حوار الخيمة العربية

حوار الخيمة العربية (http://hewar.khayma.com:1/index.php)
-   الخيمة المفتوحة (http://hewar.khayma.com:1/forumdisplay.php?f=7)
-   -   حكاية سعد ذابح وأخوته في الموروث الشعبي (http://hewar.khayma.com:1/showthread.php?t=83009)

ابن حوران 15-02-2010 08:33 AM

حكاية سعد ذابح وأخوته في الموروث الشعبي
 
حكاية سعد ذابح وأخوته في الموروث الشعبي

تأخذ الأسطورة شكلها النهائي، عندما تنتهي التفسيرات الصحيحة لنشأتها، فتعود تلك التفسيرات غير مقنعة، ولكن الناس ترددها دون انقطاع. فالأصل بالأسطورة أنها كانت واقعة حقيقية في بدايتها، ونتيجة لبعد الزمن عن بدايتها فإن الرواة يضيفون عليها إضافات وتفسيرات حتى يبتعدوا كلياً عن أساسها الصحيح.

مثلاً، قبل أربعين عاماً، كان الناس في منطقة حوران يوزعون لحوم الخراف في شهر نيسان/أبريل وكان اسم الشهر (الخميس). أما لماذا سُمي بالخميس فلذلك قصة، فقد وقعت حوران وما جوارها تحت الحكم المصري (الفرعوني) قرون عديدة، بين القرن السادس عشر قبل الميلاد والقرن التاسع قبل الميلاد، ولم يكن الحكم مستمراً فقد كان يتناوب على الحكم (الكنعانيون وأحياناً الحثيون وغيرهم)، إلا أن الموروث المصري القديم قد أثر في تلك المنطقة. فالفلاحون في المنطقة لا زالوا يذكرون تقويماً لأشهر الشتاء، لا تتعامل به الثقافات المكتوبة بل تم تناقله مشافهة بين الأجيال (اجرد، كانون، شباك، إيدار (آذار، وأحيانا يقولون للشهر مشير وهو اسم فرعوني لشهر مارس/آذار) والخميس وهو نيسان/أبريل الخ.

كان الفيضان لنهر النيل يتم في شهر نيسان/أبريل، فيعتقد أهل مصر أن إله النيل قد فشل في حبه، فيطلب الكهنة من الأهالي أن يرموا أجمل فتياتهم في النيل ليكف عن البكاء (الفيضان) وبقي ذلك السلوك قائماً حوالي 1500 سنة حتى أفتى الكهنة بإمكانية الاستعاضة عن رمي الفتيات برمي الأبقار أو الأغنام، لأن إله النيل (جائع وليس فاشلاً في عشقه).

فذبح الخراف في منطقة حوران في نيسان (الخميس)، له علاقة بالفهم الفرعوني، ولكن الناس اعتقدوا أن ذلك له علاقة بالتعاليم الدينية الإسلامية، ونتيجة لضيق الحال، قلل الناس من ذبح الخراف، واكتفوا بإقامة الولائم بالشهر نفسه، ودعوة العمات والخالات والبنات للاشتراك بالوليمة. ولأن التفسير كان له علاقة بالدين، استعاض الناس عن الخميس (الشهر) بالخميس في رمضان، فقام الناس يبعثون ل (العنايا: النساء التي لهن علاقة بصلة الرحم) دجاجة أو اثنتين في كل خميس، حتى أخيراً صار يُستعاض عنها بالنقود (قيمة الدجاجة).

أما حكاية سعد ذابح وأخوته (سعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا) فهي تنتشر من الخليج الى المحيط، بتفسيرات وروايات، يكيفها راووها بطريقة يحاولون جعلها مفهومة.

فبعضهم يقول: أن شخصاً اسمه (سعد) أراد السفر في نهاية كانون الثاني/يناير، وحاولت والدته ثنيه عن السفر لبرودة الطقس في الشتاء، واحتمالية تعرضه لصعوبات من مطر وعواصف وغيره، ولكنه أصر على السفر، وفي بداية شباط/فبراير، انهمرت الأمطار المصحوبة ببرد شديد، وأصبحت أمه تندب حظها في ولدها وتقول: (إن ذَبَحَ سعد يسلم) فسمعها (بالإيحاء) فذبح ناقته وأزال كرشها واختبأ في داخلها ينهش من كبدها لمدة 12.5 يوم، ثم بلع أو أكل في الفترة الثانية (12.5) يوم ما تبقى من اللحم فقيل (سعد بَلَع)، وعندما زالت موجة البرد الثانية، لبس جلدها فرحاً بنجاته من الهلاك، فقالوا: سعد السعود (الفرح بالانتصار)، ثم خرج من مخبئه فقالوا سعد الخبايا.

دعنا نحاول إرجاع تلك التسميات الى الأسباب الفلكية. في التقويم القمري، يكون للقمر 28 منزلة، يقطعها القمر في دورته وعلاقته بالنجوم والكواكب، وكل منزلة عند العرب القدماء لها اسم تبدأ بمنزلة (الشرطيين ومن ثم البطين ومن ثم الثريا ف الدبران ف الهقعة فالهنعة ف الذراع فالنثرة فالطرف فالجبهة فالزبرة فالصرفة فالعواء فالسماك فالغفر فالزبانا فالإكليل فالقلب فالشولة فالنعايم فالبلدة ثم (سعد الذابح وسعد بلع وسعد السعود وسعد الخبايا) وبعدها مقدم الدلو ومؤخر الدلو وأخيراً الحوت. [الشوكاني: في تفسيره فتح القدير ـ إسلام ويب].

وعندما يختفي العرافون والمفسرون الجيدون للعلاقات الفلكية، فإن تشكيل التراث الشعبي يأخذ حريته بين الأجيال.


البدوي الشارد 16-02-2010 11:21 AM

لا أعرف لماذا وجدت هذه القفزة من القرن التاسع قبل الميلاد إلى عصرنا الحاضر كبيرة لتفسير عادة شعبية حورانية. وفي اعتقادي أن الأولى إيجاد تفسير أقرب زماناً ومكاناً!
أما المعلومات عن سعد السعود وإخوته فهي قيّمة أسمع بها لأول مرة.

العنود النبطيه 16-02-2010 02:20 PM

الغالي ابن حوران

تنقلنا من تهور الحاضر بالتكنولوجيا
وتسارعه الى حيث لا ندري
الى ايام الامس
ماضينا الذي ذهب
عندما كان الموروث الشعبي يشكل نمطاً حياتياً
يَصدُقُ في اغلب الاحيان ليكون نظاما
بل شريعة تقويم ترتكز عليها التحليلات والتنبؤات

اذكر ان جدتي رحمها الله واسكنها فسيح جنانه
كانت تحدثني عن ايام السعود
وقصة السعد وترميزاته وتفصيلاته
والخماسين
والمربعانية
وكل ما يرتبط بالشتاء من حكايا شعبية
ذهبت مثلا
وعليها يتم القياس

شكرا لك ابن حوران
تبتعث من الماضي اجمل ما فيه


الفجر الجديد 17-02-2010 01:31 PM

و نحن أيضا في الجزائر يوجد حكاية شهر دجنبر في الشتاء لا أدري متى يبدأ و متى ينتهي لكن الناس الكبار يعرفون توقيته و يقولون يجب توخي الحذر و الحيطة في هذا الوقت و عدم شرب الماء البارد و يجب لبس ملابس دافئة لأن لو أصيب فيه واحد بالمرض سيكون شديد جدا عليه و شكرا على الموضوع الجميل

ابن حوران 20-02-2010 01:22 PM

إقتباس:

المشاركة الأصلية بواسطة البدوي الشارد (المشاركة 682981)
لا أعرف لماذا وجدت هذه القفزة من القرن التاسع قبل الميلاد إلى عصرنا الحاضر كبيرة لتفسير عادة شعبية حورانية. وفي اعتقادي أن الأولى إيجاد تفسير أقرب زماناً ومكاناً!
أما المعلومات عن سعد السعود وإخوته فهي قيّمة أسمع بها لأول مرة.

من يحتفظ بالتراث الشعبي عادة لا يؤرخ له ولكنه استلمه بالمشافهة، فالمنطقة متداخلة
بتاريخها القديم ..

شاكراً مروركم الكريم

الأخت الفاضلة العنود النبطية

من لا ما ضي له لا حاضر ولا مستقبل له أيضاً

دمتِ نبطيةً أصيلة

الفجر الجديد

جميلٌ جداً أن نتناقل تراثنا الشعبي والذي نادراً ما يُدون باللغة الفصحى، فهذا
يقرب الناس من بعضها أكثر

احترامي و تقديري

ابن حوران 20-02-2010 01:48 PM

سقوط الجمرات الثلاث

أحياناً أقلب بين (مفكرات) والدي رحمه الله، والتي كان يدون فيها ما يلفت نظره في كل يوم، وبين حين وحين يكتب لائحة أسعار اللحوم والتبن والحنطة، ومن توفي ومن ولد من أهل البلدة، وحال الزرع وغيره، وإن لم يجد شيئاً مهماً، يكتب على صفحة المفكرة (شُوهد) وهي صفحات كثيرة.

وقد تعود والدي أن يدون في تلك المفكرات منذ الحرب العالمية الأولى، حيث هو من مواليد 1890م وتوفي عام 1984 عن عمر 94 عاما.

كنت ألاحظ أن المفكرات تلك والتي كانت تُطبع في دمشق بأنها تحدد المواسم الزراعية وفواصله الزمنية، فيكتب في 15 أيلول/سبتمبر (عيد الصليب والزبيب) وفي أيامنا هذه (الشتاء) يوضع في 21/12 بداية المربعانية وفي 1/2 يكتب بداية الخمسينية، أي الخمسين يوما المتممات للتسعين يوماً من الشتاء. وكانت تلك المدة تقسم الى أربعة أقسام كل قسم 12.5 يوما، يسمى كل واحد منهما (سعد كذا) وقد مررنا عليها.

في هذا اليوم 20 من شباط/ فبراير يُكتب (سقوط الجمرة الأولى) وفي (27 من الشهر نفسه) يُكتب (سقوط الجمرة الثانية) وفي 6 من آذار/مارس (سقوط الجمرة الثالثة).

ولكثرة إلحاحي في السؤال عن تلك الأشياء عندما أراه يدونها أو يذكرها، كنت أحرص على السؤال عنها بحضور آخرين، وأستمع لما يقول أولئك الحضور.

كان القدماء يعتقدون أن الدفء كما هو المطر يسقط من السماء، فعندما يتم إرواء الأرض بالمطر، كنا نسمعهم يقولون(إلقحت: أي تم تخصيب الأرض) وستعطي ثمارها، وهذا الاعتقاد كما ذكرنا في مجالات معينة، هي اعتقادات تعود الى السومريين والكنعانيين، إذ كانوا يعتقدون أن السماء ذكراً والأرض أنثى!

ذات يوم كنت في صحبته، فناداني لأرى الجمرة الأولى، فكانت عبارة عن خيوط مثل خيوط العنكبوت تتجمع عليها يرقات حشرات لا أعرفها (حتى اليوم) تقرض أوراق الحشائش التي تسقط فوقها.

كان سقوط الجمرة الأولى يبشر بقدوم الدفء الأول، ولكنه دفء كاذب يجب الحذر منه، ثم تأتي الجمرة الثانية في 27 شباط/فبراير أي بعد يوم واحد من بداية سعد السعود، وتعلن أن العصارة قد سرت في الأشجار، فلا يجوز تقليمها بعد الآن، وفي 6 آذار تسقط الجمرة الثالثة وهي بداية الدفء الحقيقي ويليها في ثاني يوم بداية سعد الخبايا حيث تظهر العقارب والحيايا (الأفاعي).

العنود النبطيه 21-02-2010 03:01 PM

رحم الله اجدادنا واباك
واسكنهم فسيح جنانه
كانوا ذاكرة التراث
وذاكرة الوطن
الذي تغذى على الفطرة
وتأصلت فيه العلاقة بالمكان والزمان
دون الحاجة الى تكنولوجيا وفضائيات وفضاءات اخرى
غير فضاءات الدار بفنارها الذي يعمل على الزيت



Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.