![]() |
مِنْ صحابـة رسول الله الذين وطأوا ثـرى الأردن
صحابة ... وطأوا ثرى الأردن عكرمة بن أبي جهل (رضي الله عنه) وهو عكرمة بن أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة القرشي المخزومي؛ صحابي جليل، كُنّي بأبي عثمان، وليس له عقب، وكان قد تزوّج من أمُ حكيم بنت الحارث بن هشام، وهو أبن أبي جهل الذي كان من أشد اعداء الرسول صلى الله عليه وسلم والدعوة الاسلامية منذ بدايتها وحتى مقتله في معركة أحُد، وقد تولّى عكرمة رئاسة بني مخزوم بعد مقتل والده . وقد تأخر إسلام عكرمة وشهد مع المشركين وضد المسلمين معارك منها بدر وأحُد، وكان يوم فتح مكة على الشرك وهرب من مكه بعد فتحها الى اليمن، وأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه حتى لو تعلقّ بأستار الكعبة مع أربعة رجال هم: (عبد الله بن خطل، ومقيسَ بن صُبابه، وعبد الله بن سعد بن أبي السرح) وقد ركب عكرمة البحر مهاجرا الى اليمن وخلال رحلته البحريه قرب ساحل من سواحل تهامه أصاب سفينتهم عاصف، فقال الملاح لركاب السفينة: أخلصوا؛ فان آلهتكم لا تغنُي عنكم شيئا هاهنا . واضاف موجها حديثة الى عكرمة: أخلص! قال: أي شيء أقول؟ قال: قُل: لا إله الا الله!!؟ فقال عكرمة: ما هربتُ الا من هذا . ولمّا أصّر الملاح على طلبه للركاب بالاخلاص فكّر عكرمة قليلا ثم قال لنفسه: لئن لم يُنجنّي في البحر الا الاخلاص ما يُنجنّي في البر غيره!!! اللهم إن عليّ عهدا إن أنت عافيتني مما أنا فيه، أني آتي محمدا حتى أضع يدي في يده، فلآجدنّه عفوا كريما. أسلمت أمُّ حكيم زوجة عكرمة بن ابي جهل يوم فتح مكة ثم قال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! قد هرب عكرمة منك الى اليمن، وخاف أن تقتلهُ فآمنهُ، فقال صلى الله عليه وسلم: (هو آمن) فخرجت زوجته وهي على الاسلام ومتنقبة في طلب زوجها وكان معها غلام لها رومي يخدمها . وخلال الطريق الى اليمن راودها الغلام عن نفسها، ولم تدر ما تفعل فأخذت تمَّنيه حتى وصلت الى حّي من عُكَل، واستعانت بهم عليه فأوثقوا رباطه وحبسوه عندهم . وتابعت هي طريقها وحيدة اليمن حيث أدركت عكرمة على ساحل من سواحل تهامه؛ وبدأت بحديث لين تمهّد له بقولها: يا ابن عم جئتُك من عند أوصل الناس وأبّر الناس وخير الناس!! لا تُهلك نفسك . ثم أضافت إني قد أستأمنتُ لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أنت فعلت؟! قالت: نعم!! أنا كلمتهُ فأمنّكَ . عندها وافق عكرمة على العودة معها الى مكة؛ وفي الطريق اخبرته خبر الغلام الرومي، فلمّا وصله عكرمه قتله وقال صلى الله عليه وسلم لاصحابه رضوان الله عليهم في مكة: (يأتيكم عكرمة بن ابي جهل مؤمنا مهاجرا، فلا تسبّو أباه، فان سبّ الميت لا يؤذي الحيّ، ولا يبلغُ الميت) . فيما كان عكرمة خلال الطريق الى مكه وإلى أن بلغها يطلب زوجته للجماع فتأبى عليه وتقول: إنّك كافر، وأنا مسلمة، فيقول (إن أمرا منعك عني لآمر كبير). روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنه دخل الجنّة، فرأى فيها عذقا مُذلّلا فأعجبه . فقيل: لمن هذا؟ قيل: لآبي جهل، فشقّ ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: (ما لآبي جهل والجنّة؟ والله لا يدخلها أبدا) . فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم عكرمة قادما اليه أوّل رؤياه بأن ذلك العذق هو عكرمة بن ابي جهل ففرح الرسول صلى الله عليه وسلم بقدوم عكرمة، ووثب وما عليه رداء قائلا له مرحبا بالراكب المهاجر)، ولما وقف عكرمة ومعه زوجه متنقبة بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم قال عكرمة: يا محمد وان هذه أخبرتني أنك أمنتني؟! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (صدقت، فأنت آمنٌ عكرمة: فإلآم تدعو يا محمد؟ قال صلى الله عليه وسلم: (ادعو الى ان تشهد أن لا اله الا الله، وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاه .... وعدد اركان الاسلام . فقال عكرمة: والله ما دعوت الا الى الحّق، وأمر حسن جميل!! قد كنت والله فينا قبل أن تدعو الى ما دعوت اليه، وأنت أصدقنا حديثا، وأبرنا أمانة!! ثم قال عكرمة: فأني أشهد أن الا اله لا الله وأشهد ان محمدا عبده ورسوله . فسُّر الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرا بذلك. وبعدها قال عكرمة للرسول صلى الله عليه وسلم: ((إني لا أسالك مالا، وإني لاكثر قريش مالا، ولكن أَسالك ان تستغفر لي كل عداوة عادُيتكها، أو مسير اوضعت منه (أي: بالافساد) أو مقام سبُبتكّ فيه أو كلام قُلتُه في وجهك، أو أنت غائب عنه؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه الى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، وأغفر له ما نال مني ومن عرض في وجهي، أو أنا غائب عنه) فقال عكرمة: رضيت يا رسول الله . وقد حسُن إسلام عكرمة وإنفاقه وبذله في سبيل الله بعد ذلك. عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما قدم عكرمة المدينة، وجعل يمر بالانصار فيقولون هذا إبن عدو الله، ابن ابي جهل، شكا عكرمة ذلك لها وقال: ما أظنني الا راجعا الى مكة، فأخبرت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فخطب الناس فقال: (انما الناسُ معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام اذا فقهوا، لايؤذينّ مسلم بكافر). ولمّا دعا الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه لغزو الروم، وعسكر الجيش في الجرف قرب المدينة المنوره تفقدهم أبو بكر فشاهد خباءا عظيما حوله مرابط ثمانية أفراس، ورماح وعّدة ظاهرة؛ فلما بلغه وجده خباء عكرمة فسلّم عليه وعرض عليه المعونة، فّرد عكرمة؛ أنا غنٌي عنها، معي ألفي دينار، فأصرف معونتك إلى غيري، فدعا له أبو بكر بخير . وقد شارك عكرمة في معركة اليرموك راجلا كما يفعل الآمراء، وقاتل في فحل قتالا ضاريا بعد أن نادى: من يبايع على الموت فبايعه بعض الصحابة ونحوا من اربع مائة من فرسان الجيش؛ فقيل لعكرمة: إتق الله وارفق بنفسك . فقال: (كنت أُجاهد بنفسي عن اللات والعُزّى وأبذلها فأستبقيها الان عن الله ورسوله؟ لا والله أبدا!! فلم يزدد الا اقداما، واستشهد رضي الله عنه في فحل فوُجد في جسده بضعة وسبعين بين ضربة وطعنة ورمية وكان ذلك في السنة الخامسة عشرة للهجرة. رحمه الله رحمة واسعة بفضله . |
الزبير بن العوام رضي الله عنه
الزبير بن العوام رضي الله عنه وهو الزبير بن العوام بن خُويلد بن أسد بن عبد العزىّ بن قصَي بن كلاب بن مُرةَّ بن كعب بن لؤي ابن غالب، صحابي جليل، ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم صفية بنت عبد المطلب، أسلم وهو حدث لم يتجاوز عمرة ستة عشرة سنة . حواريّ رسول صلى الله عليه وسلم؛ قال عليه السلام لـُكلّ نبي حواريٌّ وحواريَّ الزبير والحواري الخليل الخالص من كل شيء؛ وكان مندوبا من رجال النجدة، طويلا خفيف اللحية والعارضين، عذبه عمه ليرجع إلى الكفر بتعليقه والتدخين عليه وهو معّلق، وأصر على إسلامه قائلا: لا أرجع إلى الكفر أبدا بشّره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة؛ وهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقاتل على فرس له يوم بدر على ميمنة الرسول صلى الله عليه وسلم معتمرا عمامة صفراء. قال فيه عامر بن الزبير شعرا منه : جَدي أبنُ عمَة احمد ووزيرُه *** عند البلاَء وفارس الشَّقـــــــراء وغداة بَدر كان أوّل فــــارس *** شهَدَ الوغى في اللامة الصفراء نَزَلت بسمياهُ الملائكُ نُصـرةَ *** بالحوض يومَ تألبّ الأعـــــــــداء كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أنتدب أبو بكر الصديق، والزبير بن العوام رضي الله عنهما يوم أحد في سبعين من الصحابة رضوان الله عليهم ليتبعوا أثار المشركين خشية أن يرجعوا فخرجوا فسمع بهم المشركون فانصرفوا ولم يلقوهـم. وهو الذي أتى المسلمين بخبر بني قريضة يوم الخندق. وجمع الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الزبير أبويه، وكان صلى الله عليه وسلم يقول للزبير أرم فداكّ أبي وأُمي. وروي أن الزبير ضرب يوم الخندق عثمان بن عبد الله بن المغيرة بالسيف على مغفرة فقطعه إلى القربوس. فقالوا: ما أجود سيفك! فغضب الزبير؛ يريد أن العمل ليده لا للسيف. والقربوس : مقدم السرج ومؤخره . وقد شارك الزبير في فتح مكة وأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم يومها لواءين؛ لواءه ولواء سعد بن عباده فدخل مكة بلواءين . وروى هشام بن عروه أنه كان في الزبير ثلاث ضربات بالسيف: إحداهن في عاتقه قال: إن كنُت لأدخل أصابعي فيها، ضُرب ثنتين يوم بدر، وواحدة يوم اليرموك في الأردن . وكان بسيفه فّله فلها يوم بدر . وقال النابغة بسيف الزبير :- ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم *** بهَّن فُلولٌ من قراع الكتائب وقد روي أن الزبير بن العوام رضي الله عنه خرج غازيا إلى مصر فكتب إليه أمير مصر أن الأرض قد وقع بها الطاعون فلا تدخلها، فقال: (إنما خرجت للطعن والطاعون، فدخلها فلقي طعنة في جبهته فأفرق). أفرق : يعني برأ من الطاعون . امتدح حسان بن ثابت شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام فقال :- أقام على عهد النبّــي وهديــــــــــــه *** حواريّه والقـــول بالفعل يُعـــــدُ لأقام على منهاجــه وطريقـــــــــــــه *** يُوالي وليَّ الحـقّ والحـقُّ أعدلُ هو الفارس المشهور والبطل الـذي *** يصولُ إذا ما كـان يـومٌ محجّــل إذا كشفت عن ساقها العربُ حشّها *** بأبيض سباق إلى المـوت يُرقـلُ وإنَّ إمرىءً كانت صفيـــةُ أمّـــــــهُ *** ومن أســد فــي بيتها لمؤثَّــــــل ُ فكم كربة ذب الزبيـــرُ بسيفــــــــه *** عن المصطفى والله يُعطيفيجزلُ ثناؤك خيرٌ من فعال معاشــــــــــــر *** وفعــلُكَ يا ابن الهاشميةّ أفضـلُ تزوج الزبير بن العوام رضي الله عنه من أسماء بنت أبي بكر، وعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نُفيل وأم خالد بنت خالد بن سعيد، وأم مصعب الكلبية . ولم يقبل أن يّولى إمارة، ولا جباية ولا خراجا، وإنما كان دائما مجاهدا في سبيل الله، وكان أول من سلّ سيفا في سبيل الله، دفاعا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له الرسول عليه السلام ولسيفه، كما أنه جاهد مع خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين. وقد أستشهد رضي الله عنه في رجب سنة ست وثلاثين للهجرة في وادي السباع قرب البصرة، وكان عمره آنذاك نحوا من أربع وستين سنة، وقالت زوجته عاتكه في رثائه : غـَدَر ابنُ جرموز بفارس بُهم *** يوم اللقاء وكان غَيرَ مُعـــــــردَّ يا عَمرو لو نّبهتهُ لَـوَ جدتــهُ *** لا طائشا رعش البنات ولا اليد ثكلتَك أمّك إن ظفرت بمثلـــه *** فيما قضَى ممّا تروُحُ وتغتـــدي والله ربّك إن قَتَلت لمُسلمــــا *** حّلت عليك عُقوبة المتعمــــــــدّ قيل للزبير بن العوام مالك لا تُحّدثُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يحدث عنه فلان وفلان؟ قال: ما فارقته منذ أسلمتُ، ولكن سمعتُ منه كلمة، سمعته يقول: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار). ولذلك كان رضي الله عنه مقلا في رواية الحديث النبوي الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وله في مسند بقيَّ ثمانية وثلاثين حديثا، منها في الصحيحيين حديثان، وانفرد البخاري بسبعة أحاديث . رحم الله الزبير بن العوام رحمة واسعة بفضله. |
أخي الكريم
جزاك الله خيراً .. لاأعرف دقة المعلومة التي في عنوان موضوعك لكن يبدو أن هناك عدداً لا بأس به من الأخطاء في طباعة الموضوع ومنها ما نسبته للرسول صلى الله عليه وسلم (يأتيكم عكرمة بن ابي جهل مؤمنا مهاجرا، فلا تسبّو أباه، فان سبّ الميت لا يؤذي الحيّ، ولا يبلغُ الميت) والصواب هو ( (يأتيكم عكرمة بن ابي جهل مؤمنا مهاجرا، فلا تسبّو أباه، فان سبّ الميت يؤذي الحيّ، ولا يبلغُ الميت) |
إقتباس:
شكراً لك أخي معين على التوضيح وبارك الله تعالى فيك ... وجود خطأ غير مقصود لا يعني أن الموضوع خطأ أو العنوان خطأ ... وشكراً مرة ثانية وكل عام وأنتم بخير |
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو سعد بن مالك بن أُهيب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب بن مُـّرة ابن كعب بن لؤي، صحابي جليل، كنُىّ بأبي إسحاق القُرشي الزّهريُّ المكيُّ، أمه حَمنه بنت سفيان بن أميه بن عبد شمس بن عبد مناف، وهو من أخوال النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه السلام: ''هذا خالي، فلُيرنّي أمرؤ خالهُ''، أسلم وهو ابن سبع عشرة سنة، وهو أحد العشرة الذين بشّرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، روى مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة هي في الصحيحيين خمسة عشر حديثا، وانفرد البخاري بخمسة أحاديث، ومسلم بثمانية عشر حديثا. شهد بدرا، وكان يقاتل قتال الفارس في الرجال، وشارك في فتح العراق وكان النصر على يديه في القادسية والمدائن ويوم جلوُلاء. روي أن سعدا قال: مررت بعثمان (يعني ابن عفان) في المسجد، فسلمتُ عليه، فملا عينية مني، ثم لم يرد عليَّ السلام. فأتيت عمر (يعني ابن الخطاب وكان حينها خليفة المسلمين)، فقلت: يا أمير المؤمنين! هل حدث في الإسلام شيء؟ قال: وما ذاك؟ قلت: إنيّ مررت بعثمان آنفا فسلمتُ فلم يردَّ عليَّ فأرسل عمر إلى عثمان، فأتاه، فقال: ما يمنعك أن تكون رددت على أخيك السلام؟ قال: ما فعلتُ . قلتُ: بلى حتى حلفَ وحلفتُ، ثم إنه ذكر فقال: بلى، فأستغفرُ الله وأتوُب إليه، إنك مررت بي آنفا، وأنا أُحدث نفسي بكلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا والله ما ذكرُتها قط إلاّ يغشى بصري وقلبي غشاوة فقال سعد: فأنا أنبئك بها . إن رسول الله، ذكر لنا أول دعوة، ثم جاءه أعرابيٌ فشغله، ثم قام رسول الله، فاتبعتُه، فلما أشفقت أن يسبقني إلى منزله، ضربت بقدمي الأرض، فالتفت إليَّ، فالتفتَ فقال: أبو إسحاق؟ قلت: نعم يا رسول الله ثم قال: فَمَه؟ قلت لا والله إلا أنك ذكرت لنا أول دعوة ثم جاء هذا الأعرابي فقال: نعم، دعوة ذي النون، فقرأ ((لا إله إلا أنت سُبحانَك إني كنُت من الظالمين)) الآية (87) من سورة الأنبياء . فإنها لم يدعُ بها مسلمٌ ربـّه في شيء قطُّ إلا استجاب له . أخرجه الترمذي . وقد قدم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى سرغ حيث أقام فيها خمسين ليلة، ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان: (سَرغ جمعه سُرُوغ الكرم: قضبانه الرطبة، وهو أول الحجاز وآخر الشام بين المغيثة وتبوك من منازل حاج الشام وهناك لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمراء الأجناد بعد توليه الخلافة . كما زار سعد أذرح بجنوب الأردن والتي فتحُت في السنة التاسعة للهجرة وصولح أهلها على مائة دينار جزية، وجاء بمعاهدة الصُلح ما يلي:- (بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتابٌ من محمد النبي لأهل أذرُح ، إنهم آمنون بأمان الله ومحمد ، وإن عليهم مائة دينار في كل رجب وافية طيبة، والله كفيل عليهم بالنصُح والإحسان للمسلمين ، ومن لجَأ إليهم من المسلمين من المخافة والتعزير إذا خشوا على المسلمين وهم آمنون حتى يُحدث إليهم محمد قبل خروجـه). كما أقام سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن المسَور في قرية كانت من قرى الشام يقال لها عمّان. ذكر ياقوت أن عمان (كانت قصبة البلقاء، وبالقرب منها الكهف والرقيم، وهي على سيف البادية وذات قرى ومزارع ورستاقها البلقاء وهي معــدن الحبـوب والأنعام وبها عدة أنهار وأرحية يديرها الماء، ولها جامع ظريف في طرف السوق مُفَسفَس الصحن شبة مكة (يقصد الجامع الحسيني في وسط عمّان عاصمة الأردن العزيز)، قال: وهي رخيصة الأسعار كثيرة الفواكه). روي عن سعد أنه قال: نزلت هذه الآية فيّ (وإن جاهداك على أن تُشرك بي ما ليس لك به علمٌ فلا تطعهما) الآية (8) من سورة العنكبوت . قال: كنت بّرا بأمي، فلما أسلمتُ قال: يا سعدُ! ما هذا الدين الذي قد أحدثتَ؟ لتدعنّ دينك هذا، أولا آكلُ، ولا أشربُ، حتى أموتَ، فُتعير بي، فيقال: يا قاتل أمه، قلت: لا تفعلي يا أمهّ، إني لا أدع ديني هذا لشيء، فمكثت يوما لا تأكل ولا تشربُ وليله، وأصبحت وقد جُهدت، فلما رأيت ذلك قلت: يا أمّه! تعلمين والله لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفساً ما تركتُ ديني، إن شئت فكلي أو لا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت. وقد روى في مسند بقيّ مائتان وسبعون حديثا، وفي الصحيحيين ثمانية وثلاثون حديثا، أخرج الطبراني عن سعيد بن المسيب قال: خرجت جاريةٌ لسعد عليها قميص جديد، فكشفها الريح، فشدَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه عليها بالدّرةّ، وجاء سعيد ليمنعه، فتناوله بالدّرة، فذهب سعد يدعو على عمر . فناوله الدّرّه وقال: اقتص، فعفا سعد عن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنهما. وكان سعد قد اجتنب الفتنه، ونهى عن سب المسلمين من الخلفاء والولاة أو العامة، أو أحدا من المسلمين، واعتزل الخوض في الفتنه حتى أنه روي أن ابنه عمر جاءه يوما فقال: يا أبت أرضيت أن تكون إعرابيا في غنمك . والناس يتنازعون الملك بالمدينة، فضرب صدر عمر، وقال: اسكت، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عزّ وجل يحبُ العبد التقّي الغنّي الخفيّ) وروي عنه أنه قال خلال الفتنه (لا أقاتل ''أحدا من المسلمين'' حتى يأتوني بسيف له عينان ولسان فيقول: هذا مؤمن وهذا كافر). وكان سعد رضي الله عنه قصيرا دحداحاً، غليظا ذا هامة، أشعر الجسد، يَخضبُ بالسواد، وكان أول من رمى بسهم في سبيل الله، وجعل يرمي السهام التي كان يعطيها له الرسول صلى الله عليه وسلم يوم أحُد، روي عنه أنه قال: نَثَل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته يوم أحـُد وقال: (ارم فداك أبي وأمُي). روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث سعدا في سرية إلى جانب من الحجاز جهة رابغ من جانب الحُجفهَ، فانكفأ المشركون على المسلمين فدافع سعد عنهم يومئذ بسهامه وأنشد: ألا هل أتى رَسولَ الله أني *** حَميتُ صحابتي بصدور نبلي فمــا يعتـدّ رام في عــــدو *** بسهم يا رسول الله قبلـــــــي وكان رضي الله عنه آخر المهاجرين وفاة، توفي سنة ست وخمسين للهجرة في قصر بناه في حمراء الأسد قرب المدينة المنورة وكان عمره اثنتين وثمانين عـاما. رحمه الله رحمة واسعة بفضله. |
سعيد بن زيد بن عمرو رضي الله عنه
سعيد بن زيد بن عمرو رضي الله عنه وهو سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيلَ بن عبد الُعزىّ بن رباح بن قُرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، الملقب بأبي الأعور القرشي العدويُّ. صحابي جليل، وأحد المبشرين بالجنة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ومن السابقين الأولين البدرين. شهد المشاهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، بدرا واحدا والخندق والحديبية، وسار مع الجيش الإسلامي لفتح بلاد الشام عبر الأردن فشهد حصار دمشق وفتحها حيث ولاّه أبو عبيدة عامر بن الجراح اثر ذلك ولاية دمشق، وهو أول من عمل نيابة دمشق من هذه الامة. روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديثان في الصحيحين الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الكلمأة من المنّ الذي أنزل الله على بني إسرائيل، وماؤها شفاءٌ للعين) والثاني: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (مَن ظلَمَ من الأرض شبرا طوقّةُ من سبع أرضين ومن قتُل دون ماله فهو شهيد). كان والد سعيد زيد بن عمرو ممن فـَّر من عبادة الأصنام في مكة وساح في أرض الشام يطلب الدين القيّم، فرأى النصارى واليهود فكرة دينهم وقال: اللهـّم إني على دين إبراهيم . ولكنه لم يظفر بشريعة إبراهيم عليه السلام كما ينبغي، ولا رأى من يوقفه عليها . وكان لا يأكل من ذبائح قومه التي تذبحُ على النصُب . وذكر أنه من أهل النجاة فقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه (يبعثُ أمةَ وحده) وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث، وتوفي والرسول صلى الله عليه وسلم لم يُبعث كذلك . وهو ابن عم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في الجاهلية يسند ظهره للكعبة ويقول لقريش: يا معشر قريش والله ما فيكم أحـدٌ على دين إبراهيم غيري، وكان يعارض وأد البنات وهن حيّات، ويقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: مه، لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال: إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها . وعندما آذاه عمه الخطاب خرج إلى غار حراء ثم إلى الشام والجزيرة والموصل يبحث عن الدين القيمّ . وروي أن زيد بن عمرو كان بالشام فلما بلغه خبر دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة أقبل يريده فقتله في الطريق إلى مكة أهل مَيفعَه بالشام، ( مَيفعة: من أرض البلقاء ). وقد روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن عمرو: ''مالي أرى قومك قد شنَفوُا لك، أي أبغضوك؟ قال: أما والله إن ذلك مني لغير ثائرة كانت مني إليهم، ولكني أراهم على ضلالة، فخرجت أبتغي الدّين، حتى قدمتُ أحبار أيلة (هي مدينة العقبة بالأردن حاليا) فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، فذُللتُ على شيخ بالجزيرة، فقدمت عليه، فأخبرته، فقال: إن كل من رأيت في ضلالة، إنك لتسأل عن دين ''هو دينُ الله وملائكته، وقد خرج في أرضك نبي، أو هو خارج، ارجع إليه واتبعّه فرجعت'' . اسلم سعيد بن عمرو قبل دخول الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم في مكة، وكانت قد سبقته للإسلام زوجه وابنة عمه فاطمة بنت الخطاب أُخت عمر بن الخطاب رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن سعيد متأخرا عن مرتبة أهل الشورى الستة الذين عينّهم عمر بن الخطاب، وإنما تركه عمر لأنه ختنه وابن عمه، ولو ذكره في أهل الشورى لقيل حابى عمر ابن عمه: فأخرج عمر رضي الله عنه من أهل الشورى ولده وعصبته . روى هشام بن عروة عن أبيه أن اروى بنت أويس ادعتّ أن سعيدا بن زيد أخذ شيئا من أرضها فخاصمته إلى مروان بن عبد الملك والي المدينة المنورة آنذاك، فقال سعيد: أنا كنتُ آخذ من أرضها شيئا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . سمعته يقول: (من أخذ شيئا من الأرض طُوّقه إلى سبع أرضين) . قال مروان: لا أسألك بينّة بعد هذا، فقال سعيد: اللهّمّ إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واقتلها في أرضها . فما ماتت حتى عميت، وبينما هي تمشي في أرضها، إذ وقعت في حفرة، وفي رواية بئرا فماتت فيها . روي عن سعيد بن زيد قال: فقلت يا رسول الله إن أبي كان كما قد رأيت وأبلغتك ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له قال: ( نعم، فاستغفر له، فانه يُبعّثُ أمة وحده ). وكان سعيد بن زيد قد قدم من الشام بعد بدر فكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب له بسهمه وأجره . وكان سعيد بن زيد رضي الله عنه طويلا، أشعر الجسد، روى ثمانية وأربعون حديثا، اتفق البخاري ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بثالث . وتوفي رضي الله عنه بالعقيق، ودفن بالمدينة المنورة سنة إحدى وخمسين وهو ابن بضع وسبعين سنة . رحمه الله رحمة واسعة |
وكل عام وأنت بخير
أخي الغالي ليتك تدقق وتراجع في طباعة الأحاديث ، مثل هذا الحديث : (الكلمأة من المنّ الذي أنزل الله على بني إسرائيل، وماؤها شفاءٌ للعين) |
إقتباس:
أخي العزيز معين ... أشكرك على حرصك على أن لا ينقل إلا ما هو صحيح ... لكن إذا كان لديك تعقيب بخصوص الحديث أرجو أن تصحح لي وجزاك الله خيراً ... وكل عام وأنتم بألف خير ... |
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وهي أسماء بنت عبد الله بن أبي قحافة القرشية التّيميّه، والدها هو أبو بكر الصديق: صّديق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول الخلفاء الراشدين، وأمُها قتيلة بنت عبد العزى العامرية . وأُخت عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي اصغر منها بعشر سنين، تزوجت الزبير بن العوام وكنيت بأم عبد الله، ورزقت بعبد الله، وعروة بن الزبير، وهي وأبوها وجدّها، وابنها عبد الله ابن الزبير أربعتهم صحابيون . وقد لقبها الرسول صلى الله عليه وسلم بذات النطاقين لأنها لم تجد ذات يوم ما تربط به سفرة الرسول صلى الله عليه وسلم عند الهجرة إلى المدينة فاستأذنت أباها أن تقسم من نطاقها ما تشّد به سفرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأذن لها . فلقبها عليه السلام بذات النطاقين . هاجرت إلى المدينة المنورة وكانت حاملا بابنها عبد الله، وقد شهدت معركة اليرموك على ثرى الأردن مع زوجها الزبير بن العوام، وروي عنها أنها كانت موصوفة بسخاء النفس حتى كانت لا تدخّر شيئا لغدها وكانت في مرضها تعتق مملوكها . روت عن جدّها لما توجه النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة مهاجرا. قالت: حمل والدها أبو بكر معه جميع ماله - نحو خمسة أو ستة آلاف فأتاها جدها أبو قحافة وكان على الشرك وقد عُمي فقال: إن هذا قد فجعكم بماله ونفسه . فقالت: كلا، قد ترك لنا خيرا كثيرا فعمدت إلى أحجار فجعلتهن في كوة البيت، وغطت عليها بثوب ثم أخذت بيده ووضعتها على الثوب . فقالت: هذا تركه لنا، فقال: أما إذ ترك لكم هذا فنعم . وعن ابن الزبير قال: نزلت هذه الآية الكريمة في أسماء وكانت أُمها يقال لها قُتيله جاءَتها بهدايا، فلم تَقَبلها، حتى إذا سألت النبي صلى الله عليه وسلم نزلت الآية (لاَ ينهاكُم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) الآية (8) من سورة الممتحنه. وفي صحيح البخاري قالت أسماء: يا رسولَ الله! إن أُمي قدمت وهي راغبةٌ، أفأصُلها؟ قال: (نعم صلي أُمكَّ). روي أن أسماء بنت أبي بكر قالت لابنها: (يا بُنيّ عش كريما، وُمت كريما، لا يأخذك القوم أسيرا)، وذُكر أنه لما كثر اللصوص في المدينة المنورة زمن ولاية سعيد بن العاص اتخذت أسماء خنجرا كانت تجعله تحت رأسها. قال عروة بن الزبير: دخلت أنا وأخي (يقصد عبد الله بن الزبير الذي ثار في مكة مطالبا بالخلافة زمن الأمويين)، قبل أن يُقتل على أُمنا بعشر ليال، وهي وجعهٌ فقال عبد الله: كيف تجدينكَ؟ قالت: وجَعَةٌ . قال: إن في الموت لعافية . قالت لعلَك تشتهي موتي، فلا تفعل، وضحكت، وقالت: والله، ما أشتهي أن أموت، حتى تأتي على أحد طرفيك: أما أن تُقتَل فأحتسبكَ، وإما أن تظَفَر فتقّر عيني . إياك أن تعرض على خطُه فلا توافق، فتقبلها كراهية الموت). قال: إنما عنى أخي أن يقُتل، فيحزنها ذلك، وكان عمرها مائة سنة . ولما قَتَلَ الحجاج عبد الله ابن الزبير في مكة دخل الحجاج على أسماء أُمه فقال لها: يا أُمه! إن أمير المؤمنين وصاني بك، فهل لك من حاجة؟ قالت: لستُ لك بأُم، ولكني أُم المصلوب على رأس التـّنيَة، ومالي من حاجة، ولكن أُحدثك! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرُجُ في ثقيف كذاب ومبُير) فأما الكذّاب فقد رأيناه - تعني المختار بن عبيد الثقفي الذي قام بثورة في الكوفـــة مطالباُ بالخلافة لشيعة علي كرم الله وجهه وأُما المبيرُ فأنت. فقال لها : مبيُرُ المنافقين . وقد قتل ابنها عبد الله بن الزبير في جمادي الأول سنة ثلاث وسبعين للهجرة وماتت هي بعده بليال فقط. وفي رواية أخرى أنه لما دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر بعد قتله ابنها عبد الله فقال: إنهّ ابنك ألحدَ في هذا البيت، وإن الله أذاقه من عذاب اليم . قالت: كَذبتَ! كان بّرا بوالدته، صواماً، قواماً . ولكن اخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم '' أنه سيخرج من ثقيف كذابان: الآخر منهما شّـٌر من الأول وهو مُبيرُ) تعني الحجاج بن يوسف الثقفي والأول منهما هو نفسه المختار بن عبيد الثقفي الذي أشرنا اليه. رحم الله أسماء بنت أبى بكر رحمة واسعة |
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو عبد الله بن عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزُى بن رباح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب، ابن الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنهما من زوجته زينب بنت مضعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمُح وكانت من المهاجرات أيضا. كُنيّ بأبي عبد الرحمن القُرشي العدويُ المكي ثم المدني: اسلم صغيرا قبل البلوغ مع أبيه وأُمه، وهاجر مع أبيه صغيرا وكان عمره نحو عشر سنوات، وكان صغيرا يوم أُحد فكانت أول غزواته غزوة الخندق وكان عمره خمسة عشر عاما، وهو من المبشرين بالجنة. وكان عالما فقيها، أفتى في الناس لأكثر من ستين سنة، وروى علما نافعا غزيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيه عمر بن الخطاب، وعن أبي بكر الصديق وبلال بن رباح، وأُخته أم المؤمنين حفصة بنت عمر، وأُم المؤمنين عائشة وكبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. له في مسند بقيّ ألفين وستمائة وثلاثين حديثا، واتفق له في الصحيحين على مائة وثمانية وستين حديثا وانفرد البخاري بأحد وثمانين، ومُسلم بأحد وثلاثين حديثا. وقد شهد مع الرسول صلى الله عليه وسلم المشاهد كلهّا، وخرج مجاهدا إلى العراق فشهد القادسية، وجلولاء والمدائن، كما شهد في الشام معركة مؤتة بالأردن مع زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب، وشهد معركة اليرموك على ثرى الأردن، وشهد فتح مصر وروى عنه نحوا من أربعين من أهلها الحديث النبوي الشريف. وكان رجلا آدما، جسميا ضخما في إزار إلى نصف الساقين، قال رضي الله عنه: إنما جاءتنا الأدمة من قبل أخوالي، والخال انزعُ شيء، وجاءني البضُع من أخوالي فهاتان الخصلتان لم تكونا في أبي رحمه الله، كان أبي ابيض، لا يتزوّج النساء شهوة إلا لطلب الولد). وكان يُصَّفر لحيته بالخُلوق والزعّفران، ويعفيها إلا في حج أو عمره، وشعر رأسه طويل حتى ليبلغ منكبيه، وصُف بأنه من أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا، وموصوف بالورع. كتب رجل لابن عمر: اكتب إليَّ بالعلم كُلَّه، فكتب إليه ابن عمر: ((إن العلم كثيرُ، ولكن إن استطعتَ أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن من أموالهم، كافا لسانك عن أعراضهم لازما لأمر الجماعة، فأفعل، والسلام)). وعندما مرض مرضه الأخير الذي قُبضَ فيه ذُكرت الوصية لابن عمر في مرضه فقال: أما مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه، وأما رباعي وأرضي فإني لا أُحبّ أن يشارك ولدي فيها أحد . وقد بقي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة تفد إليه الوفود من الناس للعلم والإستزاده، وكان آخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موتا بمكة حيث مات سنة أربع وسبعين وكان عمرة سبعا وثمانين سنة. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لُكّل أمة عالمٌ وعالم هذه الأمة عبد الله بن عمر، ولكل نبيّ خليلٌ وخليلي سعد بن معاذ). ذكر عبد الله بن عمر رضي الله عنه يوما رؤيا رآها في منامه قال: رأيت كأن بيدي قطعةٌ من إستبرق وليس مكان في الجنّة أريُدهُ إلا طارت بي إليه فقصصُتها على حفصة أم المؤمنين أخته فقصتها على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أخاك رجلٌ صالحٌ، لو كان يقوم الليل). قال: فما تركتُ قيام الليل بعد ذلك. وقد روي أن ابن عمر يتّبع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآثاره، وحاله ويهّتم به، حتى كان قد خيف على عقله من اهتمامه بذلك وكان يسأل باستمرار عما ذكره أو أشار إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في غيابه، ولذلك فقد قال ابن المسيب لو شهدت لأحد أنه من أهل الجنة لشهدتُ لابن عمر . وكان ابن عمر إذا قرأ ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلُوبهم لذكر الله الآية (16) من سورة الحديد بكى حتى يغلبه البكاء. كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يتوضأ لكل صلاة ويقرأ القرآن الكريم بين كل صلاتين مكتوبتين، وإذا فاتته العشاءُ في جماعة أحيى بقية ليلته، ولم يكن ليصوم في سفر ولا يكاد يفطر في الحضر. وعن رأي ابن عمر في الفتنه سأله رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن! ما يحملك على أن تحج عاما، وتعتمر عاما، وتترك الجهاد؟ فقال: بُني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، وصلاة الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. فقال يا أبا عبد الرحمن ألا تسمع قوله تعالي: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) الآية (8) من سورة الحجرات. فقال: لان اعتبر بهذه الآية، فلا أُقاتل أحبُّ إليَّ من أن اعتبر بالآية التي يقول فيها ((ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها)) الآية (92) من سورة النساء فقال: ألا ترى أن الله يقول: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)) الآية (193) من سورة البقرة. قال: قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلا، وكان الرجلُ يفتن في دينه، إما أن يقتلوه، وإما أن يسترقّوه، حتى كثُر الإسلام فلم تكن فتنه. قال رجل لابن عمر : يا خير النّاس، أو ابن خير الناس، فقال: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس، ولكنيّ عبد من عباد لله، أرجو الله، وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه (يعني بهذا المديح). وتوفي رحمه الله في مكة ودفن في فخَّ. وقد أوصى أن يدفن خارج الحرم فلم يستطع ورثته ذلك فدفن بمقبرة المهاجرين بفخَّ. رحمه الله رحمة واسعة |
شرف وأي شرف أن تطأ أقدام أحد الصحابة أو التابعين أومن سار على نهجهم إلى يوم الدين أن تطأ أقدامهم الشريفة أي بقعة من هذا الكون .. شكراً لك أخي الكريم النسري .. ويستحق المتابعة .. |
إقتباس:
نعم سيدي ما كتبت ذلك إلا لأنه شرف كبير واي شرف أن يطأ ثرى بلدنا صحابي جليل، فالمعروف ان بلادنا بلاد الأنبياء وفي مدينتي لوحدها مقامات الأنبياء أيوب ويوشع وشعيب وجاد (جادور) وغيرهم ... بارك الله فيكم وبإنتظار ملاحظاتكم الطيبة ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته |
أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه
أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه نُطلُ اليوَم على غور الاردن لنقف على مقام الصحابي الجليل أبو عبيدة عامر بن الجراح، وهو: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أُهٌيب القرشيّ الفهريّ المكّيُ: يلتقي نسباّ بالرسول صلى الله عليه وسلم في فهر، وقد أنقرض نسله رضي الله عنه أسلم قبيل دخول الرسول صلى الله عليه وسلم دار الارقم مع عبد الرحمن أبن مضعون، وعبيدة بن الحارث، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو سلمة بن عبد الآسد في ساعة واحدة، وذلك بعد ان عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم الاسلام، وشرح لهم شرائعه وهو أحد السابقين الآولين بالاسلام، بشّره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، وسماه أمينَ الآمة، رُويَ عن أنس رضي الله عنه ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: أّنّ لكل أمة أمينا وأمينُ هذه الآمة أبا عبيدة بن الجراح. وكان أبو عبيدة رجلآ طويلا نحيفا، معروق الوجه بمعنى قليل لحم الوجه، خفيف اللحية، له عقيصتان، وكان يُخّضبُ بالحناء، وفيه انعطاف الكاحل نحو الصدر مع انحناء من الكبر، أثرم لانخلاع ثنيتيه، وهما السنان الأماميان في مقدم الفم وقد كان لذلك قصة:- إذ أن أبا عبيدة رضي الله عنه لما شارك في معركة أُحد، وأبلى يومها بلاءا حسنا كان أن أصُيب الرسول صلى الله عليه وسلم بحلقتين دخلتا وجنته الشريفه من ضربة اصابته، فجاء أبو عبيدة ليعالجهما، واستطاع أن يخلعها بثنيتية فانخلعتا فحسن ثغره حتى قيل ما رؤي هَتٌم قط أحسنُ من هتم ابو عبيدة . وعُرف عن ابي عبيدة أنه كان رجلا حسن الخلق، لين المعشر، مع حلم زائد، وتواضع جم، وروي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لصحابته رضوان الله عليهم أجمعين ما منكم من احد الا لو شئت لآخذت عليه بعض خلقه الا أبا عبيدة . وكان أبو عبيدة متبعا لآمر الرسول عليه السلام، وله مناقب جمة، مع ذلك عرف عنه بأنه داهية قريش. روى أبو عبيدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم مجموعة من الاحاديث . وكان معدودا فيمن جمع القران الكريم، وشهد بدرا، ثم شهد احدا حسبما اسلفنا، وارسله الرسول صلى الله عليه وسلم في سرية إمداد لعمرُو بن العاص رضي الله عنهما في غزوة ذات السلاسل وأمّره الرسول عليه السلام على سراة المهاجرين المعروفين ومنهم ابا بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما . فلما أنتهى الى عمرو بن العاص تخلىّ عن القيادة لعمرو رغم الحاح الصحابة عليه، مذكرين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمّره، فقال عمرو: إنما أنتم مددٌ أمددتُ بكم، فلما رأى ذلك أبو عبيدة، وكان حسن الخلق، لين الشكيمة، سلّم الإمارة لعمرو. وكان اسقفا نجران العاقب والسيد قد قدما الى الرسول صلى الله عليه وسلم طالبين ان يرسل معهما الرسول صلى الله عليه وسلم رجلا امينا حق أمين فقال عليه السلام: لآبعثن معكم رجلا أمينا حقّ امين . فاستشرف لها الناس فقال صلى الله عليه وسلم: قم يا أبا عبيدة. وقد تمنىّ الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيتا ممتلئا رجالا مثل ابي عبيدة . ارسلة الخليفةُ ابو بكر الصديق اميرا على جيش لفتح الشام في السنة الثالثة عشرة للهجرة ومرّ بمآب ويأتي لفظها (مؤاب) فقاتلوه وقاتلهم ثم طلبوا الصلح فصالحهم وكان هذا الصلح لآهل مؤاب هو أول صلح بأرض الشام ومؤاب حاليا بلدة في محافظة الكرك. ثم كانت وقعه اجنادين قرب الرمله ونصر الله المسلمين (ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أن أجنادين من كوره بيت جبرين موضع معروف بالشام من نواحي فلسطين، وكانت الوقعه قبل نحو شهر من وفاة ابي بكر الصديق رضي الله عنه) ثم معركة اليرموك وكان قائد الجيش خالد بن الوليد رضي الله عنه، ثم توفي ابو بكر الصديق وتولى الخلافة عمر بن الخطاب فكتب لأبي عبيدة يوليه قيادة الجيش وكانت موقعة مرج الصفّر وهو مرج جنوبي دمشق بين الكسوة وغباغب، ثم حصار دمشق وفتح ابو عبيدة دمشق صلحا من باب الجابية ثم جرت وقعة فحل (بكسر اوله وسكون ثانية واخره لام) ذكر ياقوت الحموي انه اسم لموضع بالشام وكان ذلك بعد فتح دمشق بعام واحد، وقال القعقاع بن عمرو التميمي فيها : - وغُداةُ فحل قد رأوني معلمــــــا *** والخيـل تَنحَطُ والبلا أطـــوارُ ما زالت الخيل العرابُ تدوسهم *** فـي حوم فحل والهبا مـــــوّارُ حتى رمين سراتهم عن أسرهم *** في روعة ما بَعدُها استمرارُ وسُمي يوم فحل يوم الرذّغـة ويــَـومَ بُيســان، ويروى انه لما اشتد الطاعون في بلاد الشام كتب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى أبي عبيدة كتابا جاء فيه ما نصه: ((انه قد عَرُضَت لي حاجة ولا غنى لي عنك فيها، فعجّل الي)) . فلما قرأ أبو عبيدة الكتاب قال: عَرَفتُ حاجة أمير المؤمنين، انه يريد ان يستبقى من ليس بباق وكتب ابو عبيدة للخليفة عمر كتابا جاء فيه اني قد عَرَفتُ حاجتك، فحلّلني من عزيمتك، فاني في جند من اجناد المسلمين، لا أرغب بنفسي عنهم . فلما قرأ عمر رضي الله عنه الكتاب بكى فقيل له: مات ابو عبيدة؟ قال: لا، وكأن قد أي نعم وكأنه قد مات . وكان الخليفةُ عمُر رضي الله عنه عندما زار الشام سأل عن ابي عبيدة وزاره في منزله فلم يرَ فيه غير سيفه وترسه ورحله، فبكى عمر، فقال له أبو عبيدة: قد قلت لك ستعصر عينيك عليَّ يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يبلغك المقيل . قال عمر: غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة. وأصيب أبو عبيدة بالطاعون، وانطلق من الجابية الى بيت المقدس للصلاة في المسجد الاقصى، واستخلف على الناس من بعده معاذ بن جبل رضي الله عنه وروي إنه لما مرض ابا عبيدة وكانت إمرته تحيفه جالسةً عند رأسه، وهو مقبل بوجهه على الجدار سئلت عنه فقالت: بات بأجر، فقال: إني والله ما بتُّ بأجر! ثم أردف قائلاً: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله، فبسبعماية، ومن أنفق على عياله، أو عاد مريضاً أو ماز أذى فالحسنة بعشر أمثاله، والصوم جُنَّةٌ، ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله ببلاء في جسده، فهو له حطة. فادرك ابا عبيدةَ أجَلَةُ قبل ان يصلي في المسجد الاقصى في فحل قرب بيسان فتوفي فيها في السنة الثامنه عشرة للهجرة عن ثمانية وخمسين سنة . |
زيد بن حارثة رضي الله عنه
زيد بن حارثة رضي الله عنه هو زيد بن حارثة بن شرحبيل أو (شرحيل) بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر ابن النعمان، أُمه سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر الملقب بزيد الحب، الامير الشهيد الذي ورد ذكره في سورة الأحزاب الآية (37): قال تعالى: ''وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس واللهُ أحقُّ أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطراً وكان أمر الله مفعولاً'' صدق الله العظيم، ولم يُسمِّ تعالى في كتابه صحابياً باسمه إلا زيد بن حارثة، سيد الموالي واسبقهم الى الاسلام، وهو حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابو حبه (اسامة بن زيد)، وما احب رسول الله صلى الله عليه وسلم الا طيبا اول من اسلم من الرجال، وهو صحابي جليل روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديثان، وروى عنه ابنه اسامة، وروى اسامة كذلك عن يوم استشهاد والده ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال يوم استشهاد زيد في معركة مؤتة في جمادى الاولى من السنة الثامنة للهجرة ان زيدا ''يبعث امة وحده'' وكان عمره نحوا من خمس وخمسين سنة. وكان رضي الله عنه قصير القامة، ابيض البشرة، وقد اسرته خيل من تهامه وجاءت به لبيعه رقيقا في مكة وشاهده الرسول صلى الله عليه وسلم وعرض على ام المؤمنين خديجة رضي الله عنها ان تشتريه فاشترته بسبعماية فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لو كان لي لاعتقته فردت رضي الله عنها: فهو لك فاعتقه الرسول عليه السلام وذكر لاهل مكة ان زيدا يرثه فردد كفار مكة ان زيدا ابن محمد صلى الله عليه وسلم الى ان نزلت الاية الكريمة من سورة الاحزاب ''ادعوهم لابائهم هو اقسط عند الله'' الاية (5) الاحزاب وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكبر زيدا بعشر سنين. زوّجه الرسول صلى الله عليه وسلم من حاضنته عليه السلام ام ايمن الحبشية، التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ''أم ايمن امي بعد امي'' فولدت لزيد (أسامة بن زيد) وكان يكنى به. واَخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين زيد وحمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة الى المدينة وكان زيد من الرماة المذكورين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما جاء ابوه حارثة وعمه كعب يسألان الرسول صلى الله عليه وسلم لفداء زيد ورد عليهما الرسول عليه السلام: ''ادعوه فخيروه، فان اختاركم فهو لكم بغير فداء، وان اختارني فوالله ما أنا بالذي اختار على من اختارني فداءا'' ولما دعياه امام الرسول صلى الله عليه وسلم قال زيد للرسول عليه السلام: ''ما انا بالذي اختار عليك احدا، انت مني بمكان الاب والعم'' فقالا له: ويحك يا زيد اتختار العبودية على الحرية وعلى ابيك وعمك واهل بيتك قال: رأيت من هذا الرجل شيئا ما انا بالذي اختار - عليه احدا''. اخرج الترمذي ومسلم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا واّمر عليهم اسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في امارته فقال صلى الله عليه وسلم: ''ان تطعنوا في امارته فقد كنتم تطعنون في امارة ابيه من قبل، وايم الله ان كان لخليقا للامارة وان كان لمن احب الناس الي وان هذا (اسامة) لمن احب الناس اليّ من بعده. واخرج الحاكم عن جبير بن مطعم عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ''خير امراء السرايا زيد بن حارثة، اقسمهم بالسوية، واعدلهم بالرعية''. ولذلك فان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبعثه في سرية الا امّره عليها، وغزا سبع غزوات اميرا، وكانت هذه الامارة تثير غيرة الصحابة رضي الله عنهم الحريصين على كل تكليف من الرسول عليه السلام باعتبارة تشريفا لهم. وقد قدمّه الرسول صلى الله عليه وسلم على الامراء في غزوة مؤته: ومؤَتةُ، بالضم ثم واو مهموزة ساكنة، وتأء مثناه من فوقها كانت قرية من قرى البلقاء في حدود الشام، تصنع فيها السيوف وإليها تنسب المشرفية من السيوف، قال ابن كثير: إذا الناس ساموكم من الأمر خطـــةً *** لها خطمة فيها السمام المثَّمـــلُ أبى الله للشُّم الأنوف كأنهــــــــــــــم *** صوارمُ يجلوها بمُؤتَة صقـــــــلُ ومؤتة حالياً مدينة عامرة تتبع محافظة الكرك بالأردن إدارياً وتضم جامعة مؤتة التي زاد عدد طلبتها على اثنين وعشرين ألفاً. وقد عقد الرسول (صلى الله عليه وسلم) لزيد الراية، فلما التقى المسلمون المشركين من الروم والمستعربه من اتبّاعهم في جيش ضخم قيل انه بلغ مائتي الف مال الروم الى المشرفيه ومال المسلمون الى مؤته وكان الامراء يقاتلون على ارجلهم فاخذ زيد بن حارثة اللواء فقاتل قتالا ضاريا واستشهد طعنا بالرماح ولما بلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ''استغفروا له وقد دخل الجنه وهو يسعى''. وعندما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم استشهاد زيد بن حارثة وجعفر بن ابي طالب وعبد الله بن رواحة في مؤتة قام صلى الله عليه وسلم وذكر استشهاهم وبدأ بزيد فقال: اللهم اغفر لزيد، اللهم اغفر لزيد اللهم اغفر لزيد (ثلاثا) ثم قال: اللهم اغفر لجعفر وعبد الله ابن رواحه ''. وقد فضّل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه اسامه بن زيد في العطاء على ابنه عبد الله ابن عمر فاعطى اسامة ثلاثة الاف وخمسماية، وفرض لابنه عبد الله بن عمر بن الخطاب ثلاثة الاف فاعترض عبد الله بن عمر لوالده الخليفه على هذا التمييز مُذّكرا والده ان اسامة بن زيد لم يسبقه -في الجهاد - الى مشهد، ولكن الخليفه عمر رضي الله عنه يرد على ابنه بهدوء ''يابُني كان زيد أحب الى الرسول صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان اسامة أحب الى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك فاَثرت حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي''. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما بلغه استشهاد زيد بن حارثة قد اتى منزله بعد ذلك ولقيته ابنة زيد فأُجهشت بالبكاء في وجهه، فلما راَها الرسول صلى الله عليه وسلم بكى حتى انتحب فقال له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: ''شوق الحبيب الى حبيبه''. وكان السبب المباشر لغزوة مؤتة ان الرسول صلى الله عليه وسلم ارسل الحارث بن عمير الازدي الصحابي الجليل الذي استشهد وبنت وزارة الأوقاف الأردنية مقامه في الطفيلة قرب بصيرة، ثم احد بني لهب الى ملك بصرى بكتاب، فلما نزل عرض له شرحبيل بن عمرو الغساني وعلم انه من رسل الرسول صلى الله عليه وسلم، امر به فاوثق رباطه ثم قدمة فضرب عنقه صبرا ولما بلغ الخبر رسول الله اشتد عليه، وندب الناس واخبرهم بمقتل الحارث وقاتله وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: زيد بن حارثه امير الناس فان قتل زيد بن حارثه فجعفر بن ابي طالب، فان اصيب جعفر فعبد الله بن رواحة، فان اصيب عبد الله بن رواحة فليرتض المسلمون بينهم رجلا فيجعلوه عليهم . وكان لواء زيد ابيض وعدد جيشه ثلاثة الاف، وتعتبر غزوة مؤتة من الغزوات التي قصد بها الرسول صلى الله عليه وسلم إعزاز الاسلام ودولته والانتقام من الاعداء الذين انتهكوا حرمة دولة الاسلام فاعتدوا - دون وجه حق - على رجالها وهم رسل السلام، وهو ما يعزز حرمة دم المسلم وكرامته في الاسلام. |
خالد بن الوليد رضي الله عنه
خالد بن الوليد رضي الله عنه هو خالد بن الوليد بن المغيره بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظه بن كعب، الملقب بأبي سليمان القرشي المخزومي المكي، صحابي جليل، كان في الجاهلية من سادة قريش وقائدا لفرسانهم في الحرب تأخر رضي الله عنه في تلبية دعوة الاسلام، وشهد مع المشركين وفي مواجهة المسلمين مواقع بدر وأحُد والخندق، والحديبية . والده الوليد بن المغيرة (أبو عبد شمس) من قضاة العرب في الجاهلية، ومن زعماء قريش، وكان يقال له العدل لآنه كان عدل قريش كلها حيث كانت قريش تكسو الكعبة (البيت) مرة والوليد يكسوه وحده مرة اخرى، وكان ممن حّرم الخمر في الجاهلية، وادرك الاسلام وهو شيخ هرم فعاداه وقاوم دعوته، وتوفي بعد الهجرة بثلاثة أشهر . هاجر خالد رضي الله عنه مسلماً إلى المدينة المنورة في صفر من السنة الثامنة للهجرة، وهو ابن أخت أم المومنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، شارك في فتح مكة وغزوة حنين، ثم معركة مؤته، حيث تولى قيادة جيش المسلمين في مؤتة بعد ان استشهد القادة الثلاثة الذين عينهم الرسول صلى الله عليه وسلم وهم (زيد بن حارثة، جعفر بن ابي طالب، وعبد الله بن رواحة) . فاختاره المسلمون قائدا لمتابعة القتال، ثم انه استطاع ببراعته الحربية ان ينسحب بالجيش ويعود به الى المدينة بخسائر قليلة، وقد أبلى بلاءا حسنا في مؤته، عن أنس رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم نعى امراء مؤته ثم قال: (أصيبوا جميعا ثم اخذ الراية بعد سيف من سيوف الله خالد بن الوليد) وكان صلى الله عليه وسلم يحدث الناس وعيناه تذرفان . ولمّا تولى الخلافة ابو بكر الصديق رضي الله عنه وجّه خالدا رضي الله عنه لقتال المرتدين، وانتصر عليهم، وقتل مسيلمه الكذاب، وقضى على الردة التي كانت محاولة من القبائل العربية في الجزيره العربية لمقاومة سيطرة قريش على الخلافة الاسلامية في المدينة وضد السيطره السياسية للمدينة المنوره ومكه . ثم ارسلة ابو بكر لفتح العراق في السنة الثانية عشرة للهجرة ففتح الحيرة، وأماكن مختلفة من العراق ثم طلب اليه ابو بكر ان يتحّول الى بلاد الشام لنجدة جيوش المسلمين فيها وفتح دمشق، فاخترق بادية السماوة، وقطع المفازة من العراق إلى أول بلاد الشام في خمس ليالٍ كان قائداً للجيش، وشهد حروب الشام، وفتح دمشق مع أبي عبيدة، ثم انعزل إلى حمص ومنها اعتمر ثم عاد إليها وتوفي فيها. وكانت معركة اليرموك معركة فاصلة بين الروم والمسلمين، نصر الله فيها المسلمين، وسار خالد مع ابي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه لفتح دمشق، وكان ان تولى الخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأرسل كتابا بتولية القيادة العامة لجيش المسلمين الى أبي عبيدة، وتنحى خالد رضي الله عنه عن قيادة الجيش كجندي مثالي، وفارس مغوار طائعا ملتزما كجندي تحت قيادة ابي عبيدة، رغم كل الانتصارات التي حققها، مؤكدا من جديد وبصورة عملية انه كان ولا يزال سيف من سيوف الله . رويَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال في حادثة عزل خالد عن قيادة الجيش : لانزّعن خالدا حتى يعلم ان الله انما ينصر دينه يعني بغير خالد قال القعقاع بن عمرو في معركة اليرموك: وجئنا الى بصرى وبصرى مقيمة فألقت الينا بالحشا والمعاذر فضضنا بها ابوابها ثم قابلت بنا العيُس في اليرموك جمع العشائر ثم ولي خالد بن الوليد دمشق لآبي عبيدة ومن بعده في عهد عياض بن غنم حتى مات ثم انعزل خالد الى حمص، واستقربه المقام في مدينة حمص الى ان وافته المنية سنة احدى وعشرين هجرية، رويَ عنه انه لما دنا اجله قال: (لقيت كذا وكذا زحفا وما في جسدي شبر الا وفيه ضربة بسيف او رمية بسهم، وها أنا اموت على فراشي حتف انفي كما يموت البعير، فلا نامت اعيُن الجبناء) وتوفي رضي الله عنه عن ستين سنة . قال عنه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد وفاته: كان والله سّدادا لنحر العدو، ميمون النقيبة وعندما رأى عمر النسوة يبكين خالدا في المدينة المنوره قال: ما على آل الوليد ان يسَفحن على خالد من دموعهن، ما لم يكن نقعا او لقلقة . والنقع: حث التراب على الرؤوس، واللقلقه: الصراخ . فيما قال خالد رضي الله عنه عن نفسه ما من ليلة يهدي الّي فيها عروس أنا لها محّب أحب الي من ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد في سرية أصّبحُ فيها العدو . روى خالد رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث قليلة، وله في كتب الحديث أحاديث كثيرة منها حديثين في (الصحيحين)، ومها ما أخرجه أحمد في مسنده عن خالد بن الوليد أنه سأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) قائلاً: يا رسول إن كائداً من الجن يكيدوني فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن برٌ ولا فاجر من شر ما ذرأ في الأرض، وما يخرج منها، ومن شر ما يعرجُ في السماء وما ينزل منها، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمان، قال ففعلت فأذهبه الله عني. ومنها أيضاً ما رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب من أن النبي (صلى الله عليه وسلم) بعث خالداً إلى بني جذيمة فقتل وأسر (منهم الكثير)، فرفع النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال: اللهم إني أبرأُ إليك مما صنع خالد، وكررها مرتين، كناية عن عدم رضا الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن هذه الأفعال . وذكر خالد ان انشغالة الدائم في الجهاد منعة من الاكثار من قراءة القران الكريم ولم يترك من ميراثه سوى سيفه ودرعة وفرسة وقد احتسبها في سبيل الله تعالى، وله مقام على باب حمص ويجري دراسة وتدريس اساليبة وخططه العسكرية في كل المعاهد العسكرية والاستراتيجية حتى يومنا هذا . رحم الله خالد بن الوليد رحمة واسعة |
عبد الله بن رواحه رضي الله عنه
عبد الله بن رواحه رضي الله عنه هو عبد الله بن رواحه بن ثعلبه بن امرئ القيس بن ثعلبه، أبو عمرو الانصاري الخزرجي الشاعر المكنُىّ بأبي محمد، وأبي رواحه وليس له عقب، وهو وأبو الدرداء أخوان لأُمه كبشة بنت واقد بن عمرو وهي خزرجية أيضاً، وهو خال النعمان بن بشير وروى عنه الكثير وقد شهد بدرا وما بعدها إلى أن استشهد، وكان أحد النقباء في العقبة، وكان من كتاّب العرب في الجاهلية ومن كتاب الانصار، بعد الهجرة في المدينة، ومن الشعراء القلة المخضرمين. كان عبد الله بن رواحة من شعراء الجاهلية، كان يناقض شاعر الاوس القبيلة المنافسة لقبيلته وهو قيس بن الخطيم، وأصبح لاحقاً من شعراء الإسلام وشعراء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو القائل:- يا هاشم الخير أن الله فضلكــم *** على البريــة فضلا ما له غيرُ أني تَفرستُ فيك الخير أعرفـهُ *** فراسـة خالفتهم في الذي نظرواُ ولما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك أقبل بوجهه مستبشرا وقال :- (( وأياكَ فثبّت الله)).ولو سألت أن استنصرت بعضُهُم *** في حلّ أمرك ما آووا ولا نصروا فثبت الله ما اتاك من حَسَـــن تثبيت *** موسى ونَصرا كالذي نصروا أنت الرسولُ فمن يُحْرَمْ نوافلـهُ *** والوجه منه فقد أزرى به القدر روُي أن ابن رواحة اذا لقي الرجل من أصحابه كان يقول له: تعال نؤمن ساعة فقالها يوما لرجل فغضب الرجل وجاء الى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ألا ترى أبن رواحة يَرغبُ عن ايمانك الى ايمان ساعة . فقال صلى الله عليه وسلم: رحم الله ابن رواحة أنه يُحبّ المجالس التي تتباهى بها الملائكه . وقد رُوي أيضا أن ابن رواحة قدم الى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فسمعه يقول (أجلسوا). فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من خُطبته. ولما بلغ ذلك الرسول عليه السلام قال: ((زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله)). وهو ثالث أمير أمّره الرسول صلى الله عليه وسلم على جيش المسلمين في معركة مؤته: ولمّا وصل الجيش الاسلامي ناحيُة معُان علموا بأن الروم قد جمعوا لمواجهتهم جيشاً عظيماً من الروم والمستعربه، وجرت مشاورات بين قادة الجيش حول السير الى مؤته أو العودة، وابن رواحة صامت، ولمّا استشير قال: أنا لم نسر لغنائم، ولكننا خرجنا للّقاء، ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة، والرأي المسير اليهم وهكذا كان . وعندما بدأت معركة مؤته واستُشهد زيد بن حارثه ثم جعفر بن ابي طالب، واستلم ابن رواحة الراية أحّس بنفسه ترددا عن الاقدام للقتال فأنشد:- أقسمت يا نفسُ لتَنَزّلنه *** طَائعة او لتكَرهّنـــه ثم اقدم على جيش الروم أقدام قائد شجاع فذّ فقاتل رضي الله عنه وأرضاه حتى استشهد على ثرى مؤته. فطالما قَد كُنت مُطمئنّه *** مالي أراك تكرهين الجنّه روى ابو الدرداء رضي الله عنه قال: أن كُنّا لنكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر في اليوم الحار، ما في القوم أحد صائم الا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحه . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد استخلفه على المدينة المنورة عندما سار المسملون الى غزوة بدر الموعد، وهي الغزوة التي تحدئّ بها أبو سفيان وهو على الشرك المسلمين بعد معركة أُحد قائلا للمسلمين: أن موعدكم بدر العام المُقبل غير أن أبا سفيان خرج في جيش المشركين في الموعد لملاقاة المسلمين ولم يبلغوا بدر وعادوا الى مكة دون قتال المسلمين فسمّى أهل مكة جيش ابي سفيان بجيش السويق . قائلين لهم: ((خرجتم تشربون السويق)). عن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة في عُمرة القضاء وابن رواحة بين يديه يُنشد: خّلوا بني الكفار عن سبيله *** اليوم نَضربكُم على تنزيله فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا بن رواحة في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر؟!! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خَّل يا عُمرُ، فهو أسرعُ فيهم من نضح النّبل .ضربا يُزيلُ الَهَام عن مقَيله *** ويُذهلُ الخَليَل عن خليلـه ولما نزلت الآية الكريمة عن نار جهنم وأن منكم الا واردها بكى ابن رواحه وبكت أمراته، فقال لها: مالك؟ قالت بكيت لبكائك . فقال: أني قد علمت أني وارد النار، وما أدري أناج منها ام لا؛ ولم ينبئني اني صادر عنها، فذاك الذي أبكاني . وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث ابن رواحة رضي الله عنه الى خيبر وجرت بينه وبين اليهود مماحكات فجمع اليهود حُليا من نسائهم فقالوا: هذا لك وخففّ عنا . قال: يا معشر يهود! والله أنكم لمن أبغض خلق الله الّي . وما ذاك بحاملي على أن احيف عليكم والرشوه سحت . وقد تزوج رجل بإمرأة ابن رواحة فقال لها أتدرين لم تزوجتك؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته، فذكرت له شيئاً، غير أنها قالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته، صلى ركعتين، وإذا دخل صلى ركعتين. لا يدع ذلك أبدا. وتذكر كتب السيرة والتاريخ أن عبد الله برواحة قد قال قصيدة طويلة في طريقه إلى موقع معركة مؤتة مخاطباً ناقته جاء فيها: إذا أديتني وَحَملتِ رحلــي مسيرة أربع بَعْدَ الحســـاء فشأنك أنعمٌ وخـــلاكِ ذَمٌّ ولا أرجع إلى أهلي ورائــي وجاء المسلمون وغادروني بأرض الشام مشتهي الثـواء ولما ودّع المسلمون جيش مؤتة قالوا لهم: صحبكم الله ودفع عنكم وردكم صالحين؛ فأنشد ابن رواحه شعراً منه: لكنني أسألُ الرحمن مغفــــرة وضربةٌ ذات فرغٍ تقذف الزبــدا حتى يقال إذا مروا على جدثــي أرشده الله من غازٍ وقد رشــدا وقبرُ عبد الله بن رواحـة موجودٌ في مؤتة بالأردن وهو اليوم مزارٌ وفيه مسجد. |
عمرو بن العاص رضي الله عنه
عمرو بن العاص رضي الله عنه هو عمرو بن العاص بن وائل السهمي، ابو عبد الله، داهية قريش الموصوف بأنه داهية في حلّ المعضلات، ومن يُضَربُ به المثل في الفطنة والدهاء والحزم، كان من فرسان قريش في الجاهليه وشاعرا حسن الشعر وهو القائل: اذا المرُء لم يترك طعاما يُحُّبهُ *** ولم يَنه قلبا غاويا حيث يَمّما قضى وطرا منه وغادَرَ سّبـــــــــــــةً *** إذا ذُكرت أمثالها تملآ الفمــــــــــــا تأخرت أستجابته لدعوة الاسلام، وشارك مع المشركين في قتال المسلمين في وقعة بدر وأحُد ولم يحضر صلح الحديبية، وذهب للوهط وهي قرية بالطائف على ثلاثة ايام من وجّ قيل انه عرش فيها ''الف الف عود كرم على الف الف خشبة أبتاع كل خشبة بدرهم''. وُذكرَ انه لما حجَّ سليمان بن عبد الملك مّر بها فقال: هذا اكرم مال وأحسنه لولا أن هذه الحرة في وسطة فقيل له: ليست بحّرة ولكنها مسطاح زبيب''. الحرة الأرض المنبسطة ذات الحجارة السوداء الملساء . بعد غزوة الخندق التي نصر الله فيها المسلمين، وهزم الاحزاب وحدة، واعتبرت نقطة تحول في مستقبل الدعوة الاسلامية، ذهب عمرو وهو على الشرك الى صديقة النجاشي في الحبشه، واشترى له هدايا من الأدم(الجلد) ليعيد المسلمين المهاجرين للحبشه ويَثنيهم عن دينهم، وجد في الحبشه جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه وجرى بينهما وبين النجاشي نقاش حول نبوة الرسول عليه السلام نصحه النجاشي اثرها أن يُسلم، حيث قدم الى الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة ومعه خالد بن الوليد في السنة الثامنة للهجرة فقال عمرو: يا رسول الله، ابايعك على أن يغفر لي الله ما تقدم من ذنبي؟ ولم يذكر ما تأخر. فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عمرو بايع فان الاسلام يُجّبُ ما كان قبله). وأضاف عمرو قائلاً: فوالله إني لأشد الناس حياء من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . فما ملأت عيني منه ولا راجعته . روي ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله عمرا ثلاث مرات وهو في البحرين ولما سئل عليه السلام ما شأنه؟ قال: كنت اذا ندبت الناس الى الصدقه، جاء فأجزل منها فأقول: يا عمرو انى لك هذا؟ فقال: من عند الله وقال صلى الله عليه وسلم: وصدق عمرو، ان له عند الله خيرا كثيرا). روى عدة أحاديث وروى أيضاً أحاديث عن أم المؤمنين رضي الله عنهما. وكان قصير القامة، يخُضبُ بالسواد، معروف بفصاحته وبيانه وسداد رأيه وانه نقي السريرة: سره كعلانيته، يكرم جليسه، روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد . وروي أن عَمْراً كان يسرد الصوم، وقلما يصيب من العشاء أول الليل . وقال إنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ''ان فصلا بين صيامنا وصيام اهل الكتاب أكلَةُ السّحر''. وروي أن عمراً قال: ''لا أملُّ ثوبي ما وسعني، ولا أملُّ زوجتي ما أحسنت عشرتي، ولا أملُّ دابتي ما حملتني، إن الملال من سيء الأخلاق'' . أمره الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات السلاسل لعلمه بمقدرته الحربية، فاصاب الصحابة برد ونهاهم عمرو عن اشعال النار، فلما عادوا شكوه للرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عمرو: ''يا نبي الله، كان فيهم قلة، فخشيت أن يرى العدّو قلتّهم، ونهيتهم أن يتبعوا العدّو مخافة أن يكون لهم كمين'' فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسله في السنة التاسعة للهجرة الى عُمان حيث فاوض حاكميها جَيفر وعباد أبني الجلندي فدخلا الاسلام وكان في عُمان عندما انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم للرفيق الاعلى . شهد عمرو يوم اليرموك، وابلى بلاءا حسنا، وكان قائدا على جيش تحت أمرة خالد بن الوليد - رضي الله عنهما - وشارك في أجنادين وفتح دمشق ثم ارسله ابو عبيدة بن الجراح الى أهل حلب وانطاكية فصالح اهلها ثم افتتح قنسرين عنوة، ثم ولاه الخليفه عمر بن الخطاب الاردن وفلسطين نظرا لدوره في فتح هذه المناطق، ثم كتب اليه ليسير الى مصر وأفتتحها بدءا من حصن بابليون سنة عشرين للهجرة وأسس الفسطاط بمصر ثم سار الى الاسكندرية وفتحها سنة احدى وعشرين هجرية ثم فتح طرابلس بعدها بسنة وولاه الخليفة عمر بن الخطاب إمرة مصر وبقي والياً عليها زمن معاوية بن أبي سفيان. ولم يشارك في الفتنة بداية وبقي معتصما في مكة حينا ثم لجأ الى معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنه وشارك ممثلا له في التحكيم الذي جرى في شعبان سنة ثمان وثلاثين للهجرة، والذي جرى في أذرُح بالفتح ثم السكون وضم الراء والحاء المهملة ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أنها بلد في أطراف الشام من أعمال الشراة، ولا تبعد كثيراً عن الجرباء، فتحت صلحاً في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصولح على مائة دينار جزية، وهي اليوم بلدة عامرة تتبع إدارياً لمحافظة معان وفيها جبل سمي باسم جبل أبو موسى الأشعري أو جبل التحكيم، حيث جرى التحكيم بين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ومعاويه ابن أبي سفيان، وفي التحكيم قّدم عمرو برهانا جديدا على عبقريته السياسيه حيث نجح في اقناع ابي موسى الاشعري ممثل الخليفة علي بن ابي طالب بخلع علي ومعاوية وثبّت معاوية وقال فيه كعب بن جعيل شعراً يصف عبقريته بعبقرية لقمان الحكيم في أذرح قائلاً: كأن أبا موسى، عشية أذرحٍ يطيف بلقمان الحكيم يواربه فلما تلاقوا في تراث محمد سمت بابن هندٍ، في قريش مضاربه الذي كافأه معاوية بن أبي سفيان بتولية مصر . الى ان توفي فيها سنة اثنين واربعين للهجرة سنة (663) ميلادية . رحمـــه الله تعالــــى |
فروة بن عمرو الجذامي النفاثي رضي الله عنه
فروة بن عمرو الجذامي النفاثي رضي الله عنه نستذكر يوم 20 رمضان شهيدا من شهداء الاسلام على ثرى الاردن، استشهد زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقع مقام هذا الشهيد الى الشمال من مدينة الطفيلة قرب حمامات عفرا، وهو اول شهيد خارج جزيرة العرب، واول شهيد في ارض الأردن وبلاد الشام استشهد مصلوبا لانه اعتنق الاسلام . ويعتبر فروة بن عمرو بن الناقدة الجذامي النفاثي الذي كان رحمه الله -واليا للروم على من يليهم من العرب بالبلقاء وما حولها، وكان يقيم في معان، ذكر ياقوت الحموي: أن عفرا وتكتب بالالف الممدوده او المقصوره: ماء بناحية فلسطين: وكان المؤرخون المسلمون يؤكدون خلال كتاباتهم التي تتبعت حركة الفتح الاسلامي على ان مناطق جنوب الاردن ومنها معان، وعفرى جزء من فلسطين التاريخية انذاك، وتعاملوا مع جغرافية فلسطين بمقاطع عرضية وليس طوليه كما هي معروفه الان وبحسب الخرائط التي رسمها الاستعمار الأوروبي الحديث والمعاصر. ولا يعُرف حتى الان كيف بلغ الاسلام فروه ولكن المؤرخين المسلمين يذكرون وفادة رسول فروة الى الرسول صلى الله عليه وسلم في السنه التاسعة للهجرة التي عُرفت بعام الوفود، وقد ارسل فروة للرسول عليه السلام رجلا من قومة هو مسعود بن سعد ومعه رسالة يبلغ الرسول صلى الله عليه وسلم اسلامه مهديا للرسول غلام هو مدعم مولى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو من مواليد حسمى ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أن حسمى بالكسر ثم السكون أرض تنزلها قبيلة جذام العربية والتي ينتمي إلهيا فروة وهي بين العقبة وسيناء ومن جبالها جبل يعرف بإرم (لعله جبل رم قرب العقبة اليوم) وكان مدعم يكنى بأبي إسلام وبغلة بيضاء هي دُلدلُ وفرسا هو الظرب واثواب لين وقباء سندس مخرص بالذهب، وقد ارسل الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة جوابية لفروه جاء فيها (من محمد رسول الله الى فروه بن عمرو: اما بعد: فقد قدم علينا رسولك وبلغ ما ارسلت به، وخبر عما قبلكم، واتانا باسلامك، وان الله هداك بهداه ان اصلحت واطعت الله ورسولة، واقمت الصلاة واتيت الزكاه) ثم امر الرسول صلى الله عليه وسلم بلال بن رباح مؤذن الرسول رضي الله عنه، فاعطى مسعود بن سعد اثنى عشر اوقيه ونصف الاوقيـه. وبلغ ملك الروم اسلام فروة، فطلبه ودعاه الى العودة عن دين الاسلام، وعرض عليه مغريات منها ان يُصبح ملكا، فكان رده -رحمه الله- على ملك الروم: لا أفارق دين محمد، وانك تعلم ان عيسى عليه السلام قد بشر به، ونتيجة لموقفه هذا حُبس فروة عند الروم فترة لترهيبة ولارغامه على الرده عن دينه، ولكنه ابى باصرار وقد ارسل لزوجته سلمى قصيدة معبرة عما يلاقيه في السجن، واصفا فيها ضيق سجنة وسط حراس الروم . وما يتخذونه من الحيلة في التضييق عليه او ترغيبة في الملك لثنيه عن دينه والرجوع عن اسلامه، فأخرجه الروم من سجنه لديهم واقتادوه الى عفرى على مقربة من اهله، وعلى مرأى منهم، وهددوه بالصلب امامهم لعله يفكر في نفسه واهله وما قد يقال بعد صلبة وهو الوالي والرجل والشاعر، ولكنه اصر ثانية وبقي متمسكا بدينه حتى اذا اقتادوه الى ماء عفرى ليصلب وشاهد مكان صلبه تذكر زوجته سلمى ثانية وانشدها واصفا ارتفاع مكان صلبه وكانه على راحلة . ناقة ليس لها مثيل قوائمها مشذبة مرتفعه كانما جرى تشذيبها بالمناجل فقال:- الا هل اتى سلمى بان حليلها على ماء عفرى فوق احدى الرواحل على ناقة لم يضرب الفحل امها مشذبــة اطرافهــا بالمناجــل ومع ذلك فقد بقي فروة متمسكا بدينة وعقيدته، ولم يثنه الترغيب او الترهيب بالردة عن دين الاسلام الذي ارتضى واقتنع واطمئن اليه، وقدم للصلب، وادرك انه مقتول لا محاله فطلب ان يبلغ سادة المسلمين رسالة هي ليست رسالة استعطاف واسترحام او رسالة وصية من مال او عقار او مصلحة او ولد بل هي رسالة تؤكد انه يتحمل الصلب في سبيل الله، وانه قضى شهيدا في سبيل الله مسلما اعظمه وبنانه ونفسه لله تعالى فانشد: بلغ سراة المسلمين بأنني سلم لربي اعظمي وبناني وكان فروة اميرا في قومه الذين كانوا يقيمون في المنطقة الواقعه بين خليج العقبة وينبع، ويقال ان قيصر الروم كلف الحارث بن ابي شمر الغساني ملك غسان باعتقاله وصلبه. فضربت عنقه ثم صلب على ماء عفرى وغدا شهيدا في سبيل الله تعالى، رضي الله عنه وارضاه . ورحمه سبحانه رحمه واسعه بفضله ورضوانه. |
عبُادة بن الصامت الانصاري رضي الله عنه
عبُادة بن الصامت الانصاري رضي الله عنه وهو عُبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة عوف ابن عمرو بن عوف ابن الحارث من الخزرج الأنصاري المكنُيّ بأبي الوليد، صحابي جليل، موصوف بالورع والتقُوى، شهد العقبة وكان أحد النقباء الاثني عشر الذين بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة الى المدينة المنورة وكان يومها نقيبا لبني عوف بن الحارث، وقد ذكر فيما بعد عن هذه البيعة أنهم بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم في العقبة على: ((السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العُسر واليُسر، وعلى الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن نقول في الله لا تأخُذنا في الله لومة لائم، وعلى أن ننُصَرهُ اذا قدم علينا يثرب، فنمنُعهُ مما نمنعُ منه أنفسنا وأزواجنا وأهلنا، ولنا الجنة، ومن وَفىّ وَفىّ الله له الجنة بما بايع عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومَن نكثَ فانما ينكث على نفسه!)). كان عبُادة بن الصامت رضي الله عنه طويلا، ممتلئ الجسم، جميلا، وكان ممن جمع القران الكريم في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه من الانصار، رضوان الله عليهم معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وابو الدرداء، وأبو أيوب الانصاري وكان عبادة يُعلّمُ القران الكريم لآهل الصُفّة المنُقطعون للعبادة في المسجد، وروى رضي الله عنه الكثير من الاحاديث النبوية الشريفه . شهد عبادة رضي الله عنه بدرا، وأحُدا والخندق، وغزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ست غزوات، وشارك في فتوح الشام، وفتح دمشق، وفتح مصر، وكان يقيم في المدينة المنورة ثم أرسله الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى الشام ليُعلمّ الناس أمور دينهم ويقرؤهم القران الكريم، وكان معه معاذ بن جبل، وابو الدرداء رضي الله عنهما، فأقام عبادة في حمص، وأقام معاذ في فلسطين، فيما أقام أبو الدرداء بدمشق، وبعد وفاة معاذ رضي الله عنه بطاعون عمواس أنتقل عبادة بن الصامت الى فلسطين. وكان رضي الله عنه خلال اقامة في الشام يخالف معاوية بن أبي سفيان الذي كان والياً انذاك في الشام في كثير من القضايا، ولما أوُتي من سعة معرفة بتفسير القران الكريم وبالحديث النبوي الشريف، والسيرة النبوية المطهّره فكان معاوية يحاورة مّره، ويجادلة مرّه، يؤيده مّره، وينكر عليه بعض الآمور مرة اخرى، ويصمت عن أخرى ويعود اليه في بعض القضايا وروي أن معاوية قال يوما عن عبُادة: ((اقتبسوا منه فأنه أفقه مني)) . ولهذه القصص دلالة واضحة على تمكنه من الفقه ومعرفة عبادة في أحكام دين الله، وقيامه بالآمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد قال لمعاوية يوما: أنت يا معاوية أصغر في عيني من أن أخافك في الله عز وجّل . فقال معاوية: صدقت! قد كان هذا شأن البيعتين، ولمّا انكر يوما على معاوية قضية اخرى قال عبادة لمعاوية: لا أُساكنك بأرض، فرحل عبادة الى المدينة المنورة فلما بلغها قال له الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما أقدمك؟ فاخبرة، فقال: ارحَل ألى مكانكَ، فقبحَ الله أرضا لستَ فيها وأمثالك فلا إمرة له (أي لمعاوية) عليك!! . بعد حضوره فتح مصر تولىّ عبادة بن الصامت رضي الله عنه ولاية (إيلياء: بيت المقدس) ثم تولىّ القضاء في فلسطين ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان (فلسطين: قصبتها بيت المقدس ومن مشهور مدنها عسقلان والرملة وغزة وأرسوف وقيسارية ونابلس وأريحا وعمّان ويافا وجبال الشراه الى آيلة (العقبة) كله مضموم الى جند فلسطين) وهي في التقسيمات الحدودية الحالية أجزاء من فلسطين وأجزاء أخرى من الأردن، وكان أوّل من ولي القضاء في فلسطين لعمر بن الخطاب رضي الله عنه. وبقي في بيت المقدس قاضيا لفلسطين حتى وفاته فيها سنة أربع وثلاثين للهجرة وكان عمره عند وفاته اثنتين وسبعين سنة ودفن في بيت المقدس. روي أنه لما حضرت الوفاة عبادة بن الصامت قال: أخرجوا فراشي الى الصحن -يعني صحن الدار- ثم قال: اجمعوا اليَّ أمواليَّ وخدمي وجيراني، ومن كان يدخل عليّ، فجُمعوا له، فقال: أن يومي هذا لا أراه ألاّ اخر يوم يأتي عليّ من الدنيا، وأول ليلة من الاخرة، واني لا أدري لعلّه قد فرط مني اليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو -والذي نفسي بيدي- القصاص يوم القيامة، وأُحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك ألا أقتصّ مني قبل ان تخرج نفسي، قال: فقالوا: بل كنت مؤدبا . قال : اللهمّ أشهد!! ثم قال: أما لا فاحفظوا وصيتي: احّرج على انسان منكم يبكي عليّ، فاذا خرجت نفسي فتوضؤوا واحسنوا الوضوء ثم ليدخل كلُّ انسان منكم المسجد فيصلي، ثم يستغفر لعباده ولنفسه، فان الله تبارك وتعالي قال: ((واستعينوا بالصبر والصلاة) الاية (45) من سورة البقرة، ثم أسرعوا بي الى حفرتي، ولاُ تتبُعني نارا، ولا تضعوا تحتي أرجوانا)) رضي الله عنه . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعمل عبادة بن الصامت على بعض الصدقات وقال له: ((أتقّ الله يا ابو الوليد!! اتقّ! لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رُغاء، أو بقرة لها خُوار، أو شاة لها ثؤاج!!؟ فقال: يا رسول الله: ان ذلك كذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: أي والذي نفسي بيده أنّ ذلك لكذلك الآ من رحمَ الله عز وجل!؟ قال: فوالذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين ابدا)) وأخرج الحاكم في المستدرك عن عبادة بن الصامت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شُغلَ فاذا قدم الرجل وقد أسلم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفعه الى رجل مناّ يعلّمه القران، فدفع اليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كان معي في البيت، وكنُت أقرأته القران، فرأى أن لي عليه حقا، فأهدى اليّ قوسا ما رايت أجود منها ولا أحسن منها عطافا، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ما ترى يا رسول الله فيها؟ قال: (جمرة بين كتفيك تقلدّها أو تعلقّها) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورحم الله عبادة بن الصامت . |
معاذ بن جبل رضي الله عنه
معاذ بن جبل رضي الله عنه هو معاذ بن جبل بن عمرو بن اوس بن عائذ بن عديّ بن كعب بن عمرو بن أُدَيّ بن سعد بن علي بن أسد بن سارده بن يزيد بن جُشم بن الخزرج، الملقب بأبي عبد الرحمن الانصاري أمه: هند بنت سهل من بني رفاعة ثم من جهينة، ولآمه ولد من الجد بن قيس. كان طويلا حسن الوجه والثغر والخُلق، جميلا سمحا، عذب الحديث واسع العينين واكحلهما، أبيض البشرة، براق الثنايا، جعد الشعر قطط. أسلم وكان عمره ثمانية عشر عاما، وشهد بيعة العقبة مع سبعين من بني جشم من الخزرج وكان شابا امرد، فيما شهد معركة بدر وكان عمره نحوا من عشرين سنة، وكان أحد الانصار الاربعة من جامعي القرآن الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، اخرج البخاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: ''خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وأُبي، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة''، وعن أنس رضي الله عنه مرفوعا الى الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال: أرحم أمتي بأمتي ابو بكر، وأشدها في دين الله عُمرُ، واصدقها حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام مُعــاذ'' وافرضهم زيدٌ، وأقرأهم أبي ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة''. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ''يأتي مُعاذ ابن جبل بين يدي العُلماء، بَرتوه'' (والرتوة: رمية السهــم)، أي بمسافة قصيرة. بعث الرسول صلى الله عليه وسلم معاذا الى اليمن ليبيّن لهم امور دينهم، وروى أن معـاذاً قال: لما بعثني النبي صلى الله عليه وسلم الى أهل اليمن قال لي: كيف تقضي إن عَرَض قضاء؟ قلت: أقضي بما في كتاب الله، فان لم يكن، فبما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فان لم يكن فيما قضى به الرسول؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلؤ، قال فضرب صدري وقال: الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما يُرضي رسول الله''. روى معاذ بن جبل رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معُاذ أني لأحبك في الله. فقال معاذ: وأنا والله يا رسول الله احبك في الله قال: أفلا اعلمك كلمات تقولهّن دُبُرَ كلّ صلاة: ربّ أعنيّ على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك''. وروي ان معاذا رضي الله عنه كان أحد الذين كانوا يفتون في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من الانصار وهم: أبي بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد، وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: ما عمل ادمي عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله. قالوا: يا أبا عبد الرحمن ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الا ان يضرب بسيفه حتى ينقطع، لان الله تعالى يقول في كتابه (ولذكر الله اكبر) الآية (145) من سورة العنكبوت. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد استخلف معاذا على مكة بعد فتحها وخروجة صلى الله عليه وسلم الى حنين وأمره ان يعلم أهلها القرآن الكريم ويقرؤه لهم، ويفقههم في دينهم. شارك معاذ رضي الله عنه في جيوش الفتح الاسلامي المتجهة الى الشام وخاصة اليرموك، وفتح دمشق وفتح حمص وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد قال عند خروج معاذ بجيش الشام: لقد اخّل خروجه بالمدينة وأهلها في الفقه، وفيما كان يفتيهم به، ولقد كنت كلمتُ ابا بكر ان يحبسه، يعني يمنعه، من مغادرة المدينة الى الشام لحاجة الناس اليه فأبى عليّ وقال: رجُل أراد وجها، يعني الشهادة، فلا احبسه. وفي وقت لاحق وعند زيارة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى الشام خطب الناس في الجابيه فقال رضي الله عنه: من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل. روي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه خلال اقامته في حمص كان يُفتي في مسجد حمص وهو شاب في الثلاثين وكان بهذا المسجد نحوا من ثلاثين كهلا من الصحابة رضوان الله عليهم وكان يفتي بحضورهم. وروي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت إنه لما أصيب أبوعبيدة عامر بن الجراح بطاعون عمواس استخلف على الناس معاذ بن جبل واشتد الطاعون على الناس، فاستصرخوا معاذ أن: ''أدُع الله أن يرفع هذا الرجّز، قال: انه ليس برجز ولكن دعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، وشهادة يخص الله بها من يشاء منكم''. وروي عن معاذ رضي الله عنه انه لما اشتد الطاعون قال: اللهم أجعل نصيب ال معاذ الاوفر. فماتت ابنتاه فدفنهما في قبر واحد. واصاب ابنه عبد الرحمن الطاعون فقال له: كيف تجدك؟ قال: (الحق من ربك فلا تكن من الممترين) الآية (60) من آل عمران قال: (ستجدني ان شاء الله من الصابرين) الآية (102) من سورة الصافات واصاب الطاعون معاذ في كفه فجعل يقَّلبها ويقول: (هي احب اليّ من حمرُ النعمّ). وتوفي معاذ رضي الله عنه بالطاعون وهو ابن اربعة وثلاثين عاما في السنة السابعة او الثامنه عشرة للهجرة في قصير خالد في غور الاردن. رحمـــه الله تعالـــــى |
با رك الله فيك ايه الا خ الكريم
على المعلو مات الققيمه وجزاك الله خير اااااااااااااااااااااااااااااا http://img89.imageshack.us/img89/45/34389413iv9.png |
إقتباس:
آمين يا رب العالمين وجزاكي الله خيراً اختي الفاضلة |
أسامة بن زيد بن حارثه رضي الله عنه
أسامة بن زيد بن حارثه رضي الله عنه هو أُسامة بن زيد بن حارثة بن شرحبيل بن عبد العزّى بن امريْ القيس، حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبنُ حبّه ومولاه وابن مولاه، وقد كنيّ بأبي زيد، وأبي محمد، وأبي حارثه، تزوج من فاطمة بنت قيس وولدت له ابيه الحسن ومحمد . وُلدَ رضي الله عنه، في مكة في السنة السابعة قبل الهجرة إلى المدينة وهاجر مع الرسول صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة، ونشأ على الاسلام لآن أباه زيد بن حارثه كان من أوائل من أسلم من الرجال، وكانت أمُه أُم ايمن الحبشية فيما كان والده شديد بياض البشرة ويبدو أنه ورث ذلك من والدته الحبشية، حاضنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأمُه بعد أمُه . كان رضي الله عنه شديد سواد الأدمة، أفطس، خفيف الروح، شجاعا، وكان يقيم بالمدينة المنورة الى أن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم الى الرفيق الآعلى، حيث انتقل أُسامة للآقامه في وادي القرى ثم انتقل للآقامة في دمشق فسكن المزهّ معتزلا الفتنه خلال خلافه معاوية بن أبي سفيان ولكنه وعاد في اخرها الى المدينة المنورة حيث توفي فيها بمنطقة الجُرف سنة اربع وخمسين للهجرة . قاد أُسامة بن زيد رضي الله جيش المسلمين، وكان اسامة ابن ثماني عشرة سنة وقد روي ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه انفذوا جيش اسامة، انفذوا جيش أسامة وقد عُرف أُسامه بعد أن أمرهّ الرسول صلى الله عليه وسلم على الجيش بالآمير حتى وفاته. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما كنُت لآجيْ احدا بالاماره غير أسامة لآنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبُض وهو أمير!!. وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمرَّ أسامة، فطعن بعض الصحابة في إمارته، فقال: إن يطعنوا في إمارته، فقد طعنوا في إمارة أبيه، وأيمُ الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحبّ الناس إليّ، وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إليّ بعده . وقد بلغ الجيش الجُرفّ خارج المدينة المنورة، ولمّا قبُض الرسول صلى الله عليه وسلم رجع أُسامة الى ابي بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: ((ان رسول الله بعثني وأنا على غير حالكم هذه، وانا أتخوف ان تكفر العرب، فان كفُرت كانوا اوّل من يقاتل وان لم تكفر مضيت، فان معي سروات الناس وخيارهم)). وخطب ابو بكر الصديق في الناس وقال: (والله لان تخطفني الطيُر أحبّ اليّ من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) فأنفذ ابو بكر جيش اسامة واقره على قيادته واستأذن - وهو الخليفه - أُسامة في إن يبقى عمر بن الخطاب عنده في المدينة المنوره . سار جيش أُسامة الى أُبنى وهي قرية بمؤته ثم الى آبل الزيت ذكر ياقوت الحموري في معجم البلدان انها بالاردن واستشهد بقول النجُاشيّ:- وصَدَت بنو ودّ صدودا عن القنا ألى آبل، في ذلة وهوان واغار أُسامة وجيشه على الروم واثخنوا فيهم قتلا وجرحا فقالت الروم: ما بَاَل هؤلاء يموت صاحبهم (وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم) ان أغاروا على ارضنا وعاد الجيش وقد سلمَ وغنم، وروى هاشم بن عروه قال: فما رئي جيش أسلم من ذلك الجيش. عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (ما ينبغي لاحد ان يبغض اسامة ابن زيد بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يُحبّ الله ورسوله فليحُّب أُسامة واخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى عن أُسامة بن زيد ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذه وحفيده الحسن بن علي بن ابي طالب ثم يقول: ((اللهم أحبهُمُا فاني أُحبهُماَ)) فيما أخرج الترمذي عن أُسامة بن زيد ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعلي والعباس رضي الله عنهما أحبُ أهلي اليّ من قد انعم اللهُ عليه وانعمت عليه، أُسامة بن زيد . وسُرّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وبرقت اسارير وجهه الشريف عندما دخل عليه مجزز المدلجيّ القائف الذي كان يعرف صحة النسب بالشبة بين الولد وأبيه عندما رأى أُسامة وكان اسود البشرة وأبوه زيد وكان ابيض البشرة عليهما قطيفة قد غطيا راسيهما وبدت اقدامهما فقال المُدلجّي: ((ان هذه الاقدام بعضها من بعض)) وسُرّ الرسول صلى الله عليه وسلم ان أُسامة يشبه ابيه زيدا رغم اختلاف لون البشرة . وكان أُسامة رضي الله عنه ذا بأس شديد على الكفار والمشركين في القتال، روُي انه قال للرسول صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة فلما انهزم القوم أدركتُ رجلا وأهويت اليه بالرمح . فقال: لا اله الا الله، فطعنته فقتلتهُ، فتغيرّ وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ويحَك يا أُسامة!! كيف لك بلاء اله الا الله؟ ويحك يا أُسامة فكيف لك بلا اله الا الله؟ فلم يزل يُرددّها عليَّ حتى لوددت أني انسلخت من كلَّ عمل عملته واستقبلت الاسلام يومئذ جديدا، فلا والله لا أقاتل أحدا قال: لا اله الا الله بعدما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم يكن هذا الحب العظيم من رسول الله صلى الله عليه وسلم للحبّ بن الحبّ ليحول دون اقامة حدود الله، فقد روي ان قريشا أهمها أمر المرأة التي سرقت فطمعوا ان يكلم أُسامة رسول صلى الله عليه وسلم في أمرها لأنه الوحيد الذي يجتريء عليه. فكلمّه أُسامة فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لمَ تشفع في حد من حدود الله؟ ثم خطب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ((انما أهلك الله الذين من قبلكم أنهم اذا سرق فيهم الشريف تركوه، واذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، وأيم الله لو ان فاطمة بنتُ محمد سرقت لقطعتُ يدها)). |
أبو موسى الأشعري التميمي -الفقيه المقريء- رضي الله تعالى عنه
أبو موسى الأشعري التميمي -الفقيه المقريء- رضي الله تعالى عنه وهو عبد الله بن قيس بن سُليَم بن حَضّار بن حرب التميمي، أمُه ظَبَية بنت وهب، الفقيه المُقريء الذي لم يكن في الصحابة رضوان الله عليهم أحسن صوتاً منه، قرأ القرآن الكريم على الرسول صلى الله عليه وسلم واستعمله عليه السلام على زبيد وهو اسم واد به مدينة يقال لها الحصيب والوادي والمدينة مشهوران في اليمن وأطلق على زبيد في العصور الإسلامية اللاحقة أنها مدينة جامعة اشتهرت بمدارس الفقه الإسلامي، وعَدَن، وهي مدينة يمنية ساحلية وميناء على المحيط الهندي، وتولى إمره البصرة للخليفة عمر بن الخطاب والخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وساهم في حركة الفتوح في الأهواز، ونهاوند، وأصبهان مدينة شهيرة تعرف اليوم بشهر سنان، والرَّها، وسميساط، وولي إمرة الكوفة بعد ذلك للخليفة عمر بن الخطاب وللخليفة عثمان من عفان رضي الله عنهما، وكان يقرئ القرآن الكريم ويفقه الناس في أمور دينهم، روي أنه دخل البصرة في بداية ولايته إمارتها على جمل أورق والأوراق من الجمال: هو الأسمر؟ يقال جمل أورق . وناقة ورقاء، وخرج منها بعد إنتهاء ولايته إليها على نفس الجمل وستماية درهم هي عطاء عياله. وكان خلال ولايته لها يقرئ أهل البصرة القرآن الكريم، ويفقههم في دينهم، وقرأ عليه حطان الرقشي، وأبو رجاء العطاردي. وكاّنُ أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قصير القامة، خفيف الجسم، أثطُّ : والأثط قليل شعر اللحية . وقد أسلم في مكة ثم هاجر إلى الحبشة وبقي فيها إلى أن قدم منها بعد فتح خيبر . روي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ''يقدم عليكم غداً قوم أرق قلوباً للإسلام منكم''، فقدم أبو موسى مع مجموعة من قومه الأشعريين كانوا يرتجزون: غداً نلقى الأحبَّة مُحَمّداً وحَزبه ولما قدموا تصافحوا فكانوا أول من أحدث المصافحة، وكان صوته جميلاً بقراءة القرآن الكريم روى أبو هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: لقد أعطي أبو موسى مزماراً من مزامير آل داوود . وقد أوصى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن لا يقرّ له عامل في ولاية وإمارة أكثر من سنة إلا أبا موسى الأشعري الذي وصّى بأن يقَّر في ولايته أربعَة أعوام . وروي أن القضاء كان في صحابة الرسول صلى الله علية وسلم إلى ستة هم:- عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بـــن مســـعود وأبي بـــن كعـــب وزيد بـــن حارثــــة وأبي موسى الأشعري وروي عن أبي بُردَةَ عن أبيه أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: ''اللهم اغفر لعبد الله بن قيس ذنبه، وادخله يوم القيامة مُدْخلاً كريماً''، رواه البخاري في المغازي، ومسلم في فضائل الصحابة. شارك في التحكيم الذي جرى بين الخليفة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، وكان ممثلاً له، ومعاوية بن أبي سفيان الذي مثله عمرو بن العاص وجرى التحكيم في أذرح: بالفتح ثم السكون وضم الراء والحاء المهملة، ذكر ياقوت الحموي في معجم البلدان أنه إسم بلد في أطراف الشام من أعمال الشراه، مجاورة لأرض الحجاز، وأذرح والجرباء بينهما ميل واحد لأن الواقف في هذه ينظر هذه . قال ذي الرمّة يمدح بلال بن أبي برده بن أبي موسى الأشعري:- أبوك تلافي الدين والناس بعدما تساءوا، وبيت الدين منقطع الكسر فشَّد إصار الدين، أيــام أذرح ورد حروبــاً قـد لقحن إلـى عقر وكانت أذرح والجرباء قد فتحت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة التاسعة للهجرة، وصولح أهل أذرح على مائة دينار جزية، وأذرح والجرباء حالياً بلدتان بمحافظة معان ويعرف المكان الذي جرى فيه التحكيم بجبل أبي موسى الأشعري ويقع بينهما. كان معاوية بن أبي سفيان قد كتب إلى أبي موسى الأشعري قبيل التحكيم كتاباً نصه: ''أما بعد: فإن عمرو بن العاص قد بايعني على ما أريد، وأُقسم بالله، لئن بايعتني على الذي بايعني، لآستعملنَّ احد ابنيك على الكوفة، والآخرُ على البصرة، ولا يُغلق دونك باب، ولا تقضى دونك حاجة، وقد كتبت إليك بخطي، فاكتب إلي بخط يدك'' . فكتب أبو موسى الأشعري رسالة جوابية إلى معاوية جاء فيها: ''أما بعد فقد كتبت إلي في جسيم أمر الأمة، فماذا أقول لربي إذا قدمت عليه، ليس لي فيما عرضت من حاجة، والسلام عليك''. وجرى التحكيم في رمضان سنة ثمانٍ وثلاثين للهجرة في أذرح . وقد روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه قال: ''إني لأغتسل في البيت المظلم فأحني ظهري حياءاً من ربي''. وذكر الفقهاء المسلمون عنه أنه كان صواماً قواماً ربانياً زاهداً عابداً ممن جمع العلم والعمل والجهاد وسلامة الصدر، لم تغيره الإمارة ولا إغتر بالدنيا . روي أبو عثمان النهدي قال: ما سمعت مزماراً ولا طنبوراً ولا صنجاً أحسن من صوت أبي موسى الأشعري، إن كان ليصلي بنا فنودُّ أنه قرأ البقرة، من حسن صوته. وروى ابن سعد في الطبقات أن أبا موسى كان حلو الصوت. فقام ليلة يصلي، فسمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقمت يستمعن. فملا أصبح، قيل له: إن النساء سمعنك. قال: لو علمتُ لحَّبرتكنَّ تحبيراً، ولوشقتكن تشويقاً. وكان الخليفة 'عمر بن الخطاب إذا رآه قال ك ذكرنا يا أبا موسى فيقرأ له من القرآن الكريم . بعدها: ولا شك أن غلاة الشيعة يبغضون أبا موسى الأشعري لأنه لم يقاتل مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعندما حكّمه علي على نفسه يوم التحكيم في أذرح عزله وعزل معاوية وأشار إلى عبد الله بن عمر . توفي في الكوفة سنة إثنتين وأربعين للهجرة، وقد روي أنه إجتهد قبل موته إجتهاداً شديداً فقيل له: ''لو أمسكت ورفقت بنفسك؟ قال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها؛ والذي بقي من أجلي أقل من ذلك. |
Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.