيات في قرية مجاورة.. فوصفها بأنها بنت ستة عشر عاما تتمتع بجمال فائق، واستخدم عبارة (إنها تقول للقمر ابتعد لكي أجلس مكانك) ..

وكون تلك الزيجة هي الثالثة لعمه، فكان والده قليل الحماس للتبكير في الرد سواء إيجابا أو رفضا.. فترك أخاه يتحدث.. فاسترسل مادحا تلك الفتاة، فقال: إنها صاحبة دين ( مسبحتها مائة وخرزة) .. فابتسم والده ابتسامة أغاظت عمه.

فسأله عمه: ما بالك، ألن تأتي معي لخطبتها؟ ألم تعجبك مواصفاتها؟
فأجاب والده: لا لن أأتي معك ولا أنصحك بخطبتها ..
فسأله العم : ولماذا؟
فأجاب الوالد : إن بنتا بعمر ستة عشر عاما تحمل مسبحة مئة وخرزة، لا شك أنها مجنونة ..

نهض عمه وذهب ورتب خطبة الفتاة و تزوجها دون موافقة أخيه .. وبقيت عنده عام .. حتى ظهر جنونها .. فطلقها .. وصالح أخاه ..


__________________
ابن حوران



إيناس 30-11-2009 05:32 PM

شظايا ذاكرة ..
(6)




الخامس من شباط 1961 (من أيام سعد ذابح )

كانوا يتجمعون حول (نقرة) تم حفرها في جزء من مكان جلوس كبير العائلة، ولم يكن كبير العائلة كبيرا للعائلة فحسب، بل كان كبيرا لعشيرته التي لم يلحظ أحد أنه خلصها من أي شر أحاط بها ذات يوم .. كان كرمه لا يقف عند حد فقد باع 150 هكتارا من أخصب الأراضي ليتلذذ بنعيم الدنيا، وقد كانت تلك الأراضي دية والده الذي قتل قبل ثلاثين عاما .. فقد كان يسافر لمصر ليسمع ما يغني سيد درويش، وكان هو الوحيد الذي يمتلك (مكوى فحم) يكوي به ملابسه ..

كان أبناء عمه الأربعة وابن أخته وهو ابن عم له قتل وهو يحاول أخذ الثأر بدم والده، لا يكنون له مشاعر ود، ولكنهم اعتادوا على الجلوس في ديوانه بانتظام، وكونهم استنزفوا ما لديهم من قصص، فقد كان الحديث المشروع والذي يبدو جديدا، هو الحديث عن الطقس (الحالة الجوية) .. فلا بأس أن يُعاد سرد أسباب تسمية أقسام (خمسينية الشتاء) الأربعة: سعد ذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا .. فالقصة الأسطورية تقول: أن أربعة من الأخوان قد سافروا ذات يوم في الشتاء وهم يركبون جمالهم .. ولكن البرد قد قتل ثلاثة منهم، ولم يبق إلا واحد اسمه (سعد)، فذبح (ناقته) وعمل من جلدها خيمة احتمى بداخلها، لمدة 12.5 يوم، وهي الفترة التي يطلق عليها بالتقويم (الفلاحي) اسم (سعد ذابح) والتي تبدأ من الأول من شباط/فبراير وتنتهي في منتصف الثالث عشر منه.

كان هناك من يذكر تلك القصة في جو مشبَع بدخان الحطب الرطب، فلا يكاد المرء أن يميز وجه أخيه وتعابيره، هل هو منشرح لتلك الأخبار أم مستاء .. وعلى أي حال لم يكن أحد ينتظر تزكية موضوعه إن كان جيدا أم رديئا.. فالصمت قاتل ولا بد لأحد أن يتطوع لكسر الصمت، بقصة أو حتى سعال، فليس هناك من يرفع يده معترضا (نقطة نظام!) ..

لكن كبير العائلة اعترض على السرد، وأخرج (مكتوبا) قد وصل من أخيه غير الشقيق من مصر، حيث كان لاجئا سياسيا، يقول في جزء منه: أنه يستطيع أن يرى رئيس الجزائر (بن بللا) وهو يجلس في القاهرة (وكان يقصد التلفزيون) ، فاعترض ابن عمه الثالث من حيث العمر، وكان الوحيد من العائلة الذي لم يستطع القراءة، قائلا : (ضبوا هالخاير ) أي اخفوا هذا المكتوب ولا تتحدثوا فيه فإن سمع الناس ما جاء فيه سيتهموننا بالكذب ويمكن أن يتهموننا بالجنون!


__________________
ابن حوران




إيناس 30-11-2009 05:33 PM

شظايا ذاكرة ..
(7)




بداية خريف 1961

كان ابراهيم رحمه الله طفلا يافعا وجهه أصفر، لا يحب أن يسأله أحد عن اسمه، ولا يحب أن يوجه إليه المدرس أي سؤال .. وكان المدرس يعرف ذلك جيدا .. لأنه حتى لو كان السؤال عن كونه مستيقظا أم نائما .. فإن ابراهيم يدخل بنوبة بكاء وصراخ تزعج كل صفوف المدرسة ...

كان الطالب الذي يجلس بجانبه على المقعد، قد عرف عنه تلك الخصائص، فنذر نفسه للدفاع عنه ممن يريدون إحراجه ..

وفي ضحى ذلك اليوم، ودون أن يتوجه أحد بمضايقة ابراهيم بسؤاله عن أي شيء، صرخ ابراهيم باكيا، أثناء وجود المدرس (الوحيد طبعا لكل الدروس) .. فتوقف المعلم عن إعطاء الدرس، وتساءل عمن ضايقه، ولم تكن هناك إجابة، لأنه لم يكن هناك من ضايقه بالفعل ..

فاعتقد المعلم أن ابراهيم بحاجة أن يذهب للحمام .. فطلب منه الذهاب للحمام، فرفض ابراهيم وقد رفع من نبرة صراخه .. فاستعان المعلم بالتلميذ الذي بجانبه وهو صديق له (مع وقف التنفيذ) .. فأقنع التلميذ صديقه ابراهيم بأن ينهض الى الحمام ورافقه الى هناك .. لم يكن حماما بل كان غرفة مهدوما سقفها، وهي جزء من (خرابة) تجاور المدرسة ..

عندما دخل ابراهيم الغرفة اشتد صراخه .. وتناول حجرا وضرب به صديقه، ولكن صديقه لم يبتعد بل أصر على البقاء قربه، مع اعطاءه فرصة بالاختلاء بنفسه .. لكن ابراهيم استمر بالصراخ .. فاسترق صديقه نظرة ولكنه لم يجده في وضعية من يقضي حاجته، فعاد راكضا للمعلم ليبلغه .. فطلب منه المعلم أن يرافق ابراهيم لبيته .. ففعل ..

وفي البيت زاد نحيب ابراهيم .. الذي هرعت أمه لتنزع سرواله وتستعين بأداة من حديد لإبعاد (عربيدين ) من الإسكارس .. وهي ديدان بيضاء اللون طولها أكثر من قدم ..

لم يعد ابراهيم منذ ذلك الوقت الى المدرسة، وتلقى صديقه نبأ وفاته بحادث سيارة في لبنان في الثمانينات ..


__________________
ابن حوران




إيناس 30-11-2009 05:35 PM

شظايا ذاكرة ..
(8)



صيف 1966

عندما فتح لها ابنها (محمود) باب السيارة، كان عليها أن تكيف طولها المتوسط، أصلا، وتنحني بشكل جانبي لتجلس في السيارة، ولكنها تمنعت في البداية و تمتمت ببعض الكلمات غير المفهومة، وكان تمنعها كتمنع (ناقة) عاشت في الصحراء، واشتراها أبناء ريف ليذبحوها في عيد الأضحى، فهي لم تتعود الدخول من خلال بوابات لها أضلاع ثلاثة لتحصر ما بينها من فضاء يعلو الأرض ..

لم تكن أم محمود ذات السبعين خريفا، قد قامت بمغامرة لركوب السيارة قبل ذلك، ولم تكن تغادر قريتها قبل ذلك التاريخ، وقد كانت عينة من ناس كثيرين، كانوا يتصوروا حدود الكرة الأرضية أو الأرض، على بعد ما ترى عيونهم فقط، فكانوا عندما يلمحون تلالا رمادية تلتقي مع الأفق، يتهيأ لهم أن هناك حافة حادة تفضي الى المجهول .. لم يشغلوا بالهم كثيرا عن موجودات ما وراء الحافة ..

بعدما تيقن محمود من جلوس والدته العجوز في الركن الأيمن من المقعد الخلفي، دار من الباب الأيسر، فجلس الى جانبها، وفسح مجالا ليجلس شاب يافع في الركن الأيسر من المقعد الخلفي. كان السائق، الذي يضع (حطة) بيضاء على رأسه وثبتها بعقال رفيع، يميل برأسه يمينا ويعود بعد قليل ليميل به الى اليسار، وكأنه يريد إخبار الآخرين أنه ليس نموذجا من نماذج متحف الشمع، ولا أظن أن ذلك قد خطر بباله، لأنه لم يكن على علم بمتاحف الشمع.

توقف عند الباب الأيمن للمقعد الأمامي شخصان، تبدو عليهما إمارات العز (في ذلك الوقت) .. فقد كانا يرتديان (بدلتين ) مكويتين مع ربطتي عنق، وقد صففا شعريهما بطريقة متقدمة عما كان منتشرا في ذلك الوقت، وقد يكونا موظفين أو رجلي أعمال، ينويان السفر للخارج، كان لون بدلة أحدهما زرقاء غامقة ولون بدلة الآخر خضراء زيتية. حاولا تكريم بعضهما في الدخول، وقد يكون التكريم ناتجا عن تبييت النية لدى كليهما بالحظوة بالجلوس الى جانب الشباك. كان العطر الذي يضعه أحدهما يتفوق على العطر الذي يضعه الثاني، لكن العطرين اتحدا في رسالة موحدة، اندمجت عند وصولها لأنوف من يجلس في السيارة.

انطلقت السيارة عندما أدار السائق مفتاح محركها، لتنشر للحظات، موجة من رائحة البنزين التي تداخلت مع رائحة عطر من في المقعد الأمامي.

حاول السيد (صاحب البدلة الخضراء) والذي يجلس في الوسط، أن يشغل مذياع السيارة، وعندما فتحه صدر صوت (خشخشة) واضح، فأغلقه ثم أعاد تشغيله مرة أخرى.. ولكن الصوت المشَوَش لم ينقطع .. فالتفت الى صاحب البدلة الزرقاء على يمينه، وقال، إن سبب الخشخشة ناتج عن عدم إحكام وضع جهاز الراديو في مكانه بشكل جيد.. لو كان لدينا مسمارا (شعاريا) ( والمسمار الشعاري مسمار صغير جدا بطول 1أو 2سم رفيع، كان يستخدمه مصلحو الأحذية [الإسكافي] في عملهم) .. صمت وسأل صاحبه: ألا أجد معك مسمارا شعاريا؟ .. تفقد صاحبه جيوبه فأخرج مسمارا (شعاريا) .. فتناوله صاحب البدلة الخضراء ووضعه حيث أراد، فزالت الخشخشة من الراديو .. انفجر الشاب اليافع الذي يجلس خلف السائق من الضحك.. فرمقه كل من في السيارة بنظرات استغراب..

صدر صوت من أم محمود (العجوز) .. صوت مع تلوي في حركاتها، كالحالة التي تمر فيها النساء الحوامل في فترة (الوحام).. رغبة في التقيؤ، أنين، مسك لأسفل البطن، وضع اليد على الفم ..ولكن أم محمود قد عبرت سن اليأس منذ عقدين على الأقل، هذا ما أدركه السائق، الذي هدأ من سرعة السيارة، واتخذ أقصى اليمين في نية التوقف.. ثم سأل ابنها: هل تشكي الوالدة من شيء؟ ..
أجابه محمود: كلا .. كلا .. لا عليك، انطلق، فهذه أول مرة تخرج أمي من القرية..
لم تكن المسافة التي قطعها السائق تزيد عن خمسة عشر كيلومترا بعد، وأمامهم من الطريق ما يساوي خمسة أضعاف ما قطعوه .. همهم السائق، الذي خشي أن تلوث العجوز فرش سيارته، إن تقيأت، ولم يمنع خشيته ما أبقاه من غطاء من (النايلون) تضعه الشركات الصانعة على الفرش..

كانت نوبات التقيؤ عند العجوز، هي ما تقمع نوبات الرغبة في الضحك عند الشاب اليافع الذي لا زال يستحضر روح النكتة من المسمار الشعاري .. فكلما صعدت السيارة جبلا، عاودت العجوز في مناوراتها التي كان ابنها (محمود) يتعامل معها بانحناءة تجاهها، واضعا كيسا أحضره معه لتلك الغاية، على ما يبدو!

تضايق السائق، فوجه ملاحظات استنكاره لمحمود، الذي اعتذر، مبررا ما يحدث بسبب أن هذه أول تجربة لسفر والدته بالسيارات.. فأجاب السائق بحدة: وهل من الضروري أن تكون التجربة معي و في سيارتي؟ ألم يكن بإمكانك أن تدربها على السفر الى قرى مجاورة و مدن أقرب، بدلا من تأخذها في أول مشوار للعاصمة؟

كان هذا الحوار سببا إضافيا لعودة نوبات الضحك الصامت، لدى الشاب اليافع، التي كانت تتحول الى دموع نتيجة خنقه لعدم وجود من يشاركه فيه!

رغم طول المدة التي فصلت بين تلك الواقعة وهذه الأيام، فإنه عندما يتذكرها لا يستطيع أن يمنع نفسه من الضحك ..فكيف يوجه رجل وقور يلبس ملابس أنيقة ( ويتابع الأخبار!) سؤالا لصاحبه (الأفندي) (هل أجد معك مسمارا شعاريا؟) .. إن السؤال وحده مثير للضحك.. ولكن رد صاحبه بالإيجاب كان أكثر إثارة للضحك..

__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:37 PM

شظايا ذاكرة ..
(9)




وقعت في الخمسينات من القرن الماضي .. لم يعد يذكر، هل شاهد القصة بأم عينه أم أنه سمعها في حينها ..

كان سالم الخلف يعمل بحياكة (الطواقي) (جمع طاقية ..غطاء للرأس) و(اللكاليك) وهي جوارب من صوف يلبسها الناس في أيام البرد .. وكانت امرأته (وطفة البركات) تقوم بمداواة الناس بطرق قديمة، باستعمال الأعشاب، أو مواد مستوردة من الحجاز والهند وعُمان مثل (العنزروت والمرمكة والسنامكة وغيرها) كانت تحتفظ بها بطيات غطاء رأسها (العصبة) التي لو فردتها لامتدت عدة أمتار.. كان الناس يتعرفون على وطفة دون أي يرونها من خلال الروائح النفاثة التي تنبثق من غطاء رأسها ومن على بعد عشرات الأمتار..

كانت لحيتها مدققة بوشم أقرب للون الأخضر بنقاط واسعة لكل ضربة وشم تتسع لاحتواء حبة عدس، وكانت تبدو لمن يراها كأنها مخلوق من العهد السومري نسيه الموت .. وفوق ذلك كانت تحمل معها علبة تحتفظ بها ببعض التبغ و دفتر لورق رقيق تصنع بواسطة أوراقه لفافات من التبغ تدخنها عندما تنزل في ضيافة ناس، أو تحل غصبا عنهم في ضيافتهم .. كانت قليلة المكوث في بيتها، وزوجها (سالم الخلف) لا تعجبه حالة غيابها عن البيت، فقد كانت تنسى في كثير من الأحيان أن تحضر له الطعام .. لكنه كان قليل التذمر والتبرم ونادرا ما كان يفاتحها بضرورة تصويب وضعها ..

في تلك الليلة، عادت (وطفة البركات) الى البيت، وكانت قد نسيت أن تأخذ مفتاح بوابة الدار معها.. وكان المفتاح عبارة عن قضيب مربع المقطع من خشب الجوز الذي اكتسب من كثرة استعماله وحمله، لونا بنيا متسخا، وأصبح سطحه مصقولا فوق صقل من صنعه.. وقد ثبت في رأسه قطع من معدن مصقول ومبروم .. فعندما يتم إدخال هذا المفتاح العجيب في مجرى بمغلاق الباب، فإن القطع المعدنية ستتلمس طريقها لتستقر في ثقوب تم عملها لتتلاءم وطريقة صف القطع المعدنية .. وتثبيتها بتلك الطرق العشوائية، هو ما يصعب استعمال مفتاح محل آخر ..

طرقت وطفة الباب منادية على سالم ولكنه لم ينهض ولم يفتح لها الباب، حركت قطعة في البوابة سمح لها تحريكها برؤية سالم يجلس قبالة البوابة ويحيك شيئا بيده .. فصاحت بأعلى صوتها: يا سالم .. يا سالم .. ولكن سالم لم يكلف نفسه بالرد عليها .. فأخذت تصيح ويعلو صوتها في كل مرة، حتى اجتمع حولها بعض الجيران، ورأوا بأعينهم ما رأت .. فصاحوا : يا سالم يا سالم .. ولكن سالم لم يحرك ساكنا .. فقرروا خلع الباب وكسره .. ففعلوا ..

وعندما دخلوا عليه، واستنكروا تجاهله لصياحهم .. قال لهم : أنتم تصيحون على سالم الخلف .. وسالم الخلف أخذ علبة التبغ وخرج ليسهر، أما أنا فلست إلا (وطفة البركات) .. علي الطلاق يا وطفة لن تعودي لي امرأة فطلقها في ساعتها ..


__________________
ابن حوران



إيناس 30-11-2009 05:38 PM

شظايا ذاكرة ..
(10)



في أوائل الستينات بعد سنتين من سنين القحط

كان الناس في الأرياف، إذا ما تتابعت سنون القحط، يلجؤون الى تدابير صارمة في تقنين استهلاكهم للغذاء، الذي لم يكن موجودا أصلا، فمن كان لديه القليل من القمح أو الشعير، يطحن منه ويأكل هو وعياله باقتصاد شديد .. فالكل قد دخل في خطة (حرب البقاء) ..

ومن الطبيعي أن تظهر أعراض، لمثل تلك التدابير، قد تطال المواليد الصغار فيموتون لندرة الحليب في أثداء أمهاتهم. وقد تطال الكبار، فتظهر عليهم علامات الهزل، والضعف وارتباك السير أو الإنهاك المبكر من أي عمل بسيط، وقد تظهر عليهم علامات (العشى الليلي) وهي عدم القدرة على الإبصار في الظلام، أو حتى في النهار .. وهذا ما حدث لمسعود ..

ذهب مسعود الى جدته متلمسا طريقه، وحدثها بعدم قدرته على رؤية أي شيء، فهرعت الجدة الى ابن عمها (فرج) وكان شيخا قد مر عليه الكثير من تلك الحالات، وله بعض النوافل التي تشهد بحكمته الصحية، وحتى لو لم يكن له فالخيارات قليلة أمام من أراد أن يعالج حالة كحالة مسعود ..

ابتسم الشيخ (فرج) ومسد على لحيته البيضاء، وطمأن العجوز (ابنة عمه) .. أن الأمر مقدور عليه .. وهي عبارة يستبشر منها الخير كل من وقع بكرب.. قال الشيخ ائتوني بنصف رطل من (السمرة) وهي (كبد الجمل) .. وقطعوها (14) قطعة .. وضعوها في (صينية) وأدخلوها الفرن ولا تجعلوها تستوي كثيرا، بل نصف استواء ..

فعلت العجوز ما أمرها به (أبقراط) (فرج) .. ونادته وهو الجزء الأهم من وصفته التي لن تتم إذا لم تكن تحت إشرافه!

جلس الشيخ مرتكزا على عجزه، جامعا ساقيه بين يديه، وأمر مسعود أن يجلس كجلسته، مسندا ظهره الى ظهره، فأصبحا كأنهما تمثال حجري من العهد الكنعاني القديم .. فأمر بإحضار الصينية وما تحويه من كبد مشوي نصف شية، فأخذ يتناول قطعة من الكبد ويعطيها لمسعود، قائلا: هذه لك .. ويتناول قطعة ويضعها في فمه (هو) .. حتى انتهيا من أكل الكبد ..

عندما يتذكر مسعود تلك القصة، ويحلف: والله يا أخوان لم تمض نصف ساعة حتى أصبحت أشوف من على بعد كيلومترات .. ويصمت مسعود قليلا، ويقول: لكن ما لم أفهمه، هو ما علاقة أن يأكل الشيخ (فرج) نصف الصينية بموضوع شفائي مما كنت فيه!

__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:39 PM

شظايا ذاكرة ..
(11)



منتصف شهر تشرين الثاني نوفمبر 1970

لم يبدأ سنته الجامعية من أولها، بل أتى قبوله متأخرا في جامعة الموصل، وكان ذلك في رمضان، وكان عليه أن يذهب لتناول طعام الإفطار في مطعم (الزوراء) حيث يذهب زملاؤه من الطلبة العرب.. وقد لاحظ ازدحام الزبائن بشكل لم يلحظه من قبل .. لدرجة أن كان على بعضهم الانتظار حتى يكمل آخرون تناول طعام الإفطار ليفسحوا مجالا لغيرهم باستخدام المنضدة .. وقد يتأخر بعض الصائمين حوالي الساعة حتى يتسنى لهم تناول إفطارهم ..

كان (غانم) رئيس العمال في مطعم (الزوراء) هو من يسأل الزبائن عما يودون تناوله .. وكان مشغولا وهو يسرد ما عنده من أصناف الطعام في الانتباه للعمال الذين يحضرون الوجبات للزبائن .. فكان يخصص بعض ثواني لكل زبون ليعرف ما يريد، ويصيح بأعلى صوته عن الصنف الذي يجب على من في المطبخ أن يملأ به صينية الطلب، وبنفس الوقت ينتبه الى من يقف أمام المحاسب لدفع ثمن طعامه ويبلغ المحاسب بالمبلغ الواجب أخذه من الزبون .. كان (غانم) لا يطيل المكوث مع أي زبون يتأخر في إبلاغه عما يريد، فكان كالماسترو الذي يقود فرقة موسيقية، عليه الانتباه وتقنين الوقت بشكل جيد ..

عندما وقف (غانم) فوق رأسه يسأله عما يريد، حاول أن يتحذلق ويسأله بلهجة عراقية مكسرة وغير متقنة (شكو عدكم عيني؟) فأجاب غانم بسرعة البرق ( قزاطمة، دولمة، بتيتا جاب، كريم جاب، جلفراي، قوزي الشام، قوزي على تمن، يابسة، تبسي، قص على تمن) لم يفهم من كل تلك الأصناف أي واحد، ولكنه تذكر آخرها قص على تمن فطلبه .. فصاح غانم: وصار عندك ثلاث قص على تمن..

وفي اليوم الثاني تكررت المسألة، فسأله بنفس الطريقة السابقة فأجاب غانم بسرعة البرق كما في المرة السابقة ( قزاطمة، دولمة، بتيتا جاب، كريم جاب، جلفراي، قوزي الشام، قوزي على تمن، يابسة، تبسي، قص على تمن)، ويطلب قص على تمن ( وهو قطع من الشاورما توضع فوق طبق الرز ومعها صحن به مرق الطماطم) .. فيصيح غانم : وصار عندك أربعة قص على تمن .. حيث كان قبل آخر طلب ثلاث طلبات أخرى ..

وهكذا حدث في اليوم الثالث والرابع .. وصاحبنا كان بوده أن يتذوق الأصناف الأخرى، ولكن لضيق الوقت والخوف من أن يتجاهله غانم، كان عليه أن يسرع في الطلب ويطلب (قص على تمن) ..

لم يعد غانم يسأله في الأيام التالية عن طلبه، فعندما يلمحه قادما، ويكون لديه طلبان من (القص على تمن) فإنه يبادر لتبليغ من في المطبخ بصوت عال : وصار عندك ثلاثة قص على تمن ..

وهكذا أنهى رمضان بصنف واحد من الطعام وهو (القص على تمن) ..


__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:41 PM

شظايا ذاكرة ..
(12)



لا تاريخ محدد لتلك الشظية

يستحيل على أصدقاءه أو من تعرف عليه في مناسبة ما، أن لا يسرد كل ما سأسرده عن (نعمان) بتواصل .. ويستحيل على من يريد إعادة إنتاج صورته وهيئته، أن يتذكره إلا بأنف محمر لامع، وكأن الزكام لا يفارقه نهائيا، كان اللمعان والحمرة تتفشى على جوار أنفه وأسفل خديه، وأطراف ذقنه المحلوق بنعومة مستمرة ..

عندما ذهب لدراسة الهندسة في جامعة دمشق، رجع ببعض المشاهدات الغريبة. عندما كان يرويها بصوته الخافت والذي كانت تختلط الحروف فيه بفعل الرشح المزمن، كان الجميع يصغون لتمييز مخارج تلك الحروف، لينعموا على إثرها بحكاية لم يستطع ـ حتى من تعرف عليه بعمق ـ أن يتوقع نهايتها ..

قال: اشتكيت من ألم في بطني .. فراجعت طبيبا، فكان تشخيصه لي أنه يشك في وجود ديدان معوية تعيش في أحشائي.. يتوقف عندها .. ثم يضيف : كنت أذهب الى المطعم وأطلب طبقا من الرز والفاصوليا البيضاء، وعندما أتأكد من أن الدود قد شبع .. أطلب لنفسي طبقا من اللحم المشوي!

ويحكي قصة أخرى، يقول : كنت أذهب الى كازينو لبنان في بيروت، في نهايات الأشهر، وفي مرة من المرات كنت أجلس أتناول عشائي، فكلما رفعت رأسي لأنظر أمامي تصادف عيناي وجه رجل يبتسم لي، فأبادله الابتسامة، وأتساءل: من يكون هذا الرجل؟ قد يكون معلم في مدرستي الابتدائية ولم أتذكره. ثم أعاود إكمال تناول وجبتي وتتكرر الابتسامة من الرجل، فأقلب ذاكرتي .. من يكون؟ قد يكون رئيس بلدية قديم وقد نسيته .. وتكررت الابتسامات والتساؤلات واحتمالية من يكون .. حتى استعنت بمن كان يجلس جانبي، فسألته أتعرف ذاك الرجل؟ فأجاب على الفور: إنه فريد الأطرش!

كان المهندس(نعمان) لا يبذل جهدا هندسيا هائلا، فقد عمل بكل شيء عدا الهندسة، وكانت أرباحه من أعماله كبيرة جدا، فقد روى أنه ربح ما يقرب من العشرين ألف دولار من عمل لم يكلفه أكثر من خمسين دولارا، حيث نفذ مكانا لاستراحة من قصب البردي حرق أطرافها بخدعة (ديكورية) .. كما أنه عمل بالأطراف الصناعية وربح منها أرباحا طيبة .. كان لا يمكث بعمل بعينه طويلا، فما أن يكتشف أن هناك من أسس مصلحة عمل تشبه مصلحته حتى يترك تلك المصلحة وينتقل لعمل آخر، استطاع أن يبني (عمارة) من ستة طبقات في موقع هام، فأصبح دخله عاليا جدا، وقيمة العمارة زادت عن مليوني دولار .. ومع ذلك كان يردد لأصحابه بأنه رجل (تافه) لا أحد ينتظره حتى زوجته وأطفاله .. ويبالغ في القول : (لو أنني أتحلل وأصبح نفطا لما افتقدني أحد!)

من قصصه التي حفظها عنه أصدقائه، أنه عندما كان في قريته (قبل الكهرباء)، كان في القرية (كلب أحمر) عرفته القرية بشراسته وخاف منه الأطفال وحتى الكبار .. فيقول : بليلة خرجت من سهرة عند أصحابي، فداست قدمي بطن (الكلب الأحمر) الذي كان مستغرقا في نومه، فذعر الكلب هاربا وترك عادة إخافة الآخرين .. فلما رأيته بذعره هذه .. صحت فرحا .. أي أنا من زمان وأنا أشتهي أن أدوس بطن هذا الكلب!

وقصته الأخيرة التي حكاها لأصحابه: أن امرأته سمعت صوتا في الليل، فتأكدت أن لصا يحاول سرقة الملابس المغسولة والمنشورة على الحبل .. فأيقظت (نعمان) .. فأجابها أن تحضر بنطلونه والقميص الأبيض وربطة العنق الحمراء والجوارب الرمادية .. كانت امرأته تستغرب منه تلك الطلبات وتستنكرها عليه حاثة إياه على الإسراع بالخروج واللحاق باللص قبل أن يسرق كل شيء من على حبل الغسيل .. في حين ظل يصر هو على طلباته حتى تأكد أن اللص قد أخذ ما يريد وولى هاربا .. في صباح اليوم التالي اكتشف هو وجيرانه أن أحد جيرانه اعترض اللص في الليل، فضربه اللص بسكين كان يحملها في أسفل عنقه .. وأن جاره لا يزال في العناية الحثيثة .. يكمل حديثه بابتسامة كأنه نموذج عن (بابا نوئيل) ولكن بدون (لحية بيضاء) .. ويضيف (مو قلة عقل لو تصديت للص و شمطني سكينا من الخاصرة للخاصرة .. مشان شوية هدوم؟) ..


__________________
ابن حوران


إيناس 30-11-2009 05:42 PM

شظايا ذاكرة ..
(13)



خريف 1972

المكان: الموصل/ حمام العليل/كلية الزراعة والغابات/مختبر الآلات الزراعية

دخل المحاضر الدكتور بولتن ومعه مساعده أرمني اسمه (كراكين) .. جلس الطلاب قباله، فيما بدأ هو يتكلم ويخط بعض الرسوم على اللوح، وكراكين يساعده في إيصال المعلومات للطلاب ..

فجأة برز أحد الطلاب ولم يكن كالطلاب أو الأساتذة فكان يفوق متوسط عمر الطلاب بعشرة أعوام على الأقل .. ولم يلتزم بالزي الموحد المكون من بنطلون رمادي وسترة زرقاء غامقة .. وعلا بصوته (سير .. سير Sir.. Sir) انتبه المحاضر الكندي على صوته وتفاجأ كما تفاجأ الطلاب به أيضا .. فهي أول مرة يجلس مع الطلاب في محاضرة ..

أجابه المحاضر بسؤال ماذا تريد؟
فأخبره الطالب بأنه (Parallel) وهذه الكلمة معناها بالعربي متوازي (الأضلاع) وهي كلمة علمية .. والعراقيون عندما يتضايق أحدهم من شيء خصوصا إذا احتاج الذهاب للحمام، فإنه يقول (متوازي) ..

لم يفهم الكندي ماذا كان يعني الطالب على وجه التحديد فسأله عن اسمه؟
أجاب الطالب : (My name is double) كان يقصد أن اسمه مثنى!

زادت حيرة الكندي فسأله: هل أنت طالب في هذه الشعبة؟
فأجاب : (Yes I am precipitate from the last year ) كان يقصد أنه راسب من السنة الفائتة .. وفعلا لقد كان مثنى من الطلاب القلة الذين استفادوا من أي قانون يبقيهم في الجامعة مدة أطول

ولما كان اللفظ precipitate يعني بالرواسب الكيميائية فقط، فإن الكندي شق عليه الفهم في الإجابات الثلاثة .. متوازي .. دبل .. مترسب .. فطلب من الطالب أن يفعل ما يشاء .. في حين غرق الصف في موجة من الضحك لم يستطع لا الكندي ولا الأرمني أن يفهم لماذا.. فالكلمات إنجليزية ولكن ماذا تعني؟؟

__________________
ابن حوران



إيناس 30-11-2009 05:44 PM


شظايا ذاكرة ..
(14)




للتطبيع ذاكرة

صيف 1966

كان الحاج فالح يغيب عدة أسابيع خارج البلاد، ورغم تقدمه بالسن إذ كان يقارب الثمانين عاما، لكنه كان يصر على أنه قادر على القيام بعمله جيدا، ولكنه كان أحيانا يقع ضحية بعض الخدع التي يقوم بها من يتعاملون معه..

أحضر معه بعد غيابه، أربعة بغال ذات أجسام قوية وعيون لامعة، فكانت بعمر فتي، وكان الجميع يستغربون كيف لهذا الرجل المسن أن يركب واحدة من تلك البغال ويقود الأخريات لعدة أيام، ويوصلها من مسافة سير طويلة تصل عدة مئات من الكيلومترات .. لكن زوجته وبعض أولاده كانوا يعرفون جزءا من الحقيقة ..

بعد وصوله بعدة أيام، كانت البغال تغير من طباعها بشكل جذري، فإن اقترب منها أي كائن حي سواء كان من البشر أو حتى طيور الدجاج و(الحبش) فإنها تشغل قوائمها الخلفية بالرفس العنيف، فتؤذي أو تقتل من تصيبه .. وعندما تشتكي زوجته من تلك الحالة، يضحك حتى تنزل دموعه على لحيته البيضاء.. وعندما يسألونه عن سبب الضحك، يجيب بعد أن يهدئ موجة الضحك فيقول: لقد كنت ضحية لهؤلاء الملاعين الذين باعوني تلك البغال.. ويبدأ بالشرح: بأنهم قد قاموا بغلي ثمار التين المجفف (القطين) وأذابوها بكمية من الماء وقدموها لتلك البغال، فيبقى أثر تخديرها لمدة أسبوعين على الأقل!

يفتش عن ابن أخيه العنيف، ويطلب منه (تطبيع ) تلك البغال، كان (ابراهيم) يأخذ البغلة، الى مكان خارج البلدة، ويربط برقبتها حجرا طوله أكثر من طول البغلة ورقبتها .. ودون أن يضع على رقبتها ما يمنع من احتكاك حبل الليف الخشن المربوط بجهتين من طرفي البغلة، كان ثقل الحجر يقارب نصف طن، وكان يقف على بعد آمن من البغلة، فيضربها بأداة مرنة رفيعة طويلة كان اسمها (شوحط)، فتسقط ضربات تلك الأداة على أذني البغلة، فتقاوم بقائمتيها الخلفيتين، دون جدوى، فتضطر الى الخنوع و الطاعة، ولكنه لا يتركها، فعندما يتأكد أنها أصبحت ذليلة يتحرك نحو أنفها أو أذنها ويعضها بأسنانه ..

كانت البغلة الفتية، عندما ترى إبراهيم بتلك الحالة، تبول (خوفا) .. فينظر الى ابن عمه الصغير ويقول له : هيا اركبها واذهب بها الى الدار .. فيركبها بعد أن يزول خوفه منها .. فتصبح البغلة (مُطًبًعة : أي تم تطبيعها) ..

__________________
ابن حوران



إيناس 30-11-2009 05:51 PM

الى أين ذهبت؟


لمحها تمشي مشيتها المعتادة لها وغير المعتادة لغيرها .. بجسدها النحيل الممزق والمرقع في سبع عمليات جراحية .. كان يشاهد برنامجا تلفزيونيا مع أصغر أفراد عائلته .. خرجت تحيتها على غير عادتها، خالية من تشويش البحة التي رافقتها طيلة ثلاثين عاما .. (السلام عليكم) .. رد عليها التحية .. فارتمت على الأريكة .. ونظرت الى سقف صالة الجلوس وتجمدت نظرتها .. فهُرع مع ابنته الصغرى ذات الست عشر ربيعا .. وضع يده على حافة خدها العظمي .. وسألها بقلق : (ما بك حبيبتي؟) .. لم تجبه .. أبقت عينيها مسمرتين في لا شيء .. وبدأ بريق عينيها يتلاشى بسرعة هائلة .. وأنفاسها تتباطأ .. حاولت ابنتها الصغرى الصراخ .. فطلب منها إحضار قليلا من الماء والكولونيا ..

لم تكن المرة الأولى التي تمر بها بتلك الحالة .. لكن المرات السبع الأول، كانت تمسك بيده وتوصيه ببناتها الأربع وولديها .. هذه المرة مختلفة .. قد لا يسعفها الوقت لتوصيه بشيء ..

رش بعض الماء البارد على جبينها ومسح به على وجهها .. فانتفضت بقليل من الحركة .. كانت ابنته الأخرى تدعك أنفها بقليل من الكولونيا .. وولدها يتصل بالإسعاف ليحضروا سيارة لنقلها الى المستشفى .. لم يشأ أن يبلغ ابنه بعدم الاتصال .. رغم معرفته بعدم جدوى ذلك .. لكن الوقت كان قبل العصر .. ولن يستطيع إكمال مراسم الدفن والصلاة عليها في المسجد ..

حضرت سيارة الإسعاف .. فنزل شابان منها .. وتجمع أكثر من عشرة أفراد من الأقارب .. تحسس أحد الشابين نبضها .. ولم يقل شيئا .. حملوها على نقالة وأدخلوها سيارة الإسعاف .. جلس قريبا منها .. يصلح من اهتزازات رأسها إثر سرعة السيارة ..

دخل الطبيب الأخصائي المناوب في فترة العيد .. فحصها وتطلع الى زوجها .. كان زوجها يعرف ما سيقوله الطبيب على وجه التحديد .. رغم أنه لم يكن يصدق ما كان يقوله الأطباء في السابق .. فقد أخذه قبل عشرة سنوات أكثر من طبيب وبلغه : (أن الأعمار بيد الله .. وفرصتها بالبقاء ضئيلة) .. توفي ثلاثة من أمهر أطباء القلب الذين بلغوه بذلك وبقيت هي ..

سأل الطبيب عن الإجراء الذي سيقوم به بعد ذلك .. فأجابه: بأنهم سيضعونها بالثلاجة لليوم الثاني ..

عاد للبيت بدونها .. فرأى جمعا غفيرا من النسوة اللواتي يندبن .. وكثيرا من الرجال الذين يعزونه ويباركون صبره، تلك السنين الطويلة، كانت تجبره بعض الدموع على الانسياب من عينيه، فيداري حزنه بالتحايل بالابتعاد قليلا لمسحها دون أن يلحظه أحد ..

لقد رحلت دون أن تسمع منه كلمة ضجر أو تبرم .. وكانت قد أخبرت أختها قبل يومين من العيد أنها تتمنى الموت رحمة بزوجها وأبنائها وبناتها ..

كان تعامله مع مرضها صبورا، ولم يتوان عن نقلها الى أي مكان فذهب بها الى لندن حيث أجريت لها أولى عملياتها السبع في (أولد برمتون) .. ولكن الى أين ذهبت؟

لقد انتقلت من مساحة حواسه المباشرة، فلن يعود يراها أو يسمع أنينها الذي كانت تقتصد به احتراما لمشاعره .. وحطت في حواسه غير المباشرة .. لتكون متخفية وراء ملامح وجوه بناتها الأربع وولديها ..

عادت ابنتها الكبرى مع طفليها من (قطر) في اليوم الثاني .. ليصبح هو أمام ابنته الشخص الواجب الاهتمام به ومواساته .. كان يتهرب من نظرات أبنائه وبناته المشفقة .. لكن هروبه كان إليها أو لطيفها .. ولم يعد يدري، هل هي التي ذهبت أم هو ..

ابن حوران

إيناس 30-11-2009 05:59 PM

كتكتوت هو أم إنسان؟


في مكائن التفريخ يوضع بيض كثير
ليس للبيضة اسم
بل رقم من بين أرقام

يفقس البيض عن كتاكيت
لا يحمل أي منها اسما
بل يكون واحدا من بين مجموع

هناك بيض قد تلف
وتم رميه في النفايات
لن يعود أحد يذكره

يكبر الكتكوت ويذبح
ويطهى ويؤكل
يمتدح الآكلون صاحب الطعام

أو يذمون طريقة التحضير
يُنسى الأمر بعد لحظات
وينتهي كل شيء

كان إنتاج الدولة كذا
من أنتجه؟ من أوجده؟
لا يهم

عُثر على جثث مجهولة
قد تكون لعلماء
أو لصعاليك

قليلة هي الديوك
التي يُجرى عليها تجارب
وتعمل على استنباط صنف

قليلة هي الأسماء البارزة
على صفحات الجرائد
وفي الأخبار

قليلة هي الأسماء
من كل أولئك
التي تخلد في التاريخ

يتساوى المرء مع الكتكوت
عندما لا يحظى بالخلود
ستكون الحياة والموت سيان

ابن حوران

إيناس 30-11-2009 06:01 PM

تعلم التنس دون معلم



جاء بعد أن وقع بين يديه كراس يحمل عنوان (تعلم تنس الطاولة دون معلم)، فدخل قاعة بمبنى مجمع النقابات للعب تنس الطاولة. لم يمسك في حياته مضربا للتنس، ولم يلعب تنس الطاولة، حتى أنه نادرا ما كان يتفرج على من يلعبها، عرض عليه أحد المنتظرين أن يشاركه في اللعب بعد أن فرغ اللاعبان قبلهما، فوافق. تناول صاحبه الكرة الضئيلة البيضاء ووجه عليها ثقل رميته فانطلقت نحوه، وهو لا يزال يتذكر امسك المضرب بزاوية 45، واحنِ ظهرك قليلا، اجعل عينيك مفتوحتين وخيالك متيقظا لمعرفة شكل الرمية المقبلة لخصمك. خاطبه صاحبه الذي يلعب معه دون سابق معرفة، بأن يرد الضربة، لكنه اكتشف على الفور أن صاحبه ليس له عهد باللعبة، فابتسم واعتذر عن مواصلة اللعب.

تمتلئ مكتبات العالم بأنواع كثيرة من الكتب، والكراريس، التي تجعل لكل نشاط ذهني أو عضلي أو بالواسطة، قواعد وأسس. فهذا كتاب للطبخ وذاك كتاب للخياطة وآخر لكتابة الشعر وآخر للفلسفة الخ.

لا شك أن (تقعيد : أي جعل قواعد) النشاطات البشرية يوفر للناس وقتهم وجهدهم ومالهم، فلو أراد أحدهم أن يذهب لزيارة الأهرام (مثلا) وهو منقطع عن كل أخبار العالم فقد يأخذ تأشيرة لليابان أو رومانيا أو أي دولة أخرى، حتى يأتي من يساعده ويقول له : الأهرام في مصر.

لكن، في بعض النشاطات البشرية الأخرى، قد يفقد النشاط معناه ونكهته إذا أخضع بعنف للقواعد، فلو تعثر أحد راكبي الدراجات وسقط عن دراجته، وأراد أحد الصحفيين أن يجعل من هذا الحدث شيئا ملفتا للنظر، قد يقول كانت السماء ملبدة بالغيوم، والشوارع تتساءل من الذي ستحل عليه لعنة السماء إذا ما سقطت أول الأمطار على سطحي واتحدت مع بقايا الزيوت والغبار لينزلق بقدمه ويقع مغشيا عليه. إن هذا النشاط في نهايته (هذر لا فائدة منه).

في تقعيد كتابة الخاطرة وكتابة القصيدة، يؤدي هذا التقعيد الى بروز أساتذة يعرفون جيدا ما يفعلون في رصف الكلمات جنب بعضها حتى تؤدي معناها. لكن كم نسبة هؤلاء من بين المتكلمين على سطح الأرض وعلى مر التاريخ؟ إنهم بالتأكيد نسبة ضئيلة جدا، وقد عاشت كتاباتهم منذ أيام السومريين الى اليوم، ولم تعش كتابات من لم يحسنوا الالتزام بالقواعد.

أخذنا التاريخ عن الطبري والمسعودي وابن الأثير وابن عبد ربه الأندلسي، واتخذنا مواقفنا من القضايا التي كتبوا عنها، بواسطة عيونهم وعقولهم وليس بعيوننا ولا بعقولنا، وقد يكونون صادقين، أو غير ذلك، إذ قد يكونون متأثرين بما حولهم من ناقدين حكوميين أو غير ذلك.

لا يحلم المواطن الأمي باللغة الفصحى، ولا حتى أستاذ اللغة العربية، بل يحلم كما يحلم غيره، فلن ينبري له في الحلم وهو نائم (مصحح لغوي) يقول له: إن هذا من الأسماء الخمسة أو أن المثنى يرفع بالألف وينصب ويجر بالياء. ولا يتخذ رجل عجوز موقفه من خطبة حفيدته برد بليغ، فقد يرفع حاجبيه رافضا الموافقة على زواج حفيدته ممن جاء لخطبتها.

إن تواريخ الشعوب وواقعهم كتب عنها الفصحاء ومن يقعدون كتاباتهم، وإن الخواطر الجميلة يكتبها أساتذة محترفون، ولكن لا ينحصر الجمال فيما يكتب هؤلاء ولا تنحصر الحقيقة بهم.

جميل أن نلعب التنس وِفق قواعد، لكن القواعد وحدها لا تصنع لاعبين دون لعب.

ابن حوران

إيناس 30-11-2009 06:07 PM

أهمس في أذني


احتفظ بقمحك بسنابله
فتعريته تقصر من عمره
وسلقه وطحنه ينذران بفنائه
وإن عجنته لا تستطيع حفظه إلا بثلاجة
كالموتى

لا تطهو إلا لحاجتك ومن معك
فالطعام الكثير يفقد الشهية
ويسبب التخمة
والسمنة
فلا تعود قادرا على القفز

إن سخنت الطعام فقد مذاقه
حتى لو أضفت له بعض النكهات
ستتعرف على نكهة الفساد
من خلال كل ذلك
اقتصد

لا تحرر قرينتك من كل ما لا يعجبك
فإن فعلت، فلن تجد ما يكدر صفوكما
وإن كان ذلك، فلن تجد سببا لمصالحتها
وعندها تبهت أيامك
ويدخل الملل الى روحيكما

عندها لن يكون للعناق طعم
ولن يكون للهدوء طعم
وسيكون الهدوء ضجيجا
لكن في حبس
فحرر هدوءك من حبسه


ابن حوران

إيناس 30-11-2009 06:15 PM

استقوي على نفسك


استند
استقوي على نفسك
التقط بعض أجزاء ابنتك الممزقة

اتركها وانتبه لأنين زوجتك
استجب لصرخات طفلك
احذر، فالدم ينزف من كتفك

استغل ما تبقى من قوة في يدك
والتقط هويتك
فهي الأهم، في مثل هذا الموقف

تمزيق جسد ابنتك
يساوي تمزيق جسد الأمة
الذي أوصل مخالب العدو لجسدها

أنين زوجتك
تحسده الحرائر في الأمة
وتفكر ألف مرة بتمثيل دور الأنثى
أمام إناث بهيئات ذكور

انظر لابتسامة طفلك قبل أن تموت
إنه من الرجال القلائل
الذين صودرت رجولتهم بوقت مبكر

إن من يفعل بك هكذا
هم أصدقائهم لأصدقاء حكامنا
إنهم الشرعية التي هدمت العراق
بصمت حكامنا

يعلمون أنهم يحتقرونهم
ويعلمون أنهم يضرونهم
لكنهم يحبونهم

حب مدمن المخدرات للأفيون
يستنجد ممن يخلصه منه
فيعطيه جرعات منه حتى يفنى

لا تأسف كثيرا على حياتك
وحياة أسرتك
فاستشهادكم أكثر كرامة من حياتنا


__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 06:16 PM

من يقود من؟

من يقود من
الهواء أم الريشة؟
سيضحك الجميع
ويقولون الهواء

فالهواء هو الأقوى
وهو المحرك
فهو يدفع الأشجار
والنواعير الهوائية

وهو يذري القش
ويستخرج القمح والعدس
وهو الذي يشعل النيران
في الغابات

أسراب البط المهاجر
تقودها بطة فتية
يد طفلة ناعمة
تغلق أوسع النوافذ

فكرة سخيفة
تشعل المعارك والحروب
يعجز آلاف الحكماء حينها
عن وقفها

من يقود من؟
__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 06:19 PM

نباتات الأصص الناطقة

يختارون نباتات يصعب نموها في الهواء الطلق
يضعونها في أصص
يمدونها بالماء والسماد والأكسجين
كمرضى غرف العناية الحثيثة

يودعونها في بيوت من زجاج
لكنه يتحمل طلقات مدفع
يستطيع النبات رؤية من في الخارج
ولا يستطيع من في الخارج رؤية النبات

تنمو في تربة من البيلسان
ومساحيق غريبة
تمدها بأسباب الحياة
وتمنع عنها الحسد!

ألوانها كالألوان الطبيعية
لكنها ليست طبيعية
إن تعذر الحصول على لون
أضافوا صبغة خاصة

نكهاتها متشابهة
رغم اختلاف أسماءها وأشكالها
القرنبيط كالخيار
والتفاح كالباذنجان

تساءل البعض: لماذا هذا التشابه؟
فأجابه الخبير: ابحث عن المصدر
فالحبل السري واحد
يتفرع لكل النباتات

تساءل آخر: ما أهمية تلك النباتات؟
فأجابه الخبير: هل أنت مصر على نيل الإجابة؟
إنها عنوان الفخامة
إنها للاحتفالات الرسمية

إنها نماذج لقهر غيرها من النباتات
التي تعاني من العطش
وفقر التربة
واختلال اللون

يجلسونها في بعض المناسبات على كراسي
ويفرشون تحتها أزهارا
أحيانا يستنطقونها
فتنطق .. ويا ليتها لم تنطق


__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 06:23 PM

كان هُناك

(1)

يعود الى البيت
وتتجول عيناه في المحيط
كان هناك
أين هو؟

يسأل عن قميص
يتجهم
ويشتم
ويضرب عن الطعام

(2)

يغادر مختبرا لتحليل الدم
ويعود حاملا النتيجة للطبيب
إنها ظاهرة تساقط شعر ولده
يا للهول

تكون قضية شعر ولده موضوعا
في مكان عمله
وبين أصحابه
وفي خواطره

(3)

تعود الى بيتها بعد وقف العدوان
فلم تجد بيتها
ستجد قطعة من قميص
كان لزوجها الشهيد

تحمد الله
أن بقي من أثر زوجها ولد
وتقوم بالتهوين على أخرى
فقدت زوجها وأولادها كلهم

تتطلع نحو الأفق
فهناك من يستخرج ملفات اقتصادية
تبحث في موضوع البطالة
تم كتابتها في الستينات

تتنهد
وتقاوم دمعتها
وتتذكر الله
فتتطلع نحو السماء


__________________
ابن حوران

إيناس 30-11-2009 06:25 PM

للألوان درجات


يعرض لك بائع الأصباغ لوحة
فيها من اللون الأخضر مئات
والأزرق مئات الأصناف
ومن كل الألوان تجد درجات

تقف خيوط بصرك عند مربع
بحجم الطابع به لون
وتراودك نفسك
أن هذا اللون هو ما تبحث عنه

تتردد وتطلب من البائع أن يعطيك اللوحة
لعرضها على زوجتك وأبنائك
ليعطوا رأيهم في لون صبغ البيت
فيختار كل واحد منهم لونا

تذهب باللوحة لمهندس الديكور
يختار لونا مختلفا
فتخبره بما اختاره أفراد أسرتك
فيهمهم ويقول: يجوز
كل الألوان لها رواد
بدرجات عمقها وضعفها
وتنتجها المعامل
فلا بأس

تقع عيناك على خطأ نحوي
في مقالة بالإنترنت
يكون الخطأ ظاهرا
فتهم بانتقاد الكاتب

وتتردد
فقد يكون فيما تكتب أخطاء
نحوية ولغوية
فتتوقف .. وتسير الحياة

__________________
ابن حوران


إيناس 30-11-2009 06:30 PM

كائنات افتكروها خراف


عشرة قرون
يقولون لهم أنتم خراف
احذروا النطح والصياح
وارضوا بالمقسوم

مرياعكم أمين
وعنده خبرة
لن يأخذكم إلا للخير
لابس عمامة ولفة

إن وجه وجهه فهي القبلة
اصطفوا وراءه ورصوا الصفوف
وإن تنحنح: قولوا آمين
واركعوا مع الراكعين

مات مرياع
وجاء مرياع
لا ندري من أين يأتون
صوف طويل وريش نعام

كل المراييع تشابهت
بحب اللعب مع الضباع
وبعد اللعب
يقدمون للضبع خروف

يبقى المرياع حياً
ويعلو صوت الخراف
لا يفزعها موتها
بل شكل الموت هو الموضوع

أساس اللعبة بالتسمين
سمنت الخراف
أصاب سقف الكهف أعلى الرأس
أفاقت الخراف من السكرة

اكتشفت أن أم المرياع (خوثة)
وابن (الخوثة) لا يصلح أن يكون مرياع
واكتشفت أنها ليست خراف
قد يكون الاكتشاف متأخر

لكن سيكون له بعد ذلك شأن

هامش:
المرياع: هو خروف يربيه الراعي ويمتنع عن قص صوفه، ويصبغ صوفه بألوان زاهية ويضع برقبته جرسا لينبه القطيع حتى يتبعه.
خوثة: نعجة غير مؤصلة، و بها بعض الخبل.

__________________
ابن حوران


إيناس 30-11-2009 06:39 PM

المنغولي والذبابة


تتشابه ملامح وجوههم
رغم عدم ارتباطهم بالنسب
أو حتى المكان

عيونهم لا تركيز في مراكزها
جفونهم متورمة قليلا
ابتساماتهم لا تدل على فرح

لا يغضبون
فلا أولويات لديهم
ولا نقاط خلاف

****

يسقط فتات من ملعقة
فلا ينتبه له أحد
الى حين

تشبع منه ذبابة
وتنزوي في مكان
للتزاوج

تنهي معظم جدول أعمالها
فتطير ..
ولا تدري الى أين؟

يصبح طيرانها بشكل دائري
أو بيضاوي .. أو مستطيل
يدون ذلك عالم حشرات

هي لا تهتم
إن غرقت في وعاء ماء
أو امتد لها لسان ضفدع

أو التقطها منقار سنونو يطير
أو خنقها غاز مبيد
أو تقع في شبكة عنكبوت

في جميع الحالات تمل بسرعة
وتربض عند طرف زجاج نافذة
فتكنسها فرشاة تنظيف في صباح

لن يكون لها سجل وفاة
كما لم يكن لها سجل ولادة
هي جزء ضئيل من تصنيف

****

يحسون أنه مريض
ينقلونه لمستشفى عام
يتثاقل الطبيب في إسعافه

فإن تأخر عن علاجه ومات
فلن تثار ضجة حول ذلك
وقد يقدم لهم خدمة

يقام له بيت عزاء
قليلون هم من يؤدون الواجب
فموته بلا ذاكرة

أيام قليلة فقط
وينسى الجميع
طرائفه القليلة

وحدها من تحمل المسبحة
هي من تتأمل في مسيرة حياته
ولكنها لا تخجل من ذرف بعض الدموع

إنسانة هي .. مكرمة
حملت أمانة ثقيلة
لا يحملها إلا العاقلون المؤمنون



ابن حوران

إيناس 30-11-2009 06:40 PM

قلب وعينان ولحن


يبحث عن خشب جوز
وسيسم وقيقب
وبعض أخشاب الورد

يعزلها في مكان بعد التجفيف
حتى لا تتأثر أطوال قطعها
يشكلها ويثبتها

يطليها بعدة وجوه من الطلاء
بعد أن يُشكل أجزائها
يجمعها، فتُنسب له

****

يقتنيها عازف
بالشراء أو بغير ذلك
يتباهى بمن تُنسب إليه

يحاول العزف عليها
فينظر الكمان بعينيه
فيأمره القلب بالتعاون

يحدث ذلك في حسن التعامل
بضبط الأوتار
وإتقان أصول العزف

فإن لم تتوفر
سيصدر صوتا نشازا
فيزعج السامعين

يشتم العازف آلته
فيرميها، أو يكسرها
ويهدد باقتناء أخرى

يضحك شيخ
كان يعزف على ربابة عزفا جميلا
فلم يعجبه ما سمع

فيقول: اللحن ليس بجود الآلة فحسب
بل بالتوافق بين مهارة العازف
وتجاوب الآلة




ابن حوران



Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.