فـاتـحــة
عبد الله البردوني يـاصمت ما أحناك لو iiتستطيع تـلـفني، أو أنـني أسـتطيع لـكن شـيئاً داخـلي iiيـلتظي فـيخفق الـثلج، ويظمى الربيع يـبكي، يـغني، يجتدي iiسامعاً وهو المغنّي والصدى iiوالسميع يـهذي فيجثو الليل في iiأضلعي يـشوي هزيعاً، أو يدميَّ iiهزيع وتـطبخُ الشهبُ رماد iiالضحى وتـطحن الريحُ عشايا iiالصقيع ويـلهث الـصبحُ iiكـمهجورة يـجتاح نـهديها خيالُ iiالضجيع شـيء يـناغي، داخلي iiيشتهي يـزقو، يدوًّي، كالزحام iiالفضيع يـدعو، كـما يـدعو نبي، iiبلا وعـي، وينجر انجرار iiالخليع فـيغتلي خـلف ذبـولي iiفـتى ويـجتدي شيخ، ويبكي iiرضيع يجوع حتى الصيف ينسى الندى مـيعاده، يـهمي شهيق iiالنجيع ويركض الوادي، وتحبو iiالربى ويهرب المرعى، ويعيى iiالقطيع مـاذلك الـحمل الـذي iiيحتسي خفقي، ويعصي ذاهلاً أو iiيطيع يـشدو فـترتد لـيالي iiالـصبا فـجراً عـنيداً، أو أصيلاً iiوديع وتحبل الأطياف تجني(1)الرؤى ويـولد الآتـي ويحيا iiالصريع فـتبتدي الأشـتات في iiأحرفي ولادة فـرحى، وحـملا iiوجيع هذه الحروف الضائعات iiالمدى ضيعت فيها العمر، كي iiلاتضيع ولـست فـيما جـئته iiتـاجراً أُحـسُّ مـا أشـري وماذا iiأبيع الـيـكما يـاقـارئي iiانـهـا، عـلى مـآسيها: عَـذاب iiبديع 18-3-1968م لا تسألي عبدالله البردوني لا تـسألي يـا أخت أين iiمجالي؟ أنا في التراب وفي السماء iiخيالي لا تـسأليني أيـن أغـلالي iiسلي صـمتي وإطراقي عن iiالأغلال؟ أشـواق روحي في السماء iiوإنما قـدماي فـي الأصفاد iiوالأوحال وتـوهمي فـي كـل أفـقٍ iiسابحٌ وأنـا هـنا في الصمت iiكالتمثال أشـكو جـراحاتي إلى ظلي iiكما يـشكو الحزين إلى الخليّ iiالسّالي *** والـليل من حولي يضج iiوينطوي فـي صـمته كـالظالمِ iiالمتعالي يـسري وفـي طـفراته iiووقاره كـسل الـشيوخ وخـفة iiالأطفال وتـخـاله يـنساقُ وهـو iiمـقيدٌ فـتحسه فـي الـدرب iiكالزلزال وأنـا هنا أصغي وأسمع من iiهنا خـفقات أشـباحٍ مـن iiالأهـوال ورؤىً كـألسنةِ الأفـاعي حـوّما ومـخـاوفا كـعـداوة iiالأنـذال وأحـسُ قـدّامي ضـجيج مراقدٍ وتــثـاؤبَ الآبـــادِ iiوالآزال وتـنـهّدا قـلـقا كــأن iiوراءه صـخب الـحياة وضجة iiالأجيال والـطيف يـصغي لـلفراغ iiكأنه لـصٌ يـصيخُ إلى المكان iiالخالي وكـأنه (الأعـشى) يناجي ii(ميّةً) ويـلملم الـذكرى مـن iiالأطلال والـشهب أغـنية يرقرقها iiالدجى فـي أفـقه كـالجدول iiالـسلسال والـوهم يـحدو الذكريات iiكمدلجٍ يـحدو الـقوافل في بساطِ iiرمال والـرعب يهوي مثلما تهوي iiعلى سـاح الـقتال جـماجمُ iiالأبطال *** وهـنا تـرقبت انـهياريَ iiمـثلما يـترقب الـهدم الـجدار iiالـبالي وسألت جرحي هل ينام iiضجيجه؟ وأمـرّ مـن ردّ الجواب iiسؤالي! وأشـدّ مـما خـفت منه iiتخوّفي وأشـقّ من وعر الطريق iiكلالي! وأخسّ من ضعفي غروري بالمنى واليأس يضحك كالعجوز iiحيالي! وأمـضّ من يأسي شعوري iiأنني حــيّ الـشهية مـيّت iiالآمـال أسـري كـقافلة الظنون iiوأجتدي شـبح الـظلام وأهتدي iiبضلالي وأسـير في الدرب الملفّح iiبالدجى وكـأنـني أجـتاز سـاحَ iiقـتال وأتـيه والـحمّى تولول في iiدمي وتـرتل الـرعشات في أوصالي *** لا تسأليني عن مجالي في iiالثرى جسدي وروحي في الفضاء iiالعالي وسـألتها ما الأرض؟ قالت: iiإنها فـلوات أوحـاشٍ وروض iiصلال إن كـنت مـحتالا قطفت iiثمارها أو لا فـإنـك فـرصة iiالـمحتال وأنـا هـنا أشقى وأجهل iiشقوتي وأبـيع فـي سوق الفجور iiجمالي *** والـعمر مـشكلة ونـحن iiنزيدها بـالـحل إشـكالا إلـى iiإشـكال لا حر في الدنيا فذو السلطان iiفي دنـياه عـبد الـمجد iiوالأشـغال والـكادح الـمحروم عـبد iiحنينه فـيها وربّ الـمال عـبد الـمال والـفارغ الـمكسال عـبد iiفراغه والـسفر عـبد الـحل والترحال والـلص عـبد الليل والدّجال iiفي دنـيـاه عـبـد نـفاقه iiالـدّجال لا حـر فـي الـدنيا ولا iiحـريةٌ إن الـتـحرر خـدعة iiالأقـوال الـناس فـي الـدنيا عبيد iiحياتهم أبـدا عـبيد الـموت iiوالآجـال *** وسـألتها: مـا الموت؟ قالت: iiإنه شـطّ الـخِضِمِّ الـهائج iiالصّوّال وسـكونه الحاني مصير iiمصائرٍ وهـدوؤه دعـةٌ وعـمق iiجـلال مـالي أحـاذره وأخـشى iiقـوله وأنــا أجـرّ وراءه iiأذيـالي؟! أنـساق فـي عـمري إليه iiمثلما تـنساق أيّـامي إلـى iiالآصـال *** وسـألتها، فرنت وقالت: لا iiتسل دعـني من المفضول iiوالمفضال! اُسـكت! فليس الموت سوقا عنده عـمر بـلا ثـمنٍ وعمر iiغالي!! ------------------------------ |
[FRAME="11 70"]
نبذه عن الشاعر: عبد الله البردوني ولد عام 1348هـ 1929 م في قرية البردون (اليمن) أصيب بالعمى في السادسة من عمره بسبب الجدري ، درس في مدارس ذمار لمدة عشر سنوات ثم انتقل إلى صنعاء حيث أكمل دراسته في دار العلوم وتخرج فيها عام 1953م . ثم عُين أستاذا للآداب العربية في المدرسة ذاتها. وعمل أيضا مسؤولا عن البرامج في الإذاعة اليمنية. أدخل السجن في عهد الإمام أحمد حميد الدين وصور ذلك في إحدى قصائده فكانوا أربعة في واحد حسب تعبيره ، العمى والقيد والجرح يقول : هدني السجن وأدمى القيد ســاقي فتعاييت بجرحي ووثــــــــاقي وأضعت الخطو في شوك الدجى والعمى والقيد والجرح رفاقي في سبيل الفجر مــــــا لاقيت في رحلة التيه وما سوف ألاقـــي سوف يفنى كل قيد وقـــــــــوى كل سفاح وعطر الجرح باقي . له عشرة دواوين شعرية، وست دراسات. . صدرت دراسته الأولى "رحلة في الشعر قديمه وحديثه" عام 1972. أما دواوينه فهي على التوالي: - من أرض بلقيس 1961 – - في طريق الفجر 1967 – - مدينة الغد 1970 - - لعيني أم بلقيس 1973 - - السفر إلى الأيام الخضر 1974 - - وجوه دخانية في مرايا الليل 1977 – - زمان بلا نوعية 1979 - - ترجمة رملية لأعراس الغبار 1983 - - كائنات الشوق الاخر 1986 – - رواء المصابيح 1989 [/FRAME] |
أبو تمام وعروبة اليوم
عبد الله البردوني مـا أصدق السيف! إن لم ينضه iiالكذب وأكـذب السيف إن لم يصدق iiالغضب بـيض الـصفائح أهـدى حين iiتحملها أيـد إذا غـلبت يـعلو بـها iiالـغلب وأقـبح الـنصر... نصر الأقوياء iiبلا فهم.. سوى فهم كم باعوا... وكم iiكسبوا أدهـى مـن الـجهل علم يطمئن iiإلى أنـصاف ناس طغوا بالعلم iiواغتصبوا قـالوا: هـم الـبشر الأرقى وما أكلوا شـيئاً.. كـما أكلوا الإنسان أو iiشربوا مـاذا جـرى... يـا أبا تمام iiتسألني؟ عفواً سأروي.. ولا تسأل.. وما iiالسبب يـدمي الـسؤال حـياءً حـين نـسأله كـيف احتفت بالعدى (حيفا) أو iiالنقب) مـن ذا يـلبي؟ أمـا إصـرار معتصم؟ كلا وأخزى من (الأفشين) مـا iiصلبوا الـيوم عـادت عـلوج (الروم) iiفاتحة ومـوطنُ الـعَرَبِ الـمسلوب iiوالسلب مـاذا فـعلنا؟ غـضبنا كـالرجال iiولم نـصدُق.. وقـد صدق التنجيم iiوالكتب فـأطفأت شـهب (الـميراج) iiأنـجمنا وشـمسنا... وتـحدى نـارها iiالحطب وقـاتـلت دونـنا الأبـواق iiصـامدة أمـا الـرجال فـماتوا... ثَمّ أو iiهربوا حـكامنا إن تـصدوا لـلحمى اقتحموا وإن تـصدى لـه الـمستعمر iiانسحبوا هـم يـفرشون لـجيش الغزو iiأعينهم ويـدعـون وثـوبـاً قـبل أن iiيـثبوا الـحاكمون و»واشـنطن« iiحـكومتهم والـلامعون.. ومـا شـعّوا ولا iiغربوا الـقـاتلون نـبوغ الـشعب iiتـرضيةً لـلـمعتدين ومــا أجـدتهم iiالـقُرَب لـهم شموخ (المثنى) ظـاهراً iiولهم هـوىً إلـى »بـابك الخرمي« ينتسب مـاذا تـرى يـا (أبا تمام) هل iiكذبت أحـسابنا؟ أو تـناسى عـرقه iiالذهب؟ عـروبة الـيوم أخـرى لا يـنم على وجـودها اسـم ولا لـون.ولا iiلـقب تـسـعون ألـفاً (لـعمورية) iiاتـقدوا ولـلـمنجم قـالـوا: إنـنـا iiالـشهب قـبل: انتظار قطاف الكرم ما iiانتظروا نـضج الـعناقيد لـكن قـبلها iiالتهبوا والـيوم تـسعون مـليوناً ومـا iiبلغوا نـضجاً وقـد عصر الزيتون iiوالعنب تـنسى الـرؤوس العوالي نار iiنخوتها إذا امـتـطاها إلـى أسـياده iiالـذئب (حـبيب) وافـيت من صنعاء يحملني نـسر وخـلف ضلوعي يلهث iiالعرب مـاذا أحـدث عـن صـنعاء يا iiأبتي؟ مـليحة عـاشقاها: الـسل iiوالـجرب مـاتت بصندوق »وضـاح«بلا iiثمن ولـم يمت في حشاها العشق iiوالطرب كـانت تـراقب صبح البعث iiفانبعثت فـي الـحلم ثـم ارتمت تغفو iiوترتقب لـكنها رغـم بـخل الغيث ما iiبرحت حبلى وفي بطنها »قحطان« أو »كرب« وفـي أسـى مـقلتيها يـغتلي ii»يمن« ثـان كـحلم الـصبا... ينأى ويقترب »حـبيب« تسأل عن حالي وكيف iiأنا؟ شـبابة فـي شـفاه الـريح iiتـنتحب كـانت بـلادك (رحلاً)، ظهر (ناجية) أمـا بـلادي فـلا ظـهر ولا غـبب أرعـيت كـل جـديب لـحم iiراحـلة كـانت رعـته ومـاء الروض ينسكب ورحـت مـن سـفر مضن إلى iiسفر أضـنى لأن طـريق الـراحة iiالتعب لـكن أنـا راحـل فـي غـير ما iiسفر رحلي دمي... وطريقي الجمر iiوالحطب إذا امـتـطيت ركـاباً لـلنوى iiفـأنا فـي داخـلي... أمتطي ناري واغترب قـبري ومـأساة مـيلادي عـلى كتفي وحـولي الـعدم الـمنفوخ iiوالـصخب »حـبيب« هـذا صـداك اليوم iiأنشده لـكن لـماذا تـرى وجـهي iiوتكتئب؟ مـاذا؟ أتعجب من شيبي على iiصغري؟ إنـي ولـدت عجوزاً.. كيف iiتعتجب؟ والـيوم أذوي وطـيش الـفن iiيعزفني والأربـعـون عـلى خـدّي iiتـلتهب كـذا إذا ابـيض إيـناع الـحياة على وجـه الأديـب أضـاء الفكر iiوالأدب وأنـت مـن شبت قبل الأربعين iiعلى نـار (الـحماسة) تـجلوها وتـنتخب وتـجتدي كـل لـص مـترف هـبة وأنـت تـعطيه شـعراً فـوق ما يهب شـرّقت غـرّبت من (والٍ) إلى ii(ملك) يـحثك الـفقر... أو يـقتادك iiالـطلب طوفت حتى وصلت (الموصل) iiانطفأت فـيك الأمـاني ولـم يـشبع لها أرب لـكـن مـوت الـمجيد الـفذ iiيـبدأه ولادة مـن صـباها تـرضع iiالـحقب »حـبيب« مـازال فـي عينيك أسئلة تـبدو... وتـنسى حـكاياها فـتنتقب ومـاتـزال بـحـلقي ألـف iiمـبكيةٍ مـن رهبة البوح تستحيي iiوتضطرب يـكـفيك أن عـدانـا أهـدروا iiدمـنا ونـحن مـن دمـنا نـحسو ونـحتلب سـحائب الـغزو تـشوينا iiوتـحجبنا يـوماً سـتحبل مـن إرعادنا iiالسحب؟ ألا تـرى يـا »أبـا تـمام« iiبـارقنا (إن الـسماء تـرجى حـين iiتحتجب) (إن الـسماء تـرجى حـين iiتحتجب) أمي عبد الله البردوني تـركـتني هـاهنا بـين الـعذاب ومـضت، ياطول حزني iiواكتئابي تـركـتني لـلشقا وحـدي iiهـنا واسـتراحت وحـدها بين iiالتراب حـيـث لاجــور ولا بـغي iiولا ذرة تـنـبي وتـنـبي iiبـالخراب حـيـث لاسـيـف ولا iiقـنـبلة حـيث لاحـرب ولا لـمع iiحراب حـيـث لاقـيـد ولا سـوط ولا ظـالم يـطغى ومـظلوم يـحابي خـلـفتني أذكـر الـصفو iiكـما يـذكر الـشيخ خـيالات الـشباب ونــأت عـني وشـوقي حـولها يـنشد الماضي وبي-أواه- ما iiبي ودعـاهـا حـاصد الـعمر iiإلـى حـيث أدعـوها فتعيا عن iiجوابي حـيـث أدعـوها فـلا iiيـسمعني غـير صـمت القبر والقفر iiاليباب مـوتـها كــان مـصابي iiكـله وحـياتي بـعدها فـوق iiمـصابي أيـن مـني ظـلها الـحاني iiوقـد ذهـبت عـني إلـى غـير iiإياب سـحبت أيـامها الـجرحى iiعـلى لـفحة الـبيد وأشـواك الـهضاب ومـضت فـي طـرق العمر iiفمن مـسلك صـعب إلـى دنيا iiصعاب وانـتهت حـيث انتهى الشوط iiبها فـاطمأنت تـحت أسـتار iiالغياب آه "يـا أمـي" وأشـواك iiالأسـى تـلهب الأوجـاع في قلبي المذاب فـيك ودعـت شـبابي iiوالـصبا وانـطوت خلفي حلاوات iiالتصابي كـيـف أنـساك وذكـراك iiعـلى سـفر آيـاتي كـتاب فـي iiكتاب إن ذكــراك ورائــي iiوعـلى وجـهتي حـيث مـجيئي iiوذهابي كــم تـذكـرت يـديك iiوهـما فـي يـدي أو في طعامي iiوشرابي كــان يـضـنيك نـحولي iiوإذا مـسـني الـبرد فـزنداك iiثـيابي وإذا أبـكـاني الـجـوع iiولــم تـملكي شـيئاً سوى الوعد iiالكذاب هـدهـدت كـفاك رأسـي مـثلما هـدهد الـفجر ريـاحين الروابي كـم هـدتني يـدك الـسمرا iiإلى حقلنا في(الغول) في (قاع iiالرحاب) وإلـى الـوادي إلـى الـظل إلى حـيث يلقى الروض أنفاس الملاب وسـواقـي الـنهر تـلقي iiلـحنها ذائـباً كـاللطف فـي حلو iiالعتاب كــم تـمـنينا وكــم iiدلـلتني تحت صمت الليل والشهب الحوابي كــم بـكت عـيناك لـما iiرأتـا بـصري يطفا ويطوى في iiالحجاب وتـذكـرت مـصيري والـجوى بـين جـنبيك جـراح في التهاب هـا أنـا يـا أمـي الـيوم iiفـتى طـائر الـصيت بعيد في iiالشهاب أمــلأ الـتاريخ لـحناً iiوصـدى وتـغني فـي ربـا الـخلد ربابي فـاسمعي يـا أم صوتي وارقصي مـن وراء الـقبر كالحور iiالكعاب هــا أنـا يـا أم أرثـيك iiوفـي شـجو هذا الشعر شجوي iiوانتحابي يقظة الصحراء عبد الله البردوني ألـقى الـشاعر هـذه iiالـقصيدة فـي حـفل حـافل بـدار iiالعلوم مـمـثـلاً لــهـا iiبـمـناسبة ذكرى المولد النبوي سنة 1376هـ ************************. حـي مـيلاد الـهدى عاماً فعاما وامـلأ الـدنيا نـشيداً iiمـستهاما وامـض يا شعر إلى الماضي إلى مـلتقى الوحي وذب فيه iiاحتراما واحـمل الذكرى من الماضي iiكما يـحمل الـقلب أمـانيه iiالجساما هـات ردد ذكـريات الـنور iiفي فـنك الأسـمى ولـقنها iiالـدواما ذكـريات تـبعث الـمجد iiكـما يـبعث الحسن إلى القلب iiالغراما فـارتعش يـا وتـر الشعر iiوذب فـي كـؤوس الـعبقريات iiمداما وتـنقل حـول مـهد iiالمصطفى وانـشد الـمجد أغـانيك iiالرِّخاما زفـت الـبشرى مـعانيه iiكـما زفـت الأنـسام أنـفاس iiالخزاما وتـجـلى يـوم مـيلاد iiالـهدى يـملأ الـتاريخ آيـات iiعـظاما واسـتفاضت يقظة الصحرا iiعلى هـجعة الأكـوان بـعثاً iiوقـياما وجـلا لـلأرض أسـرار iiالسما وتـراءى فـي فم الكون iiابتساما جــل يــوم بـعـث الله بـه أحمداً يمحو عن الأرض iiالظلاما ورأى الـدنيا خـصاماً iiفاصطفى أحـمداً يـفني من الدنيا iiالخصاما «مـرسل» قـد صـاغه iiخـالقه مـن مـعاني الرسل بدءاً iiوختاما قـد سعى - والطرق نار ودم ii- يـعبر الـسهل ويـجتاز iiالأكاما وتـحدى بـالهدى جـهد iiالـعدا وانـتضى للصارم الباغي حساما نـزل الأرض فـأضحت iiجـنة وسـماءً تـحمل الـبدر iiالـتماما وأتــى الـدنيا فـقيراً iiفـأتت نـحوه الـدنيا وأعـطته iiالزماما ويـتـيـماً فـتـبنته iiالـسـما وتـبنى عـطفه كـل iiالـيتامى ورعـى الأغـنام بـالعدل iiإلـى أن رعـى في مرتع الحق الأناما بــدوي مـدّن الـصحرا iiكـما عـلم الـناس إلى الحشر iiالنظاما وقـضـى عـدلاً وأعـلى iiمـلة تـرشد الأعمى وتعمي من iiتعامى نـشرت عدل التساوي في iiالورى فـعلا الإنـسان فـيها iiوتـسامى يـا رسـول الحق خلدت iiالهدى وتـركت الـظلم والـبغي حطاما قـم تـجد في الكون ظلماً iiمحدثاً قـتل الـعدل وبـاسم العدل قاما وقـوى تـختطف الـعزل iiكـما يـخطف الصقر من الجو iiالحماما أمـطر الغربُ على الشرق الشقا وبـدعوى الـسلم أسـقاه iiالحماما فـمـعاني الـسلم فـي iiألـفاظه حـيل تـبتكر الـموت iiالـزؤاما يـا رسـول الـوحدة الكبرى ويا ثـورة وسـدت الـظلم iiالرغاما خـذ مـن الأعماق ذكرى iiشاعر وتـقـبلها صــلاة iiوسـلامـا الشمس عبد الله البردوني أطـلت مـن الأفق بنت iiالسماء مـغـلفة بـالـشعاع iiالـنـدي ووشـت بـساط الـفضا iiبالسنا وباللهب الـبـادر iiالـعسجدي وبـالوهج الـدافيء iiالـمشتهي وبـالمنظر الـسحري iiالأجـود فـجنت بـها نـشوات الـصبا وفـاضت بصدر الضحا iiالأمرد وأهـدت سـناها السماوي iiإلى رؤوس الـربا والـثرى iiالأوهد إلـى الطود والسهل iiوالمنحنى إلـى الـماء والـطين iiوالجلمد إلـى الكوخ والقصر مهد iiالغنى إلـى الـسوق والسجن iiوالمعبد ووزعـت الـنور في iiالعالمين وجـادت عـلى الـعبد والسيد عـلى الـمترفين على iiالبائسين عـلى المجتدى وعلى المجتدي وأدت رسـالـتـها iiحـــرة إلـى أقـرب الـكون والأبـعد جرى عدل بنت السما في الوجو د حـفـياً بـجـيده iiوالـردي وأنـفـقت الـنور أم iiالـضحا فـزادت ثـراءً إلـى iiسـؤدد وأربـت جـمالاً وزادت iiسـناً ونـوراً إلـى نورها iiالسرمدي وطـالت حـياة فـما iiتـنتهي مـن الـعمر إلاّ لـكي iiتـبتدي وأعـطت فـدام سـنا iiمـلكها جـديد الـصبى دائـم iiالـمولد ومــا زادهـا كـثر إنـفاقها سـوى الـترف الأكـثر الأخلد لـقـد ضــرب الله iiأمـثاله ومــن يـضلل الله iiلايـهتدي |
يمني في بلاد الآخرين
عبد الله البردوني مـن أيـن أنا؟ من iiيدري أولـيست لـي iiجـنسيه؟ نـسـبي رايـات iiحـمر وفـتـوحـات iiذهـبـيه فـلـمـاذا iiتـسـتغربني هـذي الـزمر iiالـخشبيه يـا إخـواني أصـلي iiمن صـنعاء أمـي: ii(دبـعيه) صـنعاوي ... iiحـجري! ما صنعاء ... ما الحجريه؟ مـن أيـن أنـا؟ تشويني بـتـغـابيها iiالـسـخريه عـربـي iiلاتـعـرفني... حـتـى الـدنيا iiالـعربيه وأبـي -قـالوا- iiيـمني أمــي -قـالوا- iiيـمنيه لـكـن أنـستني iiلـوني وفـمي... أيـدي iiالهمجيه سـنوات جـوعى iiعطشى وقــيـادات iiتـبـعـيه وغـرابـات لا iiتــروى وغــرابـات iiمـرويـه يـا ريـح... بلادي iiخلفي ومـعـي مـثلي مـنسيه حـتى أرضـي يا iiأرضي كـأهـالـيها iiمـنـفيه!! وطـني أسـفار تـمضي وتـعـود بــلا iiأمـنيه تـشـريد لا بــدء iiلـه ومـسـافـات iiوحـشـيه حـراس حـدود iiيـقظى وتـقـانـين iiوثـنـيـه مــدن لا أسـماع iiلـها وزحــامـات iiعـدمـيه أســواق كـبرى iiأدنـى مــا فـيـهن الـبشريه وبـدائـيـات iiغـرقـى فـي الأقـنعة الـعصريه وعـلى رغـمي iiأستجدي كـل الأيـدي iiالـحجريه وبــلاد بـلادي iiمـنفى ومـتـاهـات iiأبــديـه مـن أيـن أنا؟.. iiمجهول جـــوال دون iiهـويـه وبــلا وطــنٍ iiلـكني مــوهـوم iiبـالـوطنيه أكــتــوبـر ii1972م أنسى أن أموت عبد الله البردوني تـمتصني أمـواج هـذا الـليل في شرهٍ iiصَموت وتـعيد مـا بـدأت.. وتنوي أن تفوت ولا iiتفوت فـتثير أوجـاعي وتـرغمني على وجع السكوت وتـقول لـي: مت أيها الذاوي... فأنسى أن أموت لـكن فـي صدري دجى الموتى وأحزان iiالبيوت ونـشيج أيـتامٍ ... بـلا مأوى... بلا ماء iiوقوت وكـآبة الـغيم الـشتائي وارتـجاف iiالـعنكبوت وأسـى بـلا اسـم.. واختناقات بلا اسم أو iiنعوت مـن ذا هنا؟ غير ازدحام الطين يهمس أو iiيصوت غير الفراغ المنحني.. يذوي .. يصر على iiالثبوت وتـعبّهُ الآحـاد والـجمعُ الـعوانسُ iiوالـسبوت ودم الـخُطى والأعـين الـملأى بأشلاء iiالكبوت من ذا هنا؟ غير الأسامي الصفر تصرخ في خفوت غـير انـهيار الآدمـية... وارتـفاع (البنكنوت) وحـدي ألوك صدى الرياح وأرتدي عري الخبوت الــقـاهـرة ii1971م. اليوم الجنين عبد الله البردوني عـلى الدرب iiوالمرتع يـجـود، iiولايـدعي يـوشي غناء iiالحقول وأنـشـودة iiالـمصنع ويـعطي حـياة.. بلا نـيـوب iiولامـصرع يـشد أبض iiالخصور إلـى أعـطش iiالأذرع ويسخو سخاء المصيف عـلي الطير iiوالضفدع عـلى السفح والمنحنى عـلى السهل iiوالأرفع أتـشـتـم iiأنـفـاسه طـيوف الربى الهجع هـنـاك رؤى iiمـهده نـبـيـذية iiالـمـنبع حـمام مـن iiالأغنيات عـلى جـدول iiممرع مــرايـا iiهـوائـية سـرابـية iiالـمـخدع وغـيب وراء iiالـقناع ووعــد بـلا بـرقع هـناك انـتظار iiيحس خـطاه وحـلم iiيـعي ودفءٌ صـريع iiيحن إلـى لـمسه iiالـمبدع وواد يـصـيخ iiإلـى تـبـاشيره iiالـلـمع فـأحـلم أن iiالـجنين ولـيد بـلا iiمـرضع فـألوي زنـود iiالحنان عـلى خـصره iiالطيع ويـحبو على iiساعدي فـأرضـعه iiأدمـعي ويـنأى، فترنو iiالكوى يـفتشن عـنه مـعي ويـرتد، حـلم iiمضى ويـمضي، بلا iiمرجع وتـحتشد iiالأمـسيات عـلى الـعامر iiالبلقع فـأرجوه أن iiيـشرئب إلـى شـرفة iiالمطلع أمــد لــه iiسـلماً إلى النور من iiأضلعي وأشــدو iiلـمـيلاده ويـصغي بـلا iiمسمع فـأبكيه فـي iiمـقطع وألـقاه فـي iiمـقطع مـــايــو1965م من منفى إلى منفى عبد الله البردوني بـلادي مـن يَدَي iiطاغٍ إلـى أطـغى إلى iiأجفى ومـن سـجن إلى iiسجن ومـن مـنفى إلى منفى ومــن مـستعمر iiبـادٍ إلـى مـستعمر أخـفى ومن وحش إلى iiوحشين وهـي الـناقة iiالـعجفا بلادي في كهوف الموت لاتـفـنى ولا iiتُـشـفى تـنقر في القبور الخرس عـن مـيلادها iiالأصفى وعـن وعـد iiربـيعي وراء عـيـونها iiأغـفى عـن الـحلم الذي iiيأتي عن الطيف الذي استخفى فتمضي من دجى iiضاف إلى أدجى... إلى iiأضفى بـلادي فـي ديار iiالغير أو فـي دارهـا iiلـهفى وحـتى فـي iiأراضـيها تـقاسي غـربة iiالمنفى نـوفـمـبـر ii1971م / |
بلاد في المنفى
عبد الله البردوني لأن بــلادي iiالـحبيبه فـي مـرتباها iiغـريبه لأنـهـا وهـي مـلأى بالخصب... غير خصيبه لأنـهـا وهـي حـبلى بـالري عـطشى iiجديبه جـاعت ومـدت iiيـديها إلـى الأكـف الـمريبه ثـم ارتـمت iiكـعجوز مـن قـبل بـدء الشبيبه تـنسى الـمصير iiويأتي مـصيرها فـي iiحـقيبه لأن دار iiأبــيــهــا لـهـا مـناف iiرهـيبه ذات يوم عبد الله البردوني فــي سـبـتمبر 1962م ii: أفـقنا على فجر يوم صبي ii فـيا ضحوات المنى iiإطربي أتدرين يا شمس ماذا iiجرى؟ سـلبنا الدجى فجرنا iiالمختبي وكـان النعاس على مقلتيك ii يـوسوس كـالطائر الأزغب ومـاذا سؤال على حاجبيك ii تـزنبق فـي همسك المذهب وسرنا حشودا تطير الدروب ii بـأفواج مـيلادنا iiالأنـجب وشعبا يدوي : هي المعجزات مـهودي وسيف المثنى iiأبي غربت زمانا غروب النهار ii وعدت يقود الضحى iiموكبي أضأنا المدى قبل أن iiتستشف رؤى الـفجر أخيلة iiالكوكب فـولى زمان كعرض البغي وأشـرق عـهد كقلب iiالنبي طلعنا ندلي الضحى ذات iiيوم ونهتف : يا شمس لا iiتغربي / من رحلة الطاحونة إلى الميلاد الثاني عبد الله البردوني من الفجر حتى الفجر ننجر iiكالرحى إلى أين يا مسرى ومن أين يا iiضحى أضـعنا بـلا قـصد طريقا iiأضاعنا ولاح لـنـا درب بـدأناه iiفـانمحى وشـوشـنا تـلويح بـرق iiأهـاجنا وولـى ولا نـدري إلـى أين iiلوحا وقـلنا كـما قـال المجدون من iiغفا عـن الـفوز لم يظفر ومن جد iiأفلحا إذا لـم نـجد في أول الشوط iiراحة فـسوف نـلاقي آخر الشوط iiأروحا ورحـنا نـسقي الرمل أمواه iiعمرنا فـيظمى ويـرويه إلـى أن تـرنحا سرينا وسرنا نطحن الشوك والحصى ونـحسو ونـقتات الـغبار iiالمجرحا ومـن حولنا الأطلال تستنفر iiالدجى وترخي على الأشباح غابا من iiاللحى هـنا أو هـنا يا زحف نرتاح iiساعة تـعـبنا وأتـعبنا الـمدار الـمسلحا كـطاحونة نـمضي ونأتي كمنحنى ii يـشد إلـى رجـليه تـلا iiمـجنحا فـيا ذكـريات الـتيه من جر قبلنا ii خـطاه وأمـسى مثلنا حيث iiاصبحا ركـضنا إلـى الـميلاد قرنا وليلة ولـدنا فـكان الـمهد قـبرا iiتـفتحا ومـتنا كـما يـبدو رجـعنا أجنة ii لـنـختار مـيلادا أشـق iiوأنـجحا لص في منزل شاعر عبد الله البردوني شـكراً ، دخلتَ بلا إثارة ، وبلا طُفُورٍ ، أو غراره لـما أغـرتَ خنقتَ في رجليكَ ضوضاءَ iiالإغاره لـم تسلبِ الطينَ السكونَ ، ولم ترعْ نومَ iiالحجاره كالطيفِ جئتَ بلا خُطى ، وبلا صدى ، وبلا إشاره أرأيـتَ هـذا الـبيتَ قـزماً ، لا يـكلفكَ iiالمهاره فـأتيته ، تـرجو الـغنائم ، وهو أعرى من مغاره * * ii* مـاذا وجـدت سـوى الـفراغ ، وهرّة تَشْتَمُّ iiفاره ولهاث صعلوك الحروف ، يصوغ من دمه iiالعباره يُـطفي الـتوقّدَ بـاللظى ، ينسى المرارةَ iiبالمراره لـم يبقَ في كُوبِ الأسى شيئاً ، حَسَاهُ إلى iiالقراره * * ii* مـاذا ؟ أتلقى عند صعلوكِ البيوت ، غِنى iiالإماره يـا لـصُّ عفواً ، إن رجعتَ بدون ربحٍ أو iiخساره لـم تـلقَ إلاّ خـيبة ، ونـسيت صندوقَ iiالسجاره شـكراً ، أتـنوي أن تُـشرفنا ، بـتكرارِ الزياره t/ |
نار وقلب
عبدالله البردوني يا ابنة الحسن والجمال iiالمدللْ أنت أحلى من الجمال iiوأجملْ وكأن الحياة فيك iiابتسام وكأن الخلود فيك iiممثل كل حرف من لفظك الحلو iiفردو س ندي وسلسبيل iiمسلسل كلما قلت رف من فمك iiالفج روغنى الربيع بالعطر iiواخضل أنت فجر معطر iiوربيع وأنا البلبل الكئيب iiالمبلبل أنت في كل نابض من iiعروقي وترٌ عاشق ولحنٌ iiمرتل كلما استنطَقَتْ معانيك iiشعري أرعد القلب بالنشيد iiوجلجل وانتزفْتُ اللحون من غور iiأغوا ري كأني أذوب من كل iiمفصل وأغنيك والصبابات حولي زمر تحتسي قصيدي iiوتنهل وأناجي هواك في معرض iiالأو هام في شاطئ الظلام iiالمسربل وفؤادي يحنّ في صدريَ iiالدا مي كما حن في القيود iiالمكبل وهواك الغضوب نار بلا iiنا ر وقلبي هو اللهيب iiالمذلل أنت دنيا الجمال نمنمها iiالسحر فأغرى بها الجمال وأذهل فتنة أي فتنة هز قيثا ري صباها ففاض بالسحر وانهل تسكر الكأس حين تسكرها iiالكأ س وتسقي الرحيق أحلى iiوأفضل وفتون يهز شعري كما iiهزَّ النسيم البليل زهراً iiمبلل وألاقيك في ضميري كما iiلا قى الفم المستهام أشهى iiمقبل في دمي من هواك حمى iiالبراك ين العواتي وألف دنيا تزلزل وبقلبي إليك ألف iiعتاب وحوار وحين ألقاك iiأخجل أنا أهواك للجمال وللإل هام للفن للحوار iiالمعسل والغرامُ الطهورُ أزكى معاني iiال حب أسمى ما في الوجود iiوأنبل فانفحيني تحيّةً iiوتَلَقَّيْ نغماً من جوانح الحب مرسل ---------------------------- مدرسة الحياة عبدالله البردوني ماذا يريد المرء ما iiيشفيه يحسو روا الدنيا ولا iiيرويه ويسير في نور الحياة iiوقلبه ينساب بين ضلاله iiوالتيه والمرء لا تشقيه إلا iiنفسه حاشى الحياة بأنها iiتشقيه ما أجهل الإنسان يضني iiبعضه بعضا ويشكو كل ما iiيضنيه ويظن أن عدوه في iiغيره وعدوه يضحي ويمسي iiفيه غر ويدمي قلبه من iiقلبه ويقول: إن غرامه iiيدميه غر وكم يسعى ليروي قلبه بهنا الحياة وسعيه iiيظميه يرمي به الحزن المرير إلى الهنا حتى يعود هناؤه iiيزريه ولكم يسيء المرء ما قد iiسره قبلا ويضحكه الذي iiيبكيه ما أبلغ الدنيا و أبلغ iiدرسها وأجلّها وأجلّ ما iiتلقيه ومن الحياة مدارس iiوملاعب أي الفنون يريد أن تحويه بعض النفوس من الأنام iiبهائم لبست جلود الناس iiللتمويه كم آدميّ لا يعد من iiالورى إلا بشكل الجسم iiوالتشبيه يصبو فيحتسب الحياة iiصبية وشعوره الطفل الذي iiيصبيه *** قم يا صريع الوهم واسأل بالنهى ما قيمة الإنسان ما iiيعليه واسمع تحدثك الحياة فإنها أستاذة التأديب iiوالتفقيه وانصت فمدرسة الحياة iiبليغة تملي الدروس وجُلّ ما iiتمليه سلها وإن صمتت فصمت iiجلالها أجلى من التصريح iiوالتنويه --------------------------- خير ما في القلوب عبد الله البردوني أقـولُ مـاذا يا ضُحَى يا غُرُوب؟ في القلبِ شَوْقٌ غيرُ ما في iiالقُلُوب في القلب غيرُ البُغْضِ، غيرُ iiالهوى فـكيف أحـكِي يا ضجيجَ iiالدروب ويــا ثـيـاباً مـاشـياتٍ عـلى مَـشَـاجِبٍ تَـفتَرُّ فـيها iiالـنُّدوب ويا رصيفاً يحفرُ الصبرُ في iiلَوْحَيْهِ تـواريـخَ الأســى iiوالـشُّحوب ويـا قُـصُوراً يـرتديها iiالـخَنَى وتـرتدي وجـهَ الـنبيِّ iiالـكذوب ويــا جُـذوعـاً لا يُـنادي iiبـها إلاّ ثُـقُـوبٌ طَـالـباتٍ iiثُـقُـوب يـا بـاعةَ الـتجميلِ هذي iiالحُلَى تَـهْدِي إلـى مـا تحتِها من عُيوب * * ii* أقـولُ مـاذا يـا نَـسِيمَ iiالـصَّبَا أقـولُ مـاذا يـا ريـاحَ iiالجَنوب الـحرفُ يَـحسو قَـيئَهُ فـي iiفَمِي والصمتُ أقسى من حسابِ iiالذُّنوب وهــذه الأحــلامُ تُـغْوِي iiكـما تُـراوغُ الأعـمى عـجوزٌ iiلَعُوب فـعَـلِّمِيني الـحَرْقَ يـا iiكَـهْرُبَا أو عَـلِّمِيني يـا ريـاحَ iiالـهُبوب أو مُـدَّ لـي يـا بَـرْقُ أفقاً iiسوى هـذا وبـحراً غير ذاك iiالغَضُوب أو حـاولي يـا سُـحْبُ أن iiتُطفئي قـلبي عَـسَى عَـنْ قلبِهِ أنْ iiيَتُوب * * ii* مـن أغـسقَ الأيـامَ يـا ريحُ هل تـدري الـثريا أيَّ مَسْرَىً iiتَجُوب كُــلُّ الـمَـدَى أيْــدٍ ذُبـابـيةٌ صـفـائحٌ مَـكْـسُوَّةٌ iiبـالقُطُوب حـوائـطٌ تَـغدو وتَـسري iiكـما تـأتي عـلى ريحِ الجفافِ السُّهوب وقُــبُّـراتٌ حُــوَّمٌ iiتَـجـتبي سـنابلاً يَـحْوِينَ غـيرَ iiالـحُبوب يـا كُـلَّ مِـنْقارٍ تَـنَاسى iiالطَّوى لا تُـزْعجِ القَحْطَ الأَكُولَ iiالشَّروب * * ii* أقـول ماذا علّ قلبَ الثرى iiأظمى إلـى غـيرِ الـسحابِ iiالـسَّكوب هل في الربى يا شمسُ غيرُ iiالربى هـل لـلكُوَى معنىً خَبِيءُ الجيوب والـسفحُ هـل فـيهِ سـواهُ iiوهل في الورد غير اللون غير iiالطيوب والـشمسُ هـل فـي طَيِّها iiغيرُها سـترحلُ الأولـى وأخرى iiتَؤوب يا شمسُ هل يدري الدُّجى والضُّحَى مَـنْ عـلَّمَ الـمنشودَ فَنَّ iiالهروب كـــلٌّ لــهُ مـأسـاتُهُ لا iiأرى فَـرْقَاً ولـكنَّ الـمآسي ضُـرُوب هـل يَـسْمعِ الإسـفلتُ iiأوجـاعَهُ أو هـل يَـرَى سِرَّ الزحامِ الدؤوب وهل يحس المُرْسِدِيس الذي iiيُزْجِي لأَضْـنَى الـلحم أقـوى الـنيوب هــل لـلمواني أمـنياتٌ تَـرَى تـلك الـوجوه الـباديات iiاللغوب هـل تـنطوي الشطآن تسعى iiإلى مـراكبِ الـعانين وقـتَ iiالركوب لـكـلِّ طَــافٍ بَـاطِنٌ iiرَاسِـبٌ سـيرسب الطافي ويطفو iiالرسوب * * ii* يــا كُــلَّ آتٍ مـا أَتَـى مَـرّةً خُـذْني وأرضِـعني جديدَ iiالوثوب وأحـفـرْ طـريقاً مـا رآه iiالـذي عـن كُـلِّ مَـدْعُوٍّ وداعٍ iiيَـنوب فـي الـقلبِ شـيءٌ مـا لهُ iiسابقٌ وفـيهِ أخـفى مـن نوايا iiالغيوب فـيه أمـانٍ غـيرُ كُـلّ ا iiلـمُنَى فـيه شُـعُوبٌ غير هذي iiالشُّعُوب لِـمْ لاَ يـذوب الـقلبُ مـما iiبـهِ كـم ذابَ لـكنْ فـيه ما لا iiيَذُوب رَصَـاصَـةٌ تُـعْـنَى iiبـإسـكاتِهِ مـا أسـكتتْ ما فيه حَتَّى iiالحُروب يَـهْـتَـزُّ لـلـنيرانِ iiتَـجْـتاحه مُــرَدِّداً : كُـلَّ كَـريمٍ iiطَـرُوب |
اعتيادان
عبد الله البردوني حـان لي أن أطيق عنك iiابتعادا والـتـهابي سـيستحيل iiرمـادا وتـجـيئين تـسـألين iiكـلهفى عـن غـيابي، وتدعين iiالسهادا وتـقولين: أيـن أنـت؟ أتنسى؟ وتـعـيدين لـي زمـاناً iiمـبادا أومـا كـنتُ أغـتلي iiوأرجـي قـطـرات، فـتـبذلين اتـقادا؟ تزرعين الوعود في جدب عمري وتـدسين فـي الـبذور iiالجرادا كـان لابـد أن أقـول: iiوداعـاً وبـرغمي لا أسـتطيع ارتـدادا غـيـر أنـي أود أن لا تـظني إنـني خـنت أو أسـأت اعتقادا ربـمـا تـزعمين أن iiابـتعادي عـنك أدنى (رضية) أو ii(سعادا) أو تـقولين: إن جـوع iiاحتراقي عـند أخرى لاقى جنى iiوابترادا أطـمئني... لـدي غير iiالتسلي مـا أعـادي مـن أجله iiوأعادى قـد أنـادي نـداء (قيسٍ) iiولكن كـل (قيس) وكل (لبنى) iiالمنادى لـي نصيبي من التفاهات، iiلكن لـن تريني... أريد منها iiازديادا لـم أكـن (شهريار) لكن iiتمادت عـشرة صورتك لي ii(شهرزادا) كـان حـبي لـك اعتياداً iiوإلفاً وسـأنـساك إلـفـة واعـتيادا مـــــــــارس 1970م حماقةوسلام عبد الله البردوني 11/10/1968 مـاذا تـرى ؟ وهنا يريد ، وطاقة تمتص iiطاقة وإفـاقة كـالسكر 00 أو سـكرا أمر من iiالإفاقة جـيلا يوثق بين مصرعه ، ومحياه 00 iiالعلاقة ويريق آلاف الكؤوس ، أسى على الكأس المراقة تـشتد فـيه قوى الفتى ، وتميع في دمه الرشاقة جـيل الـتحرر والهوى ، عبد التفاهة iiوالأناقة في المساء عبد الله البردوني أمـشـفقٌ حـولـي ولا iiإشـفاق إلا الـمـنى والـكوخ iiوالإخـفاقُ الـبردُ والـكوخُ الـمسجى iiوالهوا حـولي وقـلبي والـجراح iiرفاقُ وهنا الدجى يسطو على كوخي كما يـسطو على المستضعف iiالعملاق فلمن هنا أصغي ؟ وكيف ؟ وما هنا إلا أنـا ، والـصمت ، iiوالإطراق أغـفى الـوجود ونام سُمارُ iiالدجى إلا أنــا والـشـعرُ iiوالأشـواقُ وحدي هنا في الليل ترتجف iiالمنى حـولي ويـرتعش الجوى iiالخفاقُ وهـنا وراء الـكوخ بستان iiذوتْ أغـصـانـه وتـهـاوت الأوراق فـكـأنه نـعشٌ يـموج iiبـصمته حـلم الـقبور ويـعصف iiالإزهاق نـسي الـربيع مـكانه iiوتشاغلت عـنه الـحياة وأجـفل iiالإشـراق عُـريان يـلتحف الـسكينة iiوالدجا وتـئن تـحت جـذوعه iiالأعراق والـليل يـرتجل الـهموم iiفتشتكي فـيه الـجراح وتـصرخ iiالأعماق والـذكريات تـكر فـيه وتـنثني ويـتـيه فـيه الـحب iiوالـعشاق تـتغازل الأشـواق فـيه iiوتـلتقي ويـظم أعـطاف الـغرام عِـناقُ والـناس تـحت الـليل : هذا iiليلهُ وصــلٌ وهـذا لـوعةٌ iiوفـراق والـحب مـثل العيش : هذا iiعيشهُ تـرفٌ وهـذا الـجوع iiوالإمـلاقُ فـي الـناس من أرزاقه الآلاف iiأو أعـلـى وقــومٌ مـالهم iiأرزاقُ بلاد في المنفى عبد الله البردوني لأن بــلادي iiالـحبيبه فـي مـرتباها iiغـريبه لأنـهـا وهـي مـلأى بالخصب... غير خصيبه لأنـهـا وهـي حـبلى بـالري عـطشى iiجديبه جـاعت ومـدت iiيـديها إلـى الأكـف الـمريبه ثـم ارتـمت iiكـعجوز مـن قـبل بـدء الشبيبه تـنسى الـمصير iiويأتي مـصيرها فـي iiحـقيبه لأن دار iiأبــيــهــا لـهـا مـناف iiرهـيبه |
عبد الله البردوني شاعر لا يكف عن السؤال
كتب - هشام اليتيم احتفت مجلة الكويت الثقافية الشهرية في الأول من شهر سبتمبر عام 2002 بالشاعر اليمني عبدالله البردوني‚ وتنوعت موضوعاتها الأخرى ما بين ثقافة وعلوم وفن ولقاءات واستطلاعات‚ وفي المجلة التي تصدر في الكويت بعددها 227 ــ ملف كامل عن شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني‚ يضيء فلكه الشعري‚ شارك في اعداده نخبة من النقاد والشعراء منهم د‚ عز الدين اسماعيل‚ د‚ عبدالعزيز المقالح‚ د‚ سالم عباس‚ شوقي بغدادي‚ د‚ وهب رومية‚ د‚ وليد مشوح‚ د‚فايز الداية ومحمد جمال باروت وآخرون‚ هنا قراءة في شخصية البردوني عبر الملف الذي وضع حوله في مجلة الكويت: البردوني شاعر اليمن وشاعر منتم الى كوكبة من الشعراء الذين مثلت رؤاهم الجمالية حبل خلاص لا لشعوبهم فقط بل لأمتهم أيضا‚ عاش حياته مناضلا ضد الرجعية والدكتاتورية وكافة اشكال القهر ببصيرة الثوري الذي يريد وطنه والعالم كما ينبغي ان يكونا‚ وبدأب المثقف الجذري الذي ربط مصيره الشخصي بمستقبل الوطن‚ فأحب وطنه بطريقته الخاصة‚ رافضا ن يعلمه أحد كيف يحب‚ لم يكن يرى الوجوه فلا يعرف إذا غضب منه الغاضبون‚ لذلك كانوا يتميزون في حضرته غيظا وهو يرشقهم بعباراته الساخرة‚ لسان حاله يقول: كيف لأحد أن يفهم حبا من نوع خاص حب من لم ير لمن لا يرى‚ والبردوني المولود في قرية البردون شرق مدينة ذمار سنة 1928م فقد بصره في الخامسة من عمره‚ هو شاعر حديث سرعان ما تخلص من أصوات الآخرين وصفا صوته عذبا‚ شعره فيه تجديد وتجاوز للتقليد في لغته وبنيته وموضوعاته حتى قيل‚ هناك شعر تقليدي وشعر حديث وهناك شعر البردوني‚ أحب الناس وخص بحبه أهل اليمن‚ وهو صاحب نظرة صوفية في حبهم ومعاشرتهم إذ يحرص على لقائهم بشوشا طاويا ما في قلبه من ألم ومعاناة ويذهب الى عزلته ذاهلا مذعورا قلقا من كل شيء‚ لا يكف عن السؤال حتى سُمي شاعر الاسئلة: وأنا في عزلتي السودا وفي قلبي الدامي قلوب الأمم قلق اليقظة مذعور الكرى ذاهل الفكر شريد الحلم كلما ساءلت نفسي من أنا صمتت عني صموت الصنم وهو إذ يُقحم نفسه في هموم الناس ومعاناتهم ينفرد مع نفسه بهمه العظيم يكاد لا يسمع أنينه أحد‚ لكنه كلما وجد فرصة ليقف مع اليمني الفقير القانع بحياته تقدم دون تردد ودافع عنه: وأنا أكدى الورى عيشا على أنني أبكي لبلوى كل مَكْد حين يشقى الناس أشقى معهم وأنا أشقى كما يشقون وحدي من هذا الحب حيث تناسى الشاعر نفسه وهمومه وحمل هموم الناس دخل البردوني بفكره المستقل الى الساحة السياسية اليمنية‚ وهو المسجون في بداياته بسبب شعره والمُبعد عن منصب مدير إذاعة صنعاء‚ والمجاهر بآرائه عارفا ما ستسبب له من متاعب: يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن جنوبيون في صنعا شماليون في عدن خطى اكتوبر انقلبت حزيرانية الكفن فمن مستعمر غاز إلى مستعمر وطني للبردوني أعمال أدبية متنوعة‚ ديوانه الأول صدر سنة 1961م في القاهرة بعنوان من أرض بلقيس ثم أصدر بعده في طريق الفجر‚ مدينة الغد وزمان بلا نوعية وتقلد الشاعر اوسمة كثيرة كوسام الأدب والفنون في عدن وحصل على جوائز أدبية رفيعة كجائزة مهرجان أبي تمام بالموصل في العراق وجائزة شوقي وحافظ في القاهرة‚ وفي عام 1982 أصدرت الأمم المتحدة عملة فضية عليها صورته كمعاق تجاوز العجز‚ وترك البردوني دراسات كثيرة‚ وأعمالا لم تنشر بعد أهمها السيرة الذاتية‚ البردوني موسيقار عاشق في أشعاره‚ لحن قصيدته العمودية على ايقاعات البحور المشهورة كالبسيط والخفيف والرمل والمتقارب والكامل والطويل والسريع والمتدارك وبعض المجزوءات‚ وأدخل الموسيقى الى شعره عن طريق الحوار‚ والسؤال حيث يتوارى صوت الأنا المفرد ويظهر الصوت والصوت الآخر فيعلو الجرس الدرامي ويخفق الحس الغنائي ويتم التعبير بالحوار والمقابلة عما كان سيقرر ويطرح دونجدال يرفعه هو الى درجة تسمح للقارىء الفضولي بالتجسس على الشعر في حس سريالي مبكر ــ مبتكر ــ يتجنب المباشرة في الخطاب مع المتلقي‚ كما شاع في شعره التكرار المتعلق بصوت القافية او الحروف المتشابهة او اسلوب رد الاعجاز على الصدور فوصل الى موسيقى الكلمة الداخلية قبل السعي الى الموسيقى الظاهرة والخارجية كما في قصيدته الفاتح الأعزل التي يفتتحها بقوله: ساه ‚‚ في مقعده المهمل كسؤال ينسى أن يُسأل ويختتمها بقوله: فيعود يشكل ما ألغى أو يمضي يمحو ما شكل وينطبق على موسيقاه وصف الدكتور سالم عباس خداده على انها نهر متدفق حينا وبحر صاخب حينا آخر‚ حَملا في كلا الحالين سفائن شعره‚ والمرأة حاضرة بقوة ثم غائبة في شعر العاشق الكفيف‚ في مجموعته الأولى من أرض بلقيس بلغ عدد القصائد التي يمكن ارجاعها الى علاقة الشاعر بالمرأة ثلاثين قصيدة من أصل اربع وخمسين قصيدة موزعة على ثمانية دواوين كتبها الشاعر في حياته‚ ثاني قصائد في المجموعة الثانية في طريق الفجر‚ عشر قصائد في مدينة الغد‚ خمس في لعيني أم بلقيس‚ قصيدتان في السفر الى الأيام الخضر‚ قصيدة واحدة في وجوه دخانية في مرايا الليل‚ قصيدتان في ترجمة رملية لأعراس الغبار‚ ولا توجد أي قصيدة غزلية في المجموعة الأخيرة كائنات الشوق الآخر!! في الساعة الحادية عشرة من صباح يوم الاثنين 30 أغسطس‚ وفي آخر سفرات الشاعر الى الأردن للعلاج توقف قلبه عن الخفقان بعد ان خلد اسمه كواحد من شعراء العربية في القرن العشرين‚ سخر البردوني من الحياة‚ فكنت حياته في خطر وحين عرض عليه الرئيس اليمني حراسة الدولة قال له: أنديرا غاندي قتلها حراسها‚ وحين شكته جماعات غاضبة الى القاضي عبدالرحمن الأرياني قال لهم وله: ليس على الأعمى حرج‚ |
الصورة الشعرية عند عبدالله البردوني
تأليف: د. وليد مشوّح, عرض: جاك صبري شماس يتناول الدكتور وليد مشوّح دراسة أكاديمية هادفة لسبر أغوار الشاعر اليمني الكفيف عبدالله البردوني, وان كان الشاعر قد فقد بصره, فإنه كان يتلمّس الواقع من خلال بصيرته النافذة في أعماق الجنس البشري وذلك باعتماده على حواسه المرهفة التي استطاعت ان تتعرّف على الواقع وان تتوغّل في تفصيلاته, حيث اختار المؤلف المنهج النفسي لدراسته النقدية مصرحا بالأعباء التي تثقل كاهل أي دارس أكاديمي, ومتابعا مسيرة التطور الشعري عند البردوني من خلال المشايعين والمناهضين. لقد اعتمد الدارس على بابين, وقد احتوى الباب الأول ثلاثة فصول واحتوى الباب الثاني على ثلاثة فصول ايضا. لم يكن البردوني الأديب الذي أصيب بالعمى وأبدع فقد سبقه كثير من المبدعين العرب كبشار بن برد وطه حسين وأبي العلاء المعري وغيرهم وكانت لهم بصماتهم في مدار الأدب النوعي. كان البردوني يحمل السمات النفسانية حيث كان مشاكساً وثائراً وأحيانا مهادنا ومصوّراً بارعا لبيئته وما يختلج فيها من اصطراعات وعادات وتقاليد. يعتقد العالم النفسي جون استيوارت: (ان العالم الخارجي ليس سوى امكانية دائمة بالإحساس, ويتحول العقل نفسه تحت تأثير قوانين التداعي الى إمكانية دائمة الحس بما تنطوي عليه من مشاعر داخلية, وأفكار وانفعالات واستدلالات). وعندما سئل البردوني عن كيفية احساسه بالجمال قال: (ليس هناك حس بالجمال المفصول عن الدمامة, وإنما هناك معرفة اختلاف الجميل عن نقيضه. اذ لا يتجلّى وجه الجمال إلا الى جانب وجهه النقيض) فالنور في الشعر البردوني هو السيد الحاكم وهو الذي يلون احاسيسه وينمقها ليطل من خلالها على الحياة التي يعكسها بأصباغ روحه وفكره. ومن الصور الجميلة التي لها دلالة بالنور من خلال خياله, مادياً وحسياً, اذ يرى الزهر يحتضن الشعاع كما تحتضن ام طفلها وتقبله: الفجر يصبو في السفوح وفي الربا والروض يرتشف الندى ويغرّد في مهرجان النور لاح على الملا عيد يبلوره السنا ويورّد لقد امتاز البردوني بذاكرة عقلية موضوعها المعاني والأفكار والصور اللفظية حيث تشكلت شخصيته وتوضحت سماته ومعالمه استناداً الى إمكاناته الذهنية, لقد استطاع ان يخلق صلة بينه وبين المحيط الذي يعايشه فكانت ألوانه سماعية وحروفه صوتية: لأني رضيع بيان وصرف أجوع لحرف وأقتات حرف أتسألني كيف اعطيك شعراً وانت تؤمل دوراً وجوف أصوغ قوامك من كل حسن وأكسوك ضوءاً ولوناً وعرف لقد كانت لقصصه الشعرية خصوصية بردونية بحتة يشعرها ويتحسسها قارىء شعره او أي ناقد متخصص في صناعة معيارية دقيقة لتحليل الشعر استناداً الى المنهج النفسي او التاريخي وشاعر مثل البردوني يمتلك ذاكرة خصبة يستطيع ان يقدّم لوحة شعرية يرسمها من خلال مشاعره الجياشة يقول: في هجعة الليل المخيف الشاتي والجو يحلم بالصباح الآتي والريح كالمحموم تهذي والدجى في الأفق أشباح من الإنصات في ذلك الليل المخيف مضى فتى قلق الثياب مروع الخطوات لقد آمن البردوني من خلال مجالسه ومقولاته الصحفية, وفي السوامر والمقابلات التي أجريت مع في صحف ومجلات ودوريات الوطن العربي بضرورة تفرّد الأديب بشخصيته لان التاريخ يأخذ مساره من الاجتماعية الى الفردية, وكان البردوني مؤمناً بارتباطه بواقعه الاجتماعي. ان الهدوء مطلب روحي من مطالب الكفيف, والكفيف هنا شاعر يحب ان يؤثر الصمت أي أكثر من الهدوء ثم يعود الى عملية التأمل والاستغراق, حيث يفلح في تصوير نفسه من خلال معان ترصد شخصيته وسلوكه وتصرفاته بقوله: سهدت فأصابني جميل سهادي فأهرقت في النسيان كأس رقادي وسامرت في جفن السهاد سرائرا لطافا كذكرى من عهود وداد ونادمت وحي الفن أحسو رحيقه وأحسو وقلبي في الجوانح صاد وللبردوني نظرة فلسفية فيما يخص الموت وهو القدر المحتوم على البشرية لقد أصيب بالجدري وهو طفل, وكان يسير هائما في شوارع صنعاء لا يدري متى تدهسه سيارة أو تطأ جسده بهيمة, لذلك تعامل مع مقابلة الموت على طريقة الشاعر الذي يعي الوجود دنيويا وأخرويا: كل غصن له مذاق جديد كالمليحات كل أخرى جديدة كيف لست الذي قصفت صباها وصباه ان المنايا عديدة تسبق القتل او تليه وآنا تمتطي صهوة الحروف المبيدة يا مميتي من ذا يميت المنايا كالقوى تأكل الأشد الشديدة لقد كان البردوني أسير الواقع الحرفي المباشر, وكان يرتدي رداء شفافا من الرومانسية, وكان على رأس هذه المدرسة الرومانسية, حيث جسّد الواقع اليمني الراهن بل يكاد ينطق من خلال هذه التهويمة الرومانسية: متى كفني هنا وتبكي على ما كل شيء لا يستحق اهتماما القضايا التي أهاجتك أقوى من أغانيك من نواح الأيامي خلف هذا الجدار تشدو وتبكي والزوايا تندى أسا وجثاما ان الشاعر رغم فقدان بصره فإنه يستطيع ان يتلاعب بالمفردات وينشىء حواريته الشعرية التي تصل الى مستويات مختلفة, مسرحية او تمثيلية, او مسلسلة مسموعة: من أنت واستبقت جوابي لهب يجن الى التهاب من أنت عزاف الاسى والنار قيثار العذاب وعلى جبينك قصة حيرى كديجور اليباب ان بعض المحسنات البديعة والأساليب البيانية التي أسرف فيها الشاعر وكذلك الجمع بين المتناقضات, قد أكدت حيوية صوره الشعرية وقدرته على إعادة تخصيب تربته الشعرية بعد ان أحدث علاقة مع الألفاظ من خلال رؤيته الشعرية الخاصة, وفلسفته ونظرته للحياة: ليس بيني وبين شيء قرابهْ عالمي غربة زماني غرابهْ ربما جئت قبل او بعد وقتي او أتت عني فترة بالنيابه غيرت وقتها الفصول أضاعت أعين الشمس والنجوم الثقابهْ يقول المؤلف الدكتور الباحث وليد مشوح في خاتمة دراسته الاكاديمية (وقد حاولت ان اقدم جانباً ادبيا واحدا في دراسة البردوني حيث تصديت لمبادلات العاهة مع الإبداع لدى الشاعر, واتخذت المنهج النفسي منارة في بحثي هذا, فان وفقت فالله حسبي وان أخطأت فجلّ من لا يخطىء, ولا حول ولا قوة الا بالله وهو المولى, وهو النصير والحمد لله رب العالمين). ان المؤلف من خلال خاتمته يكبر في عين القارىء العربي لما يتميز به من تواضع, وهذا التواضع هو من سمات الدارسين الموضوعيين والمنطقيين من خلال تعاملهم الجاد مع دراستهم. -------------------------------------------------------------------------------- نقلا عن بيان الثقافة الأحد9 ذو الحجة 1421هـ 4 مارس 2001 -العدد60 / |
وجها لوجه – حوار مع عبدالله البردوني في مجلة العربي عدد504 - نوفمبر2000
(عبدالله البردوني وعلي المقري) لا رواية جيدة في بلد لا يوجد فيه شعر جيد لم أعترف بالعمى في أي لحظة في حياتي ليس بعد الحداثة والأحدث إلا الشيخوخة ثم الموت درست الفقه وكنت وكيلاً للنساء المطلقات البشرية تحتاج إلى الفنون كلها وليس الرواية فقط ربما يمثل هذا الحوار الوصية الأخيرة لشاعر راحل عرف من الحياة بؤسها أكثر مما عرف من مجدها وزهوها. فهذا الأعمى الذي رأى كل شيء حوّل ظلمته إلى عالم أسطوري حافل بالرؤى والنبوءات. لقد عاش عبدالله البردوني في اليمن مهد اللسان العربي وموطن بلاغتها, لذلك فقد كان شعره تعبيراً عن وعي جمعي متراكم من أجيال من الشعراء العرب هاجروا مع قبائلهم من مأرب, واستقروا في صحراء العرب حتى جاءت رسالة البعث الإسلامي فحملوها إلى كل مكان. ويوصف البردوني بأنه آخر الشعراء العرب الكلاسيكيين الكبار, وأبرز المتميزين في كتابة القصيدة العمودية, وله اثنا عشر ديواناً صدر أولها في عام 1961م, وله ثمانية كتب تتناول تاريخ اليمن المعاصر السياسي والثقافي والاجتماعي. وأجرى الحوار في صنعاء الشاعر والصحفي اليمني علي المقري, أحد أصوات جيل الثمانينيات الأدبي في اليمن, صدرت له مجموعتان شعريتان وعدد من الأبحاث. وكان الحوار قد أجري معه قبل وفاته (يوم 30 أغسطس 1999م) بعشرة أيام بحضور الشاعر أمين العباسي. العمى والفقر تثير سنوات طفولتك الأولى الكثير من الاندهاش, إذ كيف لطفل أن يفقد البصر ويواصل مكابدته في كثير من الأعمال ليصل إلى ما هو عليه من المكانة الأدبية, نرجو أن تعود بنا لنتعرف على ذلك الضوء الذي كان يدلك على السير في عتمة المكان ? - العمى أصابني وأنا صغير جداً, في السنة الخامسة أو السادسة من عمري, وكانت بدايته أن عُميت عين نهائياً, وعين بقي فيها شيء يعرف البصيص, فمثلاً إذا صحوت من النوم ورأيت دخول الضوء أعرف أن الصبح قد أطل, وأرى إذا وجد في المكان سراج, وبعد فترة أصابتني ضربة شمس وصداع فانطفأ ذلك البصيص. وما عميت إلا وقد كان عندي دراية بالحركة, أين أصعد إذا كانت أمامي صخرة, وكيف أنزل من الصخرة, فبقيت في ذاكرتي تلك الأماكن التي كنت أروح وأغدو منها وإليها, ولأن الطريق إلى المسجد الذي بجواره المعلامة (الكتاب, ويتم فيها تحفيظ القرآن), كان شاقّاً اندهش الناس في القرية (البردون), فهناك مكان اسمه (صفي الجبهة) فيه البيوت متراصّة من هنا وهناك, كان الناس في الرابعة (عصراً) إلى السادسة يتجمّعون فيه. فمنهم من يطعم ثوره ومنهم من يطعم جمله أو يعلف بقرته. ولأن بعض أطراف الثور أو غيره تكون في الطريق, فقد كانوا يتعجّبون لأنني كنت عندما أمر أدهف الثور وأمشي. وكانت النساء بشكل خاص يقمن بجر الثور أو البقرة إليهن من أجل أن أمشي, وكان خالي حسين علي فقيه ـ وهو شاعرـ يضيق مني, ويقول لي: (احتكم... احتكم) وهذه الكلمة يقولها بعض الكهول للكهل إذا أصيب بالعمى, أما أنا, فكيف (أحتكم ?), أنا كنت غير معترف بالعمى, وألعب حينما يلعبون, وكان الدم لا يجف من بنان قدمي, أكدف هنا وأضرب رأسي هناك, وكانت أمي تربط أصابعي بخيط أحمر (كحرز) يقيني ضربة حرّاء, كما تعتقد, والسبب أن الأحجار الناتئة تقع عليها رأس الأصبع فتدمى, كما أن ضرب رأسي يكون في جدار قام حديثاً أو بني ليلاً وضحى, وما مررت عليه سابقاً. وكان يسرني إذا ما أنزلني أبي إلى (المعلامة) لأنه كان يمر بطريق خلفية سهلة, فينزل من حجر أملس, ويطلع إلى حجر وينزل من ثان, وإذا بنا نشم رائحة الحارة حيث نكون في باب (المعلامة). وقد ظللت أفكر كيف سأعرف هذه الطرق, وهممت مرة بعد مرة. إذن, استقيت معارفك الأولى, بعد العمى, بواسطة (المعلامة) ? - نعم, بواسطة (المعلامة) قرأت ما يسمى بجزء البياض, وهذا الجزء هو قراءة الحروف وكتابتها في لوح على مداد أبيض وقلم (مبري). وبالنسبة لي كنت أحفظ الحروف دون كتابتها, وكنا نقرأ الحروف قراءة إنشادية, فيها شيء من الإطراب, تشبه الإنشاد الذي يصاحب الجنازة من قبل الأطفال, فهؤلاء في اليمن إذا تقدموا الجنازة يحوّلون الإنشاد الجنائزي إلى موسيقى فريدة. وعندما انتقلت إلى المدينة (ذمار) وأنهيت فيها حفظ القرآن تجويداً, انتقلت - أيضاً - من (المعلامة) إلى (المدرسة الشمسية), وهي جامع أسسه أو بناه شمس الدين بن شرف الدين الذي حارب الأتراك في القرن العاشر, وكان مرشّحاً للإمامة, لكنه أصيب بطلقة وحجرة, فكسرت رجله ثم جُبرت, فصارت فيه عاهة العرج مما حرمه من الخلافة التي تشترط في الإمام أن يكون سليم الحواس والأطراف. عندما دخلت هذه المدرسة, شعرت أني بدأت غربة جديدة, فقد كنت في (المعلامة) أعلّم الأطفال المتخلفين في الحفظ وأكرر لهم وأكرر, وزيادة البنات, فأحصل بالمقابل على قطع من الخبز تكفيني يومي, إضافة إلى أن اثنين من الأساتذة قررا لي (بقشتين) في كل يوم. هل هذا يعني أن عائلتك كانت فقيرة لم تستطع أن تعيلك في المدرسة الشمسية ? نعم فقيرة, وكانت في (البردون).. ولم تستطع أن تعيلني, طبعاً, لكنها كانت تعيلني عندما كنت عندهم, ولكن كنت أحسّ أن إعالتي شيء ثقيل, وسمعت كلمات رديئة عندما عميت, قالوا: أعمى لا غرّام ولا رجّام, أي لا يقاتل مع القرية (رجّام) ولا غرّام يعطي نصيبا من النقود إذا كانت عليهم غرامة. وأذكر أنني ظللت في (المدرسة الشعبية) شهراً في جوع قاتل. وخرجت مرة وفوجئت في (معلامة) هناك, فيها واحد اسمه سيدنا أحمد دادة, فدعاني وقال لي: كم ستبقى تقرأ (تتعلم) كل يوم ? فقلت: يا سيدنا ما نفعل ? قال: هيا لتعمل ساعتين أو ثلاث ساعات ? تعلم هؤلاء (الطبول عيال الفراعنة الذماريين), وكان بذيئاً لا يتكلم إلا شتماً. فعهد إليّ بخمس بنات أعلمهن في الصباح. محامي المطلقات على الرغم من أنك نشأت في بيئة ثقافية تقليدية - خاصة في مجالي الشريعة والأدب - قيل إنك في عملك الأول كمحام (وكيل شريعة) في الأربعينيات اتخذت اتجاهاً مغايراً, وهو الدفاع عن النساء المطلقات وقضايا المرأة عامة, كيف استطعت الخروج من صرامة الفقه وقيوده ? - المسائل الفقهية من يفقهها جيداً لا يجدها قيوداً, فيقدر أن يتعامل معها في مجتمع يبني عليها تفكيره وبيئته, وليس في الأمر أي صعوبة. إذن هناك منطلقات فقهية جعلتك تتجه إلى ما يمكن أن نسمّيه مناصرة المرأة أثناء عملك كمحام (وكيل شريعة) ? - في الحقيقة لا أدّعي أن علاقتي بالمرأة كانت تحرّراً أو مناصرة بل لأنه لم يوكلني أحد غيرهن. فقد كنت أبدو بقميص مهلهل, نعم كان هناك رجال يوكلونني, لكن أول مَن وكلني كن نساء, وبالذات المطلقات والوارثات أو مغتصَبات الإرث من الإخوة, ففي هذه الناحية عندما يموت الغني يتعاون الأولاد في الاحتيال على البنات حتى لا يخرج مال أبيهم إلى زوج الأخت أو البنت, كما وُكّلت أيضاً في قضايا الزنا وغيرها. في هذه الفترة تحسنت أحوالي المعيشية باستثناء فترات العطل, كنت فيها أقتنع بالقليل. نعود إلى تجربتك في الكتابة, فمن خلال مقالاتك والاستماع إلى أحاديثك نجد أن فقد البصر لم يؤثر سلبياً في تحصيلك المعرفي, وعلى العكس نجد معارفك متسعة في أكثر الجوانب القديمة والحديثة, كيف استطعت تجاوز إشكالية فقد البصر كونه فقداً لحاسة مهمة في التوصيل المعرفي ? - أنا أقرأ كل ما وجدت ولا أستطيع أن أرتّب على حسب ظهور كل كتاب أو كل رواية, إنما استطعت أن أتابع نجيب محفوظ من رواياته التاريخية الثلاث إلى آخر رواية وهي (ابن فطوطة). وأستطيع أن أقول بأنني تابعت كتب طه حسين بعد خروجها بمدة قصيرة, ولي أصدقاء وصديقات في سوريا ومصر ما حالوا بيني وبين كتاب, حتى أن أحدهم لم يقبل مني أن أعطيه ثمن أو مقابل ما دفع. كم ساعة تقرأ - أو يقرأ لك - في اليوم ? - كنت أقرأ في الخمسينيات ثماني ساعات من التاسعة إلى الواحدة ظهراً, وبعدها من الخامسة إلى الثامنة أو التاسعة. وفي أوقات أقرأ أقل, أما أكثر فلا, وفي أوقات لا أقرأ أي شيء, أستمع إلى الراديو أو استرجع ما قرأت وأرتّب ذهنياً, فعندي - مثلاً - فكرة عن كل كتاب فيه شاهد على ما أقول أو دليل. ألا تقع في أخطاء أثناء ترتيبك ذهنياً للشواهد والأرقام ? - قد أقع في أخطاء في الأسماء وفي أرقام القرون الزمنية, وهذا يحدث لأنني أملي ولا أرى كيف كتب, فأظن أن الإملاء يحرمني رؤية الاسم فأذكره, ولكني لا أرى أن هذه الأخطاء موضوعية وإنما هي هامشية. إذا كنت قد وجدت بعض المخارج القضائية في مجال الفقه التقليدي لبعض القضايا الاجتماعية أثناء عملك وكيل شريعة (محام) فماذا بالنسبة لمجال الشعر, من أين استمددت الشجاعة في نقدك ? - في مجال الشعر كانت هناك دوافع زمنية ودوافع حرمانية ودوافع وطنية, في الحقيقة, أما الشريعة فإنها تأمر بطاعة الله ورسوله وأولي الأمر. بعد رحيل الشاعر محمد مهدي الجواهري, توصف الآن بأنك آخر الشعراء الكلاسيكيين الكبار, أو أنك الشاعر المتميز الوحيد في كتابة القصيدة العمودية, هل هذا يعني أن القصيدة العمودية ستتحول إلى إرث جمالي في المستقبل, خاصة ونحن نلاحظ اجترار شعراء لتجارب سابقيهم ودون أي إضافات جمالية ? - في الحقيقة, الأحكام الأدبية مصابة بأمرين, الأمر الأول: السباق على الأحدث والأجد, والأمر الثاني: مجاراة العلم الذي ينتج كل يوم من الألعاب عشرة أنواع, كلباً وقطّاً, دجاجة وفأراً, وكذا المخبز الآلي الذي ينتج مليون رغيف. الشعر غير ذلك, أنا من عام 1950م إلى الآن واقف على مبدأ أدبي واحد هو أن المهم هو الإجادة: في شكل البيت, في شكل التفاعيل, في شكل العمودي المتطور. لأن الشعر العمودي ظل قائماً ولايزال, لكنه كان قائماً عند مَن أجادوه, مثل محمد مهدي الجواهري في العراق, ومحمد المجذوب في السودان, وعمر أبي ريشة وبدوي الجبل في سوريا. وفي سوريا بالذات, ظل الشعر العمودي هو المسيطر إلى مطلع السبعينيات ولم يلتفت السوريون, حتى المعاصرون جداً, إلى الشعر الجديد. الشعر العمودي كان قوياً جداً, وكان يؤجج مظاهرات, كان الجواهري يخرج مظاهرات تظل ساعات في بغداد, كما حدث يوم رثى أخاه جعفر قائلاً: بأن جراح الضحايا فم أتعلم أم أنت لا تعلم وكان الجواهري جماهيرياً أحسن من أبي ريشة, لأن الجواهري ذا صوت مبحوح غير مشروخ مثل عمر أبي ريشة, والجواهري شيعي وللشيعة فلسفة فيثاغورية والفلسفة الفيثاغورية هي أرومة الوجودية التي بدأت بشكل إيماني عند كيركيجورد وسان بيرز, وحييت بعد ما ظهر سارتر وسيمون دي بوفوار وأصبحت الوجودية من مطلع الأربعينيات إلى الآن أقوى مدرسة أدبية. قصائد رديئة لكن هناك بعض النقاد وبعض الشعراء الحداثيين يقولون إن ازدهار القصيدة العمودية ارتبط بفترة المد الثوري, وإن هذه القصيدة كانت عبارة عن صوت اعلامي مباشر للخطاب السياسي. ويطرح أن الخطاب السياسي صارت له منابره أو قنواته الخاصة المعبّرة عنه, وبالتالي أدى هذا إلى تجدد الأشكال الفنية مع تحوّلات الأزمنة, فيلاحظ عالمياً أن الشعر تراجعت مكانته عند الجمهور الذي صار يتجه نحو الصورة بتقنياتها السينمائية والتلفزيونية إضافة إلى الرواية, وأصبح هذا العصر يوصف بعصر الصورة وعصر الرواية, فكيف تعتقد أنت أن القصيدة العمودية مازالت صامدة رغم التحوّلات ? - القصيدة العمودية الرديئة تبقى رديئة, مثل قصائد أحمد رامي, وبعض قصائد أحمد الصافي النجفي, وبعض أبيات للجواهري, فمثلاً الجواهري يقول: |
Powered by vBulletin Version 3.7.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.